الصفحات

الأربعاء، ١٠ أيلول ٢٠١٤

(تحقيق حول دور إحدى الشركات الفرنسية للتقنيات المتطورة في سورية)

صحيفة اللوموند 10 أيلول 2014  بقلم فرانك جوهانيس Franck Johannès وسيمون بيل Simon Piel

     لاشك أنه من المزعج المثول أمام قاضي قسم مجازر الإبادة بتهمة "التواطؤ بأعمال تعذيب" في سورية، وسيكون ذلك دعاية سلبية بالنسبة لأية شركة فرنسية. قامت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان FIDH ورابطة حقوق الإنسان باتهام شركة كوزموس Qosmos الفرنسية بأنها زودت نظام بشار الأسد بمعدات تجسس إلكترونية عام 2011، وتقدمتا بشكوى أمام القاضي المختص حول "القيام عمداً بمساعدة النظام السوري على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والتعذيب" بتاريخ 25 تموز 2012. بدأت محكمة باريس تحقيقاً قضائياً بعد تحريات معمقة خلال ثمانية عشر شهراً، وتمكنت صحيفة اللوموند من الاطلاع على هذه التحريات. تعامل القاضي دافيد دوباس David De Pas بجدية مع هذه القضية، وبدأ بجلسات الاستماع في شهر تموز. يتصف هذا التحقيق بالصعوبة. تعمل شركة كوزموس مع الاستخبارات الفرنسية، وتحصل على دعم مالي من الدولة.
     تعمل الشركة على تطوير أجهزة استشعار Sonde مدموجة في البرامج المعلوماتية Logiciel بشكل يسمح بـ "التقاط المكالمات الهاتفية، والسيطرة على أجهزة الكمبيوتر، وتحديد الموقع الجغرافي عبر الهواتف الجوالة، وتحليل الأنترنت والصوت، والقيام بهجمات إلكترونية". هذه هي تقنية التفتيش المعمق لجميع المعطيات التي تنتقل عبر الاتصالات Deep Packet Inspection (DPI). تأسست هذه الشركة عام 2000 بواسطة ستة أصدقاء، وأصبحت إحدى أهم الشركات العالمية في هذا المجال الواعد: حققت الشركة نمواً قدره 1000 % عام 2010. وقعت الشركة عقد ـ إطار عام 2009  مع الشركة الألمانية Utimaco، التي تعمل  كمتعهد بالباطن لشركة إيطالية اسمها Area، من أجل تركيب نظام مراقبة في سورية: يطلق على هذا المشروع اسم Asfador. كان من المفترض أن تقوم شركة كوزموس بتقديم 12 جهاز استشعار للبرامج المعلوماتية لشركة Utimaco، وأن يتم دمج أجهزة الاستشعار ضمن معدات المراقبة المصنوعة من قبل شركة Area لصالح شركة الاتصالات السورية.
     لا تتعامل شركة كوزموس إلا مع شركة Utimaco، ولكنها تعرف أنها تعمل لصالح سورية. اعترف المدير العام لشركة كوزموس تيبو بيشتوال Thibaut Bechetoille بتاريخ 18 تموز 2013 بقوله: "عرفنا منذ البداية من هو الزبون النهائي". قام المحققون بتحذير أحد مؤسسي الشركة جيروم توليه Jérôme Tollet بأن شركة الاتصالات السورية يديرها أحد أعضاء عائلة الأسد. أجاب المهندس جيروم توليه بهدوء: "لم نسع إطلاقاً إلى معرفة المزيد". سأل المحققون تيبو بيشتوال فيما إذا كان يدرك خلال شهر تشرين الثاني 2012 بأن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة يتهم النظام السوري بجرائم ضد الإنسانية، فأجابهم بهدوء: "نعم، نحن لسنا ساذجين. كنا ندرك أن مشاركتنا في هذا المشروع يمكن أن تساعد النظام السوري في عمله، ولهذا السبب قررنا وقف هذه المشاركة منذ شهر تشرين الأول 2011، ولم يكن هذا المشروع جاهزاً للعمل في هذا التاريخ".
     ولكن هذا الكلام مختزل جداً. لم تكن أجهزة استشعار كوزموس جاهزة في ذلك الوقت، وبدأت شركة Utimaco بإظهار انزعاجها. كشفت وكالة بلومبيرغ Agence Bloomberg بتاريخ 4 تشرين الثاني، عندما كان عدد ضحايا القمع يبلغ ثلاثة ألاف قتيل، عن أسماء الشركات العاملة في التجسس السوري، ومنها شركة كوزموس، وبدأ عمال الشركة يشعرون بالقلق أيضاً. أكد المكلف بالتوثيق التقني في الشركة جيمس دون James Dunne منذ شهر تشرين الأول 2007 قائلاً: "إن استخدام تكنولوجيا شركة كوزموس لغايات جمع المعلومات عن الأشخاص واعتراضهم تطرح مسائل أخلاقية". ولكن تيبو بيشتوال طمأنه، وأجاب أن شركة كوزموس لديها "سلوك أخلاقي". ولكن وول ستريت جورنال نشرت مقالاً مدوياً في شهر آب 2011 كشفت فيه أن شركة كوزموس عملت لمدة ثمانية عشر شهراً في مشروع Eagle للتجسس على نطاق واسع في ليبيا، الأمر الذي أثار انزعاجاً كبيراً داخل الشركة. وماذا عن سورية التي يتفاقم فيها الوضع دون توقف. أكد تيبو بيشتوال الذي أحس بقدوم المشاكل أنه قرر إيقاف كل شيء بتاريخ 14 تشرين الأول 2011، وأنه أعلم مجلس الإدارة بتاريخ 17 تشرين الأول. كتب جيمس دون في موقع ميديابارت Mekiapart الإلكتروني كل ما كان يفكر به حول انحرافات الشركة، وتم فصله من عمله في شهر كانون الأول 2012.
     إذا كانت أجهزة استشعار شركة كوزموس لم تدخل حيز العمل إطلاقاً، فإن الملف القضائي سينهار. ولكن هناك شكوك. أرسلت شركة كوزموس أحد عمالها المهندس سيباستيان س. Sébastien S إلى سورية بين 8 و14 كانون الثاني 2011 للتأكد فيما إذا كانت أجهزة الاستشعار تتلاءم مع شبكة الأنترنت المحلية. رافق هذا المهندس رجلان سوريان ذو وضع غامض، وتمكن من الحصول على المعلومات الشخصية لمتصفحي الأنترنت بتاريخ 10 كانون الثاني بين الساعة العاشرة وأربع وخمسين دقيقة صباحاً والساعة السادسة وعشرين دقيقة مساءاً، واطمأنت الشركة على برنامجها، وأنها قادرة على عزل المحتويات الرقمية في دمشق.
     أعلن سيباستيان س. أمام المحققين بتاريخ 17 كانون الأول 2013 أن مشروع Asfador لم يتوقف في شهر تشرين الأول 2011، وقال: "بدأ المشروع بالعمل، وتم تحديثه في نسخته 4.15.1  في شهر كانون الأول 2012. لقد بدأ العمل فيه بشكل جزئي منذ بداية صيف 2011". أضافت شركة كوزموس بعض التصليحات حتى تاريخ 7 تشرين الأول 2011، ولكن لم تحصل تحديثات لاحقة. إن سيباستيان س. ليس غاضباً من انقطاع مهمته، وقال: "بالنظر لما يسمح به ما ننتجه، كنا نشك بالهدف من استخدامه. بالنسبة لي، كنت سعيداً بإيقاف هذا المشروع". لا تتوافق أقوال سيباستيان س. مع أقوال مديري الشركة. أكد المدير التقني جيروم توليه قائلاً: "من المستحيل أن يكون الزبون النهائي قد تمكن في هذه اللحظة بتاريخ 10 تشرين الأول 2011 من استخدام هذه التكنولوجيا، وكنا سنلاحظ ذلك. من جهة أخرى، لم يكن جهاز الاستشعار مستقراً، وكان يتعطل بشكل مستمر". كان مدير التطوير باتريك بول Patrick Paul أقل جزماً، وقال: "إذا كانت المعطيات المتوفرة بواسطة أجهزة الاستشعار يمكن استخدامها فردياً، فإن السؤال المطروح هو معرفة فيما إذا كانت المعلومات قد تم استخدامها فعلاً". كما تذكر قائلاً: "عشية عملية التسليم بتاريخ 27 نيسان 2012، انتهيت من تذكرة الطلب المعلوماتي على تجربة الأداء واستقرار عمل أجهزة الاستشعار من طراز ixMACHINE LI بنسخته 4-13-1"، ولكنه اعتبر أن مشروع كوزموس "لم يكن جاهزاً للعمل، لأننا لم نقم بتحديثه، وبدون هذا التحديث سيصبح بالياً بسرعة كبيرة".
     أكد الموظف المسؤول عن تطوير هذا البرنامج بعد عودته من سورية ـ ترك العمل في الشركة في شهر أيلول 2011 ـ أن النظام قد تم تركيبه فعلاً في عام 2011، وقال: "كان البرنامج يعمل، ولكنه لم يكن ناضجاً بما فيه الكفاية. لم يكن جاهزاً للعمل 100 %، وكانت هناك بعض مشاكل الاستقرار، ويمكن أن يتعطل أو أن يشغل حجما كبيراً من ذاكرة المخدم".
     عندما تم تكليف القاضي دافيد دوباس بالملف، استدركت إدارة شركة كوزموس أخطاءها، وقدمت أقوالاً أكثر انسجاماً. ماذا عن العقد مع النظام الدكتاتوري السوري؟ قال المدير التجاري جان فيليب ليون Jean-Philippe Lion: "كنا في شهر تموز 2010، وفي الحقبة نفسها، قام الرئيس ساركوزي بدعوة بشار الأسد لحضور العرض العسكري للعيد الوطني بتاريخ 14 تموز . كان السياق مختلفاً جداً". لاحظ القاضي أن العقد مع شركة Utimaco استمر حتى تاريخ 16 تشرين الثاني 2012.  أجاب المدير بأنه تم إغلاق مشروع Asfador في شهر تشرين الأول 2010، وأن شركة كوزموس استمرت بالاستجابة للطلبات الأخرى من قبل شركة Utimaco، ولكنها "طلبات تتعلق بأجهزة استشعار بسيطة، وتختلف كلياً عن أجهزة الاستشعار المتعددة الخدمات في مشروع Asfador. إن المشروع السوري لم يكن جاهزاً للعمل إطلاقاً". كما أن سيباستيان س. لم يعد يقول فعلاً أن المشروع كان يعمل "جزئياً" منذ شهر حزيران 2011. كانت أجهزة الاستشعار تعمل، ولكن "كان ينقص دمجها بالمعدات الوسيطة القادمة من شركة Utimaco ومركز الرقابة من شركة Area". كان سيباستيان س. "جازماً" عندما قال: "لم تُسلّم شركة كوزموس أية معدات بعد تخليها عن مشروع Asfador. من المستحيل إنهاء المشروع بدوننا". هذا هو ما وصل إليه القاضي، والتحقيق وصل إلى حدود "قضية دولة".
     انتهت هذه القضية بواسطة بروتوكول تصالحي بتاريخ 17 تموز 2013، واضطرت شركة كوزموس لتعويض شركة Area بمبلغ 125.000 يورو "تعويضاً عن الأضرار الناجمة عن عدم انجاز البرامج المعلوماتية". كما ألغت شركة كوزموس العقد ـ إطار مع شركة Utimaco بتاريخ 2 أيار 2012 بعد مهلة قدرها ستة أشهر. تبلغ قيمة صفقة Asfador مبلغ 749.000 يورو بالنسبة لشركة كوزموس، وكانت هذه الصفقة كارثة مالية لها بسبب بقاء مبلغ غير مدفوع قدره 451.845 يورو، بالإضافة إلى تحقيق بتهمة "التواطؤ في أعمال تعذيب". بالمحصلة، يقول محامي شركة كوزموس بينوا شابير Benoît Chabert أن "الوثائق المقدمة تسمح بالتوصل إلى أنه ليس هناك أي دليل ضد شركة كوزموس بأنها ارتكبت مخالفة قانونية من أي نوع كان في إطار نشاطها التجاري".




الثلاثاء، ٩ أيلول ٢٠١٤

(وزير الدفاع الفرنسي: "أنا أحذر من خطورة الوضع في ليبيا")

صحيفة الفيغارو 9 أيلول 2014 ـ مقابلة مع وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان ـ أجرى المقابلة ألان بارليويه Alain Barluet وإيف تريار Yves Thréard

سؤال: استوطنت الفوضى في ليبيا، ألم نتأخر كثيراً؟ ما الذي يمكن القيام به الآن؟
جان إيف لودريان: لنتذكر ما قمنا به بشكل جماعي ونجحنا فيه في مالي: إنها عملية عسكرية واسعة النطاق من أجل تحرير هذا البلد من التهديد الجهادي، وهي أيضاً عملية سياسية ديموقراطية. إن تدهور الوضع الأمني في ليبيا يمكن أن يهدد هذه المكاسب في مالي. أنا أحذر اليوم من خطورة الوضع في ليبيا. أصبح جنوب ليبيا مركزاً تأتي إليه المجموعات الإرهابية للتزود بالأسلحة وتنظيم نفسها. يعبُر القادة الرئيسيون لهذه المجموعات الإرهابية مثل الأمير دروغدال Droughdal ومختار بلمختار عبر جنوب ليبيا بشكل منتظم. كما أصبحت المراكز السياسية والاقتصادية في شمال ليبيا مهددة بالوقوع تحت سيطرة الجهاديين. إن ليبيا هي المدخل إلى أوروبا والصحراء الإفريقية (الساحل)، وهي أيضاً منطقة لجميع أنواع التهريب ابتداءاً بالاتجار بالبشر عن طريق نقلهم عبر البحر المتوسط بواسطة قوارب قديمة، وتمثل هذه التجارة مصدر تمويل هام للمجموعات الإرهابية. يجب علينا التحرك في ليبيا وتعبئة المجتمع الدولي، وسأتطرق إلى هذا الموضوع اليوم 9 أيلول حالما أصل إلى ميلان (إيطاليا) للمشاركة في اجتماع لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي.
سؤال: هل يمكن استخدام القوات العسكرية الفرنسية الموجودة في مالي ضمن عملية Barkhane لكي تدخل إلى جنوب ليبيا وتقضي على عمليات التهريب في هذه المنطقة؟
جان إيف لودريان: إن هذه القوات الفرنسية هي حصن لأوروبا تجاه الحركات الجهادية في الصحراء الإفريقية (الساحل)، ومن الممكن استخدامها لكي تتحرك شمالاً باتجاه الحدود الليبية. يجري كل ذلك بتعاون كامل مع الجزائر التي تمثل طرفاً أساسياً في هذه المنطقة، وهذا الأمر من مصلحة الجزائر أيضاً.
سؤال: هل تخشون من أن تتمكن تشعبات الدولة الإسلامية من الامتداد إلى الصحراء الإفريقية؟
جان إيف لودريان: بالتأكيد. أخشى من وجود ارتباطات بين مختلف الخلافات الإسلامية. نحن نتحرك في جمهورية أفريقيا الوسطى أيضاً من أجل تجنب الفراغ الأمني، لأنه سيؤثر على المنطقة حتماً.


(الفوضى العالمية)

 افتتاحية صحيفة الفيغارو 9 أيلول 2014  بقلم فيليب جيلي Philippe Gélie

     لم يحظ الوضع في ليبيا بالاهتمام الكافي خلال الصيف الماضي على الرغم من أنه ليس أقل دموية من النزاعات في أوكرانيا والعراق وغزة. لقد سيطرت بعض الميليشيات الإسلامية على طرابلس في نهاية شهر آب, وتم إبعاد الحكومة "الشرعية" إلى طبرق الواقعة على مسافة 1200 كم، ولم تعد تحكم أي شيء. كما خرجت الدول الغربية، وأصبح جنوب ليبيا واحة للإرهابيين، وتحول الشريط الساحلي إلى قاعدة للاتجار بالمهاجرين. يحصل كل ذلك على خلفية أعمال الخطف والاغتيال والتعذيب بشكل يُكمل لوحة الدولة المفلسة حتى العظم.
     قال وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان إلى صحيفة الفيغارو: "يجب علينا أن نتحرك" نظرأً لجميع الرهانات المتعلقة بأوروبا. لا يمكن أن تتهرب فرنسا من مسؤولياتها في ليبيا، ليس فقط بسبب دورها الرئيسي في التحالف الذي أسقط معمر القذافي عام 2011، بل أيضاً بسبب تدخلاتها اللاحقة في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، لأن المكتسبات الهشة في هاتين الدولتين مهددة بالمحور الجديد لـ "الخلافات الإسلامية" التي ترتسم ملامحها من باكو حرام في الكاميرون إلى الدولة الإسلامية في العراق.
     ولكن هذا التحدي واسع لدرجة أنه يتجاوز بشكل كبير قدراتنا العسكرية الموجودة في الصحراء الإفريقية (الساحل)، وفرنسا لوحدها في هذا الحصن. تحاول باريس تشكيل تحالف يجمع بين الدول الغربية ـ كم هو عدد المتطوعين؟ ـ وبعض الدول العربية في المنطقة مثل الجزائر والإمارات العربية المتحدة التي قامت طائراتها بقصف الإسلاميين الليبيين قبل أسبوعين.


(ليبيا: باريس تخشى من سيناريو شبيه بما حصل في مالي وتدعو إلى التحرك)

 صحيفة الفيغارو 9 أيلول مقالاً 2014 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     بدأت السلطات الفرنسية منذ بداية شهر أيلول تحركاً واسعاً لتعبئة وجر حلفاءها الأوروبيين وبعض الدول المجاورة إلى تدخل عسكري في ليبيا. وصلت ليبيا إلى حافة الانفجار، وتحول جنوبه إلى معقل للجهاديين الهاربين من مالي، وخرج عن سيطرة الدولة كلياً، وتقول أجهزة الاستخبارات البريطانية أن كميات الأسلحة الموجودة فيه تفوق كميات الأسلحة لدى الجيش البريطاني، وتشمل صواريخ أرض ـ جو.
     لا يمكن أن تتجاهل فرنسا هذه الفوضى الليبية التي ساهمت فيها فرنسا بشكل غير مقصود عبر تدخلها الجوي عام 2011، إلا إذا كانت فرنسا تريد تهديد نجاحاتها العسكرية في مالي والتغاضي عن أخطار الهجمات ضد المصالح الغربية في المنطقة. اعترف مسؤول فرنسي رفيع المستوى قائلاً: "اعتقدنا خطأ أن الانتخابات ستكون كافية لاستقرار الوضع. بما أننا لم نتدخل على الأرض، قمنا بتسليح المجموعات بشكل كبير".
     بدأت بعض الدول المجاورة تقلق من الانهيار المفاجئ للدولة الليبية واحتمال ظهور خلافة إسلامية في ليبيا، قال مصدر في وزارة الدفاع الفرنسية: "تعتبر الدول المجاورة لليبيا أن الخطر الإرهابي أصبح أكبر مما كان عليه أثناء حكم القذافي، وأن فرنسا تتحمل جزءاً من المسؤولية. إن الوضع معقد جداً، ولابد من تحالف دولي من أجل مواجهة الجبهتين الشمالية والجنوبية في ليبيا". على الرغم من ذلك، ما زالت هناك صعوبة في تعبئة الحلفاء الأوروبيين والأمريكيين للمشاركة في مشروع تدخل سياسي وعسكري على نطاق واسع بشكل يسمح بتدمير المعاقل الإرهابية وعودة الدولة والمؤسسات. أعرب مسؤول فرنسي عن أسفه قائلاً: "إنها إحدى المشاكل الأكثر خطورة التي يجب علينا مواجهتها الآن، ولكن الجميع ينظر باتجاه آخر".


الاثنين، ٨ أيلول ٢٠١٤

(تعبئة الخليج ضد الجهاديين)

صحيفة الفيغارو 8 أيلول 2014  بقلم جورج مالبرونو Georges Malbruont

     يبدو أن ممالك الخليج الغنية ولكن الهشة قررت "العمل جدياً" لمواجهة تهديد الدولة الإسلامية. أعلنت السعودية والكويت وقطراً رسمياً عن استعدادهم للتعاون مع الولايات المتحدة والدول الغربية في إطار التحالف الدولي الواسع الذي تم إعداده ضد الدولة الإسلامية خلال القمة الأخيرة للحلف الأطلسي، وذلك بعد تغاضت هذه الدول الثلاث عن بعض الشبكات المالية لمساعدة الإسلاميين في العراق وسورية.
     أصبحت السعودية في طليعة هذه المعركة الجديدة، لأنه هناك حوالي ألف سعودي انضموا إلى الدولة الإسلامية، وأصبحوا على مسافة لا تبعد أكثر من مئة كيلومترا عن الأراضي السعودية. أعلنت السعودية في شهر آذار الحرب على الإسلاميين الراديكاليين في داعش وجبهة النصرة (الجناح السوري لتنظيم القاعدة) والإخوان المسلمين، ووصفتهم بالمنظمات الإرهابية. يعني هذا الإعلان أن الهدف قد تغير. قال أحد الباحثين المتخصصين بالشأن السعودي: "أعطى الملك شيكأ على بياض حتى ذلك الوقت إلى رئيس الاستخبارات الأمير بندر بن سلطان من أجل إسقاط بشار الأسد بجميع الوسائل"، وحتى عن طريق السماح لأئمة الجوامع بدعوة الشباب إلى الذهاب للقتال في سورية، بالإضافة إلى الدعوات الخاصة لتمويل "الكفاح ضد الطاغية" في دمشق. أدى فشل هذه الاستراتيجية إلى إبعاد بندر واستبداله بمسؤول مكافحة الإرهاب الأمير محمد بن نايف المقرب من الأمريكيين. منذ ذلك الوقت، أرسل الملك عبد الله ثلاثين ألف جندي من الحرس الملكي إلى الحدود مع العراق، وانتهى للتو بناء الجدار الفاصل بين الدولتين بعد أن تأخر انجازه فترة طويلة.
     ما الذي يمكن أن يقدمه السعوديون إلى التحالف الذي يسعى باراك أوباما إلى تشكيله؟ إنهم قادرون على ممارسة الضغط على أتباعهم السنة في العراق لكي يدعموا تشكيل حكومة وحدة وطنية في بغداد. تستطيع الرياض عزل قبائل الأنبار السنية القوية عن الدولة الإسلامية بفضل دبلوماسيتها القديمة جداً تجاه القبائل. من المهم جداً بالنسبة للرياض أن تضمن عدم انضمام القبائل التي تعيش بين السعودية والعراق إلى التمرد السني بقيادة الدولة الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع السعودية تعزيز الرقابة بشكل أكبر على الشبكات المالية الخاصة التي تساعد الجهاديين.

     كانت هذه الشبكات المالية تمر في أغلب الأحيان عبر الكويت التي فرضت مؤخراً إجراءات مصرفية حازمة من أجل تعزيز رقابتها أيضاً على الأشخاص الذين يجمعون الأموال لصالح الجهاديين. اعتقلت الكويت بتاريخ 20 آب أحد هؤلاء الاشخاص وهو الشيخ حجاج العجمي في مطار الكويت عند عودته من قطر. تسعى قطر المتهمة غالباً بمساعدة الإسلاميين الراديكاليين أن تتخذ موقفاً مغايراً عن حلفائها المزعجين. كان نوري المالكي يتهم الدوحة بتمويل المظاهرات ضده داخل العراق حتى استولت الدولة الإسلامية على السلطة في المناطق السنية بالعراق. لا شك أن الدوحة بإمكانها القيام هنا أيضاً بما هو أكثر من الرقابة على الشبكات المالية التي تقدم المساعدة إلى الراديكاليين الإسلاميين.

(الوكالة الدولية للطاقة الذرية تنظر بانزعاج إلى العودة الإيرانية القوية)

صحيفة الليبراسيون 8 أيلول 2014  بقلم مراسلها في فيينا بليز غوكلان Blaise Gauquelin

     قالت بعض المصادر الغربية في مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا أن الإيرانيين "أكلوا أسداً"، وذلك لوصف الحالة المعنوية للإيرانيين بشكل يدل على التشاؤم المتزايد داخل هذه المنظمة. لأن إيران تبدو مصممة الآن على مبادلة خدماتها في العراق مقابل تخفيض المطالب الأمريكية المتعلقة ببرنامجها النووي، وذلك على الرغم من العقوبات الاقتصادية التي تخنق الاقتصاد الإيراني. يعتبر النظام الإيراني أن موقفه تعزز عشية استئناف المفاوضات في نيويورك بفضل تقدم الدولة الإسلامية، ويعتقد أنه يملك ورقة جديدة يراهن عليها.
     سيزداد تعقيد المفاوضات الجارية بين مجموعة الست وإيران حتى الموعد النهائي في 24 تشرين الثاني. قال المستشار في مكتب CEIS والمختص بالشأن الإيراني ماتيو أنكيز Mathieu Anquez: "أصبح الإيرانيون يعتبرون أن الأمريكيين لا يستطيعوا الاستغناء عنهم". كما أشار الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية IFRI تييري كوفيل Thierry Coville، الذي عاد مؤخراً من زيارة لإيران استمرت ثلاثة أسابيع، إلى أن الشعب الإيراني يعتبر أن الأعمال الوحشية المرتكبة في الدول المجاورة منحت النظام  نوعاً من الشرعية، وقال أن "إيران أصبحت رمزاً لواحة من الاستقرار في المنطقة". كما يعمل رجال الدين الإيرانيين على إخافة الإيرانيين عبر التأكيد بأن الدولة الإسلامية ترغب بذبح جميع الشيعة، مؤكدين أن الجمهورية الإسلامية تحترم الأقليات الدينية. من الناحية النظرية على الأقل.
     لاحظت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن الإيرانيين غيروا موقفهم فجأة في شهر آب. قام الإيرانيون بمنع الوكالة الدولة الدولية للطاقة الذرية من دخول موقع بارشان Parchin الذي تحوم حوله الشكوك بوجود تجارب لانفجارات نووية تطبيقية، وذلك من أجل امتحان ردة فعل الأمريكيين. قال أحد الموظفين في الوكالة الدولية: "لم يعد الإيرانيون يشاهدون كيف يمكن ممارسة الضغط عليهم بالنظر إلى ما يحصل في العراق وسورية". يحلم الإيرانيون بأن يصبحوا بلدا على عتبة المرحلة النووية مثل اليابان، ولكن باراك أوباما لن يسمح بذلك بالتأكيد.


الجمعة، ٥ أيلول ٢٠١٤

(اتفاق باريس ـ الرياض حول لبنان ما زال قيد العمل)

صحيفة الفيغارو 5 أيلول 2014 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     لم يتم الانتهاء من مشروع المساعدة الفرنسية ـ السعودية إلى الجيش اللبناني بعد مضي ثمانية أشهر على الإعلان عنه. أكد مصدر مقرب من الملف قائلاً: "ما زال ينقص توقيع أو توقعين من الجانب السعودي مثل توقيع وزير المالية السعودي إبراهيم العساف الذي دخل إلى المستشفى للمعالجة". كما أكد ضابط فرنسي على هامش زيارة ولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود التي انتهت يوم الخميس 4 أيلول قائلاً: "نحن مستعدون لتسليم المعدات بعد شهر واحد". وأكد أحد الدبلوماسيين الفرنسيين بقوله: "نحن نسلمهم أسلحة لا يستطيع حزب الله استخدامها".
     اضطرت الإدارة العامة للتسليح وهيئة أركان الجيش الفرنسي أيضاً إلى إدارة التنافس بين الصناعيين الفرنسيين في مجال الأسلحة عبر اختيار بعضهم وإبعاد البعض الآخر. كان لا بد أيضاً من الرد على بعض "التجاوزات" من الجانب اللبناني، قال الضابط الفرنسي المذكور أعلاه: "صدرت اتهامات غير صحيحة من قبل هيئة الأركان اللبنانية بأن فرنسا تتباطئ في العمل. ولكن في الحقيقة، إن اللبنانيين هم الذين يريدون أن يفرضوا علينا بعض الوسطاء الذين نعتبرهم غير مرغوب بهم. نحن فقط الذين نقوم بإدارة ذلك".
     برز أمر أخر يدعو للقلق في منتصف شهر آب عندما منح الملك السعودي عبد الله بشكل عاجل "حق سحب" مليار دولار إلى صديقه سعد الحريري. كان الجيش اللبناني في ذلك الوقت يواجه الجهاديين في  مدينة عرسال. المشكلة هي أنه لا يتمتع أي زعيم لبناني آخر غير سعد الحريري بالسيطرة على استخدام هذا المبلغ الذي سيتم توزيعه على الشكل التالي: ستمائة مليون إلى الجيش، وأربعمائة مليون إلى قوات الأمن الداخلي المقربين من معسكر سعد الحريري. أكد أحد الدبلوماسيين أنه منذ ذلك الوقت "تم تكليف الملحقين العسكريين اللبنانيين في سفارات الدول الغربية بمهمة الاتصال بالشركات الصانعة"، وأعرب المصدر نفسه على خشيته قائلا: "لا يجب أن يقدم الألمان والأمريكيين والبريطانيين اقتراحات أكثر إغراء إلى اللبنانيين". باختصار، تعتبر باريس أن الوقت يمر بسرعة، ويجب إنهاء العقد.