الصفحات

الأربعاء، ١٠ أيلول ٢٠١٤

(تحقيق حول دور إحدى الشركات الفرنسية للتقنيات المتطورة في سورية)

صحيفة اللوموند 10 أيلول 2014  بقلم فرانك جوهانيس Franck Johannès وسيمون بيل Simon Piel

     لاشك أنه من المزعج المثول أمام قاضي قسم مجازر الإبادة بتهمة "التواطؤ بأعمال تعذيب" في سورية، وسيكون ذلك دعاية سلبية بالنسبة لأية شركة فرنسية. قامت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان FIDH ورابطة حقوق الإنسان باتهام شركة كوزموس Qosmos الفرنسية بأنها زودت نظام بشار الأسد بمعدات تجسس إلكترونية عام 2011، وتقدمتا بشكوى أمام القاضي المختص حول "القيام عمداً بمساعدة النظام السوري على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والتعذيب" بتاريخ 25 تموز 2012. بدأت محكمة باريس تحقيقاً قضائياً بعد تحريات معمقة خلال ثمانية عشر شهراً، وتمكنت صحيفة اللوموند من الاطلاع على هذه التحريات. تعامل القاضي دافيد دوباس David De Pas بجدية مع هذه القضية، وبدأ بجلسات الاستماع في شهر تموز. يتصف هذا التحقيق بالصعوبة. تعمل شركة كوزموس مع الاستخبارات الفرنسية، وتحصل على دعم مالي من الدولة.
     تعمل الشركة على تطوير أجهزة استشعار Sonde مدموجة في البرامج المعلوماتية Logiciel بشكل يسمح بـ "التقاط المكالمات الهاتفية، والسيطرة على أجهزة الكمبيوتر، وتحديد الموقع الجغرافي عبر الهواتف الجوالة، وتحليل الأنترنت والصوت، والقيام بهجمات إلكترونية". هذه هي تقنية التفتيش المعمق لجميع المعطيات التي تنتقل عبر الاتصالات Deep Packet Inspection (DPI). تأسست هذه الشركة عام 2000 بواسطة ستة أصدقاء، وأصبحت إحدى أهم الشركات العالمية في هذا المجال الواعد: حققت الشركة نمواً قدره 1000 % عام 2010. وقعت الشركة عقد ـ إطار عام 2009  مع الشركة الألمانية Utimaco، التي تعمل  كمتعهد بالباطن لشركة إيطالية اسمها Area، من أجل تركيب نظام مراقبة في سورية: يطلق على هذا المشروع اسم Asfador. كان من المفترض أن تقوم شركة كوزموس بتقديم 12 جهاز استشعار للبرامج المعلوماتية لشركة Utimaco، وأن يتم دمج أجهزة الاستشعار ضمن معدات المراقبة المصنوعة من قبل شركة Area لصالح شركة الاتصالات السورية.
     لا تتعامل شركة كوزموس إلا مع شركة Utimaco، ولكنها تعرف أنها تعمل لصالح سورية. اعترف المدير العام لشركة كوزموس تيبو بيشتوال Thibaut Bechetoille بتاريخ 18 تموز 2013 بقوله: "عرفنا منذ البداية من هو الزبون النهائي". قام المحققون بتحذير أحد مؤسسي الشركة جيروم توليه Jérôme Tollet بأن شركة الاتصالات السورية يديرها أحد أعضاء عائلة الأسد. أجاب المهندس جيروم توليه بهدوء: "لم نسع إطلاقاً إلى معرفة المزيد". سأل المحققون تيبو بيشتوال فيما إذا كان يدرك خلال شهر تشرين الثاني 2012 بأن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة يتهم النظام السوري بجرائم ضد الإنسانية، فأجابهم بهدوء: "نعم، نحن لسنا ساذجين. كنا ندرك أن مشاركتنا في هذا المشروع يمكن أن تساعد النظام السوري في عمله، ولهذا السبب قررنا وقف هذه المشاركة منذ شهر تشرين الأول 2011، ولم يكن هذا المشروع جاهزاً للعمل في هذا التاريخ".
     ولكن هذا الكلام مختزل جداً. لم تكن أجهزة استشعار كوزموس جاهزة في ذلك الوقت، وبدأت شركة Utimaco بإظهار انزعاجها. كشفت وكالة بلومبيرغ Agence Bloomberg بتاريخ 4 تشرين الثاني، عندما كان عدد ضحايا القمع يبلغ ثلاثة ألاف قتيل، عن أسماء الشركات العاملة في التجسس السوري، ومنها شركة كوزموس، وبدأ عمال الشركة يشعرون بالقلق أيضاً. أكد المكلف بالتوثيق التقني في الشركة جيمس دون James Dunne منذ شهر تشرين الأول 2007 قائلاً: "إن استخدام تكنولوجيا شركة كوزموس لغايات جمع المعلومات عن الأشخاص واعتراضهم تطرح مسائل أخلاقية". ولكن تيبو بيشتوال طمأنه، وأجاب أن شركة كوزموس لديها "سلوك أخلاقي". ولكن وول ستريت جورنال نشرت مقالاً مدوياً في شهر آب 2011 كشفت فيه أن شركة كوزموس عملت لمدة ثمانية عشر شهراً في مشروع Eagle للتجسس على نطاق واسع في ليبيا، الأمر الذي أثار انزعاجاً كبيراً داخل الشركة. وماذا عن سورية التي يتفاقم فيها الوضع دون توقف. أكد تيبو بيشتوال الذي أحس بقدوم المشاكل أنه قرر إيقاف كل شيء بتاريخ 14 تشرين الأول 2011، وأنه أعلم مجلس الإدارة بتاريخ 17 تشرين الأول. كتب جيمس دون في موقع ميديابارت Mekiapart الإلكتروني كل ما كان يفكر به حول انحرافات الشركة، وتم فصله من عمله في شهر كانون الأول 2012.
     إذا كانت أجهزة استشعار شركة كوزموس لم تدخل حيز العمل إطلاقاً، فإن الملف القضائي سينهار. ولكن هناك شكوك. أرسلت شركة كوزموس أحد عمالها المهندس سيباستيان س. Sébastien S إلى سورية بين 8 و14 كانون الثاني 2011 للتأكد فيما إذا كانت أجهزة الاستشعار تتلاءم مع شبكة الأنترنت المحلية. رافق هذا المهندس رجلان سوريان ذو وضع غامض، وتمكن من الحصول على المعلومات الشخصية لمتصفحي الأنترنت بتاريخ 10 كانون الثاني بين الساعة العاشرة وأربع وخمسين دقيقة صباحاً والساعة السادسة وعشرين دقيقة مساءاً، واطمأنت الشركة على برنامجها، وأنها قادرة على عزل المحتويات الرقمية في دمشق.
     أعلن سيباستيان س. أمام المحققين بتاريخ 17 كانون الأول 2013 أن مشروع Asfador لم يتوقف في شهر تشرين الأول 2011، وقال: "بدأ المشروع بالعمل، وتم تحديثه في نسخته 4.15.1  في شهر كانون الأول 2012. لقد بدأ العمل فيه بشكل جزئي منذ بداية صيف 2011". أضافت شركة كوزموس بعض التصليحات حتى تاريخ 7 تشرين الأول 2011، ولكن لم تحصل تحديثات لاحقة. إن سيباستيان س. ليس غاضباً من انقطاع مهمته، وقال: "بالنظر لما يسمح به ما ننتجه، كنا نشك بالهدف من استخدامه. بالنسبة لي، كنت سعيداً بإيقاف هذا المشروع". لا تتوافق أقوال سيباستيان س. مع أقوال مديري الشركة. أكد المدير التقني جيروم توليه قائلاً: "من المستحيل أن يكون الزبون النهائي قد تمكن في هذه اللحظة بتاريخ 10 تشرين الأول 2011 من استخدام هذه التكنولوجيا، وكنا سنلاحظ ذلك. من جهة أخرى، لم يكن جهاز الاستشعار مستقراً، وكان يتعطل بشكل مستمر". كان مدير التطوير باتريك بول Patrick Paul أقل جزماً، وقال: "إذا كانت المعطيات المتوفرة بواسطة أجهزة الاستشعار يمكن استخدامها فردياً، فإن السؤال المطروح هو معرفة فيما إذا كانت المعلومات قد تم استخدامها فعلاً". كما تذكر قائلاً: "عشية عملية التسليم بتاريخ 27 نيسان 2012، انتهيت من تذكرة الطلب المعلوماتي على تجربة الأداء واستقرار عمل أجهزة الاستشعار من طراز ixMACHINE LI بنسخته 4-13-1"، ولكنه اعتبر أن مشروع كوزموس "لم يكن جاهزاً للعمل، لأننا لم نقم بتحديثه، وبدون هذا التحديث سيصبح بالياً بسرعة كبيرة".
     أكد الموظف المسؤول عن تطوير هذا البرنامج بعد عودته من سورية ـ ترك العمل في الشركة في شهر أيلول 2011 ـ أن النظام قد تم تركيبه فعلاً في عام 2011، وقال: "كان البرنامج يعمل، ولكنه لم يكن ناضجاً بما فيه الكفاية. لم يكن جاهزاً للعمل 100 %، وكانت هناك بعض مشاكل الاستقرار، ويمكن أن يتعطل أو أن يشغل حجما كبيراً من ذاكرة المخدم".
     عندما تم تكليف القاضي دافيد دوباس بالملف، استدركت إدارة شركة كوزموس أخطاءها، وقدمت أقوالاً أكثر انسجاماً. ماذا عن العقد مع النظام الدكتاتوري السوري؟ قال المدير التجاري جان فيليب ليون Jean-Philippe Lion: "كنا في شهر تموز 2010، وفي الحقبة نفسها، قام الرئيس ساركوزي بدعوة بشار الأسد لحضور العرض العسكري للعيد الوطني بتاريخ 14 تموز . كان السياق مختلفاً جداً". لاحظ القاضي أن العقد مع شركة Utimaco استمر حتى تاريخ 16 تشرين الثاني 2012.  أجاب المدير بأنه تم إغلاق مشروع Asfador في شهر تشرين الأول 2010، وأن شركة كوزموس استمرت بالاستجابة للطلبات الأخرى من قبل شركة Utimaco، ولكنها "طلبات تتعلق بأجهزة استشعار بسيطة، وتختلف كلياً عن أجهزة الاستشعار المتعددة الخدمات في مشروع Asfador. إن المشروع السوري لم يكن جاهزاً للعمل إطلاقاً". كما أن سيباستيان س. لم يعد يقول فعلاً أن المشروع كان يعمل "جزئياً" منذ شهر حزيران 2011. كانت أجهزة الاستشعار تعمل، ولكن "كان ينقص دمجها بالمعدات الوسيطة القادمة من شركة Utimaco ومركز الرقابة من شركة Area". كان سيباستيان س. "جازماً" عندما قال: "لم تُسلّم شركة كوزموس أية معدات بعد تخليها عن مشروع Asfador. من المستحيل إنهاء المشروع بدوننا". هذا هو ما وصل إليه القاضي، والتحقيق وصل إلى حدود "قضية دولة".
     انتهت هذه القضية بواسطة بروتوكول تصالحي بتاريخ 17 تموز 2013، واضطرت شركة كوزموس لتعويض شركة Area بمبلغ 125.000 يورو "تعويضاً عن الأضرار الناجمة عن عدم انجاز البرامج المعلوماتية". كما ألغت شركة كوزموس العقد ـ إطار مع شركة Utimaco بتاريخ 2 أيار 2012 بعد مهلة قدرها ستة أشهر. تبلغ قيمة صفقة Asfador مبلغ 749.000 يورو بالنسبة لشركة كوزموس، وكانت هذه الصفقة كارثة مالية لها بسبب بقاء مبلغ غير مدفوع قدره 451.845 يورو، بالإضافة إلى تحقيق بتهمة "التواطؤ في أعمال تعذيب". بالمحصلة، يقول محامي شركة كوزموس بينوا شابير Benoît Chabert أن "الوثائق المقدمة تسمح بالتوصل إلى أنه ليس هناك أي دليل ضد شركة كوزموس بأنها ارتكبت مخالفة قانونية من أي نوع كان في إطار نشاطها التجاري".




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق