الصفحات

الثلاثاء، ١٦ أيلول ٢٠١٤

الاستفتاء حول انفصال اسكتلندا عن بريطانيا

صحيفة الفيغارو 8 أيلول 2014 بقلم مراسلها في لندن فلورانتان كولومب Florentin Collomp
صحيفة اللوموند 7 ـ 8 أيلول 2014 بقلم مراسلها في لندن فيليب برنار Philippe Bernard

     يواجه الاسكتلنديون خياراً تاريخياً بعد 307 سنوات من الوحدة مع انكلترا. سيكون الاسكتلنديون قادرين على اتخاذ قرار الانفصال عن بريطانيا أثناء الاستفتاء على الاستقلال يوم الخميس 18 أيلول. سيكون ذلك صدمة سياسية في بقية أنحاء بريطانيا، وتعادل تقريباً الصدمة الناجمة عن تأسيس جمهورية إيرلندة عام 1922. ولكن الوضع الاقتصادي في بريطانيا لن يتزعزع مع فقدان 8 % من سكانها تقريباً وأقل بقليل من إجمالي الناتج المحلي PIB فيها. بالمقابل، إنه يمثل رهاناً جريئاً بالنسبة لبلد صغير مثل اسكتلندا التي يبلغ عدد سكانها 5.3 مليون نسمة. يبدو أن الناخبين يداعبون نشوة الاستقلال بعد أن فضلوا الوضع القائم لفترة طويلة. أظهر أحد استطلاعات الرأي للمرة الأولى يوم الأحد 7 أيلول أن نسبة مؤيدي الانفصال وصلت إلى 51 % من الأصوات. يقوم الحزب القومي الاسكتلندي بزعامة أليكس سالموند Alex Salmond، الذي يحظى بالأغلبية في البرلمان الاسكتلندي منذ عام 2011، بقيادة معركة الاستقلال. كما يقود الحكومة الإقليمية التي تحظى باستقلالية واسعة في مجالات التعليم والصحة والعدالة. لم تتمكن لندن من تجنب الموافقة على مبدا الاستفتاء حول حق تقرير المصير على الرغم من أن الأحزاب البريطانية الثلاثة (المحافظين والعمال والليبراليين ـ الديموقراطيين) يشنون حملة لبقاء اسكتلندا في بريطانيا.
     ما الذي يمكن أن تكسبه اسكتلندا من استقلالها؟ يعتقد "رئيس الوزراء" الاسكتلندي أليكس سالموند أن بلده يجب أن يتحمل مسؤولية مصيره، وأن يُنهي تبعيته تجاه الحكومة البريطانية. يعتقد القوميون الاسكتلنديون أن بلدهم لن ينجح في التأثير ديموقراطياً على مصير بريطانيا، نظراً لأن تصويتهم لا ينعكس على نتائج الانتخابات في مجلس العموم البريطاني. لا يحظى حزب المحافظين الحاكم بالتحالف مع أحزاب الوسط إلا بأقلية ضئيلة جداً في اسكتلندا التي تصوت أغلبيتها لصالح اليسار بالمقارنة مع انكلترا الليبرالية. إنه إرث سنوات مارغريت تاتشر الذي انهارت خلاله مقومات الصناعة في شمال بريطانيا. يريد الحزب القومي الاسكتلندي ضمان مستقبل زاهر للشعب الاسكتلندي، ويُقدم الوعود بأن اسكتلندا المستقلة ستكون "أكثر غنى وعدالة ومساواة"، ويحلم بنظام اجتماعي ـ ديموقراطي وفق النموذج الاسكندنافي مراهناً على الموارد النفطية التي يعتقد بأن لندن نهبتها. يؤكد الحزب القومي الاسكتلندي على أن اسكتلندا ستكون بلداً غنياً في المرتبة الرابعة عشر عالمياً على صعيد حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي، ولكن بعض التقديرات الأخرى تشير إلى أنها ستكون في المرتبة التاسعة عشر عالمياً. يريد الحزب القومي الاسكتلندي الحفاظ على الخدمات العامة مثل مجانية الصحة والتعليم وعقلنة البريد واتخاذ قرار السياسة الاقتصادية بحرية كاملة بفضل السيطرة على السياسة الضريبية. تتلخص وعود الحزب القومي الاسكتلندي بالمزيد من الخدمات والقليل من الضرائب، ولكن بعض الخبراء الاقتصاديين يعتبرون أن هذه الوعود طوباوية. إن الطريق المزهر الذي يصفه أليكس سالموند يصطدم بسلسلة من العقبات.
     هل يمكن أن تبقى اسكتلندا عضواً في الاتحاد الأوروبي؟ تراهن الحكومة الاسكتلندية على استمرارية انتمائها إلى الاتحاد الأوروبي في حال الإعلان عن استقلالها، ولكنه أمل طوباوي إلى حد ما، ويضع القادة البريطانيون والأوروبيون العقبات أمام هذا الأمل. يعتبر القادة البريطانيون والأوروبيون أنه يجب على اسكتلندا إعادة التفاوض على انضمامها من نقطة الصفر كأية دولة جديدة تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والحصول على موافقة جميع دول الاتحاد الأوروبي (28 دولة) ولاسيما بريطانيا. يرفض المسؤولون الاسكتلنديون هذه الحجج مؤكدين أن الحالة الاسكتلندية غير المسبوقة ستغير المعطيات، ويعتبرون أنه من غير الممكن أن تقوم بروكسل بإقصاء أرض كانت جزءاً من الاتحاد الأوروبي سابقاً. أظهر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود جونكر Jean-Claude Juncker انفتاحاً أكبر تجاه الحجج الاسكتلندية بالمقارنة مع سلفه مانويل باروزو. يبقى أن الأوروبيين سيسعون إلى تجنب سابقة مزعجة من شأنها إرباك اسبانيا تجاه القوميين الكاتالان. تترافق هذه المسألة مع مسألة المشاركة الاسكتلندية في اتفاقيات شينغن ـ التي لم تنضم إليها بريطانيا ـ وبقية الاستثناءات المختلفة المتعلقة بالموازنة التي فاوضت عليها بريطانيا منذ عدة سنوات. يتصف الناخبون الاسكتلنديون بأنهم أكثر  انتماء إلى أوروبا من جيرانهم الانكليز، الأمر الذي يضعهم أمام معضلة هامة. إذا اختار الاسكتلنديون الاستقلال، فمن المؤكد عملياً أنهم سيهددون انتماءهم إلى أوروبا؛ في الوقت نفسه، سيكون انتماؤهم إلى أوروبا مهدداً أيضاً في حال بقائهم داخل بريطانيا التي ستنظم استفتاء عام 2017 حول مسألة بقائها داخل الاتحاد الأوروبي.
     ما هي العملة التي ستتبناها اسكتلندا؟ هذا هو الموضوع الأساسي الذي يتركز عليه الجدل. يعتبر أليكس سالموند أن اسكتلندا المستقلة ستستمر باستخدام الجنيه الإسترليني في إطار وحدة نقدية مع بريطانيا. انهالت الانتقادات على هذا الموقف من جميع الاتجاهات سواء من حيث مبدئه أو غياب البديل عنه. ترفض لندن هذا الخيار من حيث المبدأ، خوفاً من تهديد استقرار عملتها بسبب سياسة الموازنة المستقلة التي ستتبعها اسكتلندا لأن بريطانيا ستفقد الرقابة عليها. ردّ أليكس سالموند بأن الجنيه الإسترليني ينتمي للاسكتلنديين والانكليز معاً. من ضمن الحلول الأخرى الممكنة، بإمكان اسكتلندا استخدام الجنيه الإسترليني بحرية بدون وحدة نقدية، كما هو الحال في بنما التي تستخدم الدولار، ولكن ذلك سيؤدي إلى تقييد هامش المناورة الاقتصادية. تم التفكير لفترة من الوقت بإمكانية تبني اليورو من قبل اسكتلندا، ولكن هذا الخيار تراجعت مصداقيته بعد أزمة العملة الأوروبية. قال الباحث الاقتصادي في مصرف شرودرز Schroders آزاد زانغانا Azad Zangana: "إن الحل الوحيد المعقول لاسكتلندا سيكون إصدار عملة جديدة يتحدد سعرها بحرية. سيكون هذا الحل أكثر خطورة من حيث استقرار الاقتصادي الاسكتلندي والصادرات الاسكتلندية، ولكنه سيوفر مرونة أكبر لاسكتلندا في حال مواجهتها للمصاعب". يضاف إلى ذلك كلفة إصدار العملة الجديدة، وتقدر هذه الكلفة بحوالي مليار يورو. يذهب ثلثا الصادرات الاسكتلندية إلى بقية أنحاء بريطانيا. يعتمد القطاع المالي الكبير الموجود في اسكتلندا بشكل كبير على الوحدة النقدية مع لندن. أشار رئيس مصرف HSBC دوغلاس فلينت Douglas Flint (اسكتلندي الجنسية) إلى أنه من الممكن أن "ترحل رؤوس الأموال" في حال إنهاء هذه الوحدة النقدية، و"ستترك  القطاع المالي في حالة هشة".
     ما هي الموارد الاسكتلندية؟ يؤكد أليكس سالموند أنه تم إفقار الاسكتلنديين لأنهم لا يسيطرون على مواردهم الطبيعية، ويَعِدُ بأن كل مواطن سيصبح أكثر غنى بألف جنيه إسترليني (1250 يورو) سنوياً في حال استقلال اسكتلندا. بالمقابل، تعتبر الحكومة البريطانية أن البقاء داخل بريطانيا يوفر 1400 جنيه إسترليني سنوياً لكل مواطن اسكتلندي. يختلف هذان الرقمان حسب تقديرات الطرفين للعوائد النفطية المستقبلية، وحسب المقاربتين المختلفتين للسياق الاقتصادي الكلي. ينوي القوميون الاسكتلنديون الحفاظ على 90 % من مواردهم النفطية في بحر الشمال بعد الانفصال عن لندن. أشار أليكس سالموند إلى أن العوائد الضريبية الناجمة عن الموارد النفطية تبلغ سبعة مليارات جنيه إسترليني سنوياً، ولكن هذا المبلغ ينخفض إلى النصف حسب تقديرات مكتب الموازنة Office for Budget Responsability، وهو مؤسسة إحصائية بريطانية مستقلة. أشار الباحث المتخصص بالشؤون النفطية إيان وود Ian Wood إلى أن القوميين الاسكتلنديين يبالغون بتقدير الاحتياطيات النفطية والعوائد المالية  المنتظرة بنسبة 40 %. أشار مصرف شرودرز إلى أن العجز في الموازنة الاسكتلندية سيصل إلى ما بين 8.3 % و14 % من إجمالي الناتج المحلي PIB في حال استبعاد الموارد النفطية. قال الباحث الاقتصادي آزاد زانغانا: "من المحتمل أن تجد اسكتلندا صعوبة في التحكم بعجز كبير في الموازنة، ومن المفترض أن يزداد هذا العجز بسبب تراجع الاحتياطيات النفطية والغازية في بحر الشمال". النتيجة: ربما ترتفع ديون اسكتلندا بنسبة 100 % من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2033 وبنسبة 200 % بحلول عام 2057. ستواجه الحكومة الاسكتلندية صعوبة في الوفاء بوعودها الاجتماعية السخية في حال عدم زيادة الضرائب بنسبة كبيرة، ولاسيما مع ارتفاع معدل أعمار المواطنين الاسكتلنديين وتراجع انتاجيتهم بالمقارنة مع بقية أنحاء بريطانيا. يعتبر وزير المالية البريطاني السابق أليستير دارلنغ Alistair Darling ـ الناطق الرسمي باسم حملة التأييد للوحدة البريطانية Better Together أن هذه الصدمة المالية ستكون "أسوأ من كلفة الأزمة المالية عامي 2007 ـ 2008".
     ما هي الإستراتيجية العسكرية لاسكتلندا المستقلة؟ إنها معضلة شائكة بالنسبة لبريطانيا، تعهد القوميون بتفكيك الترسانة النووية الموجودة في مضيق كلايد Clayde غرب العاصمة الاسكتلندية غلاسكو في حال التصويت على الاستقلال. يريد الحزب القومي الاسكتلندي تشكيل جيش تقليدي يتألف من خمسة عشرة ألف جندي، ويرغب في الانضمام إلى الحلف الأطلسي، إنه موقف يتعارض مع رفضه للسلاح النووي. أشار معهد الخدمات الملكية المتحدة Royal United Services Institut، وهو مركز دراسات متخصص بالمسائل العسكرية، إلى أنه "بعكس قطاعي الصحة والتعليم، إن تقسيم القدرة العسكرية لبريطانيا في حال قررت اسكتلندا الخروج من بريطانيا سيطرح العديد من المصاعب المتعلقة بتجزئة الإمكانيات الموجودة حالياً وبتشكيل هياكل جديدة مستقلة للجيش الاسكتلندي". سيؤدي الاستقلال إلى إعادة النظر بجزء من عقود الجيش البحري البريطاني على الأقل بسبب الورشات البحرية الاسكتلندية التي يعمل فيها حوالي ثلاثين ألف شخص. يطرح استقلال اسكتلندا العديد من المواضيع المتعلقة بالحدود والسياسة الخارجية والنظام التقاعدي والضرائب... إذا صوّت الاسكتلنديون لصالح الاستقلال يوم الخميس 18 أيلول، فسوف تبدأ عدة أشهر من المفاوضات مع لندن من أجل تفكيك العلاقات.
     ماذا عن السياسة الداخلية البريطانية؟ ستكون خسارة حزب العمال أكبر بكثير من حزب المحافظين في حال التصويت على استقلال اسكتلندا. لا يوجد إلا نائب واحد عن حزب المحافظين في اسكتلندا، بينما يوجد أربعين نائباً عن حزب العمال في اسكتلندا. وبالتالي، سيخسر حزب العمال أربعين مقعداً في مجلس العموم، وستتراجع فرص فوزه في الانتخابات التشريعية القادمة في شهر أيار 2015. إن مثل هذا السيناريو الكارثي يبث الرعب في قلوب قادة حزب العمال البريطاني.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق