الصفحات

السبت، ٢٢ حزيران ٢٠١٣

(بعض الغيوم في السماء الزرقاء بين باريس والدوحة)

صحيفة الفيغارو 22 حزيران 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     لم تعد قطر القاعدة المتحركة للسياسة الفرنسية في الشرق الأوسط، وتراجع عدد زيارات الوزراء الفرنسيين بالمقارنة مع الفترة بين 2007 و2012، كما تراجع عدد زيارات المسؤولين القطريين إلى الإليزيه. قال أحد الدبلوماسيين: "لا يعني ذلك بالضرورة أن فرنسا تتعامل بشكل أقل مع قطر، ولكنها تتعامل بشكل أكبر مع السعودية والإمارات العربية المتحدة". وأشار قصر الإليزيه إلى أن العلاقة بين باريس والدوحة عادت "طبيعية وشفافة". وقال أحد المقربين من فرانسوا هولاند: "بالتأكيد، ما زالت المشاورات مستمرة بقوة حول سورية، وتُرحب باريس بالسياسة القطرية التوافقية في أفغانستان وبعض قضايا الرهائن. ولكن هذه الثقة لا تمنع ظهور بعض الغضب تجاه عدة مواضيع وأهمها: الدعم القطري الذي يقتصر على التيار الإسلامي التابع للإخوان المسلمين في الدول العربية التي ظهرت فيها حركات التمرد. سواء كان الأمر يتعلق بليبيا أو تونس أو مصر أو سورية، تتمنى فرنسا أن تقوم الدوحة بدور أكثر شمولية. لوحظ ذلك مؤخراً أثناء اجتماع المعارضة السورية في استانبول، عندما عرقلت قطر الطلبات الفرنسية والسعودية بتوسيع الإئتلاف إلى تيارات أخرى خارج الإخوان المسلمين. فيما يتعلق بليبيا أيضاً، انزعجت فرنسا من الضغوط التي مارسها الإسلاميون لانتزاع السلطة على الرغم من أن صناديق الاقتراع لم تسمح لهم بذلك. فيما يتعلق بمالي، حصل الإليزيه أخيراً على ضمانات قطرية بإيقاف النشاطات المشبوهة للهلال الأحمر القطري في مستشفى غاو (Gao)".
     أحس المسؤولون العسكريون الفرنسيون بالخيبة عندما قررت الدوحة شراء دبابات ألمانية بدلاً من دبابة لوكليرك الفرنسية على الرغم من وعود رئيس الأركان القطري بحصول الشركات الفرنسية على "حصة الأسد". إنه رهان ضخم: ينوي الجيش القطري القيام باستثمارات قدرها عشرين مليار يورو خلال السنوات القادمة. كما شعرت باريس بالخيبة بسبب رفض الدوحة لتمويل المساعدات غير القاتلة التي طلبتها قطر من فرنسا لصالح المتمردين السوريين. من غير المؤكد أن تمر الأسلحة التي سترسلها فرنسا إلى المتمردين عبر القناة القطرية، ويبدو أن فرنسا تُفضل السعودية، ويدل على ذلك سلسلة الزيارات التي قام بها المسؤولون السعوديون إلى فرنسا.

     على الرغم من نقاط الاختلاف المذكورة، اختار فرانسوا هولاند الواقعية السياسية (realpolitik). وذلك استعداداً لكأس العالم في قطر عام 2022، لأن قطر تنوي القيام باستثمارات مدنية قدرها 120 مليار يورو. لا شك أن العامل السياسي سيلعب دوراً في الحصول على هذه الاستثمارات، وسيحاول فرانسوا هولاند طمأنة شريكه القطري، ولاسيما بعد الانتقادات العديدة التي تعرضت لها قطر في فرنسا خلال الأشهر الأخيرة.

(الشيخ حمد يُسرّع نقل السلطة إلى الأمير تميم)

صحيفة الفيغاور 22 حزيران 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     يقوم الأمير القطري بإعداد ولي العهد تميم (32 عاماً) منذ عدة سنوات من خلال تكليفه بالملفات الإستراتيجية في الرياضة والأمن. ولكن عملية نقل السلطة في الدوحة تسارعت لعدة أسباب شخصية وسياسية، وهناك حديث عن نقل وشيك للسلطة قبل شهر رمضان الذي يبدأ بتاريخ 9 تموز أو حتى في الأسبوع القادم.
     هناك سيناريوهان محتملان: الأول هو رحيل الأمير ورئيس وزرائه حمد بن جاسم في الوقت نفسه. الثاني هو رحيل رئيس الوزراء فقط في المرحلة الأولى، واستبداله بتميم، وأن يبقى الأمير عدة أشهر أخرى في السلطة. هناك أمر مؤكد هو رحيل حمد بن جاسم، إنها ثورة صغيرة في قطر وخارجها، باعتبار أن نفوذه يتجاوز حدود الإمارة. قال أحد رجال الأعمال الفرنسيين الذين يعرفونه منذ ثلاثين عاماً: "إنه يملك جميع الاتصالات الدولية، ويعرف معظم أسرار الصفقات الصناعية بين قطر والخارج". ولكن غطرسته تجاه نظرائه العرب وانعدام ذمته في الصفقات التجارية، جعله عرضة للعداوات داخل العائلة المالكة وفي الخارج. ولكن يجب على الأمير أن يضمن لحمد بن جاسم مخرجاً مشرفاً، ووضعه على سبيل المثال على رأس صندوق الاستثمار القطري في الخارج، وذلك على الرغم من العلاقات السيئة بين حمد بن جاسم من جهة و تميم ووالدته الشيخة موزة من جهة أخرى.

     يبدو أن تسريع نقل السلطة هو بسبب المشاكل الصحية للأمير (63 عاماً) الذي يُعاني من مرض السكر، وانخفض وزنه أربعين كيلوغراماً خلال عام واحد. يُفضل الشيخ حمد التخلي عن السلطة في حياته من أجل إدارة الخلافات التي ستبرز داخل العائلة المالكة. لقد جازفت قطر في ليبيا وسورية منذ سنتين، وربما لعب ذلك دوراً في نقل السلطة. قال أحد أصدقاء العائلة المالكة: "إنهم مدركون بأنه يجب تقليل مستوى النزعة التدخلية في الخارج". إن سياسة قطر الهجومية في ليبيا وسورية، تسببت لها ببعض المتاعب مع أعدائها في سورية وإيران، بالإضافة إلى المتاعب مع أصدقائها الجدد في تونس وليبيا ومصر. أدرك الأمير ولي العهد تميم مخاطر هذه السياسة الهجومية، وربما سيكون من أنصار "تهدئة اللعبة" لكي يتجنب الصدمات عند استلامه للسلطة. إنها مؤشر على الحذر الأولي.

الجمعة، ٢١ حزيران ٢٠١٣

(المتمردون السوريون تحت نيران الأسد)

صحيفة الليبراسيون 21 حزيران 2013

     تعرضت الأحياء الجنوبية والشرقية في دمشق إلى قصف بالمدافع الثقيلة من قبل الجيش النظامي السوري البارحة 20 حزيران. كما تعرضت للقصف أيضاً برزة وجوبر اللتان تضمان بعض الجيوب المتمردة. تتعرض هذه المناطق إلى قصف مستمر منذ عدة أشهر، لأنها تُعتبر القاعدة الخلفية للمجموعات المعارضة لنظام بشار الأسد. استعادت المعارك حدتها بعد عملية التفجير بسيارة مفخخة التي قام بها المتمردون في الأسبوع الماضي، وأدت إلى مقتل11 جندياً بالجيش النظامي.
     أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن بعض عناصر حزب الله انتشروا في السيدة زينب التي تُمثل مدينة مقدسة بالنسبة للشيعة، ويعتبرها رئيس حزب الله حسن نصر الله "خطاً أحمراً". كما أشار المقاتلون المتمردون إلى أن قوات حزب الله تتمركز أيضاً في منطقة حلب التي يُسيطر المتمردون على جزء منها. أجرى الرئيس اللبناني مقابلة مع صحيفة السفير البارحة 20 حزيران، وطلب فيها من مقاتلي حزب الله التوقف عن المشاركة في المعارك، واعتبر أن هذا الانخراط سيخلق المصاعب في لبنان.
     هل يخشى المتمردون السوريون من "كارثة إنسانية" مع اقتراب وقوع معارك جديدة في حلب؟ صرّح الناطق الرسمي باسم الجيش السوري الحر لؤي المقداد إلى وكالة الأنباء الفرنسية AFP أنه يدعو مجموعة أصدقاء سورية المجتمعين في الدوحة إلى فرض منطقة حظر جوي فوق المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة، وقال: "نحن بحاجة إلى صواريخ أرض ـ جو قصيرة المدى وصواريخ مضادة للدبابات ومدافع هاون وذخيرة. نحن نتعهد بأن هذه الأسلحة لن تسقط بأيدي المتطرفين". يبدو أن انتشار هذه الأسلحة ليس خطراً كبيراً، وحتى بالنسبة للإسرائيليين الذين يعتبرون ذلك "إزعاجاً في الجولان بشكل خاص" نقلاً عن بعض المُحللين.


(خطأ باراك أوباما في سورية)

صحيفة الليبراسيون 21 حزيران 2013 بقلم الأستاذ الجامعي للتاريخ المعاصر في الشرق الأوسط جان بيير فيليو Jean-Pierre Filieu

     يعرف المؤرخ أكثر من غيره أن قادة اليوم لم يتعلموا من دروس الماضي. ولكن الغموض يبلغ أحياناً قمة المأساة. يقوم باراك أوباما بتطبيق سياسة مشؤومة في سورية، وأساء فهم حرب العراق والرئيس بوش. إن الهاجس الحالي للرئيس الأمريكي هو عدم تكرار الأخطاء القاتلة لسلفه في العراق عام 2003. بهذا الشكل، يُكرر باراك أوباما الأخطاء التي ارتكبها جورج بوش الأب في العراق عام 1991. لنتذكر أنه تم إخراج قوات صدام حسين من الكويت خلال هجوم بري استمر خمسة أيام، وتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجنرالات الأمريكيين والعراقيين، وأكد هذا الاتفاق أن استخدام الأسلحة الكيميائية سيكون ذريعة لشن الحرب. رفعت أغلبية الأراضي العراقية راية الثورة ضد صدام حسين، وصدّقت رسالة الحرية القادمة من الولايات المتحدة. ولكن كوماندوس الدكتاتور سحقت التمرد بالدم، وقتلت عشرات الآلاف، واستخدمت الأسلحة الكيميائية.
     كانت سياسة بوش الأب تنفي آنذاك استخدام الأسلحة الكيميائية، لأن الاعتراف بذلك سيُجبرها على استئناف الحرب ضد صدام. كان الدكتاتور العراقي يبدو حينها أقل الشرور بالمقارنة مع التمرد الذي يُنظر إليه كدمية تتلاعب بها طهران . ولكن مهما كان رأي المُحللين الإستراتيجيين في واشنطن، وصلت حكومة مؤيدة للإيرانيين إلى السلطة في بغداد بعد عقدين من الحظر والحرب والاحتلال وعمليات التفجير.
     يعتقد باراك أوباما أنه واقعي، ولكنه يُفكّر بشكل أسوأ من جورج بوش الأب. بذلت الإدارة الأمريكية قصارى جهدها لإخفاء البراهين حول استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل مجرمي بشار الأسد. بالتأكيد، كان استخدامها محدوداً في سورية بالمقارنة مع العراق عام 1991. ولكن ديناميكية "الدولة البربرية"، حسب وصف المأسوف عليه ميشيل سورا Michel Seurat لنظام الأسد، ستقود إلى استخدام متزايد أكثر فأكثر لغاز الساران.
     فيما يتعلق بالفزاعة الجهادية، فإن مهمتها في سورية تشبه مهمة الفزاعة "المؤيدة لإيران" في العراق قبل عشرين عاماً. لقد تم اختزال ثورة وطنية وشعبية إلى تدخل خارجي: التدخل الإيراني في العراق سابقاً، وتدخل دول الخليج في سورية حالياً. إن مثل هذا التضليل يُغذّي خطاب النظام الدكتاتوري، ويُمثل أرضاً خصبة للمتطرفين الذين يُفترض مُحاربتهم، ويُبرر رفض تقديم الدعم الفعلي للقوات الثورية. قام بوش الأب بتسليم العراقيين إلى جلادي صدام، وقام ابنه بتسليمهم إلى عملاء إيران. إن تخلّي باراك أوباما عن السوريين إلى جلادي بشار الأسد، يفتح الطريق أمام أسوأ كابوس جهادي.
     أسهبت وسائل الإعلام بالحديث عن "التحوّل" الأمريكي، ولكنه لم يكن إلا مهزلة مؤسفة أخرى. ماذا نقول عن هذا الموظف البسيط في البيت الأبيض (بن رودس، مساعد مستشار الأمن القومي توم دونيلون) الذي أعلن عن الموقف الأمريكي تجاه موضوع بهذه الخطورة بدلاً عن الرئيس الأمريكي؟ بماذا نُفكّر عندما نسمع الإعلان عن تسليم الأسلحة عبر وسائل الإعلام في الوقت الذي يستمر فيه القصف على الأرض بلا هوادة؟ كيف يمكن الوثوق بإدارة ترفض مُقدماً الأسلحة المضادة للطائرات، في الوقت الذي تقوم فيه الطائرات والطائرات المروحية للأسد بإشاعة الرعب في المناطق التي تُسيطر عليها الثورة؟

     تخلّى العالم بأسره عن حمص المتمردة التي اجتاحها الذعر والخوف من الطاغية. اليوم، يقوم عملاء النظام القتلة بتجميع قواتهم لدفن الثورة في حلب. لا يجب أن تسقط حلب عاصمة النساء والرجال الأحرار في سورية. إنه أمر لا يتعلق بضميرنا فقط، بل بأمننا أيضاً. لأن حلب هي الأرض الخصبة لـ "سورية الأسد" التي سيُولد فيها الوحش القذر. إذا استمر باراك أوباما في هذا الخطأ القاتل بالنسبة للسوريين، يجب على فرنسا أن تكبر بنفسها وتتحمل مسؤولياتها كقوة عظمى.

(المعطيات الإستراتيجية الجديدة في الشرق الأوسط)

صحيفة الفيغارو 20 حزيران 2013 بقلم بيير روسلان Pierre Rousselin

     تتوالى الأحداث في سورية وتركيا ومصر وإيران دون أن تكون الدول الغربية قادرة على توجيهها. يجب الاعتياد على السماح لشعوب الشرق الأوسط ببناء مستقبلهم لوحدهم، والاكتفاء بنفوذ محدود جداً على مجريات الأحداث. لا يمكن الحفاظ على المصالح المهددة أكثر فأكثر إلا عبر اختيار الأولويات بحذر شديد.
     في تركيا، أدار رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ظهره بشكل واضح إلى أوروبا من خلال قمع الاحتجاج، مُستخفاً بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان دون أن يتعرض للإدانات، باستثناء إدانة القادة الألمان. في مصر، حصل الرئيس الإسلامي مرسي على الصلاحيات الكاملة من أجل تبني دستور يتلاءم مع مصالحه عبر استفتاء شعبي، كما قام بتعيين أحد أعضاء الجماعات الجهادية حاكماً لمدينة الأقصر، دون أن يُثير ذلك أية إدانة. في إيران، أدت الانتخابات الرئاسية إلى وصول أحد المحافظين الذين لا يتصفون بـ "الإعتدال" إلا في مخيّلة الدول الغربية، وتتمثل مهمة هذا الرئيس بإعطاء صورة مقبولة للجمهورية الإسلامية.
     إن المثال الأكثر وضوحاً حول عجز الدول الغربية في الشرق الأوسط هو الجدل الدائر حول تقديم المساعدة أو عدم تقديمها إلى التمرد في سورية. صحيح أن الرئيس الأمريكي وعد المعارضة بتقديم مساعدة عسكرية بعد لجوء النظام إلى استخدام الأسلحة الكيميائية، ولكنه سيفعل كل ما بوسعه لتجنب الدخول في مغامرة جديدة. لن تنخرط الولايات المتحدة بشكل كامل في سورية أو في أي مكان آخر بالمنطقة لأن مصالحها الحيوية ليست مهددة، ولاسيما بعد الصدمة في العراق وأفغانستان واحتمال تمتعها بالاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة مع اكتشاف غاز الأردواز (Gaz de Schiste) في الولايات المتحدة. قد يدعو ذلك للأسف، ولكن يجب ملاحظة ذلك والأخذ بعين الاعتبار حجم النتائج الكبيرة المترتبة عليه.
     هذا ما لاحظه فلاديمير بوتين، وأكدته قمة الثمانية في إيرلندة الشمالية. يقوم فلاديمير بوتين بدعم بشار الأسد، ويغتنم ذلك لتعزيز تفوقه والحفاظ على الوجود الروسي في البحر المتوسط من أجل الاستفادة من التراجع الأمريكي. فيما يتعلق بالأوروبيين، إنهم أول المعنيين. إن ما يجري في العالم العربي سيُؤثر عليهم أكثر من بقية الدول العظمى البعيدة. شاركت ست دول أوروبية في قمة الثمانية، ولكن يبدو أن جميعها لم تستخلص دورس المعطيات الإستراتيجية الجديدة. إن الوسائل العسكرية لهذه الدول الأوروبية محدودة جداً بدون الولايات المتحدة، ولا تستطيع هذه الدول لوحدها التأثير على مجريات الحرب في سورية، كما أن وسائلها الاقتصادية محدودة أيضاً بشكل لا يسمح لها بتشجيع تطور الربيع العربي نحو عملية انتقالية ناجحة.
     أظهرت الأحداث في ليبيا ومالي أن التدخل العسكري غير ممكن إلا إذا كانت الولايات المتحدة معنيّة بشكل مباشر، وقام الأوروبيون بدور أساسي في هذا التدخل. ينطبق هذا الوضع على سورية، إذا كان الفرنسيون والبريطانيون يملكون القدرة على ذلك. ولكن الأمر مُختلف هذه المرة. كان من المفترض أن يؤدي رفع الحظر عن إرسال الأسلحة إلى المعارضة السورية إلى الضغط على النظام، ولكن هذه المناورة لا يمكن أن تنجح. يرى الجميع أن القيام بإجراء يُشجع على انتصار الإسلاميين الراديكاليين، لا يُمثل بديلاً قابلاً للاستمرار. من الناحية النظرية، إذا كان تقديم المساعدة العسكرية إلى المتمردين ما زال خياراً، فإنه يجب الإشراف بشكل جيد على الجهات التي ستصل إليها الأسلحة المُرسلة. يستوجب ذلك انخراطاً أمريكياً وتنسيقاً دولياً قوياً.
     عرفت فرنسا كيف تُحدد أولوياتها في مالي، وتتبنى إستراتيجية متماسكة. ولكن القيام بذلك أكثر صعوبة في الشرق الأوسط.


(جهاد الأطفال)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 20 حزيران 2013 بقلم جان باتيست نوديه Jean-Baptiste Naudet

     يبدو أن ويلات الحرب في سورية لا تعرف حدوداً، فقد تجاوزت هذه الحرب خطوة جديدة. إن المجموعات الجهادية (التي تختلف وجهات النظر حول أهميتها) تستخدم الأطفال حالياً من أجل دعايتها المضللة. يظهر هؤلاء الأطفال في العديد من أفلام الفيديو، وهم يغنون تمجيداً بهذه المجموعة الإسلامية أو تلك، أو يهتفون بشعارات لتمجيد الجهاد والعنف. امتلأت المواقع الإلكترونية الإسلامية ـ الاجتماعية بصور وأفلام فيديو الأطفال الذين يحملون السلاح. ولكن الأسوأ من ذلك، هو تزايد مشاركتهم الفعالة في المواجهات المسلحة في سورية خلال الأشهر الأخيرة. لقد قُتِل بعض الأطفال ـ المقاتلين. إن أحد هؤلاء الأسود الصغار في جبهة النصرة يُدعى "أبو إسلام": يبلغ عمره ثماني سنوات، ويحمل بندقية أثقل منه وزناً.

     لا شك أن عدد الأطفال ـ المقاتلين ليس كبيراً في الوقت الحالي، ولكن تدريبهم يتزايد ويتسارع. أظهر أحد الأفلام القوات المتمردة وهي تقوم بتدريب بعض الأطفال على استخدام أسلحة نصف آلية. أدى انخراطهم في الحرب إلى تشتت التآويل السورية للإسلام. يعتبر البعض أن القرآن يمنعهم من القتال، ويعتبر البعض الآخر أن "الظروف الاستثنائية" المذكورة في الكتاب المقدس تسمح لهم بالمشاركة في  المعارك التي "سيعرف الله بها أصحابه".

(العراق: في الدوامة السورية)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 20 حزيران 2013 بقلم رونيه باكمان René Backmann

     هل أصبح العراق مهدداُ بعودة الصراع الطائفي الدامي الذي وقع خلال عامي 2006 و2007؟ إنه خطر حقيقي. أدت عمليات التفجير ذات الدوافع السياسية ـ الدينية إلى مقتل 460 شخصاً في شهر نيسان، وأكثر من ألف شخص في شهر أيار الذي كان الأكثر دموية منذ خمس سنوات. اعتبر أحد الممثلين المحليين للأمم المتحدة أن "العراق مُستعد للانفجار".
     تُعزى بقايا الإرهاب الذي استمر بعد عام 2008 إلى الفراغ الدستوري واستبداد رئيس الوزراء نوري المالكي وبعض الصراعات الغامضة بين الميليشيات الطائفية أو إلى إعادة الإعمار الاقتصادية الفوضوية. ولكن عمليات التفجير تزايدت منذ عام، وتُعبّر عن مواجهة تتجاوز الحدود العراقية. إنها تعبير عن العداء المتزايد بين  الطائفتين الشيعية والسنية، ويرتبط هذا العداء بالأزمة السورية وتداعياتها على المنطقة بأسرها.
     بدأت حركة الاحتجاج السلمية في سورية ضد النظام الدكتاتوري السوري بشهر آذار 2011، ثم تحولت إلى تمرد مسلح، ثم إلى حرب أهلية طائفية عندما تدخل جيران دمشق في المعركة، وأصبحت سورية ساحة للنزاع القديم بين المذهبين السني والشيعي. تحكم الأقلية العلوية دمشق منذ أكثر من أربعين عاماً، وتحظى بدعم إيران الشيعية وميليشيا حزب الله الشيعي اللبناني. يواجه العلويون في دمشق تمرداً ذي أغلبية سنية، ويحظى هذا التمرد بالدعم والسلاح من السعودية وقطر السنيتين بمساعدة من الجهاديين السنة، الأجانب أحياناً، سواء كانوا مُرتبطين بتنظيم القاعدة أم غير مرتبطين به.

     تُسيطر الأغلبية الشيعية على السلطة في العراق حالياً. ازداد انخراط العراق بالحرب السورية عبر تواجده لدى المعسكرين. إن المجال الجوي العراقي مفتوح أمام الطائرات الإيرانية التي تنقل الذخيرة إلى الجيش السوري بمساعدة بعض المتطوعين الشيعة العراقيين. كما تقوم ميليشيات المعارضة السنية العراقية بالقتال إلى جانب التمرد السوري. إن حركة انتقال السلاح والمقاتلين والنفط والتوابيت عبر الحدود تُساهم يوماً بعد يوم بانتشار النزاع السوري إلى العراق. هذا النزاع السوري الذي يُقسّم لبنان أيضاً. إن شبح الانفجار الطائفي يُخيم على الشرق الأوسط، ما هي الخطوط الحمر التي يمكنها احتواءه؟