الصفحات

الجمعة، ٢١ حزيران ٢٠١٣

(المعطيات الإستراتيجية الجديدة في الشرق الأوسط)

صحيفة الفيغارو 20 حزيران 2013 بقلم بيير روسلان Pierre Rousselin

     تتوالى الأحداث في سورية وتركيا ومصر وإيران دون أن تكون الدول الغربية قادرة على توجيهها. يجب الاعتياد على السماح لشعوب الشرق الأوسط ببناء مستقبلهم لوحدهم، والاكتفاء بنفوذ محدود جداً على مجريات الأحداث. لا يمكن الحفاظ على المصالح المهددة أكثر فأكثر إلا عبر اختيار الأولويات بحذر شديد.
     في تركيا، أدار رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ظهره بشكل واضح إلى أوروبا من خلال قمع الاحتجاج، مُستخفاً بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان دون أن يتعرض للإدانات، باستثناء إدانة القادة الألمان. في مصر، حصل الرئيس الإسلامي مرسي على الصلاحيات الكاملة من أجل تبني دستور يتلاءم مع مصالحه عبر استفتاء شعبي، كما قام بتعيين أحد أعضاء الجماعات الجهادية حاكماً لمدينة الأقصر، دون أن يُثير ذلك أية إدانة. في إيران، أدت الانتخابات الرئاسية إلى وصول أحد المحافظين الذين لا يتصفون بـ "الإعتدال" إلا في مخيّلة الدول الغربية، وتتمثل مهمة هذا الرئيس بإعطاء صورة مقبولة للجمهورية الإسلامية.
     إن المثال الأكثر وضوحاً حول عجز الدول الغربية في الشرق الأوسط هو الجدل الدائر حول تقديم المساعدة أو عدم تقديمها إلى التمرد في سورية. صحيح أن الرئيس الأمريكي وعد المعارضة بتقديم مساعدة عسكرية بعد لجوء النظام إلى استخدام الأسلحة الكيميائية، ولكنه سيفعل كل ما بوسعه لتجنب الدخول في مغامرة جديدة. لن تنخرط الولايات المتحدة بشكل كامل في سورية أو في أي مكان آخر بالمنطقة لأن مصالحها الحيوية ليست مهددة، ولاسيما بعد الصدمة في العراق وأفغانستان واحتمال تمتعها بالاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة مع اكتشاف غاز الأردواز (Gaz de Schiste) في الولايات المتحدة. قد يدعو ذلك للأسف، ولكن يجب ملاحظة ذلك والأخذ بعين الاعتبار حجم النتائج الكبيرة المترتبة عليه.
     هذا ما لاحظه فلاديمير بوتين، وأكدته قمة الثمانية في إيرلندة الشمالية. يقوم فلاديمير بوتين بدعم بشار الأسد، ويغتنم ذلك لتعزيز تفوقه والحفاظ على الوجود الروسي في البحر المتوسط من أجل الاستفادة من التراجع الأمريكي. فيما يتعلق بالأوروبيين، إنهم أول المعنيين. إن ما يجري في العالم العربي سيُؤثر عليهم أكثر من بقية الدول العظمى البعيدة. شاركت ست دول أوروبية في قمة الثمانية، ولكن يبدو أن جميعها لم تستخلص دورس المعطيات الإستراتيجية الجديدة. إن الوسائل العسكرية لهذه الدول الأوروبية محدودة جداً بدون الولايات المتحدة، ولا تستطيع هذه الدول لوحدها التأثير على مجريات الحرب في سورية، كما أن وسائلها الاقتصادية محدودة أيضاً بشكل لا يسمح لها بتشجيع تطور الربيع العربي نحو عملية انتقالية ناجحة.
     أظهرت الأحداث في ليبيا ومالي أن التدخل العسكري غير ممكن إلا إذا كانت الولايات المتحدة معنيّة بشكل مباشر، وقام الأوروبيون بدور أساسي في هذا التدخل. ينطبق هذا الوضع على سورية، إذا كان الفرنسيون والبريطانيون يملكون القدرة على ذلك. ولكن الأمر مُختلف هذه المرة. كان من المفترض أن يؤدي رفع الحظر عن إرسال الأسلحة إلى المعارضة السورية إلى الضغط على النظام، ولكن هذه المناورة لا يمكن أن تنجح. يرى الجميع أن القيام بإجراء يُشجع على انتصار الإسلاميين الراديكاليين، لا يُمثل بديلاً قابلاً للاستمرار. من الناحية النظرية، إذا كان تقديم المساعدة العسكرية إلى المتمردين ما زال خياراً، فإنه يجب الإشراف بشكل جيد على الجهات التي ستصل إليها الأسلحة المُرسلة. يستوجب ذلك انخراطاً أمريكياً وتنسيقاً دولياً قوياً.
     عرفت فرنسا كيف تُحدد أولوياتها في مالي، وتتبنى إستراتيجية متماسكة. ولكن القيام بذلك أكثر صعوبة في الشرق الأوسط.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق