الصفحات

الخميس، ٦ حزيران ٢٠١٣

(فرنسا تؤكد حالتين لاستخدام غاز الساران في سورية)

صحيفة اللوموند 6 حزيران 2013 بقلم جان فيليب ريمي Jean-Philippe Rémy

     حصلت صحيفة اللوموند على العيّنات بشكل رئيسي من منطقة جوبر التي وصلنا إليها بتاريخ 2 نيسان. وبعد عدة أيام، وقعت الهجمات الأولى بغاز مجهول، ثم تعددت هذه الهجمات خلال فترة أسبوع تقريباً. تتواجد مواقع الجيش السوري الحر في جوبر بالقرب من مواقع الجيش السوري، وأحياناً لا يفصل بينهما إلا مئات الأمتار. من غير الممكن أن يقوم المتمردون بتسميم أنفسهم بالغاز الذي كانت نتائجه مُرعبة بالنسبة المقاتلين. تمت معالجة هؤلاء المقاتلين في المستشفيات الميدانية الأكثر قرباً في منطقة الغوطة.
     إن المكان الأول الذي حصلنا فيه على العينات هو مدينة زملكا المُلاصقة لجوبر. يقع المستشفى في مرآب أحد أقبية الأبنية الحديثة بمنطقة تتعرض بشكل منتظم لقصف المدفعية الحكومية التي تستهدف المراكز الصحية. كان المستشفى مُجهزاً بمولد كهربائي لا يعمل إلا عدة ساعات في اليوم، وبالتالي من المستحيل تشغيل البرّاد بشكل دائم، الأمر الذي سيؤثر على نوعية عيّنات الدم المأخوذة. إن مستشفى زملكا مُخصص لمقاتلي كتيبة تحرير الشام بقيادة فراس بيطار. كان هذا المستشفى في منتصف شهر نيسان يستقبل بشكل شبه يومي الحالات نفسها لرجال تعرّضوا لـ "الغاز" كما كان يُطلق عليه آنذاك. استلمنا في هذا المستشفى المجموعة الأولى من العيّنات، وهي عبارة عن علبة صغيرة تتضمن حقن مليئة بعيّنات دم الرجال الذين تعرضوا للغازات على جبهة جوبر.
     في الأيام التالية، قام مصور اللوموند لوران فان دير ستوكت Laurent Van der Stockt بتصوير إحدى الهجمات المشابهة والمستمرة، وعانى أيضاً من الأعراض نفسها خلال عدة أيام. قام "الدكتور حسن" الذي يعمل بشكل منهجي مع المتمردين بجمع عيّنات الدم من الأشخاص المُصابين في مستشفاه بكفر بطنا. قام بتخزين الحقن المليئة بهذا الدم في علبة بلاستيكية صغيرة. كما قام بأخذ عيّنات بولية، وقصّ شعر رؤوس بعض الضحايا وخزّنها في مُغلفات صغيرة. كما قام بجمع الملابس التي كان يلبسها المرضى، لأن المكونات الكيميائية للغازات السامة تلتصق على النسيج، ولاسيما إذا كانت وسخة أو رطبة. تتضمن هذه المجموعة من العيّنات خمس عشرة حقنة مع الإبر التي كانت بمثابة "السدادة"، بالإضافة إلى خمسة حقن بدون إبر، وقد تخثر الدم فيها لدرجة بقائه في المكبس بدون سيلان. لم يتم تبريد هذه العيّنات كما كان مرغوباً بسبب الصعوبات في الخروج من منطقة الغوطة التي يُسيطر عليها الجيش السوري الحر. بالإضافة إلى هذه الحقن، هناك عشر زجاجات من البول وعشرة مُغلفات من الشعر بشكل يتطابق مع العيّنات المأخوذة من عدة أشخاص.
     أكد لنا الدكتور حسن أنه طلب من جميع المراكز الطبية في المنطقة إجراء إحصائيات حول الهجمات وجمع العيّنات. ولكن صعوبة الظروف في هذه المنطقة المحاصرة التي تتعرض للقصف بشكل مستمر من قبل الجيش السوري، لم تسمح بجمع هذه العينات بالعناية المطلوبة. ثم أعطى الدكتور حسن هذه العينات إلى مجموعة من المقاتلين التي عبرت الخطوط الحكومية الأولى أثناء ليلة من المشي السريع، وكنّا قد مشيناها قبل يومين. ثم لحقنا بهم إلى مدينة الضمير، واستلمنا العيّنات فيها مع تقرير من الدكتور وتوضيحات حول أماكن الهجمات الكيميائية وأسماء المقاتلين.
     عندما عرف بعض مقاتلي الجيش السوري الحر أننا نسعى إلى مغادرة البلد، وننوي تسليم هذه العينات إلى مخبر مؤهل. قاموا بإعطائنا مجموعات أخرى مُشابهة من العينات: ثلاث عيّنات من الدم محفوظة في قوارير صغيرة مخصصة لهذا الغرض، وقميص لأحد المقاتلين في كيس بلاستيكي، وتتطابق مع العينة نفسها. بالإضافة إلى مجموعة من الألبسة في كيس كبير. نحن نعرف أن العينات الأخيرة التي استلمناها كان مصدرها جوبر أو المراكز الصحية المجاورة للغوطة، ولكننا لم نتمكن من تحديد المكان الذي جاءت منه كل مجموعة من العيّنات بسبب العجلة: فقد حصلنا عليها في مساء أحد الأيام قبل أن يُغادر المقاتلون مدينة الضمير المحاصرة سيراً على الأقدام باتجاه الجبال من أجل القيام بأعمال حربية.
     مضى حوالي أربعة إلى خمسة أسابيع بين أخذ العيّنات ووصولها إلى فرنسا. هذا هو الوقت الذي احتجنا له لمغادرة محيط دمشق، لأن الجيش السوري يُحاصر منطقة الغوطة بشكل فعال. حافظنا على هذه العيّنات بعناية خلال عدة أسابيع، وكنّا على وشك إضاعتها أثناء إحدى محاولاتنا للخروج من منطقة دمشق. تعرضت سيارتنا في إحدى الليالي إلى نيران الجيش السوري عند مخرج الضمير المحاصرة من القوات النظامية، واصطدمت بشاحنة أخرى مُحمّلة بالرجال والنساء والأطفال عندما كانت تحاول الهرب من المدينة أثناء الظلام. قذفتنا الصدمة خارج سيارة البيك آب، واضطررنا إلى البحث في الظلام للعثور على كيس العيّنات.
     أعلمنا الطرف الرسمي الذي نتحاور معه  في فرنسا بشأن تحليل العيّنات أن الدم بقي في الحقن أربعة أسابيع بدون تبريد. سيكون من الصعب استخراج المادة التي سيجري تحليلها. بالمقابل، من السهل استخراج هذه المادة من قوارير البول التي اعتمدت عليها النتائج المُعلنة. برهنت تحاليل المخبر الفرنسي بشكل رسمي على استخدام غاز الساران في سورية، وأنه تم استخدامه أثناء الهجوم على جوبر بين يومي 12 و14 نيسان، والهجوم على سراقب في شمال سورية بتاريخ 29 نيسان. فيما يتعلق بالهجوم على سراقب، أكدت الأجهزة الفرنسية أنها تستطيع المصادقة على سلسلة النقل التي حصلت عن طريقها على عيّنات الدم والبول القادمة من الضحايا المباشرين للهجوم الذي قامت به طائرة مروحية وألقت فيه من ارتفاع عالي بعض القذائف البيضاء بحجم علب المعلبات، ويتصاعد منها دخان أبيض. لقد تم التعرّف على هذه القذائف في حي الشيخ مقصود الذي تعرّض للهجوم بتاريخ 13 نيسان.
     تم العثور على بقايا غاز الساران في العيّنات البولية (من جوبر وسراقب) وعيّنات الدم (من سراقب). تتعلق نتائج هذه العيّنات بستة أشخاص مختلفين، ثلاثة في جوبر وثلاثة في سراقب، ومات منهم شخص واحد. إذاً، ليس هناك إمكانية للخطأ. إن العثور على مادة الميتابوليت (Métabolite) في عيّنات البول بالإضافة إلى غاز الساران، يمكن أن تكون ناجمة عن إضافات كيميائية، ولكن ليس في عيّنات الدم التي عُثِر فيها على الساران النقي. أشار الباحث في مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية (FRS) في باريس أوليفييه لوبيك Olivier Lepick إلى أن نتائج تحليل المخبر الفرنسي لا تقول شيئاً عن وجود بقية العناصر مثل المواد المسيلة للدموع أو الخانقة. أشارت التقارير الطبية إلى أن ضحايا الهجوم على سراقب عانوا من "فقدان الوعي والإقياء وتقلّص بؤبؤ العين والتشنج وسيلان اللعاب". إن بعض الميليغرامات من الساران، الذي لا لون له ولا رائحة، كافية للقتل عن طريق التنفس أو عن طريق الجلد، ويبدو أنه تم خلطها مع بعض العناصر السامة الأخرى. ولكن أوليفييه لوبيك أكد أن التحاليل كشفت أن تركيز الساران كان عالياً في بعض الأحيان: لدرجة 1140 نانوغرام/ ميليليتر في عيّنات البول من جوبر، و9.5 نانوغرام/ ميليليتر في عيّنات الدم من سراقب.

     تُشير إحدى الفرضيات إلى أن الطرف المُشتبه باستخدامه لغاز الساران نجح في عزل كميات ضئيلة جداً منه ومزجها مع غازات أخرى غير قاتلة، لكي يستخدمها بشكل دقيق لإرهاب المتمردين واختبار ردة فعل المجتمع الدولي. لا يمكن أن يكون هذا الطرف إلا الجيش الحكومي. في حالة سراقب، إن قيام طائرات مروحية بإلقاء القنابل يُشير إلى مصدرها لأن التمرد لا يملك طائرات. في حالة جوبر، من الصعب تحديد مصدر إطلاق القنابل بشكل أكيد، ولكن العيّنات التي حملها مراسلا صحيفة اللوموند تم جمعها من جانب المتمردين. كما أن تصغير قوة الغاز الحربي يحتاج إلى وسائل لا تملكها إلا الدول، بالإضافة إلى خطورة هذه العملية. أكد أوليفييه لوبيك قائلاً: "تمتلك سورية الخبرة والمعرفة المتعلقتان بكامل سلسلة انتاج واستخدام الغاز الحربي منذ بداية سنوات الثمانينيات. كما أن مصر وألمانيا وإيران والاتحاد  السوفييتي السابق شاركوا في بناء هذه الترسانة بشكل مباشر أو غير مباشر". ثم أضاف أوليفييه لوبيك: "لم تُصادق سورية على اتفاقية منع الأسلحة الكيميائية عام 1993، ولكنها صادقت عام 1968 على بروتوكول جنيف الذي يمنع استخدام الأسلحة الكيميائية في نزاع مسلح ـ ولكنه لا يمنع امتلاكها أو انتاجها ـ . لقد خالفت سورية إلتزاماتها الدولية والقانون الدولي عبر استخدام غاز الساران".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق