الصفحات

الاثنين، ١٠ حزيران ٢٠١٣

(سورية: ما هي خيارات تدخل غربي مُسلّح؟)

صحيفة الفيغارو 10 حزيران 2013 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     هل يجب تسليح المتمردين؟ قرر الاتحاد الأوروبي بعد تردد طويل بنهاية شهر أيار رفع الحظر عن إرسال الأسلحة إلى المعارضة التي تطالب بالحصول على صواريخ مضادة للدبابات وللطائرات. تعتبر فرنسا وبريطانيا اللتان مارستا الضغوط على شركائهما الأوروبيين أن الغاية من رفع الحظر هي إعادة التوازن العسكري بين الطرفين المتحاربين من أجل السماح للمتمردين بتحقيق التقدم على الأرض. ولكن قرار الاتحاد الأوروبي الذي ستُعاد دراسته في نهاية شهر آب، ليس إلا تدبيراً مؤقتاً، ولن يتم تطبيقه إلا "بشروط صارمة جداً"، وبعد الحصول على الضمانات حول الجهة التي ستصل إليها الأسلحة. يتذكر الأمريكيون فشلهم في أفغانستان عندما اضطروا إلى مواجهة حلفائهم الإسلاميين السابقين في حركة الطالبان اعتباراً من عام 2001، بعد قيامهم بتسليح المجاهدين ضد القوات السوفييتية خلال سنوات الثمانينيات. إن المعارضة السورية ليست فقط منقسمة، بل تشمل أيضاً تيارات إسلامية راديكالية أكثر فأكثر قوة. ومن الصعب جداً معرفة الجهة التي ستحصل على الأسلحة الغربية.
     هل يمكن إقامة "منطقة حظر جوي"؟ إن فكرة إقامة "منطقة حظر جوي" فوق سورية ـ أو فوق جزء من أراضيها ـ هو أحد السيناريوهات التي درسها القادة العسكريون. سيتم تأمين منطقة الحظر الجوي عن طريق صواريخ باتريوت التابعة للولايات المتحدة والحلف الأطلسي، الموجودة في تركيا. تنوي الولايات المتحدة أيضاً الإبقاء لفترة غير محددة على بطاريات صواريخ باتريوت وطائرات F16 التي سيتم نشرها في الأردن بنهاية شهر حزيران للمشاركة في تدريب عسكري. يحتاج فرض منطقة حظر جوي إلى قرار من جميع أعضاء الحلف الأطلسي، ولكن الإجماع غير مضمون بين أعضاء الحلف. بالإضافة إلى ذلك، هناك صعوبة أخرى تتمثل بإعلان روسيا عن تسليم صواريخ S300 إلى النظام السوري. إذا تم تسليم هذه الصواريخ، فسيمنع الطائرات الغربية من التحليق فوق سورية على المدى المتوسط.
     هل الضربات الجوية الجراحية فعّالة؟ من الممكن أن يقوم المجتمع الدولي بضربات عقابية تهدف إلى منع النظام السوري من استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى. يمكن القيام بهذه الغارات من خارج سورية عن طريق استخدام الصواريخ البعيدة المدى التي يتم إطلاقها عبر الطائرات أو السفن الحربية أو الغواصات الموجودة في البحر المتوسط. يمكن أيضاً القيام بالغارات عبر الطائرات المقاتلة داخل المجال الجوي السوري بعد القضاء على نظام الدفاع الجوي. كما يمكن استخدام الطائرات الحربية بدون طيار.  يتضمن خيار القيام بالغارات بعض الأخطار، ويمكن أن يؤدي إلى وقوع بعض الأضرار الجانبية على الأرض. يعتقد بعض الخبراء أن هذا الحل كان يمكن أن يكون فعالاً لو تم تنفيذه في بداية الأزمة. ولكن راديكالية الطرفين ازدادت بعد سنتين من الحرب، وأصبحت أخطار اتساع النزاع إقليمياً حقيقية. كما استعادت القوات السورية منذ بعض الوقت قوتها، ويجب القيام بأكثر من عدة غارات جوية لتغيير مسار الحرب.
     هل يمكن تصوّر تدخل عسكري عنيف؟ هل تستطيع فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة أن يفعلوا في سورية ما فعلوه في ليبيا عام 2011؟ أي القيام بحملة قصف جوي مكثفة ضد أهداف محددة في سورية، وذلك بقيادة وحدات خاصة موجودة على الأرض، وأن يكون الهدف منها إسقاط النظام. إذا كان هذا الخيار فعالاً وغير مُكلف بالضحايا البشرية في ليبيا، فمن الصعب التفكير بهذا الخيار في سورية، لأنه يُهدد بزعزعة استقرار المنطقة بأسرها. إن الرهانات الإستراتيجية لهذه المنطقة أكثر تعقيداً بكثير. سيؤدي القيام بتدخل عسكري من هذا النوع إلى تدهور العلاقات بين موسكو وواشنطن، وهو أمر لا أحد يريده حقاً. كما أن باراك أوباما لا يريد إفساد العلاقة مع موسكو بشكل أكبر بعد فشل سياسته في إعادة بناء العلاقة مع روسيا. يعرف باراك أوباما أنه سيكون بحاجة إلى روسيا، إذا اضطر إلى التدخل في إيران التي تتابع مسيرتها نحو القنبلة النووية رغم العقوبات الدولية. كما يعرف أوباما بأنه لن يحصل على دعم بكين في سورية. لا تميل الولايات المتحدة إلى التدخل مرة أخرى في إحدى دول الشرق الأوسط، وإرسال قوات برية بعد تورطها في العراق وأفغانستان.
     كيف يمكن تأمين مستودعات الأسلحة الكيميائية؟ تجاوزت القوات الحكومية الخط الأحمر المتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية، وإن كان بشكل محدود. ألمحت إسرائيل عدة مرات إلى أنها يمكن أن تقوم بغارات جوية لتدمير مستودعات الأسلحة الكيميائية، كما أكدت أنها يمكن أن تُعارض بالقوة نشر صواريخ S300 في سورية. توجد قوات خاصة أمريكية في الأردن، وتتدرب على عدة سيناريوهات عسكرية في سورية. الحل الأول هو القيام بضربات جوية ضد مستودعات الأسلحة الكيميائية، ولكن الخبراء اعتبروا أن هذا الخيار يتصف بخطورة كبيرة. الحل الثاني هو إرسال قوات خاصة لعزل مواقع المستودعات، والسيطرة عليها أو تدميرها في حال الضرورة. تعمل الاستخبارات الغربية ـ عبر الأقمار الصناعية والوسائل الكهرومغناطيسية والبشرية ـ على هذا الملف منذ بداية النزاع. ولكن الشكوك ما زالت قائمة حول عدد هذه المستودعات ـ من 6 إلى 40 موقع ـ وحول استقرار العناصر الكيميائية في حال التدخل. الصعوبة الأخيرة هي: كيف يمكن معرفة أنه تم تدمير جميع المستودعات؟ تخشى الأجهزة الغربية بشكل خاص من وصول هذا المخزون الكيميائي إلى أيدي المجموعات الجهادية التي تقاتل داخل التمرد. ولاسيما في حال سقوط بشار الأسد، الأمر الذي سيجعل الوضع أكثر فوضوية على الأرض.

     ماذا عن الخيار الأخير بعدم القيام بأي شيء؟ يمكن أن يُقرر المجتمع الدولي عدم القيام بأي شيء، وانتظار أن يتوضح الوضع لوحده. هذا هو الموقف الذي تبنته الدول الغربية منذ ربيع عام 2011. كانت هذه الدول تعتقد  أن الحرب لن تستمر إلا بضعة  أسابيع أو أشهر كما حصل في تونس ومصر. ولكن بعد مرور سنتين على النزاع وارتكاب العديد من الأعمال الوحشية، وبعد أن اعتقدنا لبعض الوقت أن نظام بشار الأسد قد تزعزع بسبب تقدم المتمردين والانشقاقات داخل صفوفه، استعاد النظام الثقة بنفسه وبدعم حلفائه الروس والإيرانيين والشيعة اللبنانيين، واستولى الأسبوع الماضي على مدينة القصير التي تُمثل هزيمة قاسية للمعارضين. إن تصاعد قوة المجموعات الإسلامية داخل التمرد، يقوم بدور الفزاعة بالنسبة للدول الغربية، وساهم في شل الإرادات النادرة بالتدخل. تساءل أحد الدبلوماسيين الفرنسيين قائلاً: "فات الأوان بالنسبة للتدخل. ولكن عدم القيام بأي شي، أليس هو أسوأ الأمور؟". يتمسك المجتمع الدولي بمؤتمر جنيف لإخفاء جموده، ولكن الكثيرين يعتبرون أن هذا الاجتماع مثل الوهم، ولم يتحدد تاريخه ولا المشاركين فيه حتى الآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق