الصفحات

الجمعة، ٧ حزيران ٢٠١٣

(العودة إلى الحرب الباردة في سورية)

صحيفة الفيغارو 6 حزيران 2013 بقلم أستاذ التاريخ في جامعة باريس الأولى بيير فيرمران Pierre Vermeren

     بدأ الربيع العربي عام 2011 عبر المُهانين والديموقراطيين. ولكن سرعان ما ركب الإخوان المسلمون والسلفيون هذا القطار، وكانوا يحلمون بثورة إسلامية سنية بعد فشلهم في الجزائر خلال التسعينيات وفي العراق خلال سنوات عام 2000. قام تلفزيون الجزيرة القطري بصب الزيت على النار في مصر وليبيا، قبل أن يقوم السعوديون بـ "إنقاذ" اليمن. تم إنقاذ جميع الممالك السنية (البحرين) أو مراعاتها، في حين سقطت جميع الجمهوريات.
     يأمل السلفيون بغنيمة جديدة من خلال تدمير سورية. شارك الإخوان المسلمون على الفور، وحصلوا على الأسلحة اعتباراً من صيف عام 2011. إن سقوط دمشق سيسمح للوهابيين بالقضاء على النظام العلوي، والتعويض عن فقدان العراق الذي أعطاه الأمريكيون إلى الشيعة. كما سيستعيدون السيطرة على لبنان وحماس بعد تصدّع الهلال الشيعي. كما ستؤكد السعودية هيمنتها على المعسكر السني بفضل نفوذها المالي والإيديولوجي. هذا هو ثمن عودة الخلافة العربية المُنتظرة منذ عام 1925.
     ولكن دمشق وحلفاءها لا ينظرون إلى الثورة السورية بهذه الطريقة. لقد أصبحت هذه الثورة مع مرور الوقت ساحة لمعركة وطنية وعربية ودولية، وذلك بعد أن كانت في البداية ليبرالية ومتعددة الطوائف في مواجهة أسوأ الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة، باستثناء الأنظمة الملكية الإقطاعية التي تُحارب هذا النظام. انضمت جميع الأقليات الدينية والثقافية (40 %) تقريباً إلى نظام دمشق، خوفاً من السلفيين المتطرفين مثل جبهة النصرة، وليس بسبب ولائهم للنظام. يتعرض مئات الشيعة للقتل في العراق أسبوعياً منذ عشر سنوات، واضطر عدد كبير من المسيحيين للهروب من العراق. قام المعارضون بتشكيل الجيش السوري الحر لمواجهة جيش بشار، ولكن نفوذ السلفيين تزايد بفضل الأسلحة التي تصلهم من حلفائهم (قطر والإمارات والسعودية وتركيا).
     إنها حرب دينية بين السنة والشيعة، وتُشكل امتداداً للحرب الإيرانية ـ العراقية خلال الثمانينيات عندما كان العراق سنياً. يتركز الرهان الآن على الدومينو السوري الذي يقوده العلويون. إن إيران الشيعية تُحارب السعودية الوهابية. تحظى دمشق بتضامن آلاف المقاتلين الشيعة من حرس الثورة الإيراني وحزب الله اللبناني أو حتى العراقيين من جيش المهدي. يتذكر الشيعة أن صدام حسين حاول القضاء على الثورة الإيرانية بتفويض من الدول الغربية والوهابيين. تسمح الهيمنة الشيعية بإحياء الحرب (حزب الله) والمقاومة (حماس) ضد إسرائيل، بشكل يضمن الزعامة الإسلامية لإيران. لقد أشار حسن نصر الله بوضوح إلى أن الانتصار كان أمراً هاماً جداً.
     إن الرهان هام جداً بالنسبة للرياض أيضاً. يتدفق آلاف المقاتلين، ويتم تجنيدهم ونقلهم بكلفة باهظة من دول المغرب العربي (على سبيل المثال، 800 تونسي على الأقل) والبلقان والقوقاز وتركيا والشرق الأوسط ومصر الخ. من الممكن أن تكون سورية الانتصار الأول للثورة الإسلامية السنية. إذا حافظ الإخوان المسلمون والسلفيون على الحكم في مصر وليبيا وتونس، فإن الجزائر ستكون آخر جمهورية عسكرية "عربية". ولكن هناك احتجاجات ضد الإخوان المسلمين في السلطة (مصر وتونس)، بالإضافة إلى تركيا من الآن فصاعداً. إن انتصار السلفيين في سورية ضروري. كما أن هذه الحرب تُعرقل أي احتجاج في شبه الجزيرة العربية.
     تدمرت سورية، باستثناء دمشق، وتحولت إلى ساحة معركة بين القوى الإقليمية. إن مئة ألف قتيل لم يُغيّروا شيئاً. في الجزائر، كان من الضروري سقوط مئتي ألف قتيل في التسعينيات من أجل إنقاذ الجمهورية. أدت الحرب بين إيران والعراق إلى ملايين القتلى. من الممكن أن تستمر هذه المجزرة المأساوية، باعتبار أن الحرب في سورية أعادت تحالفات الحرب الباردة من جديد. كان الاتحاد السوفييتي يدعم الجمهوريات العربية، والدول الغربية تدعم الأنظمة الملكية وإسرائيل. تغيّر التحالف بعد الثورة الإيرانية عام 1979: انضمت إيران إلى المعسكر المعادي للإمبريالية، وانضم صدام إلى المعسكر الغربي.
     في عام 2013، تحالفت دمشق مع المعسكر الشيعي وروسيا والصين... والجزائر، ولكنها أصبحت معزولة داخل العالم العربي الذي تُهيمن عليه السعودية. تمت إعادة تشكيل المعسكر المعادي للإمبريالية. تقوم روسيا بتسليح حليفها التاريخي، وأصبحت حامية المسيحيين في الشرق. فيما يتعلق بمعسكر "الثورة"، إنه مدعوم من الأنظمة الملكية النفطية والدول الغربية. يعتمد الأمريكيون الذين يدعمون الإخوان المسلمين على السعودية منذ عام 2011، من أجل تهدئة جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة الذي يُمثل عدوهما المشترك. ولكن نقاط الاتصال كثيرة بين الوهابيين والإخوان والسلفيين وتنظيم القاعدة. فيما يتعلق بالأوروبيين، إنهم أصدقاء جميع الأطراف والمسيحيين في الشرق، ولكن هذه الحرب تتحول إلى كابوس. إنهم يريدون مساعدة الثوار بدون مساعدة الجهاديين. ألمانيا مُتحفظة، وتدفع بريطانيا باتجاه المصالح الأوروبية. النتيجة غير مقروءة.

     تُساعد إسرائيل في تدمير عدوها اللدود، ولكن وصول الجهاديين إلى دمشق سيكون كارثة. لا يمكن استبعاد التقارب بين إسرائيل وإيران بعد رحيل أحمدي نجاد. قامت تركيا بتغيير التحالف. تُثير الحرب السورية مشاعر السخط في المغرب العربي، وهناك انزعاج من التدخلات السعودية والقطرية الفاضحة. إن الجزائر أقل عزلة مما يبدو، إلا إذا نجح الإخوان المسلمين بالانتخابات في تونس وليبيا. فيما يتعلق بالمغرب المدعوم من السعودية، فإنه يحاول الهروب من الدوامة التي تعصف بالمنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق