الصفحات

الخميس، ١٣ حزيران ٢٠١٣

(العمليات الخارجية: رؤية ما هو أبعد من الغد!)

صحيفة الفيغارو 12 حزيران 2013 بقلم رونو جيرار Renaud Girard

     احتاجت فرنسا وحلفاؤها الأنغلو ـ أمريكيين إلى خمسة أشهر لإسقاط طرابلس الغرب. ثم بتاريخ 15 أيلول 2011، ذهب ساركوزي وكاميرون إلى بنغازي في رحلة خاطفة لتلقي الشكر من قبل تجمع صغير من المدنيين أمام عدسات التلفزيون. كان مستقبل ليبيا يبدو مشرقاً بعد تحريرها من الدكتاتورية. في يوم السبت 8 حزيران الماضي، ذهب تجمع من سكان بنغازي للتظاهرسلمياً أمام مقر ميلشيا اسمها "كتيبة الدرع" للمطالبة بحلّها. تم استقبالهم بوابل من الرصاص، وسقط على إثره ثلاثين قتيلاً نقلاً عن BBC. من سيحمي الآن آباء هذه العائلات الشريفة في بنغازي من عنف وتعسف الكتائب؟ لا أحد.
     بالنسبة للسكان المحليين، إن مساوىء "مسؤولية الحماية" (وهو تعبير حل مؤخراً مكان تعبير "حق التدخل" الذي كان مستخدماً في التسعينيات) هو أن القوى الغربية لا تلجأ إليه إلا بشكل متقطع، وحسب درجة صعوبة المهمة. تارة، نُرحّب بتحرير فتاة أفغانية من سيطرة الطالبان "البرابرة"، وتارة أخرى، نسحب أسلحتنا ومعداتنا دون سابق إنذار.
     اعتادت الدول الغربية منذ حوالي عشرين عاماً على شن حروب غير متكافئة لأهداف "إنسانية"، دون أن تبذل جهدها للتفكير جيداً بنتائجها على المناطق المعنية على المدى المتوسط والطويل الأجل. يتم اتخاذ قرار هذه العمليات الخارجية بشكل عاجل في أغلب الأحيان، وتحت ضغط وسائل الإعلام. إنها عمليات نابعة من العاطفة أكثر من العقل، وهي ردة فعل على السياسة الداخلية أكثر منها استباقاً جيوسياسياً للأحداث.
     قال الرئيس التشادي إدريس ديبي في مقابلة مع صحيفة الفيغارو بتاريخ 8 حزيران 2013 كلمات قاسية حول التهور الجيوسياسي للدول الغربية: "كنا نعرف منذ بداية الحرب في ليبيا أن نتائجها ستكون مأساوية على الدول المجاورة وعلى ليبيا نفسها. كانت فرنسا تعتقد في ذلك الوقت أن ليبيا ستتحول إلى نظام ديموقراطي ومنظم بعد القذافي. إنه حقاً جهل بالمجتمع الليبي". الرئيس التشادي هو من أصدقاء فرنسا، وقدّم جنوده في شهر آذار الماضي مساعدة كبيرة للجنود الفرنسيين في شمال مالي، ولكن باريس لم ترغب بالإصغاء إليه في ذلك الوقت. يشعر الرئيس التشادي بالأسف، ويخشى من أن تتحول ليبيا الجديدة إلى  أرض ومعقل للكوكايين وللمقاتلين الإسلاميين السنة الذين جاؤوا من جميع أنحاء العالم السني، ويُعبّرون عن إرادتهم بفرض الشريعة الإسلامية على القارة الإفريقية بأسرها.

     كنت أتحدث في أحد الأيام مع أحد أصدقائي الدبلوماسيين الشباب حول سورية بشار الأسد، وقال لي: "يجب علينا إسقاط هذا الشخص!". شعرت بذهول كبير من كلامه، وأجبته أنه كان من المؤسف أن يغادر جنودنا دمشق عام 1945، لأن إسقاطه سيكون أكثر سهولة لو أننا أبقينا ثكنة عسكرية فيها! إن غريزة المحافظين الجديد التي يتصف بها كلامه، تُشير إلى أنه كان صادقاً في كلامه، وهي تُشبه الغريزة الكانتية القائلة بأنه: يجب إقصاء الدكتاتور مهما كان الثمن. ولكن ماذا عن نتائج ذلك على الأقليات وإدارة البلد والتوازن الإقليمي؟ لم يُفكّر بذلك إطلاقاً. سنرى لاحقاً. للأسف، إن كلمة "لاحقاً" في الجغرافية السياسية المعاصرة تعني "بعد فوات الأوان" في أغلب الأحيان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق