الصفحات

الجمعة، ٧ حزيران ٢٠١٣

(حرب المواقع في مدينة حلب الجامدة والمُدمّرة)

صحيفة الليبراسيون 5 حزيرن 2013 بقلم مراسلها الخاص في حلب لوك ماتيو Luc Mathieu

     يقضي أستاذ اللغة العربية أبو سليمان (29 عاماً) يومه الممل جالساً على الكرسي في زاوية تُطل على شارعين في المدينة القديمة بحلب. يقوم هذا المتمرد بمراقبة المداخل إلى السوق والجامع الأموي الكبير، وقال: "يجب الاعتراف أن الوضع أصبح هادئاً بالمقارنة مع معارك الصيف والشتاء الماضيين. ما زال جنود الأسد هنا على مسافة بضعة مئات من الأمتار، ولا أعتقد أن عددهم كبير. ولكن ليس لدينا ما يكفي من الذخيرة لمقاتلتهم، ولا يوجد شيء آخر نفعله غير الانتظار". ما زالت المواجهات مستمرة بين المتمردين وجنود النظام، ولكن بشكل مُتفرّق. هناك أيضاً نيران القناصة والمدفعية وأحياناً صواريخ سكود، ولكن القصف بالطائرات المروحية والميغ الحكومية أصبح نادراً. يُسيطر المتمردون على ثلثي المدينة تقريباً، ولكنهم يتقدمون ببطىء شديد. إن الوقت الآن هو لحرب المواقع وليس لعمليات الهجوم.
     تهدمت واحترقت أجزاء كبيرة من الجامع الكبير في المدينة القديمة. أظهر أديب ناصر (22 عاماً) فيلماً على هاتفه الجوال قائلاً: "قام جنود الأسد بإشعال النار في الجامع قبل هروبهم". تراجعت القوات الحكومية منذ ذلك الوقت إلى وراء سور الجامع. يُشاهدهم المتمردون من وقت لآخر عندما يحاول الجنود اختراق الجامع عبر الفتحات المحفورة في الجدران. ولكن الهجمات تقتصر في أغلب الأحيان على قذائف المدفعية التي أدت إلى انهيار المئذنة بتاريخ 24 نيسان. قال أديب ناصر: "كانوا يعتقدون أن قناصينا كانوا في المأذنة، ولذلك استهدفوها بدباباتهم". وقال أحد الشباب المتمردين مُتذمراً: "نعم، يمكن تأكيد أنهم السبب. ولكن في الحقيقة، لا نعرف شيئاً. ربما نحن الذين دمرناها". ولكن أحد القادة قال له: "إخرس، توقف عن الحديث مع الصحفيين".
     لم يعد المتمردون يهتمون بالدمار الذي أصاب الجامع في المدينة القديمة بعد تسعة أشهر من المعارك، هذا الجامع المُسجّل ضمن التراث العالمي لليونيسكو. إنهم يمشون في الشوارع دون الانتباه إلى الأضرار التي لحقت بالجامع، ويبدو لهم أن الاهتمام به لا يتصف باللباقة. قال رئيس إحدى الكتيبتين اللتين تقاتلان في المركز التاريخي لحلب أبو إبراهيم (44 عاماً) غاضباً: "كنت في المستشفى قبل عدة أسابيع، وشاهدت طفلة عمرها أربعة سنوات تقول لوالديها: أين ساقي؟ أين ساقي؟ لقد سقط آلاف القتلى والجرحى في حلب منذ الصيف الماضي، وأنتم تقلقون على الأبنية؟ هذا هوشعوركم بالإنسانية؟ إنه هراء! لدينا صور المدينة القديمة والجامع ومئذنته، وسنستخدمها لإعادة بنائهم".
     على مسافة عدة كيلومترات، إلتقينا بالمتمرد الشاب محمد رابي (17 عاماً) بشاربه الناعم وحب الشباب على وجهه. إنه يقاتل أحياناً، ولكنه يبقى أغلب الأحيان في إحدى الفتحات التي كانت سابقاً محلاً لبيع الأدوات الكهربائية. إنه هادىء الأعصاب، ويراقب زاوية الشارع في حي صلاح الدين بين الأبنية المنهارة وركام الحجارة التي تعرقل المرور في الشوارع والأغطية الكبيرة الممدودة بين الأبنية لتجنب القناصين. لم يتحرك هذا المراهق عندما انفجرت قذيفة على مسافة حوالي عشرين متراً، وقال بصوت هادىء: "كنت خائفاً في البداية، ولكن لم أعد خائفاً الآن"، كما لو أنه اعتاد على الحرب. كان بعض المتمردين يلعبون بكرة السلة على مقربة منه، على الرغم من أن قوات الأسد تتواجد على مسافة 500 متر في الملعب والمدرسة العسكرية. يحاول المتمردون منذ عدة أسابيع الاقتراب منهم. إن المرور عبر الشوارع سيكون عملاً انتحارياً، وليس أمامهم إلا خيار المرور عبر الأبنية بعد تهديم الجدران بين المنازل. قال أبو عمار، قائد إحدى الكتائب في حي صلاح الدين: "يقوم جنود الأسد بالشيء نفسه. ونقترب منهم أحياناً على مسافة خمسة أمتار في المنزل نفسه. ينتهي الأمر بالصراع بالسلاح الأبيض". أخرج الزعيم المتمرد خارطة غوغل لكي يُشير إلى مواقع رجاله، وقال: "بقي أمامنا خمس مجموعات من المنازل، ولكننا سنكون مكشوفين بدون أية حماية". تَعِب المتمردون في حي صلاح الدين من انتظار الأسلحة المضادة للدبابات، واضطروا إلى تركيب قنابل مولوتوف وآلات القذف بالمنجنيق. وأضاف أبو عمار: "إن الخبر السار الوحيد هو أن عدد جنود الأسد ليس كبيراً جداً حسب معلوماتنا، وأنهم لا يحصلون على التموين بشكل جيد. إن النظام مُجبر على إلقاء الإعاشة والذخيرة عبر الطائرات المروحية. إن فرصتنا الأفضل هي الصمود حتى يُنهكون".
     أثار هذا الانتظار الإجباري غضب أبو أحمد، أحد قادة الجيش السوري  الحر في حي هنانو الذي كان أحد أول الأحياء التي سيطر عليها المتمردون في الصيف الماضي. يُراقب هذا الزعيم المتمرد رجاله منذ بداية العام وهم ينضمون إلى جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة وإلى مجموعة أحرار الشام السلفية، وقال: "لا أستطيع أن ألومهم. نحن عاجزون عن دفع الأموال لهم أو حتى إعطائهم ثياباً موحدة. كما تنقصنا الذخيرة بشكل دائم، في حين تحصل المجموعات الراديكالية على حاجتها من الذخيرة". أشار أبو أحمد إلى أنه ليس غاضباً من الدول الغربية لعدم تدخلها، وقال: "إن أكثر ما يُغضبني هو قادة الجيش السوري الحر وإئتلاف المعارضة. إن يعملون بشكل سري في مكان آمن بالدول الأجنبية، ولكن لا أحد يعرف ماذا يفعلون. عرفت قبل عدة أسابيع أن رجل أعمال سوري دفع مئة ألف دولار من أجل كتيبتي. ولكنني لم أحصل في النهاية إلا على عشرة ألاف دولار. أين ذهبت البقية؟ لا أحد يستطيع إجابتي. لن نربح هذه الحرب أبداً بدون قيادة حقيقة موحدة وشريفة".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق