الصفحات

الأربعاء، ٢٠ شباط ٢٠١٣

(سورية، مالي: التهاون الأوروبي)


صحيفة الليبراسيون 20 شباط 2013 بقلم جوليان تيرون Julian Théron، باحث سياسي متخصص بجيوسياسية النزاعات وأستاذ في جامعة فرساي الفرنسية

     تكشف إدارة الأزمتين في مالي وسورية عن العجز المزمن للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن ضمان إدارة مشتركة للأزمات. إن تحول الثورة الديموقراطية في سورية إلى نزاع مسلح ثم إلى حرب أهلية، اقتصر في الجانب الأوروبي على فرض العقوبات الضرورية بلا شك، ولكنها عقوبات لا يمكن حالياً قياس عدم فعاليتها. وذلك على الرغم من أن الحكومات الغربية تعهدت في اتفاقية أمستردام على العمل لامتلاك الإمكانيات الضرورية من أجل "تشجيع السلام والأمن والتقدم في أوروبا والعالم".
     في مواجهة الوضع في مالي، قامت إحدى الدول الأعضاء بالتدخل عسكرياً على الأرض، ولكن نقص إلتزام الاتحاد الأوروبي ما زال صارخاً. إن التدخل المتأخر للقوات الفرنسية والدعم المحدود جداً من قبل دول الاتحاد الأوروبي، يسمح بملاحظة عدم وجود ردة فعل تضامنية سريعة داخل الاتحاد الأوروبي. وذلك على الرغم من الدروس المستقاة من النزاعات السابقة (التي لم تجد حلاً).  ـ في ليبيا، تخلت دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها ألمانيا عن فرنسا وبريطانيا، ولم تنجح هذه الدول في القيام بعمل مشترك بدون مساعدة الولايات المتحدة عن طريق الحلف الأطلسي. الأسوأ من ذلك هو أن التخلص الهمجي من نظام القذافي عن طريق المجموعات المسلحة، وعدم نزع الأسلحة داخل ليبيا، وعدم رعاية وحدة سياسية وطنية، أدى إلى خلق ظروف عدم الاستقرار بشكل دائم في هذا البلد، كما أدى إلى نقل المعدات العسكرية والمرتزقة إلى مالي.
     هناك قائمة طويلة من النزاعات السياسية والعسكرية داخل البيئة الجيوسياسية المحيطة بأوروبا ابتداءاً من النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني إلى الاضطرابات في شمال القوقاز في أنغوشيا والشيشان وداغستان، مروراً بالنزاع المُجمد دون حل في مرتفعات كراباخ وحرب العصابات الكردية في تركيا وعدم الاستقرار المزمن في لبنان والعراق بالإضافة إلى مسألة الصحراء الغربية.
     كيف ستستطيع أوروبا النجاح في العالم فيما عجزت عن القيام به داخلها؟ ففي داخل أوروبا، لم تتم تسوية الوضع في غرب البلقان حتى الآن، وذلك على الرغم من الانخراط الأوروبي القوي سياسياً وقضائياً وأمنياً. ما زالت الانقسامات الطائفية مستمرة في البوسنة والهرسك وكذلك في كوسوفو. هناك شبه استقرار بفضل الغطاء الأوروبي، ولكن التعايش السلمي المفروض لم يندمج داخل العقول وتنظيم المؤسسات.
     تتجنب أوروبا في أغلب الأحيان التدخل في الأزمات التي تعصف بمحيطها خوفاً من اعتبارها استعماراً جديداً. ولكن العالم ينتظرها في أغلب الأحيان، وهي تُخطىء بغيابها وليس بحضورها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق