صحيفة اللوموند
28 كانون الثاني 2013 بقلم بنجامان بارت Benjamin
Barthe
يُنادونه "السيد السفير"، ولكنه
يستقبل زواره في فندق خاص بحي الديفانس بالقرب من باريس. لقد التقى مع فرانسوا
هولاند في الإليزيه، ويلتقي بشكل منتظم مع الدبلوماسيين الفرنسيين، ولكنه يعمل
لوحده تقريباً في منزله الذي يتألف من غرفتين مساحتهما 50 متراً مربعاً، كما يدفع
من جيبه جميع البرقيات التي يُرسلها. منذر ماخوس هو ممثل الإئتلاف الوطني السوري
في باريس، ويعيش وضعاً متناقضاً يُعبّر عن المأزق الذي وصل إليه التمرد السوري.
كان هذا المُغترب القديم يعمل في مجال البحث
النفطي قبل الانضمام إلى الثورة، وهو غير قادر حالياً على الانتقال إلى سفارة بلده
الواقعة في شارع فانو بالدائرة السابعة في باريس على الرغم من اعتراف جميع
الحكومات الغربية بالإئتلاف الوطني السوري ممثلاً شرعياً للشعب السوري. تقول وزارة
الخارجية الفرنسية أنها مسألة قانون: لم تقطع فرنسا علاقاتها رسمياً مع نظام الأسد
على الرغم من أنها أغلقت سفارتها في دمشق. من أجل القيام بذلك حسب اتفاقية جنيف،
يجب أن يقوم المعارضون بتشكيل حكومة مؤقتة، وأن يدعم الإليزيه هذه الحكومة. ما
زالت هذه المرحلة في طور الانتظار. في الوقت الحالي، ما زالت السفيرة لمياء شكور التي
عيّنتها دمشق، تشغل دوماً منصب السفيرة في المندوبية السورية لدى اليونسكو على
الرغم من أن باريس اعتبرتها شخصاً غير مرغوب به.
ولكن يوجد وراء هذا القانون بعض الاعتبارات
السياسية: لم يكن المجلس الوطني الانتقالي الليبي
يملك قدرات تنفيذية أكثر من الإئتلاف الوطني السوري، عندما تم السماح له
بالاستيلاء على السفارة الليبية في شهر آب 2011. هل تخشى فرنسا من اجراءات
انتقامية ضد ممتلكاتها الدبلوماسية في سورية؟ لا يريد منذر ماخوس (67 عاماً) إثارة
الجدل حول هذا الموضوع، وقال: "قال فرانسوا هولاند لي أن القانون الدولي
يمنعنا من الاستيلاء على السفارة"، ثم أضاف أنه من المفترض أن توفّر له بلدية
باريس مبنى خلال الأسابيع القادمة. قال الباحث المُقرّب من المعارضة سلام كواكبي:
"اعتقدنا أنه لدينا سفير، ولكنه في الحقيقة مجرد مندوب".
وصل
منذر ماخوس إلى مدينة ستراسبورغ الفرنسية في نهاية سنوات الثمانينيات، وذلك بعد
عشرين عاماً من الغربة في بريطانيا وروسيا والجزائر. لقد حصل قبل وصوله إلى فرنسا
على شهادتي دكتوراه في الدراسات الجغرافية ـ الكيميائية للكرة الأرضية، ثم حصل
فيما بعد على ثلاثة شهادات إضافية من الجامعات الفرنسية، وآخرها في الاقتصاد
السياسي من جامعة السوربون في عام 2005. إنه رجل دؤوب، وكتب العديد من الدراسات
الرائدة حول الجيولوجيا في شمال إفريقيا. شارك في الكثير من المؤتمرات الدولية
مندوباً عن كبرى الشركات النفطية مثل سوناطراك الجزائرية. أسرّ منذر ماخوس قائلاً:
"أردت دوماً أن أكون الأول في حياتي".
إن
هذه الرغبة بالتفوق وانتمائه إلى عائلة عريقة، كان من المفترض أن تفتح له أبواب
أكبر مؤسسات الدولة. شارك في نهاية الستينيات، بصفته ثاني أفضل الحائزين على شهادة
البكالوريا، في مؤتمر حزب البعث الذي وصل إلى السلطة عام 1963. ساهمت العروبة
والاشتراكية في إغراء عائلة ماخوس المعروفة في اللاذقية. تتحدر هذه العائلة من
الطائفة العلوية التي يتحدر منها أيضاً العديد من الضباط البعثيين مثل صلاح جديد،
الرجل القوي في ذلك الوقت، وحافظ الأسد والد الرئيس الحالي للدولة، الذي كان
وزيراً للدفاع أنذاك. كان باستطاعة منذر التطلع إلى مناصب مرموقة في ظل عمّه
إبراهيم ماخوس الذي كان وزيراً للخارجية لمرتين.
ولكن
بتاريخ 13 تشرين الثاني 1970، قام الجنرال الأسد بإسقاط صلاح جديد. كان هذان
الرجلان في حالة مواجهة منذ عدة أشهر، وقام الأول باتهام رئيس الدولة باتباع سياسة
دولية مُتهورة وسياسة داخلية راديكالية. خلال الأسابيع التي سبقت الانقلاب، أظهر
رجل السياسة المبتدىء في اللاذقية مواقفه المعارضة للأسد، ووصفه بأنه
"دكتاتور". بدأت فيما بعد عملية تطهير ضد أنصار صلاح جديد، وغادر منذر
سورية إلى أوكسفورد للدراسة، وهرب عمّه إلى الجزائر. قال منذر ماخوس: "كان
وزير الداخلية في ذلك الوقت رباح الطويل صديقاً، وساعدني على الحصول على تأشيرة
خروج بسرعة قصوى. بهذه الطريقة، استطعت الهروب. في اليوم التالي لهروبي، تم اعتقال
رباح الطويل الذي بقي في السجن 21 عاماً دون محاكمة".
سيبقى الشاب منذر ماخوس بمنأى عن السياسة خلال
الأربعين عاماً اللاحقة، وبعيداً عن بلده أيضاً. لقد رفض جميع عروض المصالحة
التي تقدمت بها السلطات، لأنه شعر بالخطر
منها. حاز على لقب مواطن ـ شرف من روسيا والجزائر وفرنسا، بسبب عدم قدرته على
تجديد جواز سفره السوري. ولكن عندما اندلعت الثورة في شهر آذار 2011، انخرط فيها
فوراً. شارك في تأسيس المجلس الوطني السوري في العام نفسه. يتحدث عدة لغات، وتم
تكليفه داخل هذا المجلس بتنسيق العلاقات الخارجية في أوروبا. ثم تمت ترقيته إلى
"سفير" للإئتلاف الوطني السوري في باريس عند تأسيسه في الدوحة في شهر
تشرين الثاني 2012.
متى
ستكون العودة المظفرة إلى الوطن الأم؟ أكد منذر ماخوس قائلاً: "لسنا قادرين
حتى الآن على إسقاط النظام، ولكننا سنُسقطه بدون أدنى شك". واعترف أنه من
الأفضل أن يسقط سريعاً، نظراً لتصاعد قوة المجموعات الجهادية وللفوضى التي تنشرها
القوات النظامية. وقال: "يجب على الغرب أن يساعدنا. على الأقل عن طريق رفع
الحظر على الأسلحة بشكل يمكن فيه الحصول على صواريخ أرض ـ جو. بدون هذه المساعدة،
ستُصبح سورية قريباً مثل أفغانستان".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق