صحيفة الليبراسيون
6 شباط 2013 بقلم برنار غيتا Bernard Guetta
ربما
وصلنا إلى عشية منعطف هام في الأزمتين السورية والإيرانية. على الجبهة السورية،
اجتمع رئيس الإئتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب مع وزيري الخارجية الروسي
والإيراني يوم السبت 2 شباط في ميونيخ على هامش المؤتمر السنوي حول الأمن. رحب
وزيرا الخارجية الروسي والإيراني بهذه اللقاءات، واعتبراها "خطوة هامة
جداً" و"خطوة جيدة إلى الأمام"، كما أعلنا عن استعدادهما لمواصلة
الحوار مع المعارضة السورية. إنه تطور هام بالنسبة لإيران، المصدر الأساسي للأسلحة
والدعم المالي لبشار الأسد، لأنها لم تقم في الماضي بأية اتصالات رسمية مع ممثلين
عن التمرد. إن تطور الموقف الروسي ليس أقل أهمية لأنها المرة الأولى التي تُعلن
فيها موسكو عن رضاها السياسي تجاه المعارضة التي سمح رئيسها بهذا التغيير في
المعطيات.
أثار
معاذ الخطيب المفاجأة حتى داخل الائتلاف عندما أعلن قبل ثلاثة أيام من اجتماع
ميونيخ أنه مستعد للبدء بمفاوضات مع ممثلين عن النظام، دون المطالبة باستقالة
الأسد كشرط مسبق، وبشرط واحد هو قيام دمشق بالإفراج عن عدد كبير جداً من المعتقلين
السياسيين. هناك سببان دفعا بهذا المُعارض القديم ورجل الدين المعتدل إلى تقديم
هذا الاقتراح. السبب الأول هو أن التمرد يُراوح في مكانه منذ بداية فصل الشتاء،
وذلك على الرغم من أنه حقق بعض النجاحات العسكرية المُدهشة، ولم يخسر شيئاً من
الأراضي التي سيطر عليها، ولكنه لم يعد يتقدم، ولم ينجح في متابعة تقدمه في
العاصمة. لم تعد خطوط المواجهة تتحرك بشكل فعلي، في الوقت الذي يتطلع فيه السكان
المُرهقين بسبب المجازر والحرمان من كل شيء، إلى المزيد من الهدوء.
إن
كل شيء يدفع باتجاه القيام بمحاولة للتسوية. السبب الثاني للعرض المُقدم من معاذ
الخطيب هو أن النظام أيضاً قد استنفذ قواه أكثر من المعارضة. قام النظام ببناء
العديد من الغرف المحصنة، ولكنه يعلم اليوم بأنه لن يستطيع استعادة السيطرة على
البلد. إن خزينته تفرغ شيئاً فشيئاً سواء مع المساعدات الروسية والإيرانية أو
بدونها، وما زال الكثير من قادته يرسلون عائلاتهم إلى الخارج لضمان أمنها. وصل
الاضطراب إلى هذا النظام، وبالتالي أصبح من الممكن محاولة تقسيمه.
إن
تخلّي المعارضة عن استقالة الأسد كشرط مسبق للبدء بالحوار، أعطى التيارات الأكثر
وضوحاً في الرؤية داخل السلطة الوسائل للمطالبة بقبولهم. إن هذا العرض يمثل
بالنسبة للروس شكلاً لإنقاذ ماء الوجه، في الوقت الذي توقفوا فيه عن الاعتقاد
بمستقبل الشخص الذي يحمونه، ولكنهم لا يريدون مع ذلك العدول عن كلامهم والتخلي عنه
علناً. وحتى الإيرانيين يجدون هنا ورقة يُراهنون بها، باعتبار أنه بإمكانهم محاولة
إنقاذ مصالحهم الإقليمية في المفاوضات الشاملة التي يقولون الآن أنهم يريدون
"المشاركة بها" قبل فوات الأوان.
أشار
أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إلى أن الفكرة تتلخص بأنه لن تتم المطالبة علناً بعد
الآن بأن يكون رحيل الأسد هو النتيجة الضرورية للمحادثات، ولكن أن يكون فقط الشرط
الضمني للتوصل إلى تسوية، وأن يؤدي ذلك إلى إمكانية إعطاء ضمانات تفاوضية لأنصار
النظام وحلفائه. لقد ارتسمت ملامح رهان كبير في ميونيخ خلال عطلة نهاية الأسبوع
الماضية 2 ـ 3 شباط. للأسف، إن نجاحه غير مؤكد إطلاقاً، ولكن لا مجال للشك بأن
الولايات المتحدة قامت بتشجيع مبادرة المعارضة، لأن الأولويات الدبلوماسية لباراك
أوباما ووزير خارجيته الجديد جون كيري ووزير دفاعه القادم تشاك هاغل هي تجنب قصف
المواقع النووية الإيرانية.
إذا
كان لا بد من قصف المواقع النووية الإيرانية، فإن واشنطن ستقصفها بالتأكيد، لأن
أوباما قال وكرر بأنه لن يسمح للجمهورية الإسلامية بامتلاك القنبلة. إنها مسألة
تتعلق بالأمن العالمي وبمصداقية الولايات المتحدة تجاه حلفائها العرب والأوروبيين
والإسرائيليين، ولكن القيام بعملية عسكرية ضد إيران، يُهدد بحدوث اعصار كبير لدرجة
أن البيت الأبيض قرر القيام بكل ما بوسعه خلال الأشهر العشرة القادمة من أجل
التوصل إلى اتفاق مع إيران. لهذا السبب، اقترح باراك أوباما على لسان نائبه جو
بايدن أثناء وجوده في ميونيخ، البدء بمناقشات ثنائية مباشرة مع الإيرانيين الذين
يبدو أنهم لا يريدون رفضها. إن هدف أوباما هو إغراء إيران بالاعتراف بالمكانة التي
تحتلها في الشرق الأوسط وبضمانات أمنية وتعاون اقتصادي واستئناف العلاقات
الدبلوماسية مقابل التخلي النهائي، وبشكل يمكن التأكد منه، عن برنامجها النووي.
لقد ارتسمت في ميونيخ ملامح رهان كبير مزدوج، ولكن لا يمكن أن نقول بأنه نجح
سلفاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق