الصفحات

الثلاثاء، ٥ شباط ٢٠١٣

(سورية: أسباب العوارض المفاجئة للواقعية الفرنسية)


صحيفة الفيغارو 5 شباط 2013  بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     ما الذي حصل للوزير لوران فابيوس؟ قبل عدة ساعات من المؤتمر الصحفي الذي نظمته وزارة الخارجية الفرنسية حول "ما بعد بشار الأسد"، رسم لوران فابيوس لوحة قاتمة ولكن واقعية للنزاع السوري أثناء كلمته أمام الصحفيين بمناسبة بداية العام الجديد عندما قال: "تدل المعلومات الأخيرة أن الأمور لا تتحرك. ليس هناك مؤشرات إيجابية مؤخراً حول الحل الذي نأمله، أي سقوط بشار الأسد ووصول الإئتلاف الوطني السوري إلى السلطة". وكان لوران فابيوس قد أكد قبل عدة أسابيع بأن "نهاية النظام كانت قريبة"، وكان مستشاروه سعيدين من "تسارع التاريخ" بعد إسقاط الطائرات المروحية الأولى للنظام من قبل المتمردين.
     هناك عدة عوامل يمكنها تفسير تغير الخطاب الفرنسي: أولاً، لم يساهم الاعتراف الدولي بالإئتلاف الوطني السوري في تغيير المعطيات على الأرض. كما لم يتم تحويل مئات الملايين من الدولارات التي وعد بها "أصدقاء سورية" في مراكش بتاريخ 12 كانون الأول 2012. النتيجة: أظهر المتمردون واللاجئون سخطهم من "الجمود الدولي". من جهة أخرى، أخفق الإئتلاف في تهميش الراديكاليين الجهاديين الذين يواصلون توجيه ضربات قاسية للجيش، وذلك على الرغم من أن ذلك كان أحد الأهداف التي حددتها فرنسا وبقية الأطراف الدولية الراعية لهذا الإئتلاف بعد ولادته الصعبة في الدوحة.
     بعد عدة أيام من المؤتمر الصحفي، كان من المفترض أن يؤدي إنشاء القيادة الموحدة للمتمردين إلى السماح بتوحيد "ثلثي المتمردين القوميين" على جميع جبهات الحرب ضد قوات الأسد من أجل خنق بقية المتقاتلين السلفيين والجهاديين أو الذين يشعرون بالخيبة داخل الجيش السوري الحر. كان الفشل قاسياً في هذه النقطة، ليس فقط لم تستطع المكونات القومية السيطرة على الوضع، بل يتجه الوضع لصالح المتطرفين المتجمعين بشمال سورية داخل مجموعة جبهة النصرة الجهادية. عبّر الأمريكيون عن قلقهم علناً، وقرروا وضع هذه المجموعة المنبثقة عن تنظيم القاعدة في العراق على لائحة المنظمات الإرهابية.
     استمرت باريس، على العكس، في التقليل من أهمية جبهة النصرة. فقد أكدت وزارة الخارجية الفرنسية قائلة: "لا يجب المبالغة في عدد أعضاء الجبهة وتأثيرهم"، وتُقدّر الوزارة عددهم بألفي شخص. أما أجهزة الاستخبارات فهي أكثر حذراً. تساءل بعض المتشائمين: كيف يمكن مكافحة الجهاديين في مالي، وندعم بشكل غير مباشر في سورية؟ هل تدل عوارض الواقعية للوزير لوران فابيوس على بداية تصلب تجاه الجهاديين السوريين؟ يبدو ذلك قليل الاحتمال، نظراً لأن مثل هذا التحوّل سيُعزز بشار الأسد. ما زال سقوطه أولوية بالنسبة لفرنسا التي تريد الظهور بأي ثمن في "الجانب الصحيح من التاريخ".
     من المفترض ألا يسقط الأسد خلال الأشهر القادمة، كما اعترف بذلك ضمنياً لوران فابيوس. أدى القصف المكثف الذي يقوم به الجيش في ريف دمشق إلى تراجع المتمردين. في الشمال، يُسيطر المتمردون على جزء كبير من الأراضي، ولكن دون أن يستطيعوا إسقاط حلب. يُحقق المتمردون تقدماً في بعض المناطق، ثم يليه الانسحاب. لا تريد باريس حتى الآن رؤية حقيقة أن السلطة ما زالت قوية بفضل تفوقها العسكري الذي سمح لها بقمع شعبها بوحشية. اعتقدت فرنسا لفترة طويلة أنه من المفيد انتقاد روسيا بعنف بسبب دعمها للأسد. قال أحد الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الفرنسية: "ولكن حتى الروس يقولون لنا أنهم عندما ينصحون الأسد بتقديم هذا التنازل أو ذاك،  فإنه يرفض نصائحهم، ويقول لهم بأنه متأكد من دعم الإيرانيين في جميع الأحوال. إذاً، لا يشعر الأسد بأنه مُحاصر". ولا شك بأنه هذا هو السبب في قدرته على مقاومة الضغوط.
     أكد مُعارض سوري على اتصال مع الجهاز الأمني في دمشق قائلاً: "إن حرس الثورة الإيراني هو الذي يدير الأزمة بالمشاركة مع الأسد. يستطيع بشار أن يرفض بعض الطلبات الإيرانية، ولكن مصيره أصبح من الآن فصاعداً بين أيدي الإيرانيين". لقد ضاعف الإيرانيون مؤخراً من عدد تصريحاتهم حول أن سورية هي خط أحمر. يبدو أن طهران وموسكو غيرمستعدتان لتقديم تنازلات قبل عام 2014، أي موعد نهاية ولاية الأسد. ربما يكون ذلك هو الحافز الحقيقي لهذا الاندفاع غير المنتظر للواقعية السياسية الفرنسية في سورية، وقد تعززت هذه الواقعية مع المبادرة التي أطلقها رئيس الإئتلاف معاذ الخطيب. قال هذا الإسلامي المعتدل يوم الأربعاء 30 كانون الثاني للمرة الأولى أنه يؤيد حواراً ـ مع بعض الشروط ـ مع نظام دمشق من أجل تجنب تدمير بلده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق