الصفحات

الثلاثاء، ٥ شباط ٢٠١٣

(نعم للطائرات بدون طيار، ولا للقوات)


صحيفة اللوموند 5 شباط 2013 بقلم سيلفي كوفمان Sylvie Kauffmann

     فرضت الطائرات المقاتلة الأمريكية بدون طيار نفسها في السنوات الأخيرة كأداة عسكرية للسياسة الخارجية الأمريكية. تتعرض هذه الأداة للانتقادات، وهي مُحاطة بقدر كبير من السرّية تحت إدارة وكالة الاستخبارات الأمريكية. أشار أحد المحللين الأمريكيين إلى أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون حاولت أن تدعو إلى مزيد من الشفافية حول هذه الطائرات، ولكن البيت الأبيض لم يوافق.
     إنه ليس الملف الوحيد الذي وجدت فيه هيلاري كلينتون نفسها في مواجهة مع الرئيس أوباما: لقد أشارت النيويورك تايمز إلى أن كلينتون كانت تدعو إلى أن تقوم الولايات المتحدة بتسليح المتمردين سورية. أشار والي نصر Vali Nasr، أحد العاملين السابقين في وزارة الخارجية الأمريكية والأستاذ في جامعة جون هوبكنز الأمريكية، إلى أن هيلاري كلينتون كانت تريد "القيادة من الأمام وليس من الخلف". إن هذه الكلمات (Leading from the front, not from behind) لم يتم اختيارها عبثاً. ولكن، لسوء الحظ، فإن تعبير "القيادة من الخلف" الذي استخدمه مسؤول أمريكي سابق في مقال نشرته النيويوركر لوصف الإستراتيجية الأمريكية في ليبيا، أصبح العلامة المميزة للسياسة الخارجية الأمريكية خلال الولاية الأولى لباراك أوباما.
     عندما يتناقش المختصون بالشؤون الدبلوماسية مع المختصين بالسياسة الأمنية للولايات المتحدة حول القوة الأمريكية فإن الكلمة المركزية هي "التراجع" وليس "الانحطاط". الفارق بين الكلمتين هو أن الانحطاط غير خاضع للإرادة، أما التراجع فهو خيار. إذا كان للكلمات معنى، فإن هناك تعبير آخر شائع حالياً هو: "أحذية الجنود على الأرض" (boots on the ground) والذي يُستخدم عادة بصيغة النفي: (no boots on the ground)، يعني هذا التعبير: نعم للطائرات بدون طيار، ولا للقوات.
     أظهرت التجربة مع إدارة أوباما أن الطائرات بدون طيار يتم استخدامها عندما تكون المصالح الأمريكية مهددة بشكل مباشر. عندما لا تكون مصالحها مهددة بشكل مباشر، فإن واشنطن تُفضل إفساح المجال أمام أصدقائها، وتقديم الدعم لهم بشكل شحيح. عندما أرسلت فرنسا جنودها إلى مالي لمكافحة الإرهابيين الإسلاميين، طلبت باريس دعماً لوجستيكياً من واشنطن التي فكرت للوهلة الأولى ببيع هذه المساعدة، ولكنها وافقت في النهاية وبمشقة على تقديمها مجاناً. قال أحد المسؤولين الأمريكيين خلال الأسبوع الماضي إلى دافيد إغناطيوس David Ignatius من الواشنطن بوست: "إن مقاربتنا للحرب ضد الإرهاب هي جعل شركاءنا يقومون ببعض الأشياء، كلما كان ذلك ممكناً، وليس بالضرورة أن نقوم بها بأنفسنا".
     قال نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في كلمته بمؤتمر ميونيخ للأمن (1 ـ 3 شباط 2013): "نحن بحاجة لكم كما أنتم بحاجة لنا". لا يمكنه أن يكون أكثر وضوحاً من ذلك: يجب على الأوروبيين تحمّل جزء من المسؤولية في عالم تنتشر فيها التهديدات في كل مكان، وأصبحت فيه القوة الأمريكية محدودة. وهذا ما قاله أيضاً باراك أوباما في المقابلة التي أجراها مع المجلة الأسبوعية The New Republic: "أنا أدرك أكثر من أي شخص آخر حجم قواتنا وقدراتنا الهائلة، ومحدوديتها في الوقت نفسه".
     لا يريد باراك  أوباما الدخول في معركة إذا لم يكن متأكداً من الانتصار بها. أشار مويزس نعيم Moises Naim، رئيس التحرير السابق لمجلة السياسة الخارجية Foreign Policy، إلى أن القوة لم تعد فقط محدودة أو في حالة تراجع، بل هي ميتة. وراهن مويزس نعيم على "نهاية القوة" في كتاب سيصدر له قريباً بعنوان: (End of Power). تقول نظريته أن السلطة بجميع أشكالها  أصبحت مُشتتة ومُبعثرة ومُتراجعة، وقال: "من السهل الحصول على السلطة، والأكثر صعوبة هو ممارستها، ومن السهل فقدانها".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق