الصفحات

الخميس، ٧ شباط ٢٠١٣

(من "الربيع العربي" إلى تفتت الدول)


صحيفة الفيغارو 7 شباط 2013  بقلم بيير روسلان Pierre Rousselin

     وصلنا بعد عامين من بداية الربيع العربي إلى تفكك الدول في الشرق الأوسط بدلاً من "عملية انتقالية"، كنّا نريدها ديموقراطية، أو إلى استفادة العناصر الإسلامية الأكثر راديكالية من الاستيلاء على السلطة، وهذا ما كنّا نخشاه.
     إن الحالة السورية هي الأكثر وضوحاً، لأن التمرد العفوي والسلمي في ربيع عام 2011، تحول بسرعة إلى حرب  أهلية بسبب المقاومة العنيدة للنظام المدعوم من حليفيه الروسي والإيراني. إذا كان بشار الأسد لم يعد يُسيطر على جزء كبير من الأراضي السورية، فإنه ما زال دوماً على رأس جيش مُخيف يضمن له البقاء "في السلطة" بدمشق. لقد  أصبح الطاغية أكثر فأكثر رئيساً لميليشيا مُسلحة بشكل قوي وترتكز بقوة على الأقلية العلوية، ولكنها ميليشيا كبقية الميليشيات.
     وصلت سورية إلى مرحلة متقدمة من التفكك. بدلاً من انتظار سقوط بعيد الاحتمال لنظام يُعطي مفاتيح البلد إلى نظام آخر، أو بدلاً من المراهنة على الحل التفاوضي المفقود منذ فترة طويلة، يجب على المعارضة وحلفائها في العواصم الغربية أن تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الجديدة من أجل تنظيم "مناطق مُحررة" دون تأخير، وإقامة سلطة بديلة فيها.
     على سبيل المثال، من العبث أنه يجب دوماً إرسال المساعدة الإنسانية من قبل الأمم المتحدة عبر نظام دمشق، وأن يتم استخدامها لدعم مقاومته، في حين أنه يمكن توزيعها مباشرة على السكان المعنيين بشرط أن يكون هناك سلطات مُعترف بها في المناطق غير الخاضعة لسيطرة العاصمة. من أجل القيام بذلك، يجب أن يتكيّف رد المجتمع الدولي مع انهيار الهياكل التقليدية للدولة.
     فيما يتعلق بليبيا، إن عدم متابعة الوضع غداة التدخل ضد القذافي، أدى إلى نتائج مشابهة. إن ليبيا في طور التحوّل إلى دولة مُفلّسة بسبب عدم وجود جهاز أمني مُوحّد. إن ما يجري فيها يُشبه تقريباً ما فرضته الولايات المتحدة على العراق عبر "إبعاد حزب البعث" عن أجهزة الدولة. تنتشر الميليشيات في جميع أنحاء ليبيا، وأقام جهاديو تنظيم القاعدة قواعدهم في منطقة سرت، وأخذت قبائل الجنوب حكمها الذاتي. إن العاصمة الليبية لا تُسيطر على شيء تقريباً، وتم طرد الأجانب من بنغازي. إن ذلك يُهدد النمو الاقتصادي، وهذا يُغذي بدوره عدم الاستقرار السياسي.
     فيما يتعلق بمصر، إنها مثال آخر مشابه حتى ولو كان السياق مختلفاً جداً. لقد خسرت السلطة المركزية منذ بعض الوقت السيطرة على سيناء التي يقوم البدو فيها بجميع أنواع التهريب لمصلحة الجهاديين،وذلك بعد أن تم تهميش البدو اقتصادياً في سيناء. إن فقدان سيطرة الحكومة والشرطة يمتد إلى منطقة إستراتيجية هي قناة السويس. لقد قام الرئيس المصري بفرض حظر التجول في مدينة السويس وبورسعيد والاسماعيلية بعد الاضطرابات التي اندلعت بمناسبة الذكرى الثانية للثورة، ولكن منع التجول لم يتم تطبيقه فعلاً على السكان.
     انتشرت الفوضى في جميع أنحاء مصر بسبب تشبث الإخوان المسلمين بالسلطة، وسلوك المعارضة المُجبرة على القيام بالكثير من المظاهرات العنيفة التي تُهاجم المباني الإدارية بصفتها رمز لسلطة الدولة. تتغذى الأزمة السياسية من تدهور الوضع الاقتصادي الذي يُغذي بدوره الأزمة السياسية. تعرضت العملة المصرية للهجوم، وتتبخر احتياطات العملة الأجنبية، وتلاشت عوائد السياحة واختفت الاستثمارات الأجنبية باستثناء التحويلات المالية القادمة من قطر.
     حذّر وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي بتاريخ 29 كانون الثاني من "انهيار الدولة". من الممكن الاعتماد على الجيش المصري كحل أخير للحفاظ على مصالحه الخاصة داخل الدولة المصرية. ولكن يُخشى من أن الحوار الوطني، المُهدد أصلاً، لن يكفي لإرساء الحد الأدنى من قواعد التسوية. وبدون هذه التسوية، سيكون من الصعب إيقاف القوى المُدمّرة داخل المجتمع المصري.
     برهنت الأحداث الأخيرة في منطقة الساحل (الصحراء الإفريقية) أن فراغ السلطة في الدولة، كان تهديداً يجب أخذه على محمل الجد. يجب الآن بعد نجاح التدخل الفرنسي في مالي، العمل على إقامة ما يشبه السلطة لكي تفرض وجودها على الأرض وتمنع  الجهاديين من العودة إلى معاقلهم. لا يمكن القيام بذلك بدون تقديم بوادر حل لوضع الطوارق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق