صحيفة الفيغارو 2 حزيران 2014 بقلم
مراسلها الخاص في دمشق جورج مالبرونو Georges Malbruot
حسان
النوري هو أحد منافسي بشار الأسد. إنه إصلاحي أكثر من كونه معارض، ويعرف بلده
جيداً لدرجة تمنعه من التهور في اتجاه محفوف بالمخاطر. حذر رجل الأعمال حسان
النوري الذي درس في الولايات المتحدة وكان
وزيراً سابقاً أقاله حزب البعث في بداية سنوات عام 2000 قائلاً: "أنا
أختلف مع بشار الأسد، ولكنني لست ضده. أنا لا أؤيد إدارته للاقتصاد، وهذا هو أحد
أسباب الأزمة. لأن اقتصادنا لا تستفيد منه إلا حوالي مئة عائلة. اختفت الطبقة
الوسطى تقريباً، والنظام الحكومي تنقصه المهنية، والفساد مستشري بشكل كبير".
يمشي حسان النوري في طريق صعب كما هو الحال بالنسبة للمرشح الآخر للانتخابات
الرئاسية ماهر الحجار، تابع حسان النوري قائلاً: "عندما أقول مئة عائلة،
فإن الناس يفهمونني، ولكنني لا أذكر أسماء، أنا أتحدث عن نظام"، ولكنه لم
يتحدث عن الإصلاحات السياسية التي يطالب بها المعارضون، ولا حتى عن رحيل بشار الأسد
عن السلطة. أضاف حسان النوري الذي كان في مقره الانتخابي بفندق الشيراتون قائلاً: "أدركت
بعد مضي ثمانية أشهر على بداية التمرد أن دول الخليج تريد إسقاط النظام".
يجب البحث طويلاً قبل العثور على إحدى صور حسان النوري الغارفة في بحر صور الرئيس
السوري في شوارع العاصمة السورية التي تضم ألف وخمسمائة مركزاً للتصويت من أجل
تشجيع مشاركة واسعة، الأمر الذي يعني إعطاء الشرعية إلى السلطة المدانة خارجياً.
إنها
حملة انتخابية بدون اجتماعات سياسية عامة، نظراً لأن المتمردين كثفوا هجماتهم ضد
هذه الانتخابات التي وصفتها المعارضة الخارجية وعرابوها الغربيون بـ "المهزلة".
على الرغم من ذلك، إنها الانتخابات الرئاسية الأولى في سورية منذ خمسين عاماً، فقد
كان حافظ الأسد وابنه يُنتخبان عبر الاستفتاء حتى الآن. ولكن الجميع يعرف أن بشار
سيُنتخب، وأن منافسيه الاثنين ليسا إلا وسيلة لإضفاء الأهمية على الانتخابات، وأنه
تم اختيارهما بعد عملية انتقاء تستبعد جميع المعارضين الحقيقيين. قال أحد
الدبلوماسيين الأوروبيين أثناء زيارة خاطفة مبتسماً: "ماذا سيفعلون من أجل
الحصول على 10 % من الأصوات؟". وحتى أحزاب المعارضة التي تتسامح معها
السلطة دعت إلى مقاطعة الانتخابات "تضامناً مع أكثر من نصف السوريين الذين
لا يستطيعوا المشاركة فيها". هناك مليونا لاجىء خارج سورية، وستة ملايين
نازح. أكد هيثم سطايحي، أحد مستشاري الأسد قائلاً: "سنبذل كل ما بوسعنا
لكي يتمكنوا من التصويت"، وأعرب عن رضاه من قيام العديد من اللاجئين في لبنان
بالتصويت.
سيُصوت السوريون في المناطق التي يُسيطر عليها
النظام، أي في المدن الكبرى: دمشق وحمص وحماة وجزء من درعا وربما حلب التي يُكثف
الجيش قمعه فيها لكي تتمكن المدينة الثانية في سورية من التصويت، وذلك دون أن ننسى
معقل العلويين في المنطقة الساحلية وبعض المناطق الريفية التي استعادها الجيش منذ
ستة أشهر. فيما يتعلق ببقية "سورية المفيدة"، فإن الأرياف
الشمالية والشرقية التي يسيطر عليها المتمردون الإسلاميون ستقاطع الانتخابات. هذه
المقاطعة غير مهمة، فقد أعربت النائبة المسيحية ماريا سعادة عن سرورها قائلة: "مع
هذه الانتخابات، إن مصير البلد سيُقرره السوريون مرة أخرى ، وليس كيري أو
فابيوس". لقد سقطت قذيفة هاون بالقرب من منزلها الأسبوع الماضي، وهي تخشى
مثل الكثيرين من سكان دمشق من اندلاع العنف في يوم التصويت. برز هاجس آخر خلال
الأسابيع الماضية: هناك بعض القنابل المخفية في الأنفاق المحفورة تحت الأبنية
الحكومية، إنه تكتيك استخدمه المتمردون في الشمال. تقوم الأجهزة الأمنية منذ ذلك
الوقت بتفتيش جميع الفجوات في حي المالكي الذي يسكنه العديد من القادة. اعترف حسان
النوري قائلاً: "يعتقد الكثير من السوريين أن سورية ستكون أكثر استقراراً
تحت قيادة الأسد بالمقارنة مع المعارضين". قال أحد التجار (أمجد)
متحمساً: "هذه هي المرة الأولى التي سأذهب فيها للتصويت لأن بلدي يتعرض
للهجوم من جميع الاتجاهات. هل تعتقدون أننا نرغب حقاً بديموقراطيتكم بعد كل ما جرى
في العراق وليبيا ومصر؟".
يقول
الكثيرون بغموض أنهم يريدون التصويت من أجل سورية أكثر من التصويت من أجل الأسد.
يريد العديد من سكان المدن إيقاف سيل الدماء وإيقاف الدمار وإيقاف صعود الإسلام
الراديكالي الذي يُثير قلق الأقليات المسيحية والعلوية والدرزية (30 % من السكان)،
وذلك بعد ثلاث سنوات ونصف من هذا النزاع الذي أدى إلى مقتل مئتي ألف شخص. إن مشاعر
الحقد واضحة. قال أحد الصناعيين (علي) متأسفاً: "لقد تركتونا دون أي خيار
آخر غير التصويت للأسد. لم تُعطنا فرنسا والولايات المتحدة إلا الكلام، بينما أوفى
الحلفاء الإيرانيون والروس بوعودهم للنظام. يريد الناس العودة إلى حياة طبيعية.
إنهم لايحبون بشار الأسد بالضرورة، ولكن ليس لديهم بديل. يبدو لنا أن المعارضة
الخارجية لا تتمتع بالمصداقية. وإذا سقط النظام فجأة، سوف نواجه عدة سنوات من
الفوضى بسبب الراديكاليين. إذاً، ما هو الخيار الذي بقي لنا؟".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق