صحيفة الفيغارو 17 حزيران 2014
بقلم رونو جيرار Renaud
Girard
يمثل
استيلاء الراديكاليين السنة في الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام على مدينة
الموصل يوم الثلاثاء 10 حزيران تذكيراً هاماً للنخبة السياسية ـ العسكرية في
الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا المكلفة بإعداد الاستراتيجية الغربية في الشرق
الأوسط. لقد تذكر المحللون في واشنطن ولندن وباريس أنه يوجد فعلاً عدو أساسي
للغرب، وأن هذا العدو لا يلبس رداء الدكتاتور العلماني أو عباءة رجل الدين الشيعي.
اعتقدنا أن واشنطن ستركز معركتها بعد تفجيرات 11 أيلول على مرتكبي هذه التفجيرات
وأصدقائهم، أي المتطرفين السنة الذين يتغذون من الوهابية السعودية، ويسكنون في
الشرق الأوسط أو تغلغلوا في أوروبا. ولكن الولايات المتحدة تخلت بتهور وغباء
إيديولوجي عن ملاحقة هذا العدو، نظراً لأن هذا العدو الأساسي عَرِف كيف ينتشر
بذكاء في جميع أنحاء العالم العربي ـ الإسلامي، ويختبىء بين السكان المدنيين للدول
الصديقة.
من
أجل التعويض عن هذا الضعف، صنعت الولايات المتحدة لنفسها أعداء أكثر مرئية وأكثر
سهولة في القضاء عليهم ومعاقبتهم بالمقارنة مع بعض المنظمات والحركات السرية، ثم
لحق بها غالباً (ولكن ليس دائماً) حلفاؤها الغربيون. اختارت الولايات المتحدة بعض
الدول مثل عراق صدام حسين وإيران الخميني وليبيا معمر القذافي وسورية بشار الأسد،
ثم بذلت جهودها من أجل تحويلها إلى شياطين. لا شك أن هذه الدول الدكتاتورية ليست
مثل دولة السويد، ولكنها لم تكن تهدد الدول الغربية، ولم تتصرف كعدو لها.
يمكن
أن يخرج النور من قلب الظلام. يمكن أن تُولد من المأساة الحالية في العراق الذي
تعرض لاعتداء من قبل مجموعة إسلامية سنية عنيفة جداً معطيات استراتيجية جديدة في
الشرق الأوسط مبنية على التفاهم بين إيران والولايات المتحدة. دعا السيناتور
الأمريكي ليندسي غراهام Lindsey Graham، أحد أهم
المتشددين في الحزب الجمهوري، يوم الأحد 15 حزيران إلى أن يجلس الأمريكيون
والإيرانيون على طاولة واحدة من أجل التنسيق حول رد مشترك، وأكد أن الولايات
المتحدة كانت محقة بالتحالف مع روسيا ستالين ضد النازية.
أصبحت الظروف مهيأة لمثل هذا التقارب أكثر من أي
وقت مضى. في إيران، انتخب الإيرانيون من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية
الأخيرة حسن روحاني باعتباره الأقل عداء للدول الغربية من بين المرشحين الذين
اقترحهم النظام. كما تابع الأمريكيون والإيرانيون نزع فتيل خلافهم النووي أثناء
المفاوضات الثنائية الأخيرة في جنيف يومي 9 و10 حزيران. في الولايات المتحدة، كان
باراك أوباما أول من قام بمد يده إلى الشعب والحكومة الإيرانية في شهر آذار 2009.
إن النظام الديني الحاكم في إيران الشيعية هو أكثر انفتاحاً وتسامحاً بكثير من
الوهابية السنية. يمارس المسيحيون في
طهران عباداتهم بحرية، وتتمتع المرأة الإيرانية باستقلالية ذاتية حقيقية على
الصعيدين الشخصي والمهني.
إن
بناء تفاهم استراتيجي بين واشنطن وطهران يُشكل الفرصة الوحيدة أمام الشرق الأوسط
لكي ينعم بالسلام والاستقرار يوماً ما. يستطيع كل طرف في هذا الزواج العقلاني أن
يقدم شيئاً ما. تملك إيران الوسائل العسكرية لمساعدة حكومة بغداد في استعادة
السيطرة على الأراضي العراقية. إن النفوذ الذي تتمتع به طهران على النخبة الشيعية
العراقية يمكن أن يجبرها على تقاسم السلطة مع الطائفة السنية التي قام المالكي
بتهميشها بشكل خطير. كما تتمتع إيران بنفوذ أكبر من النفوذ الروسي في دمشق،
ويستطيع قادة طهران إقناع بشار الأسد بتطبيق الفيدرالية في سورية باعتبارها الطريق
الوحيد الممكن نحو الهدنة. تملك الولايات المتحدة الوسائل لإقناع حلفائها الأتراك
والسعوديين بإيقاف جميع المساعدات إلى الجهاديين السنة حتى ولو كانت غير مباشرة.
إذا رفعت الولايات المتحدة اليوم عقوباتها التجارية ضد إيران، فبإمكانها أن تجعل
من طهران شريكاً موثوقاً ضد الإرهاب الإسلاموي. لا مصلحة لأحد بحرب سنية ـ شيعية
شاملة في الشرق الأوسط، ولهذا السبب أصبح الإسراع بالتفاهم الإيراني ـ الأمريكي
أكثر ضرورة من أي وقت مضى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق