صحيفة الليبراسيون 27 حزيران 2014
بقلم أستاذ التاريخ المعاصر للعالم العربي في الكوليج دو فرانس هنري لورانس Henry Laurens ورئيسة منظمة العفو الدولية
جينفييف غاريغوس Geneviève
Garrigos
ورئيس منظمة أطباء العالم تييري بريغو Thierry Brigaud
تعرض
القانون الدولي للإهانة فترة طويلة مع الأزمة السورية. لا يحظى السكان المدنيون
بالحماية، والأسوأ من ذلك أنهم مستهدفون بشكل ممنهج. لاحظ برنامج الغذاء الدولي
والأطراف المتواجدة على الأرض منذ شهر كانون الثاني 2013 أن المساعدة الدولية تصل
إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة بشكل أساسي. ما زالت جميع المنظمات الدولية
تحترم بدقة الاتفاقات التي تربطها مع الدولة السورية، وما زالت بعض الحكومات الغربية
ترفض تمويل بعض النشاطات العابرة للحدود (Cross-Border)
بحجة احترام السيادة السورية. ولكن المعلومات التي تصلنا تؤكد أن السوريين يواجهون
الرعب يومياً: حرب أهلية بدون قانون، وإرهاب الدولة، وقصف المناطق المدنية ببراميل
المتفجرات، واستخدام الأسلحة الكيميائية، ومحاصرة المدن من أجل تجويع السكان، واستهداف العاملين في مجال الصحة. تقود
هذه الأزمة نحو "التطهير"، لأن جزءاً من السكان مُجبر على البحث
عن ملجأ خارج البلد.
تحولت
سورية إلى مجموعة من المناطق غير الخاضعة للقانون، ويستفيد قادة الحرب لدى هذا
الطرف أو ذلك من الفوضى ويفرضون الترهيب. تنتشر هذه المناطق الرمادية في سورية
وغيرها (الصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان وليبيا والعراق ... الخ)،
ولكن هل أصبحت هذه المناطق أسلوباً للإدارة الدولية الدائمة التي تتأقلم
ديموقراطياتنا العاجزة معها؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، ألا تساهم المنظمات
الإنسانية رغماً عنها ضمن المجال الضيق الذي ما زال متاحاً أمامها في ديمومة هذه
المناطق غير الخاضعة للقانون؟
لم
ينجم عن التحرك الدبلوماسي أي عمل قوي من قبل المجتمع الدولي، وسادت اللامبالاة
بعد الأشهر الأولى من السخط. تبقى الإحصائيات التي تنزع الصفة الإنسانية عن
الضحايا، وتمحي وجوههم ومعاناتهم من أجل التخفيف عن عجزنا. تزداد هذه الإحصائيات
يوماً بعد يوم مع قوافل المعارضين الذين يتخلون عن بلدهم. بدأت "صناعة"
السوريين بدون دولة وبدون ملجأ.
من
سيستفيد غداً من هذه "الصناعة" الوقحة التي يمولها المجتمع
الدولي والأمم المتحدة في المقام الأول؟ هل سنرى في السنوات القادمة هؤلاء
السوريين يستقرون حيث رمتهم الحرب في هذا الشرق الأوسط الهش؟ هل سنستطيع غداً
تطبيع علاقاتنا الدبلوماسية مع حكومة أفرغت بلدها من ربع سكانها، وكأنه لم يحصل أي
شيء؟ إنها أسئلة بدون جواب اليوم، ويُفترض أن تُحرك مسؤولينا السياسيين من أجل عدم
إجبار هؤلاء اللاجئين على الاستسلام والبقاء في الدول المجاورة. أصبح البقاء على
قيد الحياة داخل المخيمات في الأردن صعباً جداً، ونشهد شيئاً فشيئاً جميع
الانحرافات التي يمكن تصورها في مكان مغلق: التهريب والدعارة وانعدام الأمن...
الخ. كما يعيش في لبنان مليون لاجىء مع ثلاثة ملايين لبناني، ويريد البعض في لبنان
"إسكان" اللاجئين في المخيمات. في الوقت الحالي، يحافظ المجتمع
اللبناني على توازناته الهشة مع استقبال أقربائه السوريين، ولكن إلى متى؟ تقوم
الدولة التركية بإدارة المخيمات في تركيا بشكل مباشر، ولكن إلى أين، وكم من الوقت؟
يلعب
وزير الداخلية الفرنسي بالكلمات والأرقام بين تأشيرات العبور وتأشيرات الاستقبال
كرد على هذه المأساة. لم تبذل الحكومة أي جهد من أجل استقبال اللاجئين السوريين
بشكل جدي على الرغم من الأسئلة الموجهة من مختلف الجمعيات إلى رئيس الجمهورية.
يحاول البعض منهم الذهاب إلى بريطانيا عبر مدينة كاليه Calais
الفرنسية، ويتم التغطية على عمليات الطرد العنيفة منها عبر التدخل الصحي ضد مرض
الجرب، الأمر الذي يُلحق العار بفرنسا. إنه وضع صعب. تتسارع عملية "صناعة"
اللاجئين، ولكن سياسة المجتمع الدولي ما زالت متناقضة وغير مقروءة. إنها تمهد
للمزيد من الجنون الدامي مستقبلاً، إذا كان ذلك ممكناً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق