صحيفة اللوموند 5 حزيران 2014 بقلم
بنجامان بارت Benjamin Barthe وجاك
فولورو Jacques Follorou وسيسيل هينيون Cécile Hennion وإيف ميشيل ريولز Yves-Michel Riols
توجد براهين قاطعة على أن القوات الحكومية
السورية لجأت مراراً إلى استخدام الأسلحة الكيميائية ضد السكان منذ شهر تشرين
الأول 2013 حتى الآن. يعني ذلك أن دمشق انتهكت اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية
التي وافقت على التوقيع عليها بتاريخ 14 أيلول 2013 تحت تهديد الضربات العسكرية
الدولية. أشار تحقيق أجرته صحيفة اللوموند إلى أن السلطات الفرنسية تملك منذ
أسبوعين على الأقل بعض الدلائل التي تظهر قيام الجيش السوري باستخدام غاز الكلور
في قصف المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين. هذه النتائج هي ثمرة التحاليل التي
أجراها مركز الدراسات في بوشيه Bouchet التابع للإدارة العامة للتسليح، وهو الجهة الوحيدة في فرنسا التي
تملك مخبراً مُجهزاً لإعطاء نتائج مؤكدة في مجال الأسلحة الكيميائية.
تم القيام بكامل هذه العملية وفقاً للقواعد
الدولية بمساعدة بعض الخبرات الأمريكية والبريطانية. قامت أجهزة التنصت
الإلكترونية لوكالات الاستخبارات الغربية بالتقاط المكالمات الهاتفية في الأراضي
السورية، وكشف هذا التنصت عن درجة الاستعداد لهذه العمليات وعن سلسلة القرارات على
جميع مستويات المسؤولية السياسية والعسكرية التي قامت بهذه الهجمات الكيميائية.
توجد بعض الحوارات بين أعلى مستويات السلطة السورية وحتى الوحدات العسكرية المكلفة
باستخدام الأسلحة الكيميائية على الأرض. في المرحلة الثانية، حصل عملاء
الاستخبارات الأمريكية على بعض "أجزاء الصواريخ الحاملة للمواد
الكيميائية" التي تم استخدامها لإطلاق الغاز الكيميائي في الأراضي
السورية. إنها تمثل بعض القطع المعدنية المُهربة من سورية وفقاً للأساليب التي
تسمح بضمان معرفة أصلها وسلامة عناصر الأدلة. كما نقل البريطانيون إلى الفرنسيين
جزءاً من عيناتهم المأخوذة من المواقع المفترضة التي تعرضت للقصف بالكلور. لم تحصل
صحيفة اللوموند على نتائج الخبراء البريطانيين.
إن التزام الصمت حول نتائج هذه العينات يمكن
تفسيره جزئياً بالضغوط التي تمارسها الحكومات الفرنسية والأمريكية والبريطانية على
أجهزة استخباراتها لكي لا يتم نشر هذه المعلومات. أشار مصدر رفيع المستوى في أجهزة
الاستخبارات الفرنسية إلى أن باريس لا تستطيع الكشف عن براهينها بدون الموافقة
الأمريكية لأن واشنطن زودتها بجزء من عناصر البرهان، وأكد قائلاً: "إن
انتهاك هذه القاعدة التي تنص على حماية المعلومات القادمة من شريك خارجي، ستضر
بعلاقة الثقة مع الولايات المتحدة". تؤكد باريس أن دمشق شنت هذه الهجمات
على "بعض السكان المدنيين وبعض المقاتلين" وفق الأسلوب نفسه: أي
استخدام الطائرات المروحية لإلقاء اسطوانات غاز الكلور، وأضافت باريس أن هذه
الهجمات أدت إلى مقتل "حوالي مئة شخص".
إذا
كان انتاج غاز الكلور غير ممنوع، فإن استخدامه لغايات عسكرية يتناقض مع الاتفاقيات
الدولية، ويشكل انتهاكاً صارخاً لميثاق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهي المنظمة
المكلفة من قبل الأمم المتحدة بمراقبة تفكيك الترسانة الكيميائية. بدأ الاشتباه
بشن هجمات بالكلور مع شهادات الأطباء وصور الفيديو القادمة من منطقة حماة، ولاسيما
قرية كفر زيتا. نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش بتاريخ 13 أيار تقريراً دامغاً،
وجمعت بعض الوثائق حول ثلاثة هجمات بالكلور في كفر زيتا وفي قريتي التمانعة
وتيلمانس جنوب ـ شرق إدلب. ما هو الهدف الاستراتيجي للنظام؟ كفر زيتا هي قاعدة لإحدى
آخر الكتائب المتمردة التابعة للجيش السوري الحر، وتشكل هذه المنطقة بؤرة لا تنضب
لتجنيد المقاتلين لدى الجبهة الإسلامية التي أصبحت التحالف المسلح الأساسي للتمرد.
كما تجري معركة حاسمة على بعد عدة كيلومترات من هذه القرية بالقرب من قاعدة وادي
ضيف العسكرية التي يسيطر عليها النظام. أشار تقرير مفصل نشره مركز التوثيق للعنف
في سورية إلى أن محافظة حماة كانت أكثر المناطق تعرضاً للهجمات الكيميائية في
الفترة الأخيرة. ربما تم استخدام غاز الكلور أيضاً في محافظة إدلب التي يسيطر
المتمردون على 90 % منها. أخيراً، تعرضت أيضاً بعض المدن القريبة من دمشق (جوبر
وداريا وحرستا) إلى بعض الهجمات الكيميائية.
إن نتائج الهجمات بالكلور تشبه نتائج سياسة
الحصار والتجويع: أي تقويض معنويات السكان المدنيين من أجل حرمان المتمردين من
قاعدتهم الشعبية وإجبارهم على توقيع اتفاق "هدنة" أو "مصالحة".
قال عبد الأحد اسطيفو، عضو المكتب السياسي للائتلاف الوطني السوري: "يكفي
النظر إلى خارطة المناطق المستهدفة: حرستا وجوبر وداريا... إنها جميع الجبهات
الساخنة. كما تعرض حي القدم إلى القصف أيضاً. بعد فترة قصيرة، تم التوصل إلى اتفاق
المصالحة". تم التوصل إلى اتفاق هش لوقف إطلاق النار في عشرات المدن المحيطة
بدمشق، ولكن النظام استفاد من هذه المهلة من أجل إظهار بشار الأسد كصانع للسلام
والادعاء بأن قواته تتقدم على الأرض قبل الانتخابات الرئاسية. تطرق رئيس الائتلاف
الوطني السوري أحمد الجربا إلى موضوع القصف بالكلور مع فرانسوا هولاند أثناء
اجتماعهما بتاريخ 20 أيار، قال عبد الأحد اسطيفو: "لم نشعر بوجود إرادة
بإخفاء هذه القضية. قال لنا لوران فابيوس أنه يوجد فريق يعمل حول هذه المسألة وأن
بعض النتائج سيجري إعلانها قريباً".
بالمقابل، تلتزم واشنطن بالصمت. أشارت ريما علاف
مستشارة رئيس الائتلاف الوطني السوري إلى أن اجتماع أحمد الجربا مع الرئيس
الأمريكي قبل أسبوع من اجتماعه مع الرئيس الفرنسي اقتصر على تبادل وجهات النظر
حول الوضع في سورية بشكل عام وحول ضرورة
تعزيز تماسك المعارضة. لا يستغرب قادة الائتلاف الوطني السوري اختلاف المقاربتين
الفرنسية والأمريكية حول هذا الملف، اعتبرت ريما علاف أن "الولايات
المتحدة تضع العراقيل في كل مرة تُطلق فيها إحدى الدول مبادرة لصالح
المعارضة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق