الصفحات

الاثنين، ١٥ أيلول ٢٠١٤

(ورقة القبائل لمواجهة الدولة الإسلامية)

صحيفة الليبراسيون 15 أيلول 2014 بقلم مريم بن رعد Myriam Benraad، الباحثة في مركز الدراسات التابع لمعهد العلوم السياسية Ceri-Sciences Po وفي معهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي Ireman

     تظهر تغيرات هامة منذ عدة أسابيع في المناطق الغربية العراقية، وذلك في الوقت الذي يرسم فيه باراك أوباما ملامح خطته لمكافحة الجهاديين. أفسح السنة المجال واسعاً أمام الجهاديين في بداية الصيف الماضي، وربما تشاركوا معهم في بعض الأحيان، ولكنهم على وشك القيام بانعطاف كبير في موقفهم. بدأت العديد من القبائل التي عانت من ترهيب الدولة الإسلامية بتنظيم صفوفها لشن هجوم مضاد في مناطقها. حصلت القبائل على دعم رسمي من رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي، وأصبحت مدعومة علناً من الولايات المتحدة التي قامت للمرة الأولى منذ الهجوم الصاعق للخلافة الإسلامية المزعومة بسلسلة من الضربات الجوية داخل المنطقة السنية التي تمثل معقل التمرد منذ الاحتلال الأمريكي.
     هل يمثل توسيع العمل العسكري الأمريكي، في الوقت الذي يبذل فيه باراك أوباما جهده لتشكيل أوسع تحالف دولي ممكن ضد الجهاديين، تكراراً للتعاون الأمريكي ـ القبلي الذي سمح بتوجيه ضربات موجعة إلى جنود الدولة الإسلامية في العراق عامي 2007 و2008؟ هل أدرك رئيس الوزراء العراقي الجديد الدور الحاسم الذي يمكن أن تلعبه القبائل، بعد أن أرسل الجيش النظامي لمساعدة شيوخ القبائل؟ هل يمكن أن تؤدي هذه "الصحوة" إلى إلحاق هزيمة مشابهة وسريعة ضد الجهاديين في العراق وسورية معاً؟
     إذا كان السياق الحالي يختلف كثيراً عن مثيله عام 2007، فإن نقاط التشابه تبقى كثيرة. عندما برزت مجالس "الصحوة" الأولى في العراق في ذروة الفوضى العراقية، كان بروزها ثمرة للهجمات المنتظمة المرتكبة ضدهم، وكانت الدولة الإسلامية تُنازعهم سلطتهم السياسية والاجتماعية وهيمنتهم على تجارة النفط التي تنازل عنها صدام حسين إلى القبائل خلال سنوات التسعينيات مقابل تأمين الحدود. لقد ظهر "مجلس انقاذ الأنبار" في نهاية عام 2006 في سياق إعلان الجهاديين لدولتهم ودعوتهم لجميع المسلمين بإعلان ولائهم لهم تحت طائلة الموت، وهاجموا القبائل الموصوفة بالكافرة بعنف. استلم الشيخ أبو ريشة قيادة القبائل، إنه حفيد أحد قادة الثورة العراقية الكبرى عام 1920، ومن المعروف عنه قيامه بعمليات مشبوهة على الطريق الدولي بين عمان وبغداد.
     من المعروف أن الجهاديين يحتقرون شيوخ القبائل الذي أصابهم الضعف بعد ظهور الدول في القرن العشرين، ثم أصبحوا مجرد "دمية" بأيدي الاحتلال. ولكن أبو ريشة حقق انتصارات هامة ضد خصومه خلال وقت قياسي. قام أبو ريشة بتوسيع حركته بدعم من القوات الأمريكية عبر تفعيل التضامن القبلي الحقيقي أو الظاهري، وأقنع الأمريكيين بأن تسليح وتمويل القبائل هو الشرط الضروري لإخلاء القوات الأمريكية. قاومت القبائل ضد الدولة الإسلامية خلال أشهر طويلة من الأنبار إلى ديالا مروراً بصلاح الدين ونينوى، واستعادت السيطرة على الوضع من الدولة الإسلامية.
     تمكنت الدولة الإسلامية من اغتيال أبو ريشة في شهر أيلول 2007، ثم قامت بغداد بحل مجلس "الصحوة". أحست القبائل بالمرارة مرتين: أولاً، تجاه الجيش الأمريكي الذي خان تعهداته برأيهم؛ ثانياً، تجاه الحكومة العراقية التي يعتبرون أنها استفادت من نجاحاتهم التكتيكية والسياسية. وهكذا توفرت جميع الشروط لعودة القبائل إلى الجهاد المسلح، ولاسيما بعد حملة القمع البالغة العنف التي شنها نوري المالكي ضدهم منذ رحيل آخر القوات الأجنبية. إن هذا الوضع يوضح السهولة التي تمكن بها الجهاديون من السيطرة على الفلوجة والرمدي ـ مركز منطقة الأنبار ـ .
     هل أدرك رئيس الوزراء العراقي الجديد الإيجابيات والمكاسب المحتملة من صحوة القبائل الجديدة عندما أعلن عن استعداده للتعاون مع شيوخ القبائل؟ أعلن شيوخ القبائل عن تعبئة واسعة ضد الجهاديين في منتصف شهر آب، الأمر الذي يمثل انفتاحاً استراتيجياً حقيقياً بالنسبة لحكومة متقوقعة على نفسها وبحاجة إلى جميع الأطراف والحلفاء لمواجهة تصميم الدولة الإسلامية. ولكن السؤال الحقيقي يكمن في ديمومة هذه الاستراتيجية: هل ستكفي ردة فعل القبائل ضد الدولة الإسلامية للقضاء على الوجود الجهادي على المدى الطويل، هذا الوجود الجهادي المتجذر في العراق منذ سنوات طويلة؟ هل السلطة في بغداد مستعدة للاعتراف أخيراً بمكان السنة في الرهان السياسي وفي المؤسسات التي استُبعدوا منها منذ عام 2003؟ إن مستقبل العراق وسورية والشرق الأوسط يعتمد على هذا السؤال؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق