الصفحات

الأربعاء، ١٧ أيلول ٢٠١٤

(الحرب الجديدة في العراق ومداها المحدود)

صحيفة الليبراسيون 17 أيلول 2014 بقلم برنار غيتا Bernard Guetta

     لا، لا يمكن السماح لأسوأ أنواع المتعصبين بتشكيل دولة بين سورية والعراق في قلب الشرق الأوسط، وأن يرتكبوا المجازر بحق الشيعة والمسيحيين واليزيديين وجميع السنة الذين لا يوافقونهم في تعصبهم، وأن يستمروا في تجنيد الانتحاريين المستعدين لضرب باريس ولندن وبرلين، وأن يتضاعف عدد اللاجئين الهاربين من البربرية في الوقت الذي تتراجع فيه قدرة أوروبا على استقبالهم بسبب التوترات الاقتصادية والسياسية فيها.
     لا يجب البقاء مكتوفي الأيدي، ويجب تشكيل تحالف لكي تُشارك الممالك النفطية في تحمل كلفة التدخل، ولكي لا يكون ممكنا اتهام هذا التحالف بأنه غزو صليبي ضد الإسلام. إن فرنسا مُحقة في دعوة الولايات المتحدة وأوروبا والعالم الإسلامي إلى التعبئة، ولكن الدول الغربية ستضع قدمها في مستنقع غامض، ويجب عليها معرفة الخروج منه بسرعة حالما يتم الحد من قدرات الدولة الإسلامية على إلحاق الضرر.
     إن أي هدف آخر سيكون وهماً في الشرق الأوسط الذي تنتظره عدة عقود من النزاعات الداخلية، لأنه لم يعد ممكناً الحفاظ على الحدود التي رسمتها القوى الاستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى. سيكون من العبث الحفاظ على الحدود في العراق، لأن الأكراد خلقوا لأنفسهم دولة مستقلة ذاتياً منذ حرب الخليج الأولى، ولم يعد يجمعهم أي شيء تقريباً مع بغداد؛ ولأن السبب الوحيد الذي يدفع الشيعة للحفاظ على وحدة العراق هو قانون الأغلبية الذي يمنحهم السيطرة على الأقلية السنية التي لا تريد الخضوع للأغلبية الشيعية. أعرب التحالف الدولي وفرنسا عن إرادته في الدفاع عن سلامة الأراضي العراقية، لأنه ليس بإمكانه أن يقول شيئاً آخراً، وليس من مهمة التحالف أن يدفن هذا البلد، ولا يمكنه التدخل فيه بدون موافقة السلطات في بغداد، ولم يعد ممكناً إعادة إحياء العراق أو إعادة بناء سورية.
     أحرز نظام بشار الأسد تقدماً حقيقياً في سورية ضد التمرد، وأوقف تقدمه، واستعاد منه بعض الأراضي، ولكن على حساب الكثير من الويلات لدرجة أن المصالحة بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية الحاكمة منذ حوالي نصف قرن لم تعد ممكنة. لم يعد بمقدور عائلة الأسد والأقلية العلوية استعادة سلطتها على هذا البلد المُفتت على الرغم من محاولة الحفاظ على وهم الدولة السورية أو وهم الدولة العراقية عبر المؤسسات الكونفيدرالية، لأن المواجهة بين السعودية وإيران ستُزعزع مثل هذه المؤسسات بسرعة وستُفتتها.
     دخل الشرق الأوسط في حرب بين التيارين الكبيرين في الإسلام، وهي حرب تشبه الحروب الدينية التي مزقت أوروبا لفترة طويلة. يترافق هذا النزاع الديني بتفاقم المواجهة القديمة بين بلاد فارس قديماً والسعودية. إنه انتقام تاريخي يتحدد مصيره اليوم، وتملك إيران الكثير من الأسلحة لتكسبه لدرجة أن أياً من هاتين القوتين الإقليميتين لن تسمح للأخرى بتحقيق أي تقدم، ولا حتى في سورية أو العراق أو بقية دول المنطقة مثل لبنان.
     بالتأكيد، سيتحقق التوازن يوماً ما، ولكن هذا اليوم لن يأتي إلا عندما تستنفذ الأطراف المعنية قواها، وتفقد أي أمل بالخيار المسلح. لم نصل إلى هذه المرحلة حالياً، وما زالت الحرب في بدايتها، وستكون طويلة جداً جداً. لم يعد للولايات المتحدة مصالح حيوية تدافع عنها في هذه المنطقة، وتعتبر أن المعركة الرئيسية أصبحت في آسيا. ستكون أوروبا في الخط الأول شاءت أم أبت، ، وليس هناك أي سبب يدفعها للانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك، نظراً لأنه بإمكانها التفاهم مع الطرفين، ولأن مصلحتها هي الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع دول المنطقة التي ستكون شريكها الأساسي في حال عودة السلام. لا تستطيع أوروبا إلا الدفاع عن أمنها في الشرق الأوسط المفتت، لأن الوقت فقط هو الكفيل بتهدئة العاصفة وفرض نظام جديد وحدود جديدة. نعم للمساهمة في تدمير الدولة الإسلامية، ولمحاولة القيام بالمساعي الحميدة. ولكن ما عدا ذلك، يجب على الشرق الأوسط، وليس أوروبا، أن يحل مشاكله بنفسه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق