صحيفة الفيغارو 19 أيلول 2014 بقلم أدريان
جولمز Adrien Jaulmes
أصدر
باراك أوباما أمره بقصف الدولة الإسلامية، وقال: "هدفنا واضح. سنُضعف
وندمر الدولة الإسلامية بفضل إستراتيجية طويلة وشاملة ضد الإرهاب". إذا
كان الهدف واضحا، فإنه ما عدا ذلك هو أقل وضوحاً بكثير. تتضمن حملة باراك أوباما
ضد هذا العدو عدة نقاط ضعف أساسية. تعرّض قرار اللجوء إلى السلاح الجوي فقط
للانتقاد، ويبدو أن البنتاغون لم يغلق الباب أمام إرسال قوات إلى الأرض، وقال أن
الجنود الأمريكيين "يمكنهم في كل حالة على حدة أن يرافقوا القوات العراقية
في هجومهم ضد مواقع الدولة الإسلامية". ولكن باراك أوباما أكد من جديد
قائلاً: "أريد أن أكون واضحاً. إن القوات الأمريكية المنتشرة في العراق لن
يكون لها أية مهمة قتالية". على أي حال، إن عودة القوات البرية الأمريكية
بشكل محدود لن يغير المعطيات. كما أن إستراتيجية تصفية الإرهابيين في اليمن
والصومال أدت إلى تحويل هذين البلدين إلى "ثقوب سوداء" تزدهر
فيها أكثر المجموعات راديكالية، ولا يبدو أن الاعتماد على القوات المحلية في هذين
البلدين كان مُقنعاً. لقد انهزم الجيش
العراقي أمام جهاديي الدولة الإسلامية على الرغم من تفوقه العددي وأسلحته
الأمريكية المتطورة، وظهر أيضاً أن القوة العسكرية لقوات البشمرغة الكردية كان
مبالغاً بها، وغير قادرة على الصمود تجاه داعش بدون الدعم الجوي الأمريكي.
تنوي
واشنطن تخصيص نصف مليار يورو من أجل تدريب وتجهيز خمسة آلاف متمرد سوري "معتدل"
لكي يكونوا قادرين على المشاركة في مكافحة الدولة الإسلامية. ولكن هذا الحل المغري
على الورق ليس واقعياً جداً. قام مقاتلو الجيش السوري الحر بدعم الجزء الأساسي من
الكفاح ضد بشار الأسد بعد الاستيلاء على حلب عام 2012، وخسروا الكثير من المقاتلين
في المعركة العنيفة المستمرة داخل المدينة. لقد قُتِلَ الكثيرون منهم من قبل دمشق
أو اغتالهم الإسلاميون الذين هاجموهم بشكل أكبر من قوات النظام. إذا أشرفت الدول
الغربية على تدريبهم بشكل مباشر، فإنها ستنزع المصداقية عنهم مقدماً، ما دام الرأي
العام العربي ينظر إلى الولايات المتحدة بصفتها قوة معادية. إذا تم تكليف قطر أو
السعودية بهذه المهمة، فإن الخطر كبير برؤية هاتين الدولتين اللتين لم تتوقفا عن
دعم المتطرفين الإسلاميين تستمران بلعبتهما المزدوجة الخطيرة. يواجه جون كيري
صعوبة كبيرة في تجنيد الحلفاء الإقليميين الذين يتحملون مسؤولية كبيرة في المشكلة
التي تحاول الولايات المتحدة حلها.
تواصل تركيا العمل من أجل تحقيق طموحاتها الخاصة
في الشرق الأوسط. إنها القاعدة الخلفية الأساسية للمتمردين في شمال سورية، ومن
بينهم الجهاديين، منذ بداية التمرد. يمر المتطوعون الأوروبيون والأجانب بدون عوائق
عبر الأراضي التركية، ولم تُغير تركيا سياستها منذ قدوم الدولة الإسلامية. تمثل
السعودية حليفا إشكالياً آخراً، إنها مهددة بشكل مباشر من قبل إيديولوجية وهابية
تتطابق مع إيديولوجيتها، ولكنها ترفض الهيمنة التاريخية للعائلة السعودية. تنظر
السعودية بجدية إلى تهديدات الدولة الإسلامية التي أعلنت عن نيتها على المدى
الطويل بالسيطرة على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. ولكن الرياض لا تستطيع أن
تسمح لنفسها بفقدان جزء من الرأي العام السعودي الذي يؤيد الخلافة الجديدة. إن
السعودية هي أيضاً المحرك الإيديولوجي والمالي الأساسي للوهابيين في الشرق الأوسط
والعالم، وساهمت بشكل كبير في انتشار إيديولوجيا الجهاد وراديكاليتها. فيما يتعلق
ببقية إمارات الخليج، إنها لا تتمتع بموثوقية أكبر، ويتصف موقفها بالغموض أيضاً.
إنهم حلفاء بالاسم للولايات المتحدة، ويدعمون الجهاديين بشكل مباشر تقريباً في
الوقت نفسه. بالإضافة إلى ذلك، تخاف جميع هذه الدول من هيمنة إيران وحلفائها
الشيعة أكثر من خوفها من تهديد الجهاديين السنة.
يتمثل العائق الكبير الآخر أمام الحرب التي
أعلنها باراك أوباما ضد الدولة الإسلامية في أنها تندرج في سياق عدة نزاعات
متداخلة مع بعضها البعض، وتجري في الوقت نفسه، وتتغذى من بعضها البعض. تنخرط
واشنطن رغماً عنها في حرب إقليمية كبيرة بين القوى السنية من جهة، والشيعة
المدعومين من إيران من جهة أخرى. تنقسم هذه الحرب إلى حربين أهليتين، وتضم كل حرب
أهلية ثلاثة أطراف. يتواجه في الحرب الأهلية العراقية كل من الأكراد ودولتهم شبه
المستقلة، مع العراقيين الشيعة الذين يملكون السلطة في بغداد، والسنة الذين يتعرضون
للإهانة والاضطهاد من قبل السلطات الجديدة. فيما يتعلق بالحرب الأهلية السورية،
يقاتل النظام العلوي لبشار الأسد ضد المتمردين المحليين في الجيش السوري الحر
والجهاديين (من ضمنهم الدولة الإسلامية) الذين يتقاتلون بين بعضهم البعض أيضاً.
ترفض
واشنطن رسمياً التحالف مع إيران وسورية الأسد. ولكن جون كيري قال في باريس يوم
الاثنين 15 أيلول أن الولايات المتحدة "مُنفتحة تجاه أية عملية بناءة
بإمكانها تخفيف العنف والحفاظ على وحدة العراق". استبعدت الولايات
المتحدة التعاون مع نظام دمشق مؤكدة أن قصف مواقع الدولة الإسلامية في سورية لن
يكون بالتعاون مع سورية. ولكن دمشق وطهران تستفيدان بالفعل من التدخل الأمريكي ضد
عدوهما المشترك بشكل يثير قلقاً كبيراً لدى القوى السنية. لاشك أن التدخل الأمريكي
ستظهر نتائجه على الأرض بشكل يسمح باحتواء تقدم الدولة الإسلامية أو حتى إجبار
الجهاديين على التخلي عن جزء من المواقع التي استولوا عليها. ولكن استئصال الدولة
الإسلامية يعني أن دمشق وبغداد ستستعيدان أراضيهما، الأمر الذي يثير خوف بقية
الدول السنية أكثر من خوف الدولة الإسلامية.
هناك
عائق إضافي آخر أمام باراك أوباما الذي يريد الحفاظ على التدخل الأمريكي في أدنى
مستوى ممكن وعدم الانجرار في تصعيد عسكري، لأن ظاهرة الدولة الإسلامية لا تقتصر
على سورية والعراق. تتجاوز إيديولوجية الدولة الإسلامية هذين البلدين، ويستفيد
الجهاديون من دعم جزء لا يستهان به من السكان على الرغم من وحشيتهم. ظهرت أعلام
داعش السوداء في المدن الأردنية. بنت السعودية جداراً على حدودها مع العراق،
وأرسلت قوات إضافية لحمايتها، ولكن العدو وصل إلى داخل السعودية. إن ظاهرة الدولة
الإسلامية أكثر شمولاً وحداثة، وتخرج عن سيطرة السلطات الدينية التقليدية. يعيش
العالم الإسلامي في حالة غليان داخل الشرق الأوسط وخارجه. تتحول أحياناً بعض
الظواهر المحلية في البداية إلى تمرد شامل في العالم الإسلامي السني من مالي إلى
الباكستان مروراً بأفغانستان والصومال واليمن، ومن شبه الجزيرة العربية إلى بلاد
الرافدين ومصر. إن الدولة الإسلامية ليست إلا التحول الأخير والأكثر إثارة للقلق
في هذه التحولات.
أرادت الولايات المتحدة أن يكون تدخلها محدوداً
ومحصوراً، ولكن هذا التدخل الذي أعلن عنه باراك أوباما يشبه على الأغلب إشارة
البداية لحرب طويلة وواسعة جدا مع نتائج غامضة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق