الصفحات

الاثنين، ١٥ حزيران ٢٠١٥

(لندن ـ واشنطن: علاقة لم تعد "خاصة" جداً)

صحيفة الفيغارو 18 أيار 2015 بقلم مراسلتها في واشنطن لور ماندفيل Laure Mandeville

     لم تعد علاقة خاصة جداً. هذه هي العبارة التي تتكرر دوماً في الصحافة البريطانية والأمريكية حول العلاقة بين بريطانيا والولايات المتحدة. كتبت الديلي تلغراف في شهر كانون الثاني: "حقيقة غريبة: تتراجع سمعة بريطانيا بشكل كبير منذ عدة سنوات... وتهتم واشنطن بأنجيلا ميركل أكثر فأكثر". لكن ما زال هناك بالتأكيد الإرث التاريخي والمرجعيات الفكرية والثقافية واللغوية بالإضافة إلى العلاقة الوثيقة والفريدة بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية منذ الحرب العالمية الثانية.
     لا يمكن مقارنة التفاهم الحالي بين دافيد كاميرون وباراك أوباما مع النظرة الموحدة بين تاتشر وريغان حول كيفية الخروج من الحرب الباردة، أو بين بلير وكلينتون حول إيرلندا والبوسنة، أو بين بلير وبوش الابن خلال حرب العراق. أكد الباحث في معهد بروكنغز فيليب لوكور Philippe Le Corre أن التصريحات الرسمية حول هذه العلاقة "الخاصة" ما زالت مستمرة، ولكنها "تُخفي ابتعاداً في المواقف بين الحليفين". أشار هذا الباحث إلى أن المثال الأوضح على ذلك هو تركيز دافيد كاميرون اهتمامه بشكل كامل على إنعاش الاقتصاد، وعدم انزعاجه من كونه أول حلفاء الولايات المتحدة الذين ينضمون إلى المصرف الآسيوي للاستثمار دون استشارة العم سام بشكل مسبق. حذت بقية الدول الأوروبية حذوه بالانضمام إلى هذا المصرف، واضطرت واشنطن للانضمام إليه أيضاً، نظراً للزلزال الجيوسياسي الذي قد ينجم عن هذا الحدث بالنسبة للنظام الموروث عن اتفاقيات بريتون وودز. قال الباحث فيليب لوكور: "تسبب ذلك بفضيحة صغيرة في البيت الأبيض الذي ينتابه الشعور بأن البريطانيين مستعدين لتقديم جميع التنازلات من أجل جذب الاستثمارات الصينية".
     تركت الأحداث في سورية خلال صيف عام 2013 بعض الآثار عندما قرر باراك أوباما في نهاية المطاف عدم التدخل في سورية، وذلك بعد فشل دافيد كاميرون بإقناع مجلس العموم في الانضمام إلى العملية العسكرية. استنتج الأمريكيون أنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد بشكل فعلي على الحليف البريطاني الذي كان في الماضي مستعداً لإرسال جيوشه إلى جميع أنحاء العالم إلى جانب الأخ الأمريكي الأكبر، ولكن هذا الحليف تنتابه اليوم الرغبة بالانكفاء وتقليص موازنته العسكرية بشكل ملموس. قال السفير البريطاني السابق في واشنطن كريستوفر ماير Christopher Mayer في صحيفة الديلي تلغراف: "ينتاب الأمريكيون قلق متزايد حول موثوقية بريطانيا كحليف أساسي".
     يجب القول أن النظرة الأمريكية إلى أوروبا تغيرت مع مرور السنين. كانت الولايات المتحدة تشعر بالريبة خلال فترة طويلة تجاه التطلعات الفيدرالية للاتحاد الأوروبي، وكانت ترتكز على بريطانيا بشكل أساسي لمواجهة مثل هذه التطلعات. لكن واشنطن لم تعد تشعر اليوم بالفائدة من بريطانيا التي أصبحت ترتاب بأوروبا أكثر من أي وقت مضى بعد أزمة اليورو وأزمة الهوية الأوروبية. إن الخوف الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة لم يعد أن تكون أوروبا منافسة لها، بل أن تنفجر تحت تأثير الأزمة الاقتصادية في منطقة اليورو، وألا تكون أوروبا قادرة على ضمان أمنها تجاه روسيا التي تعيش ذروة التشنج القومي.
     يبدو أن الولايات المتحدة أصبحت فجأة تراهن على برلين وباريس. إنها تراهن على أنجيلا ميركل في ألمانيا من أجل إدارة الأزمة الروسية، وتراهن على فرنسا التي أصبحت شريكاً أساسياً للولايات المتحدة في مواجهة التهديد الإرهابي في أفريقيا، وبرهنت على قدرتها في إرسال قواتها إلى مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى ومجمل منطقة الصحراء الأفريقية (الساحل). سألت صحيفة الفيغارو باراك أوباما خلال الزيارة الرسمية التي قام بها فرانسوا هولاند إلى واشنطن في شهر شباط 2014 فيما إذا كانت فرنسا قد حلّت مكان بريطانيا كأفضل حليف للولايات المتحدة، أجاب الرئيس الأمريكي عبر مزحة حول "ابنتيه الرائعتين" وأنه "يحب الاثنتين معاً". إذا كان المسؤولون الأمريكيون يشعرون بالقلق من الصعوبات البنيوية التي يواجهها الاقتصاد الفرنسي في إصلاح نفسه، فإنهم يؤكدون أيضاً قلقهم تجاه الاستفتاء الذي أعلنه دافيد كاميرون حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ويعتبرون التردد البريطاني سبباً في تراجع نفوذ لندن داخل أوروبا. قال رئيس مجموعة أوراسيا Eurasia إيان بريمر Ian Bremmer: "وهكذا أصبحت بريطانيا شريكاً أقل أهمية بكثير بالنسبة للولايات المتحدة". وأضاف الباحث فيليب لوكور: "إذا أضفنا إلى هذا القلق مسألة إمكانية انفصال اسكتلندا عن بريطانيا، من الممكن فهم الذعر الأمريكي تجاه الفترة القادمة في بريطانيا".



(الكسوف الدبلوماسي البريطاني يُقلق فرنسا وأوروبا)

صحيفة الفيغارو 18 أيار 2015 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     لم تستيقظ السياسية الخارجية البريطانية أبداً من هذا الانفجار، عندما رفض مجلس العموم البريطاني السماح لدافيد كاميرون بالتدخل ضد النظام السوري في شهر آب 2013، ويبدو أن الدبلوماسية البريطانية انسحبت من شؤون العالم. لم تشارك بريطانيا في المواجهة بين باريس وواشنطن حول الملف النووي الإيراني، واختبأت خلف فرنسا وألمانيا في الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، ولم تقل أي كلمة حول التغيرات الاستراتيجية الجارية في الشرق الأوسط. يبدو أنها لا تهتم بمصير ليبيا والفوضى الناجمة عن التدخل الفرنسي ـ البريطاني ضد القذافي عام 2011. في العراق، تعمل طائرات التورنادو ضمن الحدود الدنيا لكي لا تُثير غضب الأمريكيين.
     إن أسباب الكسوف الدبلوماسي البريطاني معروفة. تعيش بريطانيا هاجس الفشل في العراق وأفغانستان، وبذلت جهوداً تفوق طاقتها في العمليات العسكرية، ووقع الجيش البريطاني ضحية العمل فوق طاقته (Burn Out). قررت وزارة الخارجية البريطانية بعد سنوات عام 2000 التوسعية أن تأخذ فترة من الراحة. اختارت لندن تفضيل الإنعاش الاقتصادي ودعم السوق المالية في لندن بعد الأزمة المالية. كما أن عقيدة عدم التدخل لإدارة أوباما عززت تواري بريطانيا عن الأنظار. تربط بريطانيا "علاقة خاصة" مع الولايات المتحدة، ويتقدمان عادة جنبأً إلى جنب في الملفات الدولية الهامة. على الصعيد الداخلي، إن النفق الانتخابي ـ المتمثل بالاستفتاء على استقلال اسكتلندا والاستفتاء على بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي والانتخابات التشريعية ـ عرقل أي تعبير حول مواضيع السياسة الخارجية. قال النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي عن حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية أرنو دانجان Arnaud Danjean: "تم اعتبار كل ما عدا ذلك كتسلية بالمقارنة مع الأولوية المطلقة للسياسة الداخلية".
     هل يمكن أن تتغير هذه النزعة بالاتجاه المعاكس؟ هل سيستفيد رئيس الوزراء البريطاني بعد انتخابه بفارق مريح من ولايته الثانية من أجل إعادة إعطاء بريطانيا مكانتها في العالم واستئناف سياستها التدخلية التقليدية؟ يأمل أرنو دانجان أن يكون الجواب بالإيجاب، وينتظر "عودة" نشاط الدبلوماسية البريطانية إلى حد ما، وقال: "بذلت بريطانيا الجزء الأكبر من الجهود الاقتصادية المطلوبة. ينظر دافيد كاميرون إلى نهاية النفق الانتخابي، وبإمكانه القيام بدور دولي من جديد لكي يُظهر أن بريطانيا ما زالت طرفاً أوروبياً لا غنى عنه قبل الاستفتاء على بقائها داخل الاتحاد الأوروبي". لكن بقاء وزيري الدفاع والخارجية في الحكومة البريطانية الجديدة ربما يكون إعلاناً بأن لندن لا تنوي التخلي عن تحفظها. قال رئيس مؤسسة شومان Schuman جان دومينيك جولياني Jean-  Dominique Jiuliani متأسفاً: "أخشى ألا نجد البريطانيين قبل فترة طويلة"، ولاسيما فيما يتعلق بالمسائل الأوروبية.
     من الناحية الظاهرية، يبدو  أن باريس استفادت من التلاشي التدريجي لحليفها. لم يتمكن دافيد كاميرون وفرانسوا هولاند من التفاهم فيما بينهما إطلاقاً. قامت فرنسا بالدور الأول خلال شهر تشرين الثاني 2013 عندما عارضت التسوية الأمريكية حول الملف النووي الإيراني. كما دافعت فرنسا لوحدها عن الموقف المعارض ضد بشار الأسد وضد داعش، ولكن مع دعم المعارضة المعتدلة ـ التي يعتبرها البعض شجاعة والبعض الآخر غير واقعية ـ في الحرب السورية. وقفت فرنسا في الخط الأول إلى جانب ألمانيا في محاولة لإيجاد مخرج دبلوماسي للأزمة الروسية ـ الأوكرانية.
     يتفق الخبراء على أن باريس لن تستطيع "التصرف بمفردها" إلى الأبد، واعترف أحد الدبلوماسيين قائلاً: "تحتاج فرنسا إلى بريطانيا. يصوت البلدان بالطريقة نفسها دوماً في مجلس الأمن". إنهما قوتان نوويتان، ولديهما ثقافة سياسية وعسكرية متشابهة وردة فعل واحدة ومصالح استراتيجية مشتركة. حذر أحد الضباط قائلاً: "عَمِلَ الجيشان الأكبر في أوروبا يداً بيد دوماً. لن تستطيع فرنسا التصرف لوحدها لفترة طويلة". حلّ الثنائي الفرنسي ـ الألماني مكان الثنائي الفرنسي ـ البريطاني منذ تلاشي الدور البريطاني، وكانت فرنسا ملتحمة مع ألمانيا خلال رئاسة نيكولا ساركوزي حول الأزمات الدولية الكبرى مثل الحرب في شرق أوكرانيا. ولكن فيما يتعلق بالشؤون العسكرية، إن باريس وبرلين لا تتحدثان اللغة نفسها. قال الضابط المذكور أعلاه مؤكداً: "إن ألمانيا لا تُحارب. فيما يتعلق بالتوافق بين فرنسا والولايات المتحدة، إنه خداع بصري. ليس هناك شريك بديل لبريطانيا". كما أعرب هذا الضابط عن قلقه من استمرار التخفيض المعلن للموازنة العسكرية البريطانية، الأمر الذي سيلقي بعبئه على مستقبل قوة التدخل الفرنسية ـ البريطانية التي يفترض أن تصبح جاهزة للعمل عام 2016.
     إن "الانسحاب" البريطاني ليس فقط خبراً سيئاً بالنسبة لفرنسا، بل بالنسبة لأوروبا والعالم أيضاً. يعتقد البعض أنه لو صوت مجلس العموم البريطاني في شهر آب 2013 لصالح التدخل في سورية، فإنه ذلك ربما كان سيُقنع باراك أوباما بالتدخل أيضاً، وأن مجرى الحرب ربما كان سيتغير أيضاً. لكن لا يمكن إعادة صنع التاريخ.


الاثنين، ٨ حزيران ٢٠١٥

(ما الذي تراهن عليه روسيا من وراء بيع صواريخ S-300 إلى إيران؟)

الموقع الإلكتروني لوهوفنغتون بوست 28 نيسان 2015 بقلم الباحث المختص بأفغانستان والباكستان وإيران وآسيا الوسطى ديدييه شوديه Didier Chaudet

     من المعروف أن الضغوط الغربية على الاقتصاد الروسي أصبحت كبيرة جداً، وأن الكريملين ردّ على هذه الضغوط عبر بيع صواريخ S-300 إلى إيران. لكن الرد الروسي ليس مجرد رغبة بالانتقام تجاه الموقف الأمريكي من النزاع الأوكراني. بدأت روسيا بالاستعداد لإمكانية انفتاح السوق الإيراني في حال نجاح المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، وتريد أن تكون في المقدمة بالنسبة لسوق السلاح في "الجنة الإيرانية" المحتملة. لا شك أن إيران ستعمل على تحديث جيشها عندما تسنح الفرصة أمامها، ولاسيما سلاح الطيران التي يتألف بشكل أساسي من طائرات ميغ 29 المصنوعة في سنوات السبعينيات.
     لن تزول المشاكل بين الدول الغربية وإيران حتى في حال التوصل إلى تسوية حول الملف النووي الإيراني، وبالتالي، لا يخش الروس من المنافسة الأمريكية والأوروبية بشكل جدي داخل السوق الإيراني. لكن الصناعة العسكرية الروسية ستواجه منافساً آخراً هو الصين التي تستطيع توفير معدات ذات نوعية عالية وبأسعار تنافسية، بالإضافة إلى تقديم دعم دبلوماسي أكثر قوة من الدعم الدبلوماسي الروسي خلال السنوات الأخيرة. يحتاج تحديث الجيش الإيراني إلى أربعين مليار دولار.
     يهدف موقف روسيا أيضا إلى طمأنة زبائنها تجاه صناعتها العسكرية. لقد رفض الكريملين عام 2010 أثناء رئاسة ميدفيديف تسليم صواريخ S-300 إلى إيران على الرغم من دفع ثمنها، وكان الرئيس الروسي آنذاك يؤمن بسياسة اليد الممدودة في واشنطن. اعتبرت جميع الدول المهتمة بشراء الأسلحة الروسية هذا التراجع الروسي بمثابة التحذير، وأن موسكو تتحدث كثيراً ولكنها تخضع للغرب عندما تمارس واشنطن الضغوط عليها. لهذا السبب، أراد بوتين طمأنة زبائنه بشكل كامل، وأصبحوا يحظون بأولوية أكبر من سياسة إرضاء الدول الغربية. لا شك أن بوتين يراهن أيضاً على النزعة القومية الروسية، ويريد أن يبرهن للأحزاب اليمينية والقومية الروسية أن الدبلوماسية الروسية مستقلة وتحرص على مصالحها القومية قبل أي شيء آخر.
     من المفترض التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني مع نهاية شهر حزيران. كان ميدفيديف يريد دفع إيران إلى التفاوض من خلال عدم تسليمها صواريخ S-300، وأن يقول لها بأن تسليم هذه الصواريخ لن يكون ممكناً بدون التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني. إذا، لقد انهار هذا الدعم الروسي غير المباشر للمفاوضات بعد موافقة الكريملين على بيع إيران هذه الصواريخ، وذلك قبل أن يتوصل الأمريكيون والإيرانيون إلى اتفاق. يعني ذلك أن الدبلوماسية الروسية اختارت ثلاثة مواقف متشددة: الموقف الأول، يريد بوتين إفهام أنه لن يدعم أية عقوبات جديدة ضد إيران، ويمنح إيران الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها في حال تعرضها لهجوم، ويوجه الرسالة التالية إلى الدول الغربية: يجب التوصل إلى أرضية للتفاهم  مع الإيرانيين لأننا لن ندعم سياستكم في الضغط والتهديد العسكري بعد 30 حزيران. الموقف الثاني، يُلح الكريملين على الطابع العقلاني للدبلوماسية الروسية لكونها أول من "كافأ" الموقف البراغماتي الإيراني بعد اتفاق لوزان حول الملف النووي الإيراني. يُقدم الروس أنفسهم كشريك عقلاني بعكس الدول الغربية التي تظهر أحياناً أسيرة إيديولوجيا غير عقلانية تجاه الملف الإيراني. الموقف الثالث، من غير المستحيل أن بوتين يستخدم نفوذه لكي يجعل المفاوضات أكثر صعوبة أو حتى إفشالها. لأنه في حال تطبيع العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية، فإن إيران ستكون قادرة على دخول سوق النفط العالمي، الأمر الذي سيؤثر سلباً على موسكو، واعتبر المصرف المركزي الروسي أن هذا التأثير السلبي يبلغ سبعة وعشرين مليار دولار.

     في الواقع، سمح هذا الحدث للحكومة الإسرائيلية بالربط بين المفاوضات الدبلوماسية مع إيران وإمكانية إعادة تسليح الجمهورية الإسلامية. هناك خطر رؤية جميع أنصار الخط المتشدد ضد إيران (الحزب الجمهوري الأمريكي والسعودية وربما الدبلوماسية الفرنسية) يتحدثون مثل إسرائيل. سيؤدي ذلك إلى تصاعد التصريحات العدائية من الجانبين وإضعاف أنصار التيار المعتدل، وبالتالي، جعل روسيا دولة لا غنى عنها في الحوار الإيراني ـ الغربي. في جميع الحالات، سينتصر الكريملين مهما حصل بفضل قرار تجاري بسيط.

الاثنين، ١ حزيران ٢٠١٥

(ما هو تأثير صواريخ S-300 على الشرق الأوسط والولايات المتحدة؟)

الموقع الإلكتروني لوهوفنغتون بوست 5 أيار 2015 بقلم الباحث المختص بأفغانستان والباكستان وإيران وآسيا الوسطى ديدييه شوديه Didier Chaudet

     بدأت الأوساط المطلعة في الشرق الأوسط وأوروبا، وأحياناً مع بعض الصداقات داخل الأوساط الاسرائيلية رفيعة المستوى، تتحدث بالطريقة نفسها بشكل يدعو للاستغراب. تعتبر هذه الأوساط أن اسرائيل ربما ستشعر بالتهديد عبر التطورات في الحوار حول الملف النووي الإيراني، وأنها ستستعد بالتالي للقيام بضربات جوية ضد المنشآت النووية الإيرانية. بالتأكيد، إنها مجرد إشاعات، ولا يجب أن ننسى أبداً أن الأوساط التي يُفترض أنها "واسعة الاطلاع" تميل إلى تقديم معلومات خاطئة إلى المحللين والصحفيين. إذاً، ليس بالضرورة أن نأخذ هذه الإشاعة على محمل الجد. لا شك أنها تُعبر عن ردة فعل مزاجية من قبل بعض الإسرائيليين والأوروبيين المعارضين للتطورات الأخيرة في الملف النووي الإيراني، وذلك تجاه تهدئة العلاقات بين الغرب وطهران.
     سمح فلاديمير بوتين مؤخراً ببيع صواريخ S-300 إلى إيران، الأمر الذي أثار عصبية القادة السياسيين في الشرق الأوسط وبالتالي عصبية واشنطن بشكل غير مباشر. هل يمكن تصور حصول تغير أمني جذري في الشرق الأوسط بسبب القرار الروسي؟ إن إمكانية حصول إيران على هذه الصورايخ سيوفر لها قدرة أكبر على الدفاع عن مجالها الجوي، وبالتالي سيكون ذلك أمراً مزعجاً بالنسبة لواشنطن وإسرائيل والسعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر، نظراً لأن  هذه الدول تتمنى الإبقاء على إمكانية الخيار العسكري ضد طهران.
     يتفق المحللون على القول بأن هذا النظام الدفاعي S-300 هو أحد أفضل الأنظمة الدفاعية في العالم، وقادر على منع اختراق الأجواء الإيرانية من قبل الطائرات المقاتلة F15 (التي تستخدمها الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل بشكل أساسي) وطائرات F/A18 (التي تستخدمها الولايات المتحدة وكندا واستراليا وفنلندا والكويت). إن الطائرات الوحيدة القادرة على التحليق فوق المناطق المحمية بنظام S-300 دون أن تلتقطها الرادارات هي طائرات الشبح مثل القاذفة الاستراتيجية Northrop B-2 Spirit وطائرة Lockheed Martin F-22 Rapter أو طائرة Lockheed Martin F-35 Lightning II. لكن هذه الطائرات باهظة الثمن (2.2 مليار دولار للطائرة B-2)، ولا يمكنها البقاء لفترة طويلة فوق الأراضي الإيرانية في حال القيام بعملية عسكرية.
     إن النظام الصاروخي الذي ينوي فلاديمير بوتين بيعه إلى الإيرانيين يتمتع بقدرة كبيرة على الحركة بالمقارنة مع النظام الأمريكي باتريوت MIM-14، الأمر الذي يزيد من صعوبة الطائرات المعتدية. ليس من قبيل الصدفة أن روسيا والصين تستخدمان صواريخ S-300 (وحالياً الجيل الأخير من صواريخ S-400) من أجل حماية أجوائهما الجوية. ستقلل هذه الصواريخ من إمكانيات العمل العسكرية الإسرائيلية ضد إيران حتى تستلم إسرائيل طائرات F-35. لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن إسرائيل ستستلم طائرتين من هذا النوع عام 2016، ثم ستستلم واحد وثلاثين طائرة بحلول عام 2021. من جهة أخرى، يبدو أن طائرات F-35 تعاني من بعض المشاكل التقنية التي يجب حلها. إذاً، من الواضح أن وجود صواريخ S-300 في إيران سيكون عائقاً كبيراً أمام عمل عسكري إسرائيل من جانب واحد بدون المساعدة العسكرية الأمريكية.
     هناك عاملان رئيسيان وراء القلق والانزعاج في الدول التي ترغب باستخدام القوة ضد طهران: العامل الأول، تم تدريب الإيرانيين فعلاً على  استخدام صواريخ S-300 منذ عملية الشراء التي جرت عام 2007. يحتاج التدريب على استخدام هذه الصواريخ لمدة ستة أشهر بشكل طبيعي، ولكن الجيش الإيراني لن يحتاج إلى عدة أشهر بل إلى عدة أسابيع لكي يضعها موضع الاستخدام. العامل الثاني، طورت إيران نسخة محلية من صواريخ S-300 الروسية. بدأ العلماء الإيرانيون بالعمل في هذا الاتجاه منذ عام 2010 عبر تطوير بعض الأنظمة القديمة مثل S-200. حقق الإيرانيون تقدماً هائلاً في انتاج الصواريخ محلياً وفي وسائل الدفاع الجوي عموماً. من المفترض أن يكون صاروخ Bavar-373 النسخة الإيرانية عن نظام S-300، ومن المفترض تشغيله على الأراضي الإيرانية هذا العام أو العام القادم.
     بالطبع، لا يعني ذلك أن صواريخ S-300 ستجعل الأجواء الإيرانية غير قابلة للانتهاك. أولاً، يجب أن يحترم الروس وعدهم، وأن يتفقوا مع الإيرانيين حول تفاصيل البيع وتسليم الصواريخ فعلاً. من جهة أخرى، يقول الخبراء العسكريون في الولايات المتحدة وإسرائيل أن صواريخ S-300 ستجعل القصف الجوي أكثر صعوبة ولكنها لا تجعله مستحيلاً. ليس من الخطأ الاعتقاد بأن كثرة الحديث عن هذا الموضوع دولياً يمثل وسيلة بالنسبة لبعض المتشددين لافتعال الخوف والتوتر بين الدول الغربية وإيران. يبرهن ذلك على أن الشرق الأوسط لن ينعم بالسلام حتى في حال التوصل إلى اتفاق نهائي حول الملف النووي الإيراني.


الخميس، ٢٨ أيار ٢٠١٥

(هل يمكن أن تحصل الدولة الإسلامية على قنبلة نووية؟)

الموقع الإلكتروني لصحيفة الفيغارو 26 أيار 2015 ـ مقابلة مع الباحث المتخصص بالإرهاب والجريمة المنظمة آلان رودييه Alain Rodier الذي كان ضابطاً سابقاً في أجهزة الاستخبارات الفرنسية ويعمل حالياً في المركز الفرنسي للأبحاث حول الاستخبارات ـ أجرى المقابلة ألكسندر دوفيكيو Alexandre Devicchio

 أعلنت الدولة الإسلامية في العدد الأخير لمجلة (دابق) أنها قادرة على الحصول على أسلحة نووية بحلول عام واحد.
سؤال: تدعي الدولة الإسلامية أنها قادرة على الحصول على سلاح نووي بسرعة كبيرة. هل يجب أخذ هذا التهديد على محمل الجد؟
آلان رودييه: لا. أعلن داعش أنه سيشتريها من الباكستان التي تملك السلاح النووي. هناك خشية دائمة من أن يقوم هذا البلد التي يتصف سلوكه أحياناً بأنه غير متوقع بتزويد بلد آخر بالسلاح النووي. لكن الأمر كان يتعلق بتزويد السلاح النووي إلى دولة أخرى، وكان التفكير يتجه دوماً نحو السعودية (هذه الفرضية غير مستبعدة إذا حصلت إيران على قوة نووية عملياتية). فيما يتعلق بإعطاء السلاح النووي إلى مجموعة إرهابية، ما زال ذلك مستبعداً لأن الضحية الأولى يمكن أن تكون السلطات الباكستانية نفسها. يبقى احتمال سرقة هذا السلاح من قبل حركة معادية للسلطة الحاكمة. يجب معرفة أن المنشآت النووية الباكستانية تحظى بحماية فائقة، ولاسيما أن الأسلحة الأسلحة المخزنة لم يتم تركيبها باستثناء بعض وحدات الإنذار التي لا يمكن اختراقها. ولكن هنا أيضاً، لا يمكن تفعيل هذه الأسلحة إلا بناء على أمر سياسي و(شيفرة) تأتي من أعلى المستويات.
سؤال: كيف يندرج هذا التصريح ضمن الاستراتيجية الإعلامية للدولة الإسلامية؟
آلان رودييه: ترتكز الدعاية المضللة للدولة الإسلامية على إثارة الحديث حولها بشكل دائم، وخلق مناخ القلق حتى لا نقول الرعب. إن "الغزو" المحتمل ضد أوروبا عبر المهاجرين غير الشرعيين انطلاقاً من الشواطئ الليبية يدخل أيضاً في إطار هذه الاستراتيجية. ولكن في هذه الحالة، من الأفضل بالنسبة لداعش أن ترسل الإرهابيين عبر وسائل النقل العادية وحتى في الدرجة الأولى نظراً لأن الأموال متوفرة. لا يعني ذلك أن المهاجرين لن يتم تجنيدهم لاحقاً في خلايا داعش السرية، ولكن عندما يصلون إلى الجهة المقصودة. إن التأكيد على أن الحركة ستحصل على سلاح نووي يُضفي عليها قيمة أكبر بالنسبة للمتعاطفين مع "القضية"، ويعتبرونها دليلاً على القوة وضربة ضد المجتمعات الغربية المكروهة.
سؤال: إذا كانت هناك منظمة إرهابية قادرة حقاً على الاستيلاء على سلاح نووي، فما هي النتائج المتوقعة؟ هل بإمكان هذه المنظمة استخدام السلاح النووي؟
آلان رودييه: إن استخدام السلاح النووي ليس أمراً سهلاً. أولاً، يجب امتلاك القدرة على تفجير القنبلة، وهو أمر يحتاج إلى الحصول على الشيفرات والقيام بعمليات تقنية معقدة. حتى لو افترضنا أن جميع هذه الأمور متوفرة، وهو برأيي أمر مستحيل بنسبة 99.99 % لأنه بحاجة إلى تواطؤ أكثر من جهة، فإنه يجب اطلاقها على الهدف المقصود. على الصعيد البالستيكي، عرض داعش صاروخ سكود في الرقة خلال شهر حزيران 2014. ربما استولى الجيش السوري الحر على هذا الصاروخ من إحدى القواعد العسكرية السورية التي استولى عليها في منطقة دير الزور خلال شهر أيلول 2013، ثم باعه إلى الدولة الإسلامية. لكن المراقبين يعتبرون أن هذا الصاروخ غير صالح للاستخدام. ربما تم الاستيلاء على صواريخ أخرى من النوع نفسه في العراق، ولكن تبقى حقيقة أن استخدام هذه الصواريخ أمر معقد بالنسبة لغير المختصين (يبدو أنه هناك بعض الضباط العسكريين السابقين الذين انضموا إلى داعش، ولديهم الخبرات التقنية. ولكن هذه الخبرة تضيع بسرعة في حال عدم التدريب المنتظم)، كما يجب أن "تتلاءم" الرؤوس النووية مع الصواريخ الحاملة لها. إذا كان الرأس النووي لا يتطابق مع هذا النوع من الصواريخ، فإن الأمر مستحيل. تبقى إمكانية نقل الرأس النووي سراً إلى الهدف المقصود (تحدثت العديد من الروايات الأدبية عن هذه الإمكانية) وتفجيره فيه. يجب معرفة أن الرقابة على هذا النوع من عمليات التهريب تضاعفت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. ينبعث من السلاح النووي إشعاعات من السهل كشفها نسبياً، الأمر الذي يُسهّل مراقبة الحدود. إن الحل الأكثر احتمالاً هو تحول السلاح النووي إلى "قنبلة قذرة"، أي أنه ليس هناك انفجار نووي، ولكن يمكن أن تنتشر مواد مشعة في محيط محدود نسبياً بسبب انفجار تقليدي. يمكن القيام بذلك أيضاً عبر المواد المشعة المدنية التي يمكن العثور عليها في المخابر والمستشفيات. تتألف العبوة المتفجرة من متفجرات تقليدية. تأخذ السلطات هذه الفرضية بعين الاعتبار، ولكنها لا تعتبرها تهديداً من الدرجة الأولى. أظهرت الوثائق التي تم العثور عليها في مخبأ بن لادن في أبوت أباد أن بن لادن لم يفكر إطلاقاً بمثل هذا النوع من العمليات بسبب عدم توفر الإمكانيات التقنية. لا يجب أن نعزو إلى الحركات الإرهابية قوة أكبر مما تملكه فعلاً، دون أن يعني ذلك التقليل منها.
سؤال: هل هذا السيناريو سيكون رديفاً لاضطرابات جيوسياسية هامة؟
آلان رودييه: إن انتشار أسلحة الدمار الشامل (النووية والبكتريولوجية والكيميائية والشعاعية) هو تهديد تأخذه السلطات بعين الاعتبار منذ سنوات. تبذل السلطات كل جهدها لتجنبه ولإدارة الوضع الناجم عن احتمال استخدام هذه الأسلحة من قبل الإرهابيين. إذا، لن يغير ذلك شيئاً مما هو موجود حالياً.                                                                                                                                                                                                     


الثلاثاء، ٢٦ أيار ٢٠١٥

(فرانسوا العربي)

صحيفة اللوموند 1 أيار 2015 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad

     إنها المرة الأولى التي يكون فيها رئيس الجمهورية الفرنسية ضيف الشرف في قمة استثنائية لمجلس التعاون الخليجي يومي 4 و5 أيار في الرياض، ولم يسبق أن خصص مجلس التعاون الخليجي مثل هذا الاستقبال لرئيس دولة صديقة. هل فرانسوا هولاند أمير عربي؟ من كان يتصور في بداية ولايته الرئاسية أن الرئيس "العادي" والاشتراكي سيتحول إلى رجل الثقة لدى المملكة السنية الأكثر محافظة. لا بد أن يأتي اليوم لتفسير هذا اللغز: هل تحول الرئيس حسب الظروف، أم كان يحمل معه سرّاً هذه الإرادة بالتأثير على قضايا العالم ولاسيما في العالم العربي؟
     فرانسوا هولاند هو أحد الرؤساء النادرين الذين حافظوا على توجههم بدون أي تردد ظاهر في هذا الشرق الأوسط الأكثر فأكثر تعقيداً والذي يشهد انقساماً سياسياً ـ دينياً بين السنة والشيعة. لقد اختار بوضوح معسكر الأنظمة العربية السنية التي تدعى "معتدلة" (أي المقربة من الدولة الغربية) وعلى رأسها السعودية. بدأ شهر العسل الفرنسي ـ السعودي في نهاية شهر آب 2013 عندما نشطت فرنسا من أجل القيام بعملية عسكرية ضد النظام السوري المتهم باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. انزعج السعوديون كثيراً من حليفهم الأمريكي بسبب تراجعه في اللحظة الأخيرة عن التدخل العسكري في سورية، وتوجيه ضربة حاسمة إلى الحليف العربي الرئيسي لإيران الشيعية. ساد الشعور بالمرارة نفسه في باريس التي ظنت أنها الفرصة المتاحة لتغيير المعطيات في سورية أو حتى تغيير النظام في هذه المحمية الفرنسية سابقاً، الأمر الذي كان سيُضعف إيران كثيراً. إن فرنسا والسعودية تعتبران، لأسباب مختلفة، أن إيران هي التهديد الرئيسي على الشرق الأوسط حالياً.
     لا يخلو الرهان الفرنسي على المعسكر السعودي ـ السني من الأفكار التجارية. يأمل فرانسوا هولاند ترجمة علاقاته المميزة مع السعودية إلى عقود تجارية كبيرة، ونجح ببيع أربع وعشرين طائرة رافال إلى مصر في البداية، ثم أربعة وعشرين طائرة أخرى إلى قطر يوم الخميس 30 نيسان. ولكن السوق السعودي مع مئات المليارات من احتياطي الدولار، والتزايد الكبير في عدد سكانه (ثماني وعشرين مليون نسمة عام 2015، منهم 47 % تقل أعمارهم عن 25 عاماً)، واحتياجاته الكبيرة في البنى التحتية والتأهيل، ومغامرته العسكرية الأخيرة في اليمن، تفسح المجال أمام احتمالات أكثر أهمية بالنسبة للشركات الفرنسية.
     لكن الرهان على السعودية لا يخلو من المخاطر: الغموض السياسي فيها مرتفع، ويدل على ذلك التغييرات الأخيرة التي أجراها الملك سلمان هذا الأسبوع في ترتيب وراثة السلطة؛ كما يمثل انهيار أسعار النفط عاملاً غامضاً أساسياً. أخيراً، هناك بعض السخرية تجاه السياسة التي تجعل المملكة السعودية شريكاً مميزاً في العالم العربي على الرغم من  أنها تمنع الأحزاب السياسية وترفض إعطاء المرأة حق قيادة السيارة. بالتأكيد، تكافح السعودية ضد تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية، ولكن إيديولوجيتها الرسمية تبقى الوهابية التي تمثل النسخة الأكثر تشدداً في الإسلام السني. ما زالت عقوبة الإعدام بالسيف في الساحات العامة سائدة بكثرة، وتصل عقوبة التجديف إلى ألف جلدة كما حصل مع المدون الليبرالي رئيف البدوي. إن كل ذلك لا ينسجم كثيراً مع "عقلية شارلي".


الأربعاء، ٢٠ أيار ٢٠١٥

(فرنسا تقدم عرضاً جديداً إلى الإسرائيليين والفلسطينيين)

صحيفة الفيغارو 20 أيار 2015 ـ مراسلها في إسرائيل سيريل لوي Cyrille Louis

      يطمح وزير الخارجية الفرنسية إلى استئناف عملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية عبر جدول زمني ضيق، ويريد أن يطرح على مجلس الأمن قراراً للتصويت عليه بحلول شهر أيلول القادم. حصلت صحيفة الفيغارو على نسخة من مشروع هذا القرار الذي تم إرساله إلى دول الجامعة العربية. يقترح هذا المشروع مهلة أقصاها ثمانية عشرة شهراً من أجل التوصل إلى "حل عادل ودائم وشامل" للنزاع عبر المفاوضات.
     أشارت فرنسا إلى أنها ستعترف رسمياً بدولة فلسطين في حال عدم التوصل إلى حل خلال الفترة المحددة. قال مصدر متابع للأفكار الفرنسية: "تم فرض هذه النافذة الضيقة نسبياً بسبب التدهور المستمر للوضع على الأرض، وبسبب الرغبة في إدراج هذه المبادرة ضمن الفترة الأخيرة من رئاسة فرانسوا هولاند". استوحى الدبلوماسيون الفرنسيون مشروع القرار الذي أعدوه من المعايير التي يؤكد عليها دوماً وزراء الخارجية الأوروبيون، ويمثل توازناً دقيقاً بين مواقف الطرفين. يدعو النص إلى إقامة دولة فلسطينية "على أساس حدود 4 حزيران 1967 مع تبادل متكافئ للأراضي باتفاق الطرفين"، واضعاً المطالب الأمنية للدولة العبرية "في محور المفاوضات المستقبلية".
     من المفترض أن تحدد المفاوضات خطة "تضمن أمن إسرائيل وفلسطين عبر الرقابة الفعالة على الحدود بشكل يمنع بروز الإرهاب ودخول السلاح". يؤكد النص على أن هذه الإجراءات يجب أن "تحترم سيادة دولة فلسطين منزوعة السلاح، آخذة بعين الاعتبار انسحاباً على مراحل وكامل للجيش الإسرائيلي خلال فترة انتقالية مُتفق عليها". إذا، لن يكون هناك اتفاق مؤقت إضافي يؤجل انهاء الاحتلال حتى إشعار آخر.
     يُطالب النص بـ "حل عادل ومتوازن وواقعي لمشكلة اللاجئين" مؤكداً على أنه يجب أن يعتمد على "آلية للتعويض". فيما يتعلق بالقدس، التزم النص بصيغة غامضة حول ضرورة جعلها "عاصمة للدولتين". كما يدعو النص إلى تطبيق "المبدأ القائم على أساس دولتين لشعبين". تبدو العبارة الأخيرة قليلة الأهمية، ولكنها تشكل بداية تنازل لصالح الإسرائيليين الذين يطالبون منذ عدة سنوات الاعتراف بالطابع اليهودي لدولتهم. يرفض الفلسطينيون هذا المطلب نظراً لأن السكان العرب المسلمين والمسحيين يشكلون خمس سكان إسرائيل.
     تم إرسال هذا النص إلى لندن ومدريد بشكل غير رسمي، ويمكن أن يتعرض إلى بعض التعديلات، ولن يُطرح للتصويت قبل 30 حزيران. ترغب الإدارة الأمريكية تجنب التشويش على المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، ولكن فرنسا أشارت إلى أنها لن تنتظر إلى الأبد، وأنه يجب على القادة الإسرائيليين أن تأخذ هذه المبادرة على محمل الجد.