الصفحات

الجمعة، ٢٢ آب ٢٠١٤

(تدمير المدينة هو تدمير للمجتمع)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 21 آب 2014 ـ مقابلة مع الباحث في علم الإنسان جان كلود دافيد Jean-Claude David ـ  أجرت المقابلة غارانس لوكين Garance Le Caisne

     أشرف جان كلود دافيد بالتعاون مع الباحث في علم الإنسان والمختص بسورية تييري بواسيير Thierry Boissière على إصدار دراسة بعنوان: "حلب وأراضيها: صناعة وسياسة مدينة (1868 ـ 2011)" في شهر آذار 2014.

سؤال: ما هي الأحياء التي يقصفها النظام؟
جان كلود دافيد: إنه يقصف الأحياء الشعبية في الشمال والشرق والجنوب. يهدف هذا القصف إلى معاقبة السكان الذين استقبلوا الثوار بترحاب، والحيلولة دون ظهور أي شكل من التنظيم السياسي البديل، وتدمير المكان والمجتمع اللذان يُستخدمان كقاعدة خلفية لحرب العصابات. بالمقابل، لم يستهدف القصف بالطبع الأحياء السكنية البورجوازية في الغرب التي يتواجد فيها الجزء الأساسي من الموارد السياسية والعسكرية للنظام.
سؤال: كيف يمكن أن تقرر "دولة" تدمير الأحياء السكنية؟
جان كلود دافيد: في جميع حروب المدن، من الأسهل القصف بدلاً من القتال في الشوارع: إنه شكل لاحتلال مدينة أو منع الآخرين من احتلالها. يندرج هذا التدمير أيضاً في تاريخ علاقة عائلة الأسد مع المدن الكبرى التي يُنظر إليها كمصدر للخطر وبأنه يجب تحييدها عبر: الاختراق وعمليات الهدم وإعادة تنظيم الأحياء القديمة خلال أوقات السلم، أو القصف خلال أوقات الحرب الذي كان لفترة طويلة جزءاً من سياسة عائلة الأسد في "تنظيم المدن".
سؤال: قام الثوار مؤخراً بتدمير فندق الكارلتون الأثري الذي يُمثل جزءاً هاماً من التراث الثقافي...
جان كلود دافيد: يُسيطر النظام على هذا البناء الذي تم بناؤه خلال سنوات الثلاثينيات أثناء الانتداب الفرنسي، ويشكل هذا البناء رمزاً. بالنسبة لجزء من المقاتلين المسلحين من الأرياف والأحياء المحيطة بالمدينة، إن بعض المناطق والأبنية في المدينة القديمة تمثل السلطة والثروة التي تم إقصاؤهم عنها دوماً.
سؤال: كيف يمكن النهوض بعد كل هذا الدمار؟
جان كلود دافيد: قاوم المجتمع السوري الدكتاتورية أربعين عاماً، وهو مجتمع نضالي جداً. بإمكانه إعادة بناء نفسه على الرغم من  الصدمات وتدمير أماكن الحياة بشرط بروز مشروع سياسي قوي بالطبع. سيتجاوز المجتمع الحلبي هذا الدمار الذي أصاب فندق الكارلتون وجزء من الأسواق القديمة في حال بقاء النسيج الاجتماعي، وفي حال عدم زوال العلاقات الاجتماعية والتأقلم مع الوضع الجديد بسبب المجازر والحقد والنزوح، ولكن النظام يسعى إلى إزالة كل ذلك عبر قصف الأحياء. يعتبر النظام أن قصف المدينة هو تدمير المجتمع أيضاً.


الخميس، ٢١ آب ٢٠١٤

(الأسلحة الكيميائية في سورية: الثمن الباهظ لانتصار أوباما)

 افتتاحية صحيفة اللوموند 21 آب 2014

     يبدو أن عملية تدمير الترسانة الكيميائية السورية وصلت إلى نهايتها بعد عام على مجزرة الساران التي ذهب ضحيتها مئات السكان في ضواحي دمشق بتاريخ 21 آب 2013. هذا ما أعلنه الرئيس الأمريكي يوم الاثنين 18 آب في بيان يظهر فيه الرضى الذاتي، مؤكداً أن آخر ستمائة طن من العناصر الكيميائية السامة التي صرّح عنها النظام السوري في خريف عام 2013، ونقلها ببطء حتى ميناء اللاذقية، قد تم التخلص منها على متن سفينة أمريكية في البحر المتوسط.
     أصاب الضعف دبلوماسية أوباما تحت ضغط الأزمات المتوالية في الشرق الأوسط (ليبيا وغزة ولاسيما العراق)، وتعرضت دبلوماسيته لنيران الانتقادات، ولكن باراك أوباما لم يفكر بالسماح لأي شخص آخر بالإعلان عن هذا النبأ الجديد عندما قال: إنها "مرحلة أساسية" و"نجاح هام في مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل". تعتبر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن هذا النجاح لا يمكن إنكاره، وأنها عرفت كيف تتغلب على التحدي المتمثل بإخلاء هذه المواد المؤذية جدا مثل غاز الخردل أو الساران من بلد يعيش حرباً أهلية وبزمن قياسي.
     كان من الأفضل أن يكون باراك أوباما أكثر تحفظاً. أولاً، لأن الولايات المتحدة لم تنته من تدمير مخزونها من الأسلحة الكيمائية حتى الآن على الرغم من مضي أكثر من عشرين عاماً على التوقيع على المعاهدة الدولية لحظر امتلاك الأسلحة الكيميائية. ثانياً، لأن الاتفاق الروسي ـ الأمريكي الذي كان السبب في قرار الأمم المتحدة رقم 2118 لم يؤد إلى تخفيف سرعة السباق نحو الهاوية في سورية. بل  على العكس، لقد قُتِلَ سبعين ألف سوري على الأقل خلال عام واحد، وبالتالي وصل إجمالي عدد القتلى إلى حوالي مئة وثمانين ألفاً.
     حقق بشار الأسد ضربة ممتازة بواسطة التخلي عن ترسانة قديمة إلى حد كبير، وتجنب بذلك تدخلاً عسكرياً غربياً كان من الممكن أن يكون قاضياً بالنسبة له، أو على الأقل، إضعاف قوته واستئناف التمرد. بالمقابل، حافظ على أسلحته الحقيقية للدمار الشامل المتمثلة ببراميل المتفجرات وصواريخ سكود التي تسحق أحياء بأكملها في حلب، بالإضافة إلى الطائرات المقاتلة التي تستهدف المستشفيات أو الطوابير المصطفة أمام المخابز، وقوافل الدبابات التي تهدم كل ما يتحرك في حمص. يُقال أنها أسلحة "تقليدية"، ولكنها أكثر تدميراً بألف مرة مما دمره غاز الساران في سورية.

     بدأ المتمردون بتقليد جلادهم بعد التخلي عنهم عبر إطلاق وابل من قذائف الهاون على الأحياء الغنية في العاصمة. فيما يتعلق بوحوش الدولة الإسلامية بصفتهم منتجات مشتقة من الفوضى التي حافظت عليها السلطات السورية بعناية، لقد عادوا بقوة إلى شمال سورية. إن التسوية بين واشنطن وموسكو لم تكن تهدف إلى حرمان دمشق من أسلحتها الكيميائية بقدر منع المجموعات الجهادية من الاستيلاء عليها. ستبقى هذه التسوية في دفاتر التاريخ كنموذج لتحويل الأنظار وللنفاق الدبلوماسي.

(انتهاء عملية تدمير الأسلحة الكيمائية التي صرحت عنها دمشق)

صحيفة اللوموند 21 آب 2014 بقلم مراسلتها في لاهاي ستيفاني موباس Stéphanie Maupas

     أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يوم الثلاثاء 19 آب عن التدمير الكامل لمخزون قدره ستمائة طن من العناصر الكيميائية التي صرحت عنها سورية، هذه العناصر التي تهدف إلى صناعة الساران وغاز الخردل. قال الرئيس الأمريكي أنه "تم تدمير الأسلحة الكيميائية الأكثر قتلاً التي يملكها النظام السوري بواسطة الخبراء المدنيين والعسكريين عبر استخدام آلية أمريكية فريدة من نوعها"، ولكن باراك أوباما أشار أيضاً إلى بعض "التفاوت والنقص فيما يتعلق بالمعلومات التي قدمتها سورية إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية"، وإلى المعلومات القائلة بأن النظام السوري "ما زال يستخدم" الأسلحة الكيميائية في الحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف.
     إنها مرحلة هامة بالنسبة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي قامت بهذه العملية في ظروف صعبة جداً، باعتبار أنها المرة الأولى التي تتدخل فيها في بلد بحالة حرب. ولكن المسألة السورية لم تنته على الرغم من ذلك. هناك نقاشات متوترة منذ عدة أشهر في مكاتب هذه المنظمة في لاهاي، وتشتبه العديد من الدول بأن دمشق لم تُصرّح عن كامل مخزونها، باعتبار أنها كانت مُجبرة على الانضمام للمنظمة.
     بعد عدة أسابيع من المفاوضات ببن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة برعاية العرابين الروسي والأمريكي، صرّحت الحكومة السورية أخيراً بتاريخ 14 تموز عن منشأتين جديدتين لإنتاج الخروع باعتباره عنصراً ساماً جداً. أشار تقرير لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتاريخ 25 تموز إلى أن هاتين المنشأتين "موجودتان في منطقة غير خاضعة لسيطرة الحكومة السورية". كما أضافت دمشق إلى لائحتها مركزين جديدين للأبحاث ومخزوناً من الرؤوس الصاروخية الفارغة.
     منذ بداية هذه العملية، قامت سورية بتدمير ثلاثة عشر مركزاً للإنتاج من أصل ستة وعشرين مركزاً أعلنت عنهم. حاولت دمشق منذ شهر كانون الأول 2013 الحفاظ على اثني عشر مركزاً آخراً، من ضمنهم سبعة هنغارات وخمسة أنفاق. تم التوصل إلى اتفاق بعد مفاوضات حادة لتدمير هذه المنشآت خلال شهرين. كما تم تكليف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالقيام بتحقيق حول الهجمات بالكلور التي وقعت خلال فصل الربيع، وتعتبر واشنطن وباريس أن النظام هو الذي قام بهذه الهجمات.



(مواجهة "الخلافة" تتطلب استراتيجية شاملة)

صحيفة الفيغارو 21 آب 2014 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     ما زالت باريس تعتبر أن التراجع المفاجئ لباراك أوباما في سورية قبل عام تقريباً، عندما رفض قصف النظام على الرغم من تجاوز الخط الأحمر حول الأسلحة الكيميائية، أدى إلى تفاقم الوضع عبر تعزيز قوة بشار الأسد وتغذية المعارضة الراديكالية. جاء الاغتيال البربري للصحفي الأمريكي ليُذكر بذلك: إن مصير النظامين الدكتاتوريين في العراق وسورية، مهد حزب البعث، مرتبط بالجهاديين، وإن تسلط هذين النظامين هو الذي تسبب ببروز المتطرفين.
     ارتكز توسع الدولة الإسلامية في العراق مؤخراً على قواعده في سورية. كانت هذه المجموعة المنبثقة عن تنظيم القاعدة في العراق قد ركزت كل جهودها في سورية منذ ثلاث سنوات، وأصبحت الحركة المعارضة الرئيسية ضد بشار الأسد. قال جوليان بارنيز داسي Julien Barnes-Dacey، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية Conseil Européen pour les Relations Internationales: "إذا قرر الغرب أن يقاتل بجدية ضد الدولة الإسلامية في العراق، وأن يتخلى عن سورية، فإن ذلك ليس خياراً... من الواضح  أنه يجب تسوية الوضع في العراق، ويجب أيضاً تسوية الوضع في سورية على الرغم من الاختلافات بين النزاعين".
     أظهر الجهاديون نواقص استراتيجية أوباما عبر إظهار نواياهم بالرد على الأرض السورية لمواجهة تراجعهم السياسي والعسكري في العراق أمام القصف الأمريكي. إذا كانت مكافحة الطالبان في أفغانستان منذ عام 2001 قد فشلت، فإن السبب في هذا الفشل يعود في جزء كبير منه إلى عدم تقدير مدى دور الباكستان  المجاورة التي يتغذى المتمردون منها. ولكن يبدو أن الغرب أهمل العامل السوري في المسألة الجهادية منذ بداية الصيف.
     لاشك أن المسألة معقدة وحساسة، وهي تُعيدنا أيضاً إلى تناقضات السياسة الخارجية لباراك أوباما الذي يقصف الجهاديين في العراق ولا يقصفهم في سورية. وهكذا وجد باراك أوباما نفسه في معسكر بشار الأسد عندما يواجه الدولة الإسلامية، على الرغم من أن جزءاً من المجتمع الدولي يطالب برحيل بشار الأسد لأنه يعتبره مسؤولاً عن صعود التطرف في سورية. إن الضربات العسكرية الأمريكية التي تُضعف الجهاديين على الأرض ربما سُتعزز قوة الرئيس السوري. هل سيستفيد المتمردون المعتدلون من ذلك لملء الفرغ؟
     إن الأمر الوحيد الذي يبدو مؤكداً هو أن مكافحة الدولة الإسلامية يتطلب استراتيجية شاملة. يعتبر البعض أن الوقت ملائم: أي استخدام التوافق الدولي ضد الجهاديين في العراق من  أجل فرض مقاربة مشابهة، تضم دول المنطقة، في سورية المجاورة. إذا لم يتم التوصل إلى ذلك، فإن الغنغرينة ستنتشر إلى دول أخرى.




(فرانسوا هولاند: "المتمردون السوريون يستحقون دعمنا الكامل")

صحيفة اللوموند 21 آب 2014 ـ مقابلة مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ـ أجرى المقابلة كريستوف عياد Christophe Ayad ودافيد روفو دالون David Revault d’Allonnes وتوما وايدر Thomas Wieder. (الجزء المتعلق بسورية والشرق الأوسط)

سؤال: تواجه الزعامة الأمريكية في الشرق الأوسط بعض الاضطرابات، ويؤكد البعض أن باراك أوباما لم يبرهن على قدر كاف من النفوذ والسلطة.
فرانسوا هولاند: هناك شكوى دائمة من القوة الأمريكية العظمى ومن تدخلها المتعدد. لسنا في وضع يسمح لنا بانتقاد باراك أوباما على خشيته الكبيرة جداً، ولكنني أعتبر أن الوضع العالمي هو الأكثر خطورة بالمقارنة مع ما عرفناه منذ عام 2001. يجب على العالم أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار بشكل كامل. يجب علينا مواجهة ليس فقط حركة إرهابية مثل تنظيم القاعدة، بل شبه دولة إرهابية هي الدولة الإسلامية. لا يمكننا البقاء ضمن النقاش التقليدي حول التدخل أو عدم التدخل. يجب علينا التفكير باستراتيجية شاملة ضد هذه المجموعة التي بنت هيكلها وتملك مصادر تمويل هامة وأسلحة متطورة جداً، وهي تهدد بعض الدول مثل العراق وسورية ولبنان. سأقترح قريباً على شركائنا مؤتمراً حول الأمن في العراق ومكافحة الدولة الإسلامية.
قررت فرنسا تسليم أسلحة متطورة إلى أكراد العراق. لماذا إعطاء الأكراد ما رفضنا إعطاءه إلى المتمردين السوريين؟ من يقول لكم أنه لم يتم إعطاء الأسلحة إلى المتمردين، أي المعارضة الديموقراطية؟ يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية خطيرة جداً فيما يحصل في سورية. لو حصل قبل سنتين عمل من أجل إقامة عملية انتقالية، لما كنا الآن أمام الدولة الإسلامية. لو كانت هناك ردة فعل من قبل القوى العظمى بما يتناسب مع استخدام (من قبل بشار الأسد) الأسلحة الكيميائية قبل عام واحد، لما كنا الآن أمام هذا الخيار المُرعب بين دكتاتور ومجموعة إرهابية، في حين يستحق المتمردون دعمنا الكامل.
سؤال: ما هي الأسلحة التي سلمتها فرنسا إلى المتمردين السوريين؟
فرانسوا هولاند: إنها معدات تتوافق مع الالتزامات الأوروبية. نحن لا نفعل ذلك من أجل مجرد دعم الأكراد أو العراقيين، نحن نتحرك من أجل أمننا. نحن نواجه تهديداً حقيقياً مع بعض الجهاديين الذين انضموا إلى عمليات تتصف بوحشية مخيفة، وبإمكانهم العودة لكي يضربوا من جديد. يوجد بعض الفرنسيين من بين هؤلاء الجهاديين.
سؤال: ألا يمثل تسليح الأكراد تهديداً بتسريع مسيرتهم نحو الاستقلال؟
فرانسوا هولاند: حرصت على أن يكون إرسال هذه الأسلحة باتفاق كامل مع السلطات في بغداد لكي لا يكون هناك أي شك حول استخدام هذه الوسائل وأن تبقى ضمن إطار وحدة العراق. كانت فرنسا في الطليعة، وأقنعت أوروبا بخياراتها حتى لو كنا وحدنا مع الولايات المتحدة في القيام بذلك حالياً.
سؤال: أدت الحرب في غزة إلى مقتل ألفي شخص، منهم حوالي ألف وتسعمائة فلسطيني. في بداية هذه الحرب، كان يبدو على تصريحكم بتاريخ 7 تموز أنه يعطي شيك على بياض لإسرائيل. هل ستقومون بالشيء نفسه اليوم؟
فرانسوا هولاند: عبّرت عن موقفي طوال فترة هذا النزاع، وأكدت على مبادئنا الثابتة: أمن إسرائيل وحماية المدنيين وضرورة التوصل إلى حل من أجل غزة. نحن في لحظة هامة. تدعم فرنسا الوساطة المصرية. إن الهدنة بالغة الهشاشة كما رأينا للأسف خلال الساعات الأخيرة. في جميع الأحوال، يجب اعتبار محمود عباس والسلطة الفلسطينية كمحاور رئيسي. لم يعد ممكناً بقاء غزة في هذا الوضع الذي نعرفه. يجب أن يكون الهدف نزع السلاح ورفع الحصار في الوقت نفسه.
سؤال: هل تريدون القول نزع سلاح حماس؟
فرانسوا هولاند: لا يمكن أن يتم نزع السلاح إلا تحت رعاية السلطة الفلسطينية. يمكن أن تكون فرنسا مفيدة مع الاتحاد الأوروبي حول رفع الحصار في معبر رفح. كما ستشارك فرنسا في مؤتمر إعادة إعمار غزة، وستقوم بإبراز هذه الحقيقة: لا يجب أن تكون غزة سجناً كبيراً أو قاعدة عسكرية. وإلا، فإن الأسباب نفسها ستؤدي إلى النتائج نفسها.
سؤال: تحدث لوران فابيوس عن "فرض" حل. هل يجب ممارسة الضغوط على إسرائيل؟
فرانسوا هولاند: يجب القيام بكل شيء لاستئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل من أجل إيجاد حل للنزاع. نحن نعرف ما هي معايير هذا الحل، وهي الحل القائم على أساس دولتين تعيشان بأمان إلى جانب بعضهما البعض، هذا هو الحل الوحيد الذي له مستقبل. في حال الفشل، سيقع على عاتق المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته.


الأربعاء، ٢٠ آب ٢٠١٤

(التمرد يُخاطر بحياته في شمال سورية)

صحيفة اللوموند 20 آب 2014 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

     دفع الجهاديون ثمن استيلائهم على الفلوجة في بداية العام عبر تراجعهم الواضح في شمال سورية، واضطربوا بسبب الهجوم المفاجئ الذي شنته الكتائب المعادية للأسد ضدهم في منطقتي إدلب وحلب. بعد مرور ثمانية أشهر، عاد جنود أبو بكر البغدادي الذي أعلن نفسه خليفة إلى شمال سورية بشكل مذهل على الرغم من انخراطهم الكامل في المعركة ضد البشمركة، واستولوا على عدة قرى محيطة بحلب خلال الأسبوع الماضي، وأصبحوا يهددون اليوم قرية المعرة معقل التمرد في هذه المنطقة. إن سقوط هذه القرية الزراعية يمكن أن يفتح شمال سورية بأكمله أمام عصابات داعش، ويمكن أيضاً أن يقطع إمدادات المتمردين التي تصل عبر تركيا، وأن يُكمل محاصرة الأحياء المتمردة في حلب المحاصرة أصلاً من قبل القوات النظامية من الشرق والجنوب والغرب.
     اعترف الناطق الرسمي باسم الجيش السوري الحر حسام المرعي Hossam Al-Mara’i قائلاً: "الوضع حَرِج: يجب علينا القتال ضد عدوين في الوقت نفسه. نخشى أن تتعرض حلب للمصير نفسه الذي تعرضت له حمص" التي اضطر المتمردون إلى إخلائها في شهر أيار بعد عدة أشهر من الحصار والقصف. قال أحد ناشطي المعارضة من المعرة (ولكنه يسكن في مدينة ليون الفرنسية منذ فترة قصيرة) سامي النجار Sami Al-Najjar: "إذا سقطت المعرة، فإن حلب ستسقط أيضاً، وسيكون ذلك نهاية الثورة".
     أطلق الجهاديون على عمليتهم اسم "الانتقام لعفة النساء". إن اختيار هذا الاسم يُذكّر بادعاءات خطف واغتصاب نسائهم خلال هجوم المتمردين في شهر كانون الثاني، ويشير ذلك إلى مدى تصميمهم. تريد قوات الدولة الإسلامية إزالة الإهانة التي أصابتهم واستعادة سلطتهم والتوسع بشكل أكبر في الجهة الغربية للخلافة التي أعلن عنها "إبراهيم" من جامع الموصل الكبير في نهاية شهر حزيران. أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى اعتقال عشرات المتمردين وقطع رأس سبعة عشر رجلاً منهم خلال الهجوم الخاطف الذي وقع يوم الأربعاء 13 آب. استولت الدولة الإسلامية خلال أربعة وعشرين ساعة على حوالي عشرة قرى مثل تركمان بارح والمسعودية والغوز وأختارين وأشرف ودابق.
     إن الاستيلاء على قرية دابق له طعم خاص بالنسبة لأتباع الخليفة، نظراً لأنها مذكورة في الحديث الشريف كموقع لمعركة كبرى قبل نهاية العالم. كما أعطت الدولة الإسلامية اسم دابق لمجلتها التي صدر عددها الأول باللغتين العربية والانكليزية في شهر تموز. قال شارلز ليستر Charles Lister، الباحث المتخصص بالمجموعات الجهادية في مؤسسة بروكنغز بالدوحة: "أعلن أبو مصعب الزرقاوي في الماضي، وهو الذي أسس هذه الحركة التي أعلنت عن ولادة الدولة الإسلامية، أن الاستيلاء على دابق سيكون الخطوة الأولى باتجاه غزو القسطنطينية وروما".
     أصبحت مدافع الدولة الإسلامية موجهة باتجاه المعرة الواقعة على مسافة أربعين كيلومتراً شمال حلب. تعرّض سكان المعرة إلى قصف مكثف خلال الأيام الأخيرة على غير عادة الجهاديين حتى الآن. لقد تمكنت الدولة الإسلامية من مضاعفة قوة نيرانها بفضل الترسانة التي استولت عليها من قواعد الجيش العراقي بعد الاستيلاء على الموصل. قال سامي النجار الذي يتواصل مع المقاومين في المعرة: "إن هذا القصف يشبه قصف النظام"، وأكد أن الجهاديين يملكون دبابات، وأنه تم العثور في المواقع المقصوفة على بعض شظايا القذائف الأمريكية الصنع التي سلمتها الولايات المتحدة إلى الجيش العراقي.
     سيُشكل سقوط المعرة من الناحية الرمزية أيضاً ضربة قوية للمعارضين السوريين. إن المعرة هي المدينة الأولى التي تظاهرت ضد نظام بشار الأسد في محافظة حلب في شهر نيسان 2011. كما شهدت المعرة ولادة كتيبة التوحيد التي قام زعيمها الكاريزمي عبد القادر صالح بقيادة عملية دخول المتمردين إلى أحياء حلب الشرقية في شهر تموز 2012، وما زالت القاعدة العامة لهذه الكتيبة المتمردة ذات التوجه الإسلامي المعتدل موجودة في المعرة، ولكن الخلافات الداخلية والانشقاقات أضعفت قوتها منذ موت مؤسسها في شهر تشرين الثاني 2013. إن جيش المجاهدين في طريقه نحو الزوال أيضاً، وهو مجموعة مسلحة أخرى كانت في طليعة العملية ضد الجهاديين في بداية العام. وكذلك الأمر بالنسبة للجبهة الإسلامية التي تمثل تحالفاً بين الكتائب السلفية.
     أشار شارلز ليستر إلى تضاؤل تسليم الأسلحة خلال الأشهر الماضية إلى المجموعات المتمردة من قبل السعودية وقطر اللتين كانتا إحدى مفاتيح الانتفاضة في شهر كانون الثاني. يكمن السبب الرئيسي لذلك بنقص تنسيق العمليات العسكرية، وهي نقطة ضعف التمرد. لم ينجح آخر رئيس للجيش السوري الحر العميد عبد الإله البشير في فرض نفسه ميدانياً، وقد تمت تسميته في شهر شباط بعد عزل سليم إدريس. قال حسام المرعي: "هناك نقاشات لتسمية قائد عسكري جديد، ولكنها لم تنجح حتى الآن". هناك سبب آخر لتفاقم الوضع: تراهن جبهة النصرة ـ الجناح السوري لتنظيم القاعدة على ورقة الحيادية منذ هزيمة مقاتليها أمام الدولة الإسلامية في محافظة دير الزور في بداية الصيف، وانسحبت أغلبية قواتها من محافظة حلب إلى المنطقة المجاورة في إدلب.
     إذا، تميل موازين القوى بشكل واضح لصالح أبو بكر البغدادي الذي تقترب قواته من قرية صوران الواقعة على طريق إعزاز، وهي القرية الأخيرة قبل الوصول إلى المركز الحدودي باب السلامة. إذا انقطع الطريق إلى هذا المركز الحدودي، فإن المعارضين السوريين سيحتفظون بطريق واحد فقط للتموين عبر تركيا هو المركز الحدودي باب الهوى في شمال إدلب. قال سامي النجار: "إن الرهان هو بقاء هذا التيار المعتدل للمعارضة على قيد الحياة".
     يدرك المعارضون السوريون أنهم لا يستطيعوا الاعتماد إلا على أنفسهم في المعركة القادمة، ويراقبون بمرارة استعجال الولايات المتحدة وفرنسا في إغاثة الأكراد والمسيحيين في العراق. قال حسام المرعي غاضباً: "قال أوباما أنه يريد تجنب إبادة جماعية، لكي يبرر غارات الطيران الأمريكي على مواقع داعش في العراق. ولكن المجزرة بحق مئة وسبعين ألف سوري، أليست إبادة جماعية؟ أليس هناك اعتبار لنزوح إحدى عشرة مليون سوري؟". تم نقل رسائل متشائمة إلى واشنطن، ولكن بدون جدوى حتى الآن. أعلن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل يوم الاثنين 18 آب عن  تدمير جميع الأسلحة الكيميائية التي كان يملكها النظام السوري.


الثلاثاء، ١٩ آب ٢٠١٤

(تسليح الأكراد، سلاح ذو حدين)

 افتتاحية صحيفة اللوموند 19 آب 2014

     يتقدم الاتحاد الأوروبي بشكل مُشتت حول الأزمة العراقية وبقية الأزمات الأخرى، مُخفياً انقساماته بغطاء حذر من التسويات. اجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بشكل طارئ يوم الجمعة 15 آب بناء على طلب فرنسا، وأعربوا عن سرورهم ... بأن كل منهم يفعل ما يريد. بشكل أوضح، إن الفشل في التوصل إلى موقف مشترك يعني أن كل دولة تتمتع بالحرية في إرسال أو عدم إرسال الأسلحة الأكراد في العراق من أجل قتال جهاديي الدولة الإسلامية.
     كما هي العادة، لم تنتظر فرنسا هذا الاجتماع للإعلان عن أنها سترسل "أسلحة متطورة" إلى قادة إقليم كردستان في العراق الذي يتشكون بمرارة من ضعف تجهيزهم بمعدات قادرة على مواجهة المتمردين الذين استولوا على مستودعات الأسلحة الأمريكية للجيش العراقي. حذت بريطانيا وإيطاليا وتشيكيا حذو فرنسا. بالمقابل، تُفضّل السويد التمسك بعقيدتها الحيادية والسلمية. أخيراً، وجدت ألمانيا نفسها مرة أخرى مترددة بين رغبتها في التأثير على مسار القضايا العالمية وبين إرثها غير التدخلي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. أعلنت برلين عن إرسال أسلحة غير فتاكة لكي تتمكن من حل هذه المعضلة، ولكنها قررت في النهاية الذهاب "حتى حدود ما هو ممكن سياسياً وقانونياً" كما قال وزير الخارجية الألماني فرانك وولتر ستاينمر Frank-Walter Steinmeier بسبب النداءات المُلحّة للزعيم الكردي مسعود البارزاني والتهديد المباشر بإبادة الأقليات الدينية في شمال العراق.
     إن السبب في هذه الإجراءات الوقائية لا يكمن فقط في النفور الألماني التقليدي من المشاركة في أي حرب حتى بشكل غير مباشر، بل أيضاً هناك القلق الذي أعرب عنه وزير الخارجية الألماني بوضوح خلال زيارته للعراق خلال عطلة نهاية الأسبوع: يتمثل هذا القلق في أن الأسلحة المرسلة إلى البشمركة لا يجب استخدامها يوماً ما في الحرب ضد الدولة المركزية العراقية في بغداد.
     منذ بداية الهجوم الصاعق للدولة الإسلامية، لا يُخف القادة الأكراد ابتهاجهم بأن الدولة العراقية أصبحت قريبة من التفكك أكثر من أي وقت مضى، وأن كردستان أصبحت قريبة من الاستقلال أكثر من أي وقت مضى. إنها فرصة تاريخية لا يريد مسعود البارزاني تفويتها، وأعلن عن استفتاء حول هذه المسألة خلال الأشهر القادمة، الأمر الذي أثار رفض واشنطن. كما تُعارض برلين بحزم استقلال الأكراد لأنه سيزعزع استقرار العراق والشرق الأوسط بشكل أكبر، وسيجر إلى حرب يحارب فيها الجميع ضد بعضهم البعض.

     إن الدول الغربية تُخاطر بحل مشكلة آنية وخلق مشكلة أخرى أكثر تعقيداً عبر تسليم أسلحة متطورة إلى الأكراد وشراء النفط منهم مباشرة كما تفعل الولايات المتحدة.