الصفحات

الاثنين، ٢٦ كانون الثاني ٢٠١٥

رواية فرنسية عن انتخاب رئيس مسلم في فرنساعام 2022

  هل يمكن انتخاب رئيس مسلم في فرنسا؟ على أي حال، هذا هو موضوع رواية نزلت إلى المكتبات الفرنسية يوم الأربعاء 7 كانون الثاني 2015، أي في اليوم نفسه الذي حصل فيه الاعتداء الإرهابي على مجلة شارلي إيبدو. كاتب هذه الرواية هو ميشيل ويلبيك Michel Houellebecq، وعنوان الرواية: (خضوع) Soumission. تدخل هذه الرواية ضمن نطاق الخيال السياسي، كما هو الحال بالنسبة لكتب الخيال العلمي المعروفة للجميع. حظيت هذه الرواية بتغطية إعلامية واسعة قبل صدورها بأسبوع واحد إلى درجة استضافته في نشرة الأخبار المسائية في القناة الثانية للتلفزيون الفرنسي، ولكن هذه التغطية الإعلامية تضاءلت كثيراً منذ الاعتداء الإرهابي، وتحاول وسائل الإعلام الحكومية والخاصة التعامل مع الإسلام في فرنسا بصفته الضحية الأولى للإرهاب بدلاً من كونه تهديداً يمكن أن يصل إلى السلطة حسب الرواية المذكورة.
     تتحدث الرواية عن فوز رئيس مسلم اسمه محمد بن عبس بالانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2022 ضد فرانسوا هولاند، وذلك بفضل تحالف اليمين واليسار مع الحزب الإسلامي "الإخوة الإسلامية" ضد رئيسة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبين. يوافق الحزب الإسلامي على إعطاء الوزارات السيادية إلى حلفائه، ويكتفي بالحصول على وزارة التربية، ويحترم الحريات العامة، ويلتزم بخطاب معتدل. يهتم هذا الحزب بإنعاش الوضع الاقتصادي والإشعاع الحضاري الفرنسي بشكل خاص، ويفاوض على انضمام الدول الإسلامية إلى الاتحاد الأوروبي. بالمقابل، يقوم حزب "الإخوة الإسلامية" بأسلمة الجامعات عبر رؤوس الأموال السعودية والقطرية، ويُلغي المساواة بين الرجل والمرأة عبر تشجيع عودة المرأة إلى المنزل والسماح بتعدد الزوجات وتعميم ارتداء الحجاب الإسلامي. يمثل بطل الرواية أستاذ جامعي مختص بالكاتب هوسمانز J-K Huysmans (عاش بين عامي 1848 و1907 واعتنق الديانة الكاثوليكية هرباً من "انحطاط القيم في المجتمع الأوروبي")، وهو شخصية مكتئبة جداً، وعاش تجارب عاطفية حزينة أو مدفوعة الأجر. تعتنق هذه الشخصية الإسلام لأنها تريد العودة إلى منصبها الجامعي في جامعة السوربون، ولأنها تجد أن الزواج بإمرأتين شابتين ومطيعتين أو ثلاثة أمراً ملائماً.
     لا يمكن معرفة رأي الكاتب من خلال الرواية، وهل يؤيد وصول رئيس مسلم إلى الحكم أم أنه يخشاه؟ الأمر الذي دفع ببعض النقاد إلى اعتبار أن أنصار حزب الجبهة الوطنية وأنصار الإسلام السياسي معاً سيُعجبون بهذه الرواية. تضمنت الرواية  أسماء بعض الشخصيات السياسية والإعلامية والفكرية مثل نيكولا ساركوزي وفرانسوا بايرو وغيرهم، وكانت نظرتها إليهم سلبية. يبحث ميشيل ويلبيك في رواياته بشكل عام عن عيوب المجتمع الفرنسي، ويحاول إيجاد الحلول لها، ويعتبر أن المجتمع الغربي لا يمكنه البقاء على قيد الحياة بدون العودة إلى دين ما. على سبيل المثال، يعتبر الكاتب في روايته أن تعدد الزوجات يمكن أن يكون حلاً للمشاكل الجنسية، وأن إخراج المرأة من سوق العمل يمكن أن يكون حلاً لمشكلة البطالة.
     تمثل هذه الرواية صدى لأصحاب بعض الفرضيات التي تظهر في أوروبا، وتتنبأ بتحول أوروبا إلى أرض إسلامية مثل كتاب Eurabia للكاتب البريطاني بات يعور Bat Ye’or (ورد اسمه في الرواية)، أو الكاتب الفرنسي رونو كامو Renaud Camus الذي يدين "الاستبدال الكبير" للمسيحيين في القارة العجوز بشعب إسلامي شاب.

مقابلة مع ميشيل ويلبيك Michel Houellebecq ـ صحيفة لوبس (النوفيل أوبسرفاتور سابقاً) 8 كانون الثاني 2015 ـ العنوان: (ماتت الجمهورية) ـ أجرت المقابلة أود لانسلان Aude Lancelan
سؤال: تُجسد روايتكم الجديدة (خضوع) النظرات الأكثر تشاؤماً لأحزاب اليمين المتطرف حول أسلمة مجتمعاتنا. هل هذه هي رؤيتكم للمستقبل الأوروبي؟ هل هو تغير ممكن برأيكم؟
ميشيل ويلبيك: إنها "خيال سياسي"، خيال محتمل. ولكنني أقوم بتسريع الأحداث قليلاً، إن عام 2022 مبكر جداً. لا أعرف بالضبط ما الذي تخشاه أحزاب اليمين المتطرف، ولكن من المحتمل أنها لا تخش أبداً ما هو مكتوب في هذه الرواية، أي: بناء قوة عظمى إسلامية غربية ومتوسطية ومعتدلة على نمط الإمبراطورية الرومانية، وأن تقوم فرنسا والفرانكوفونية بدور المحرك فيها. إن هذه السياسة للتحالف مع الدول العربية ربما لن تزعج بالضرورة ديغول.
سؤال: أتذكر أنني سمعتكم تقولون في ذكرى تأسيس مجلة "Art Press" بنهاية عام 2012 أنكم كنتم متأثرون جداً بما شاهدتمونه في بروكسل آنذاك حول انتشار الحجاب والإسلام الراديكالي في بروكسل. هل مثل هذه الأمور ساعدت في صياغة هذه الرواية؟
ميشيل ويلبيك: في الحقيقة، لا أبداً. إن نقطة البداية هي إحدى الشخصيات في الرواية التي كان يفترض بها أن تعتنق الكاثوليكية، وسنعود إليها لاحقاً. نعم، لقد تأثرت جداً في بروكسل، ولكن لدي أيضاً بعض الاتصالات في مدينة سان دوني Saint Denis وأرجانتوي Argenteuil  (مدينتان في ضواحي باريس ينتشر فيهما الحجاب والإسلام الراديكالي أيضاً). وفيما يتعلق بعلاقات بعض المنظمات الإسلامية مع الدول الخارجية، قدمت لي كتب جيل كيبيل Gilles Kepel (باحث فرنسي متخصص بالإسلام) مساعدة لا غنى عنها.
سؤال: مرة أخرى كما هو الحال دوماً منذ روايتكم "الجزئيات الأولية" (Les Particules élémentaires)، هناك شعور عميق بأن روايتكم تكشف عيوب مجتمعاتنا بشكل صارخ، وأنها تعمل على تعميقها ومفاقمتها... هناك انزعاج حول الإسلام في فرنسا لدى جزء من السكان على الأقل، وهناك العديد من الديماغوجيين يستغلون هذه الانزعاج. هل تدركون أن البعض يخشون من التأثير الضار الذي قد ينجم عن روايتكم؟
ميشيل ويلبيك: لا. أنا قمت بالتقاط وضع ما، هذا كل شيء. أنا أنجح في الالتقاط لأنه ليست لدي أفكار مسبقة، أنا حيادي. أنا أعمل كما لو أن السياسة التي تلتزم بالمواقف المقبولة من الأغلبية "Politiquement correct" لم تكن موجودة أبداً. أنا لست مثقفاً ينتمي إلى يسار الوسط (ويضحك). ليس لدي أي شيء لأعطيه غير رؤيا للعالم، ولكنني متمسك بإعطائها.
سؤال: إنها رؤيا للعالم يمكن أن تكون مؤثرة، ولاسيما عندما يتم التعبير عنها بقوة...
ميشيل ويلبيك: لا أعتقد. إن الذي يُغيّر العالم هو النصوص الإيديولوجية البحتة بدون شخصيات وبدون تعقيدات من هذا النوع، وبشكل خاص عبر أشياء مختصرة. غيّر المسيح العالم، وكان يُعبّر عن رأيه باختصار. كما أن جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau أيضاً كان يتحدث بقوة من وقت لآخر. ويعرف ماركس أحياناً كيف يفعل ذلك. إن الرواية ليست عملاً ناجزاً "Performatif".
سؤال: ولكن رواياتكم يمكن أن تكون ناجزة، ونحن من الكثيرين الذين يعتقدون ذلك. إن النظرة الويلبيكية (كلمة مشتقة من كنية الكاتب) للعالم تشعبت داخل التيارات المعاصرة، وأحياناً بشكل سيء.
ميشيل ويلبيك: يحث الفن الروائي نفسه على الغموض. إن الشخصية الرئيسية في هذه الرواية ـ وبالتالي كاتب الرواية ـ تغرق في دوامة من النظرة النسبوية "Relativisme" الشاملة؛ إن تأثر هذه الشخصية بالكاتب هوسمانز Huysmans (1848 ـ 1907) لم يساعد في حل الأشياء. بالتأكيد، لا يمكن تغيير العالم بهذا الشكل. يمكن تغيير العالم مع القناعات البسيطة والعنيفة والمُصاغة بوضوح.
سؤال: أنتم تثقون بذكاء الناس...
ميشيل ويلبيك: على أي حال، أنا أثق بذكاء الطبقات الشعبية أكثر من ثقتي بالنخب. أنا هادئ: ربما ستحرض هذه الرواية على الجدل لدى أولئك الذين يكسبون حياتهم عبر الجدل، ولكن الجمهور سيستقبلها باعتبارها كتاباً استباقياً يتوقع المستقبل دون أية علاقة حقيقة مع الواقع.
سؤال: ولكنهم سيكتشفون أيضاً بعض الأفكار الصاعدة. يعتبر الكاتب رونو كامو Renaud Camus، الذي جعلتمونه في الرواية أحد الذين يكتبون كلمات مارين لوبين، أن "الاستبدال الكبير" Grand Remplacement (المقصود بهذا التعبير استبدال سكان أوروبا المسيحيين بالسكان المسلمين) هو: "الصدمة الأكثر خطورة التي عرفها وطننا منذ بداية تاريخه باعتبار أنه إذا استمر تغيّر الشعب حتى نهايته، فإن التاريخ الذي سيعقبه لن يكون تاريخ الوطن ولا تاريخنا". ما هو رأيكم؟
ميشيل ويلبيك: لا أعتقد أن المشكلة هنا. لم يتطرق كتابي إلى مسألة الهجرة إلا بشكل محدود جداً. الهجرة هي عامل مُسرّع، ولكن الأسلمة تحصل من الداخل.
سؤال: ماذا تقصدون بذلك؟
ميشيل ويلبيك: تستطيع مارين لوبين إيقاف الهجرة، ولكنها لا تستطيع إيقاف الأسلمة: إنها عملية روحانية، وتغير في الموازين، وعودة إلى العامل الديني. لا يتعلق الأمر بالتركيبة العرقية للشعب، بل يتعلق بنظام قيمه ومعتقداته.
سؤال: في روايتكم (خضوع)، يقوم العميد الجديد لجامعة السوربون باعتناق الإسلام، ويقول أنه التقى بعدد قليل جداً من الملحدين خلال حياته. هل تعتقدون حقاً أن الوضع اليوم يمكن أن يرتد لصالح الدين، وأن العودة الحقيقية للعامل الديني ممكنة تحت شكل آخر غير الخيال أو مجرد ردة فعل بحتة؟
ميشيل ويلبيك: نعم، وأرى جيداً أنكم لا تأخذوا هذه الفرضية على محمل الجد، ولكنني أؤمن بها جداً. كان أوغست كونت Auguste Comte (فليسوف فرنسي عاش بين عامي 1798 و1857) قد تنبأ بذلك قبلي. ولكنه كان يعتقد بدين جديد، وأنه هو صانع هذا الدين الجديد. إن الفشل المُضحك لـ "الدين الإيجابي" أنسى الرسالة الأولى لأوغست كونت وهي: استحالة بقاء أي مجتمع بدون دين ما. يبدو لي أنه من الصعب اليوم إنكار العودة القوية للعامل الديني. لقد وُلِد تيار فكري مع البروتستانية، ووصل إلى أوجه خلال عصر التنوير، وأنتج الثورة الفرنسية التي أصبحت اليوم في طور الاحتضار. لم يكن كل ذلك إلا فترة خارجة عن الإطار العام للتاريخ الإنساني. اليوم، مات الإلحاد، وماتت العلمانية، وماتت الجمهورية. في البداية، كان يُفترض أن يكون اسم الرواية "الاعتناق" la Conversion، وكان يُفترض أن يتأثر بطل الرواية بالنعمة الكاثوليكية كما حصل مع هوسمانز قبل قرن من الزمن. يمكن أن يكون ذلك جيداً جداً ومسلياً جداً، كان من الممكن أن يلتقي مع كاثوليكيين اعتنقوا البروتستانتية، وربما كان سينفر من ذلك.
سؤال: في أية لحظة قررتم إدخال الإسلام في الرواية؟
ميشيل ويلبيك: بدا لي ذلك طريقاً مستحيلاً عندما وصلت إلى مشاهد العذراء السوداء La Vierge noire التي تجري في روكامادور Rocamadour  (مدينة في جنوب ـ غرب فرنسا). ولكنني لا أستطيع أن أقول لكم لماذا: أحسست عندها أنني عاجز عن سرد اعتناق الكاثوليكية، وأحسست في الوقت نفسه بمأزق الإلحاد بشكل عنيف.
سؤال: ظاهرياً، يواصل حزب الجبة الوطنية إبراز العلمانية من أجل مواجهة الإسلام إلى درجة جعل فيها المسلمين العاديين أهدافاً حقيقية. ولكن هذا الحزب هو الذي يبرز ويجذب الناس بدلاً من الإسلام الذي تتنبأ روايتكم بانتصاره في مستقبل ما بعد الغد...
ميشيل ويلبيك: لستم مخطئين. ولهذا السبب نحن في وضع لا يمكن تنبؤه بسهولة وفصامي Schizophrène. لأن حزب الجبهة الوطنية أقرب بكثير من قيم المسلمين في العديد من الجوانب بالمقارنة مع قرب الاشتراكيين من المسلمين.
سؤال: يبدو أن أنصار حزب الجبهة الوطنية لا يعرفوا ذلك أبداً.
ميشيل ويلبيك: لا، ولهذا السبب إن الوضع غريب جداً. على صعيد المجتمع، إن المسلمين كما يقال حالياً هم أقرب إلى اليمين أو حتى إلى أقصى اليمين الذي يرفضهم بعنف. إذاً، إن المسلمين في وضع مزعزع. ماذا يمكن لمسلمي فرنسا أن يصوتوا؟ لا يمكنهم التصويت لصالح الاشتراكيين الذي أقروا الزواج المثلي، ولا يمكنهم أيضاً التصويت لصالح أحزاب اليمين التي تريد طردهم. بالتأكيد، سيكون الحل الوحيد بالنسبة لهم تشكيل حزب إسلامي.
سؤال: نحن بعيدون عن ذلك...
ميشيل ويلبيك: هذا مؤسف جداً برأيي. بشكل عام، ينقص الإسلام ممثلين مسموح بهم. على سبيل المثال، من المؤسف أنه ليست هناك سلطة روحية إسلامية لكي تقوم شبيه بدور البابا في الفاتيكان.
سؤال: ولكن هل تم السماح ببروز مثل هؤلاء الممثلين؟ على الصعيد الفرنسي، إن شخصية مثل طارق رمضان (حفيد حسن البنا) تتمتع بشعبية كبيرة لدى المسلمين خلال سنوات عام 2000، ولكن وسائل الإعلام والسلطة حطمتها...
ميشيل ويلبيك: لا يقع على عاتقنا السماح أو عدم السماح ببروزهم. يقع على عاتق الإسلام أن يُنظم نفسه. في الوقت الحالي، انظروا إلى أية عملية تفجير أو اغتيال، ستجدون أن رجال الدين السعوديين يقولون عنها: هذا جيد جداً. يقول لكم البعض الآخر: لا، إنه أمر مناقض كلياً للإسلام. كيف تريدون أن يجد المسلم العادي طريقه هنا؟ ولكنني كنت أتحدث عن سلطات روحية جدية وليس عن أحد المثقفين مثل طارق رمضان. إن مشكلته الحقيقية هو أنه اختار اليسار، وهو موقف خاسر. لو أنه تعاطف مع الأفكار الليبرالية لدى أحزاب اليمين، سيكون اليوم سعيداً مع وسائل الإعلام.
سؤال: في رواية (خضوع)، هل من الصحيح الإشارة إلى تفسير راهن جداً ما بين السطور مع نيتشه؟
ميشيل ويلبيك: بالنسبة لي، نيتشه هو أحد الأشخاص الرئيسيين منذ وقت طويل جداً. أنا معجب به جداً، ولكنه يُزعجني في الوقت نفسه. لقد قرأته كثيراً لدرجة أنه لم يعد يسليني. أنا معجب بفقرة في الكتاب الذي أتحدث فيه عن "ذكاء المومس العجوز"، عندما يرى في المسيحية ديناً أنثوياً.
سؤال: النساء غير مسرورات أبداً في عملكم... إذا لم يكنّ عجائز مذهولات يمتن بسرطان الرحم في روايتكم (الجزيئات الأولية)، فإنهم عاهرات في روايتكم (الرصيف) Plateforme، أو يهتدون إلى نظام تعدد الزوجات في روايتكم (خضوع). كيف تفسرون ذلك؟
ميشيل ويلبيك: أنا لست مقتنعاً أبداً بأن النساء قادرات على الوقوف تحت راية واحدة. من الممكن أن تكتفي بعضهن بمثل هذا النظام. إن مشهد القطار السريع بين مدينتي بواتييه وباريس يتسم بالغموض: هل هناك رغبة بأن نأخذ مكان رجل الأعمال المُرهق أو زوجاته الشابات المتمردات اللواتي يفتقدن للتحلي بالمسؤولية؟ ما الفائدة من الاستقلال الذاتي؟ أنا لا أتمسك بخطاب أنثوي، بل أتمسك بخطاب واقعي. على أي حال، تتصف النقاشات الإيديولوجية بالغموض باعتبار أن النظام الأبوي سينتصر في النهاية من جهة النظر السكانية. عشت لحظة حقيقية من الشك بعد موت فيليب موري Philippe Muray (كاتب وروائي فرنسي عاش بين عام 1945 و2006): كنا في تعارض شبه دائم عندما كان على قيد الحياة، وكنت أشعر بالضيق لأنني كنت معجب جدأً بكتاباته، ولكنني كنت مقتنعاً بأن النظام الأبوي سينتصر على المدى الطويل. أكدت الأحداث بعد موته مباشرة، وبالتحديد بعد انتخاب فرانسوا هولاند، جميع نظرياته بسرعة وباتساع لم يكن ليحلم بها؛ إذاً، نعم، قلت لنفسي أن فيليب موري كان على حق، وأنني كنت مخطئاً تماماً. كنت حزيناً لأنه مات قبل أن يعرف نجاة فالو بلقاسم Najat Vallaud-Belkacem (المدونة: وزيرة التربية والتعليم في فرنسا حالياً). يبدو لي الآن، وهذا لا يقلل من احترامي له، أنه أنا الذي كنت على حق في نهاية المطاف. اختفى الفكر الاشتراكي شيئاً فشيئاً، كما لو أنه لم يكن موجوداً إطلاقاً. لم يكن هناك فكر يميني على الإطلاق، ولكن اليمين وجد نفسه منتصراً دون أن يحارب. في الوقت الذي كان فيه التقدميون يحاولون نشر الخطابات التقدمية ويمارسون الجنس الجماعي بشكل غامض، كان المحافظون يُنجبون بكثرة، وينقلون قيمهم إلى أطفالهم. أصبح هؤلاء الأطفال موجودين الآن، وهم كثيرون ومتنورون بشكل مخيف، ويلبسون القمصان الرياضية، ووصلوا إلى العمر الذي يسمح له بالنشاط على الصعيد الاجتماعي والسياسي. في الحقيقة، أنا لا أقول إلا الأشياء التي يعرفها الناس أصلاً.
سؤال: فيما يتعلق بالسؤال حول مكانة المرأة، إن الرهان لا يتعلق فقط بمصير اليسار بل بالثقافة الغربية بأكلمها. إن نظام الزواج بشريك واحد فقط هو من اختراع  المسيحية إلى حد ما، كما يقول دوني دوروجمون Denis de Rougemont (فيلسوف سويسري عاش بين عامي 1906 و1985)...
ميشيل ويلبيك: لحسن الحظ، تمكنت الكاثوليكية من السيطرة بسرعة على هذا الجانب المزعج من المسيحية. (يضحك). وهكذا عدنا إلى نظام بطريركي صلب. في الحقيقة، أنا لا أحب المسيح إطلاقاً. إنه شخصية كريهة بالنسبة لي، ولكنني معجب في بوذا.
سؤال: هل تصلبه هو الشيء الذي لا تحبه؟
ميشيل ويلبيك: لقد خرّب المجتمع الذي يعيش فيه بدون جدوى. إنه ثوري قليلاً بأحد المعاني. أنا لا أحب هؤلاء الأشخاص.
سؤال: ولكنكم أنتم أيضاً شخصية محافظة غريبة... في عملكم على أي حال، أنتم تبحثون دوماً عن حلول طوباوية مستوحاة من أفكار رجعية.
ميشيل ويلبيك: ولكن نعم، أنا محافظ! عندما ينجح شيء ما، أتمنى الحفاظ عليه. إنه ليس موقف سياسي، إنه أكثر عمومية من ذلك. الشخص المحافظ هو الذي يحاول تقليل الجهد. إذا نجح شيء ما، نتركه على حاله دون تعديل. عندما ينجح زواج ما بنسبة 50 %، نتركه دون تعديل، وهذه معجزة بحد ذاتها. إن النزعة المحافظة مشتقة من الكسل والتشاؤم. ولكن إذا لم ينجح شيء ما، أو لم يعد ناجحاً، فإن الشخصية المحافظة تتحول إلى شخصية ثورية، وتصبح مستعدة لتغيير كل شيء والمضي إلى ما هو أبعد بكثير من التقدمي. أنا أدرك أنني أضجرت الجميع اليوم مع الديموقراطية المباشرة، ولكنني أؤمن بها حقاً: أصبح نظام الأحزاب والديموقراطية التمثيلية مُتعباً، ونحن بحاجة إلى تغيير النظام. من الخطأ الاعتقاد بأن الديموقراطية المباشرة هي طوباوية بعيدة المنال. أمضيت مؤخراً ليلة السنة الجديدة عند صديق اسباني، وهو الذي أهديته روايتي (إمكانية جزيرة) La Possibilité d’une île، واندهشت جداً عندما أدركت أنه أصبح أحد الدعاة الإيديولوجيين للحركة اليسارية بودوموس Podemos. أنا موافق على الكثير من الأشياء التي يؤيدها مثل: اللجوء إلى الاستفتاء، إمكانية إبعاد المسؤولين السياسيين... لم يمض على وجود هذه الحركة إلا عام واحد، وهي اليوم القوة السياسية الأولى في اسبانيا في استطلاعات الرأي! عندما تصل الأمور إلى هذه الدرجة من الفساد، يمكن أن تبدأ التحولات بسرعة.
سؤال: رحّب بكتابكم قبل صدوره كل من الفيلسوف آلان فانكيلكرو Alain Fenkielkraut، والموقع الإلكتروني العلماني المقرب من اليمين المتطرف Riposte laïque ومن الفرنسيين من أصول فرنسية، وبعض المواقع الإلكترونية الفاشية الأخرى. ألا تخشون أن تكون روايتكم (خضوع) عرضة للاستخدام من قبل بعض الأشخاص الذين تختلف أهدافهم السياسية عن هدفكم؟
ميشيل ويلبيك: قرأت قبل قليل المقابلة التي أجراها ألان فانكيلكرو حول روايتي، ووجدتها ممتازة. إنه ليس متفائلاً جداً حول إمكانية استخدامي لغايات أخرى. إن روايتي غامضة بشكل أساسي، ويمكن النظر إليها ككتاب يائس أو ككتاب متفائل. على أي حال، يبدو أنه من الممكن إعادة بناء بعض الأشياء الودية تماماً مع المسلمين. إن التسوية ممكنة بين الكاثوليكية الصاعدة والإسلام. ولكن يجب أن ينكسر شيء ما من أجل تحقيق ذلك، وهذا الشيء هو الجمهورية.
سؤال: ولكن هناك سوء تفاهم منذ البداية حول تلقي أعمالكم. لقد احتفى بها اليسار وبعض أجهزته الشبابية لفترة طويلة، ولكن أعمالكم أشاعت احتقاراً حقيقياً للنزعة التقدمية المبالغ بها Progressisme إلى درجة التمني بموت اليسار بأكمله. كيف تفسرون ذلك؟

ميشيل ويلبيك: من المحتمل أنها موهبتي التي جعلت من المستحيل اعتباري عدواً ممكناً. كما أنني لا أشبه العدو الكلاسيكي لليسار. أنا لا أنتهك السياسة التي تلتزم بها الأغلبية؛ وأعالجها كظاهرة غريبة وشاذة أراها من بعيد جداً كما لو أنها لا تتعلق بي فعلاً. يسمح لي ذلك بمعالجة الأمور بدعابة وجدية في آن معاً. أنا أطرح بعض الأسئلة التي لا يستطيع اليسار الإجابة عليها، ولا حتى اليمين. إن الذي يهمني حقأً هو السؤال المتعلق بمعرفة فيما إذا كان العالم مُنظم أو لا. أنا أتعامل مع الدين بجدية. أنا أتعامل مع النزعة المادية بجدية. إن هذا المزيج بين الدعابة والجدية هو الذي جعلني أتجاوز جميع المصاعب والانتقادات.

الأحد، ٢٨ كانون الأول ٢٠١٤

(كيف تتحول السجون الخاصة إلى معامل)

عنوان الكتاب: (خلّصني من هذا الشحم! جولة صغيرة في الكابوس الأمريكي) ـ الكاتب: المخرج السينمائي الأمريكي  المعروف مايكل مور Michael Moore. صدرت الطبعة الانكليزية عام 1996 ـ 1997 وصدرت الطبعة الفرنسية عام 2000 عن دار نشر La découverte & Syros.

"الفصل 17
منشور إعلاني من شركة مايك بينال Mike’s Penal, INC
قال بوب تيسلر Bob Tessler رئيس شركة تعمل مع المساجين: "إن اليد العاملة في السجون متحمسة جداً، إنهم أشخاص يريدون العمل فعلاً. هذا ما يجعلها صفقة مربحة".

منشور إعلاني بعنوان: (عرض لا يجب تفويته)

    تطرح شركة مايك بينال مليون سهم للبيع بسعر خمسة وعشرين دولار للسهم الواحد، وتعرض عليكم فرصة المشاركة في مغامرة داخل قطاع تتصف آفاق نموه وربحيته بأنها الأكثر إثارة في الاقتصاد الأمريكي، أي قطاع السجون الخاصة!
     بشرائكم لأسهمنا تصبحون شريكاً لشركة مايك بينال، وهي شركة فريدة من نوعها لخدمة الناس والمساهمين في الشركة. لا تكتف شركة مايك بينال ببناء وإدارة السجون الخاصة. كما هو الحال بالنسبة لبقية السجون الحكومية والخاصة في بلدنا، توفر شركة مايك بينال اليد العاملة المسجونة لصالح بعض الشركات الرائدة في مجال عملها والقادرة على إنتاج السلع والخدمات بكلفة فائقة التنافسية.
     بالإضافة إلى ذلك، نعرض عليكم فرصة استثمارية بدون مخاطر تقريباً. في الحقيقة، لا شيء يسمح بالتوقع بنقص الأيدي العاملة المسجونة في الولايات المتحدة في المستقبل القريب.

قطاع في أوج نموه
     تضاعف عدد المساجين في الولايات المتحدة ثلاث مرات خلال السنوات الخمسة عشرة الماضية. توفر السجون الأمريكية حالياً مليون ونصف مكان للمساجين، وكل معتقل يُكلف الحكومة خمسة عشرة ألف دولار سنوياً.
     بدأت بعض الشركات الخاصة منذ بعض الوقت باقتراح تقديم الخدمات نفسها إلى السلطات بكلفة أقل، بالإضافة إلى تحقيق أرباح كبيرة. تستقبل السجون الخاصة حالياً أكثر من خمسة وستين ألف سجن. حصلت بعض الشركات مثل American Express وSmith Barney على جميع الامتيازات المتعلقة بالاستثمار في صناعة السجون. قال أحد هؤلاء المستثمرين: "كنت أستثمر أموالي في الفنادق سابقاً، ولكنني متأكد أن معدل امتلاء السجون يبلغ 100 % يومياً!".
     لا يكتفي مساجين السجون الخاصة بالبقاء في زنزاناتهم ومشاهدة التلفاز أو ممارسة العادة السرية. إنهم يعملون لصالح أكبر الشركات الأمريكية مقابل 20 % من الحد الأدنى للأجور!
     نقلاً عن جيسي جاكسون Jesse Jackson، بلغت قيمة السلع والخدمات المنتجة من قبل مصلحة السجون الحكومية والخاصة تسعة مليارات دولار عام 1996. إن هذا التوفير في كلفة الأجور من المفترض أن يسمح للشركات الأمريكية بالتخلص من حوالي أربعمائة ألف عامل!

سوق واعدة
     إن السوق الكامن غير محدود. سيؤدي المعدل الكبير لإغلاق المعامل الذي تشهده الولايات المتحدة إلى زيادة عدد العاطلين عن العمل الذين سينجرون في دوامة جهنمية من الانحطاط والبؤس. عندما سيخسرون منازلهم وسياراتهم ومدخراتهم، فإن الكثيرين منهم سيغرقون في الجريمة بشكل طبيعي، ومن هنا تأتي ضرورة توسيع نظام السجون.
     مع تآكل الدخول الضريبية للمؤسسات المحلية والمناطقية بسبب رحيل الشركات الأمريكية، لم يعد أمام هذه المؤسسات أي خيار باستثناء الاعتماد على السجون الخاصة لكي تتحمل كلفة المساجين الذين يزداد عددهم أكثر فأكثر. ما دامت البطالة تزداد بالوتيرة نفسها، فإن آفاق هذا القطاع لا يمكن أن تكون إلا مزدهرة.

شركاء من الدرجة الأولى
     صدرت مؤخراً بعض المقالات في المجلات الأسبوعية مثل The Nation وBusiness Week مؤكدة هذا التشخيص المُشجع. يكفي ذكر أسماء الشركات التي أصبحت تستعين باليد العاملة في السجون لتخفيض كلفة انتاجها:
ـ شركة AWA للطيران: تم تكليف جزء من إدارة حجوزات هذه الشركة إلى بعض المعتقلين في Ventura في كاليفورنيا. عندما تتصلون بهذه الشركة لحجز مكان على إحدى طائراتها، ربما يرد عليكم مجرم محنك!
ـ شركات IBM وTexas Instruments وDell Comuters: تعمل هذه الشركات العملاقة في مجال المعلوميات مع شركة تعهدات Lockhart في تكساس التي تقوم بصنع المدارات المطبوعة Circuits Imprimés بواسطة المساجين.
ـ شركة AT&T: تلجأ هذه الشركة إلى بعض السجون في كولورادو للحصول على خدمات التسويق الهاتفية.
ـ شركة ميكروسوفت Microsoft: يقوم المساجين في ولاية واشنطن بتوضيب مختلف أنواع المنتجات المعلوماتية لحساب شركة Exmark التي تزود شركة ميكروسوفت وثلاثين شركة أخرى.
ـ شركة Eddie Bauer: هناك مساجين آخرون في الولاية نفسها يصنعون البطانات القماشية لشركة Redwood Outdoor للألبسة التي تقوم بتزويد بعض الماركات التجارية مثل Eddie Bauer وUnion Bay.
ـ شركة Spalding: استعانت هذه الشركة ببعض المساجين في هاييتي للقيام بتعليب وإرسال كرات الغولف.
     وهذا ليس كل شيء. من الممكن أيضاً ذكر شركات Starbucks Coffee وBank of America وشركة Chevron. هناك إقبال كبير من قبل الشركات المهتمة بالأيدي العمالة في السجون، وهذا مفهوم. هل تجدون أنه من المجدي دفع رواتب العمال في النقابات بمعدل عشرين دولار للساعة بالإضافة إلى الأعباء الاجتماعية والرسوم وضرورة احترام جميع الأنظمة المتعلقة بعمل العمال غير المسجونين، وكل ذلك من أجل تعليب كرات الغولف؟ لا، بالتأكيد!
     إذا اخترتم الاستثمار في شركة مايك بينال، نحن نضمن لكم علاوة على ذلك أن المساجين سيكونون مؤهلين لتنفيذ المهمات التي نطلبها منهم: في الحقيقة، سيتم اختيارهم من قبلنا للقيام بالعمل نفسه الذي كانوا يقومون به قبل دخولهم السجن، وذلك مقابل 10 % من راتبهم السابق!

من هم منافسونا؟
     لا حاجة تقريباً للإشارة إلى أن بعض المقاولين الأكثر ابتكاراً لم يترددوا في دخول سوق السجون الخاصة. ولكن فرص النمو غير محدودة على الرغم من المنافسة. لنرى من هم هؤلاء المنافسون:
ـ شركة Corrections Corporation of America: إنها شركة رائدة في سوق صناعة السجون (لا يجب الخلط بين هذه الشركة مع وكالات هوليوود التي تحمل الاسم نفسه CCA)، وتسيطر على 48.3 % من هذا القطاع. تأسست هذه الشركة عام 1983 من قبل المستثمرين الذين يملكون جزءاً هاماً من شركة Kentucky Fried Chicken وبعض الشركات الأخرى، وشهدت نمواً منتظماً، وتدير اليوم سبعة وأربعين سجناً في أحد عشرة ولاية وفي بورتوريكو وأوستراليا وبريطانيا. كانت هذه الشركة الأكثر نجاحاً عام 1995 من بين الشركات الموجودة في تينيسي Tennessee. ارتفعت قيمة أسهمها بنسبة 360.5 %، وأصبحت تحتل المرتبة الرابعة بين الشركات التي شهدت النمو الأكبر في بورصة نيويورك.
ـ شركة Wackenhut: إنها من الأسماء الكبيرة في صناعة السجون! أسسها أحد الأعضاء السابقين في مكتب التحقيق الفيدرالي FBI اسمه George Wackenhut، ثم تحولت هذه الشركة  المختصة بالحماية الشخصية إلى إدارة السجون لاحقاً. تملك هذه الشركة حالياً أربعة وعشرين سجناً في الولايات المتحدة وبريطانيا وبورتوريكو واستراليا، وتستقبل هذه السجون ستة عشرة ألف سجين.
ـ شركة Esmor: تتخصص هذه الشركة بالسجناء ذي النوعية المنخفضة، وتستقبل السجناء الذين لا يريد أحد استقبالهم، ولاسيما عدد كبير من الأشخاص المحكومين بجرائم جنسية. تقوم هذه الشركة بإدارة ألفين وخمسمائة سجين، وتشهد نمواً سريعاً ومتعمداً. وصفتها مجلة Forbes في شهر كانون الثاني 1995 بأنها "الشركة الصاعدة".
ـ شركات أخرى: لنذكر من بينها شركة Management and Training Corporation وشركة US Corrections Corporation، وهي شركات من الحجم الصغير مثل شركة مارك بينال.

مواقع إنتاج مناسبة
     قررت شركة مارك بينال استهداف المناطق الأكثر تضرراً في الولايات المتحدة على الصعيد الاقتصادي. ستكون شركتنا موجودة في كل مكان انهارت فيه مداخن المعامل. إن جميع هذه المناطق المتضررة وسكانها اليائسين ومعدلات الجرائم القياسية فيها يمثلون الزبائن المثاليين لشركة مارك بينال. إن الحياة ليست مسلية دوماً في بعض المدن مثل: Gary وIndiana وEest Saint Louis وIllinois وPennsylvanie، ستكون شركة مارك بينال حاضرة هنا لطمأنة المواطنين الشرفاء عبر إخلاء الشوارع من جميع الأوباش المجرمين.
     في العام الماضي، كان ترتيب المدن الأكثر ارتفاعاً في نسبة الجريمة كما يلي: Atlanta، Flint، Saint Louis، Tampa، Detroit، Kansas City، Newark، Little Rock، Baltimore، Bimingham. تنوي شركة مارك بينال اختراق جميع هذه الأسواق خلال السنوات الثلاثة الأولى من نشاطها. إن توفر المساجين سيكون غير محدود تقريباً.
    لن تتوان السلطات المحلية عن فرش السجاد الأحمر أمامنا عبر: تقديم الأراضي مجاناً، والإعفاءات الضريبية بنسبة 100 % والكثير من المساعدات الفيدرالية. ستأخذ الإدارة المحلية على عاتقها نفقات الإعمار والتجهيزات وستبني طرقاً جديدة وتمديدات الصرف الصحي والكابلات اللازمة لمؤسساتنا. سيتم تدريب جميع حراس السجن عبر البرامج الفيدرالية أو المحلية.
     يُضاف إلى ذلك الامتياز الخاص الذي نتمتع به وهو أن مديرنا العام هو مايكل مور Michael Moor الذي يتحدر من مدينة Flint، إحدى المدن العشرة في لائحة المدن الأكثر ارتفاعاً في معدلات الجريمة. إن معرفته المباشرة بهذا النوع من البيئة سيُعزز فرص نجاحنا كثيراً.

المباني والبنى التحتية
     لا تنوي شركة مارك بينال بناء سجون جديدة إطلاقاً بعكس بقية الشركات في قطاع السجون. قررنا عدم استخدام إلا الأبنية الموجودة أصلاً وتغييرها لهذه الغاية. يوجد في جميع المدن التي تنوي شركة مارك بينال التمركز فيها بعض الأبنية الصناعية التي توفر الإطار المثالي لاستقبال المساجين (بعد إدخال بعض التغييرات البسيطة)، ويوجد فيها أيضاً البنية التحتية اللازمة للإنتاج. من جهة أخرى، سيكون أغلب السجناء معتادين على هذه الأمكنة نظراً لأنهم أمضوا عدة سنوات فيها كعمال في أغلب الأحيان.

خدمات لا يمكن الاستغناء عنها
    لا تنوي شركة مارك بينال تركيز جهدها على نمط الإنتاج "الخفيف" الذي تفضله بعض الشركات الأخرى. نحن أكثر طموحاً: لماذا إنتاج القمصان عندما تستطيعون إنتاج السيارات؟ تنوي شركة مارك بينال الاتصال مع أضخم الصناعات في البلد لكي تقترح عليهم الخدمات التالية:
ـ تجميع الشاحنات: نحن نستطيع الحصول على المصنع والعمال الذين يعملون فيه في آن معاً. ما الذي يمنعنا من صناعة الشاحنات؟
ـ استوديوهات السينما: تحتاج هوليوود إلى استديوهات ضخمة وفرق تصوير كبيرة. يستطيع السجناء بناء الديكور والمشاركة بدور الكومبارس.
ـ التحاليل الطبية: السجناء هم عيّنات ممتازة وحقول تجارب مُحابية في أغلب الأحيان. فكروا فقط بالاكتشافات التي يمكن أن تكون ثمرة التجارب الطبية المتسلسلة! لنقضي على الإيدز بفضل شركة مارك بينال!
ـ الخدمات خارج السجون: إن السجناء المثاليين وأولئك الذين على وشك الاستفادة من الحرية المشروطة (وعد القضاة المحليون بإعطائها وفق الحدود الدنيا ما أمكن) يستطيعون العمل في سلسلة محلات ألعاب الأطفال Toys « R » Us (تتباهى هذه المحلات في Aurora التابعة لـ Illinois بالعمل الليلي الذي يقوم به المساجين لتزويد محلاتهم).

آفاق دولية
     تنوي شركة مارك بينال العمل مع بعض الدول التي لم تعد تستطيع إدارة سجنائهم بشكل صحيح. نحن نقصد الصين ونيجيريا بشكل خاص. نحن نستطيع استيراد سجنائهم وتحسين ميزاننا التجاري بفضل اليد العاملة المجانية تقريباً! فيما يتعلق بالدول التي لا توفر مثل هذه التسهيلات لأنه من غير القانوني فيها حالياً تسويق المنتجات المصنوعة من قبل السجناء، يجب ألا ننسى أننا نعيش في عالم يتغير فيه كل شيء بسرعة كبيرة.
     فيما يتعلق بالمجرمين الأمريكيين الأكثر خطورة على المجتمع، ستبني شركة مارك بينال سجوناً خاصة لهم في غواتيمالا والأورغواي والأردن. من الممكن تكليف هؤلاء المعتقلين عديمي التأهيل والكفاءة بأنواع مختلفة من الأعمال المنتجة التي لا يسمح قانون العمل الأمريكي بإنجازها على أراضي الولايات المتحدة.
     هناك ملاحظة إيجابية: أغلقت شركة DPAS الكاليفورنية مؤخراً أحد معاملها في المكسيك، وأعادت توطين كامل بنيته التحتية في معالجة المعطيات داخل سجن San Quentin في سان فرانسيسكو، وتقول الشركة أن "كلفتهم أقل بكثير"! يبرهن ذلك على أن شركة مثل مارك بينال يمكنها المساهمة في إستعادة فرص العمل الضائعة بسبب اتفاق حرية التجارة في أمريكا الشمالية إلى الولايات المتحدة.

     للحصول على المزيد من المعلومات حول مشاريعنا، راسلونا إلى عنوان شركة مارك بينال التالي: PO Box 831, Radio City Station, Newyork, Newyork 10101".


(توقف المدونة عن تغطية المقالات حول سورية والشرق الأوسط)

     تتوقف المدونة عن تغطية المقالات المنشورة في الصحافة الفرنسية حول سورية والشرق الأوسط بعد ثلاث سنوات من التغطية اليومية. احتاج هذا العمل إلى الكثير من الوقت والجهد، وسيقتصر عمل المدونة من الآن فصاعداً على بعض المقالات التي تعتبرها مفيدة وقادرة على إثارة التفكير في مجالات متنوعة جداً حسب القراءات التي تقوم بها المدونة باللغة الفرنسية سواء في الصحافة أو الكتب وحتى الكتب المترجمة إلى الفرنسية. لا تدع المدونة قدرتها على تغطية كل شيء، فهي عاجزة عن ذلك، ويبقى عملها قطرة ماء صغيرة في محيط هائج بالأحداث والتغيرات.
     تبدأ المدونة مقالاتها الجديدة بترجمة فصل من كتاب بعنوان: (خلّصني من هذا الشحم! جولة صغيرة في الكابوس الأمريكي) للمخرج السينمائي الأمريكي  المعروف مايكل مور Michael Moore. صدرت الطبعة الانكليزية عام 1996 ـ 1997 وصدرت الطبعة الفرنسية عام 2000 عن دار نشر La découverte & Syros. وهذه الترجمة مأخوذة عن الطبعة الفرنسية. هذا الفصل هو عبارة عن منشور إعلاني لإحدى الشركات الأمريكية المتخصصة في إدارة السجون ابتداءاً من تشغيل السجناء ومروراً بتحويل المعامل المغلقة إلى سجون، وانتهاءاً باستيراد السجناء من دول أخرى للعمل في السجون الأمريكية أو حتى عودة المعامل الأمريكية من المكسيك إلى داخل  السجون الأمريكية.

     يبقى التأكيد على أن المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي المدونة.

الأحد، ٢١ كانون الأول ٢٠١٤

(ساعة الاختيار في المشرق)

افتتاحية صحيفة الفيغارو 20 كانون الأول 2014 بقلم فيليب جيلي Philippe Gélie

     بُني التحالف الدولي ضد داعش حول مجموعة متناقضة من الشركاء ومتعارضة في بعض الأحيان، وبدأ بما هو أكثر ضرورة عبر القصف الجوي وتزويد الأكراد والقوات العراقية وبعض المجموعات المتمردة المعتدلة السورية بالسلاح، وترافق ذلك مع الإشراف العسكري في بغداد وكردستان. أعطت هذه الجهود ثمارها منذ عدة أسابيع، وتم احتواء الجهاديين في كوباني بسورية، وهم على وشك التراجع في جبل سنجار بالعراق. بالتأكيد، ما زالت الدولة الإسلامية تفرض قانونها البربري من الرقة إلى الموصل، ولكن النجاحات العسكرية الأولى للتحالف تُقرّبنا من اللحظة التي يجب أن نكون متأكدين فيها من أهدافنا وتحالفاتنا.
    عندما تضعف داعش، تتعزز قوة الباقين. استولى خصمه جبهة النصرة مؤخراً على إمارته الصغيرة في شمال سورية. في الوقت الذي تتفاوض فيه الأمم المتحدة حول هدنة في حلب، تخشى الدولة الغربية من تسهيل استيلاء بشار الأسد على هذه المدينة. أدان لوران فابيوس النزعة التي تعتبر أن نظام دمشق هو أقل الشرور، وذلك رداً على ممثلة الدبلوماسية الأوروبية التي تمنت "التفاوض مع الجميع".

     ما الذي نسعى إلى الحصول عليه في العراق وسورية؟هل سنواصل دعم الأكراد عندما سيطالبون بالحصول على دولة؟ هل يستطيع التحالف الانفتاح على موسكو وطهران مع احتمال فقدان شركائه السنة وفي مقدمتهم السعودية؟ تواجه فرنسا هذه المسألة على المدى القصير تاركة لواشنطن مهمة تحديد إستراتيجية ما زالت بالانتظار. انخرطت قواتنا في هذه الحرب لمدة طويلة. سيُطلب من الجمعية العمومية إعطاء الضوء الأخضر في شهر كانون الثاني، ومن حقه انتظار خيارات واضحة.

(تنظيم القاعدة في سورية يستولي على عشرات الدبابات من جيش بشار الأسد)

صحيفة الفيغارو 20 كانون الأول 2014 بقلم تييري بورت Thierry Portes

     أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الجمعة 19 كانون الأول إلى أن جبهة النصرة ـ ممثلة تنظيم القاعدة في سورية وبعض المجموعات الإسلامية استولوا على خمس وثلاثين دبابة وعشرين ناقلة جنود مليئة بالذخيرة في بداية الأسبوع الماضي خلال الاستيلاء على قاعدتين عسكريتين في شمال سورية. احتاج المقاتلون الإسلاميون إلى عدة ساعات فقط لإسقاط قاعدتي وادي ضيف والحامدية في محافظة إدلب خلال المعارك مع الجيش السوري، وأدت هذه المعارك إلى مقتل مئتي شخص من الطرفين.

     يعتبر المحللون أن هذه النجاح سيسمح لجبهة النصرة بفرض سيطرتها على هذه المنطقة بعد أن طردت منها المتمردين المدعومين من الدول الغربية قبل عدة أسابيع. من الممكن أن يسمح ذلك أيضاً لهذه المجموعة الجهادية بمهاجمة إدلب، آخر مدينة في هذه المنطقة ما زالت بأيدي نظام بشار الأسد.

(مع الصليب الأحمر في سورية)

صحيفة الفيغارو 20 كانون الأول 2014

     تحرص وزارة الدفاع الأمريكية كثيراً على تجنب وقوع ضحايا جانبيين، وطلبت من الصليب الأحمر الدولي إعلامها مقدماً بتنقلات قوافله في سورية. تقصف الطائرات الأمريكية منذ عدة أشهر بشكل خاص مواقع الجهاديين في مدينة كوباني وحولها التي تريد داعش السيطرة عليها.



الجمعة، ١٩ كانون الأول ٢٠١٤

(إسرائيل في مواجهة تزايد المخاطر)

صحيفة الفيغارو 18 كانون الأول 2014 بقلم مراسلتها الخاصة في إسرائيل إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     كانت الحدود في هضبة الجولان عندما كان جيش بشار الأسد يسيطر عليها قبل أربع سنوات هي الأكثر هدوءاً بالمقارنة مع جميع الحدود الإسرائيلية، ولكن العسكريين الإسرائيليين أصبحوا في حالة تأهب منذ سيطرة المعارضين السوريين على هذه المنطقة. قال أحد الضباط الإسرائيليين: "نحن نحصي وجود خمسة ألاف مقاتل معتدل وألفي سلفي وألف متطرف تقريباً". يخشى الجيش الإسرائيلي حالياً أن يؤدي تجدد المعارك إلى تدفق مفاجئ للاجئين على حدوده، كما يخشى أن يُسيطر جهاديو الدولة الإسلامية على بقية المجموعات المتمردة، ويتمركزون على طول الحدود بشكل يهدد المواقع الإسرائيلية.
     تابع الضابط الإسرائيلي قائلاً: "إنهم يكرهوننا، ولديهم برنامج سياسي طموح وزعامة قوية وأسلحة كثيرة. ولكن ليس لدينا نموذج للإنذار ولا نظام استخباراتي فعال ضد الدولة الإسلامية". هذا هو بالتحديد ما يفعله رجاله في الجولان حالياً: أي التعلم والفهم والحصول على المعلومات. وذلك لأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية، نقلاً عن بعض المصادر الدبلوماسية وتقرير حديث للأمم المتحدة، ربما تسللت إلى الجانب السوري من الحدود، وبدأت الاتصال مع بعض مجموعات المعارضة. قال أحد الدبلوماسيين: "نحن نساعد المعتدلين على أمل منع المتطرفين من الاقتراب من حدودنا".
     ارتابت إسرائيل منذ البداية تجاه الربيع العربي بسبب تعدد الأطراف غير الحكومية على حدودها، وأصبحت تواجه اليوم عدداً كبيراً من المخاطر. بالتأكيد، عادت العلاقات الجيدة إلى طبيعتها بين القاهرة وتل أبيب، وما زالت المملكة الأردنية صامدة، وبرزت مصالح جغراسياسية مشتركة بين إسرائيل وبعض الدول السنية في المنطقة مثل قطر والسعودية. قال أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين: "في الوقت الحالي، نجحنا بالبقاء خارج الفوضى الإقليمية، لأننا لسنا طرفاً رئيسياً في هذه النزاعات. ولكن الشرق الأوسط الذي اعتدنا عليه جميعاً قد مات، ونعيش اليوم في العصور الوسطى". في هذه البيئة غير المستقرة، تُعتبر سورية كخطر على إسرائيل، ولكنها بالتأكيد ليست الخطر الرئيسي. قال أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين: "لا تمثل داعش تهديداً وجودياً لإسرائيل. فيما يتعلق ببشار الأسد، إنه شرّ نعرفه".
     ما زال التهديد النووي الإيراني يشكل القلق الأول لدى جميع التيارات السياسية في إسرائيل، ويتفق الجميع مع موقف الحكومة بأنه لا يجب أن تكون هناك قنبلة نووية إيرانية. توقفت حالياً النزعة نحو توجيه ضربات عسكرية ضد إيران، وحلت مكانها من جهة أولى: "الحرب الصامتة" عبر الهجمات المعلوماتية واغتيال العلماء، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ البرنامج النووي السري، ومن جهة ثانية، المفاوضات بين طهران والقوى العظمى. أصبح "الخط الأحمر" الجديد بالنسبة للضباط الإسرائيليين حوالي عام 2016.  قال أحد الدبلوماسيين: "حصلنا على نتيجة معتدلة بعد عشر سنوات من التعبئة الدولية: لم نتمكن من إيقاف البرنامج الإيراني، ولكننا نجحنا في تدويل المسألة. لدينا الآن فترة راحة. يكمن هدفنا في دفع مجموعة الست للاقتراب من موقفنا ما أمكن، ولكننا نخشى أن يفلت الموضوع من أيدينا".
     سمح مشروع "القبة الحديدية" الإسرائيلية منذ نشره عام 2011 بمنع سقوط أكثر من 90 % من القذائف التي أطلقتها حماس على إسرائيل. تتراوح كلفة اعتراض كل قذيفة ما بين ستين وسبعين ألف دولار، ويمكن أن يبدو هذا النظام المضاد للصواريخ باهظاً جداً، ولكن الحياة الاقتصادية ستتوقف بدونه أثناء كل حرب ضد حماس. تعزز شعور الإسرائيليين بالقوة مع الإعلان عن تركيب نظامين أخرين مضادين للصواريخ قريباً: الأول هو نظام David Sling لمواجهة الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى حتى في حال إطلاقها من دول مجاورة ومحملة بأسلحة الدمار الشامل. الثاني هو نظام Arrow لمواجهة الصواريخ البالستية بعيدة المدى لمواجهة التهديد الإيراني.
     ما تزال إسرائيل هشة بانتظار تكريس حلم الحماية المطلقة من قذائف أعدائها. إن إسرائيل في حالة حرب مع حماس كل سنتين، وتشعر بالقلق من التهديد المتزايد من قبل حزب الله اللبناني. بالتأكيد، إن الذراع المسلح لإيران مشغول جداً بالقتال في سورية والعراق لدرجة أنه لا يمثل خطراً آنياً على إسرائيل. ولكن العسكريين والسياسيين الإسرائيليين يُحذرون من الخبرة التي يكتسبها حزب الله حالياً في المعارك، ومن الأسلحة الأكثر فأكثر تطوراً التي يحصل عليها عبر سورية وإيران وروسيا. قصف الطيران الإسرائيلي خلال الأسبوع الماضي قافلة لصواريخ أرض ـ أرض كانت متوجهة إلى حزب الله اللبناني. تؤكد إسرائيل دوماً أن نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله هو خط أحمر.
     يعترف الجيش الإسرائيلي بوجود "نقاط ضعف استراتيجية" في مواجهة تغير البيئة الإقليمية. اعترف أحد الضباط قائلاً: "لقد فقدنا الاتصال مع بعض الحقائق. في غزة لأنه ليس لدينا عناصر استخبارات فيها، وفي سورية لأننا لا نعرف الأطراف الجدد". تواجه إسرائيل صعوبة في مواجهة حرب العصابات. يأتي التهديد الأخير لإسرائيل من الداخل. قال أحد الضباط الإسرائيليين المقربين من الحكومة: "ليست المشكلة الفلسطينية هي التي توجج الفوضى في المنطقة، بل الفوضى الإقليمية هي التي تؤجج التطرف عندنا. من جهة أخرى، إذا كان داعش وتنظيم القاعدة متواجدان في كل مكان، لماذا لا يكونا أيضاً في إسرائيل؟". لم تخترع إسرائيل حتى الآن قبة حديدية لمواجهة التهديد الداخلي.