الصفحات

الخميس، ١٩ كانون الأول ٢٠١٣

(إيران: النقاط الغامضة في الاتفاق)

 صحيفة الفيغارو 19 كانون الأول 2013 ـ مقابلة مع السفير الفرنسي السابق في إيران بين عامي 2001 ـ 2005 فرانسوا نيكولو François Nicaullaud والباحث في مؤسسة البحث الإستراتيجي برونو تيرتريه Brunot Tertrais ـ أجرى المقابلة غايدز ميناسيان Gaïdz Minassian

سؤال: هل لعبت الاضطرابات الجارية في الشرق الأوسط دوراً في التوصل إلى اتفاق جنيف حول الملف النووي الإيراني؟
فرانسوا نيكولو: إنه أمر صحي أن هذه المفاوضات تجاوزت الرغبة بمعالجة جميع المشاكل مع إيران: في سورية وأفغانستان ولبنان وفلسطين. إن الأزمة النووية خاصة جداً. ولكن إذا وجدت حلاً، فإن ذلك ربما يطلق دائرة إيجابية ستستفيد منها بقية المشاكل المحورية في المنطقة. توافق إيران على أن حضورها في منطقة معقدة يخلق لها بعض الواجبات. بالإضافة إلى ذلك، يقال أن بعض الدول الغربية متعلقة جداً بمشاعر القلق الإسرائيلية والسعودية. ولكن لنتذكر أن دول مجموعة الست تتفاوض باسم المجتمع الدولي. هناك مصلحة مشروعة لجيران إيران في الحصول على الطمأنينة. لا يعني ذلك أنهم محقون دائماً، ولكن يجب الإصغاء لهم.
برونو تيرتريه: يدعي بعض الخبراء بأن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة سيكون المرحلة التالية، إنها مزحة! إذا تم التوصل إلى اتفاق، فإن السبب بالتحديد هو أنه كان مقتصراً على المسألة النووية. يبقى السؤال الكبير في معرفة فيما إذا النظام الإيراني يستطيع تحمّل المصالحة مع الغرب. فيما يتعلق بالمسألة السورية، أنا لم أؤيد الموقف الفرنسي أثناء مفاوضات جنيف 1 في شهر حزيران 2012، الذي كان يقول بأن إيران لا مكان لها في المفاوضات. أعتقد أن هذا الموقف كان رسالة سيئة إلى إيران: إنه قد يعزز الافتراضات المسبقة لأولئك الذين يعتبرون في طهران أن الدول الغربية لا تسعى إلى اتفاق حول الملف النووي، ولكن إلى إسقاط النظام. من الممكن التساؤل فيما إذا كان تردد باراك أوباما حول سورية كان يتضمن أيضاً الخشية من أن يؤدي التدخل العسكري إلى تعقيد المفاوضات مع إيران.


الأربعاء، ١٨ كانون الأول ٢٠١٣

(حلب: براميل المتفجرات على المتمردين)

صحيفة الفيغارو 18 كانون الأول 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     سقط برميل كبير مرة أخرى على حلب يوم الثلاثاء 17 كانون الأول. إنه برميل خطير جداً مليء بالمتفجرات، قامت برميه الطائرات المروحية للجيش النظامي للمرة الثانية خلال ثلاثة أيام على الأحياء المتمردة في الشعار والمعدي شرق حلب. قُتِل 76 شخصاً يوم الأحد 15 كانون الأول ـ منهم 28 طفلاً ـ ، وانتشل عمال الإنقاذ 18 جثة بين الأنقاض منهم طفلين وإمرأة وشاب ماتوا تحت وابل النيران القادمة من السماء.
     إن هذه الغارات هي الأكثر دموية منذ بداية التمرد في شهر آذار 2011 ضد نظام بشار الأسد. أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن هذه البراميل المعدنية المغطاة بطبقة من الاسمنت المسلح مليئة بالمتفجرات. إن عدم وجود نظام للتحكم يفسر العدد الكبير في الضحايا عندما تقوم الطائرات المروحية والطائرات المقاتلة بإلقاء البراميل على مواقع المتمردين. أظهرت بعض الصور المنشورة على الأنترنت أضراراً كبيرة في المباني وبعض الجرافات التي تقوم بإزالة الأنقاض، وما زال بعض الرجال يبحثون عن وجود بعض الناجين.
     أكد مصدر أمني سوري أن الجيش لجأ إلى هذه البراميل عوضاً عن الصواريخ المكلفة جداً لأنها مستوردة من روسيا. أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إلى وكالة الصحافة الفرنسية AFP قائلاً: "هناك تصعيد واضح من قبل النظام في قصف الأحياء المتمردة في حلب من أجل ترهيب السكان في هذه المنطقة". تقع أغلبية القطاعات المستهدفة في شرق حلب التي يسيطر عليها المعارضون ضد الأسد. لقد اجتاحت الحرب هذه المدينة التي ما زال النظام يسيطر على الجزء الغربي منها. لا يتردد النظام في استخدام أشكال بربرية أخرى على الرغم من حرمانه من الأسلحة الكيميائية، وذلك على أمل خنق المعارضة المجبرة أحياناً على أكل الفئران للبقاء على قيد الحياة في مواجهة الحصار الذي يفرضه الجيش.
     من الممكن أن يكون تكثيف القمع إعلاناً لتقدم الجيش نحو هذه المناطق في حلب التي تسعى القوات النظامية بدعم من مقاتلي حزب الله إلى استعادتها قبل مؤتمر جنيف المرتقب في 22 كانون الثاني بهدف إطلاق عملية انتقالية تفاوضية للسلطة. نجح الجيش النظامي في الأشهر الأخيرة باستعادة بعض المدن والقرى في شرق حلب، كما تقدم نحو الأحياء الشرقية لمدينة حلب.
     أدانت اليونيسيف بعنف معتبرة أنه "لم يكن مقبولاً استهداف الأطفال بهذا الشكل". لقد قُتِل أكثر من مئة وعشرين ألف شخص في سورية خلال 33 شهراً. إن تدهور الوضع في حلب يؤكد على ضرورة الإسراع بالتوصل إلى حل سياسي للنزاع. تتوقع الأمم المتحدة أن يتضاعف عدد اللاجئين السوريين مرتين عام 2014 بسبب عدم التوصل إلى اتفاق سلام، وسيصل عددهم إلى 4.1 مليون لاجىء. قام بعبور الحدود الأردنية حتى الآن ستمائة ألف لاجى، وأصبح عددهم يمثل 10 % من سكان الأردن. كما هرب عدد كبير من العنف باتجاه لبنان بشكل أدى إلى تزايد أخطار زعزعة استقرار هذا البلد الممزق بسبب التوترات العنيفة بين السنة المؤيدين للمتمردين والشيعة المؤيدين للأسد. طلبت وكالات الأمم المتحدة من المجتمع الدولي يوم الاثنين 16 كانون الأول الحصول على 6.5 مليار دولار لمساعدة ضحايا أكبر تحدي إنساني تواجهه الأمم المتحدة.


(الأسلحة الكيميائية: الطريق الطويل لتفكيكها)

صحيفة الفيغارو 18 كانون الأول 2013 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     إنها معضلة حقيقية: كيف يمكن تدمير 1300 طن من المواد الكيميائية بوقت قياسي في بلد تجتاحه الحرب الأهلية؟ هذا هو الرهان غير المعقول للاتفاق الذي توصل إليه الروس والأمريكيون، ثم الإعلان عنه رسمياً عبر قرار مجلس الأمن رقم 2118، وذلك بعد الهجوم الكيميائي الذي قامت به قوات بشار الأسد على ضواحي دمشق بتاريخ 21 آب. بعد مرور ثلاثة أشهر، نشرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية المكلفة بتفكيك الأسلحة الكيميائية خارطتها للطريق.
     من الناحية النظرية، يجب تدمير الترسانة السورية قبل تاريخ 30 حزيران 2014. يجب نقل العناصر الكيميائية الأكثر خطورة ولاسيما غاز الخردل خارج سورية قبل 31 كانون الأول، وأكد مصدر دبلوماسي أن الفكرة كانت "إبعاد التهديد إلى خارج سورية لتجنب الإبقاء على شهادة التأمين على الحياة لبشار الأسد". وصلت الحاويات في بداية فصل الخريف، وتم توزيعها على حوالي 12 موقعاً بانتظار نقلها بواسطة الشاحنات الروسية حتى ميناء اللاذقية. ثم يُفترض أن تقوم سفينتا شحن نرويجية ودانماركية بشحن الحاويات إلى ميناء إيطالي ما زال اسمه سرياً. ستصل هذه الحاويات في النهاية إلى السفينة الأمريكية (Cape Ray) المجهزة لتدمير الأسلحة الكيميائية عبر تفكيكها باستخدام المياه ( Hydrolyse). ستجري هذه العملية في المياه الدولية، ربما في المحيط الأطلسي، وستسمر ما بين 45 و60 يوماً.
     ولكن هذا البرنامج تأخر بسبب المعارك التي تجتاح البلد. تجري معارك عنيفة بين الجيش السوري ومجموعات المعارضة على الطريق الإستراتيجي الذي يصل بين دمشق وحمص والحصون القوية للحكومة على المتوسط التي كان المفتشون ينوون استخدامها لنقل الحاويات. ربما تم إغلاق هذا الطريق منذ ثلاثة أسابيع. قال مصدر دبلوماسي: "في هذه القضية، تتحرك منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على المدى القصير. إن الجميع مجبرون على ارتجال المراحل بشكل دائم". أضاف هذا المصدر أن نظام بشار الأسد يبدو أنه "ينفذ رهان" تفكيك الأسلحة الكيميائية، وقال: "ليس أمامه خيار آخر: إنه يتعرض لضغوط كبيرة من موسكو، ويعرف أنه سيكون هناك إجراءات في مجلس الأمن في حال انتهاك هذا الرهان".
     هناك خلاف بين دمشق ومفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية حول مصير المنشآت الكيميائية التي يوجد المئات منها في منطقة عسكرية. يريد النظام السوري الحفاظ على المصانع من أجل تحويلها إلى غايات أخرى. يُطالب المجتمع الدولي بتدميرها، وقال أحد الدبلوماسيين مسروراً: "لقد حققنا ما نريد". يقوم المفتشون الدوليون بالإشراف على تدمير معامل المزج والذخيرة، ويتم ذلك حسب البرنامج المقرر. أكد مصدر مقرب من الملف قائلاً: "لم يعد النظام السوري يملك الوسائل لمزج العناصر. ولم يعد لديه الوسائل الضرورية لنقلها واستخدامها مثل القذائف الصاروخية". تم تجميع المواد الأقل خطورة بشكل مسبق، وتم تفكيكها في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام.
     أرسلت الحكومة السورية بتاريخ 23 تشرين الأول لائحة ثانية أكثر تفصيلاً من الأولى تُحدد فيها موقع وكميات المخزون. أكد مصدر مقرب من الملف قائلاً: "إن هذه اللائحة مطابقة تقريباً"، وأشار إلى أن أجهزة الاستخبارات الغربية حصلت عبر السنين على "نظرة جيدة بما فيها الكفاية لحالة البرنامج الكيميائي السوري". فيما يتعلق بالمواقع المعلن عنها ويبلغ عددها 23 موقعاً، هناك موقع واحد فقط لم يزوره المفتشون حتى الآن بسبب وقوعه في منطقة معارك. أضاف المصدر السابق قائلاً: "لم يكن هناك أية مشكلة في الوصول إلى بقية المواقع الـ 22، لأن النظام قام بتجميع أسلحته الكيميائية في المناطق التي يسيطر عليها منذ بداية الحرب".
     على الرغم من ذلك، ما زال الطريق طويلاً قبل التدمير الكامل للترسانة التي كانت إحدى أهم الترسانات الكيميائية في العالم. إن معالجة العناصر السامة على السفينة الأمريكية سينجم عنه ثمانية ملايين ليتر من النفايات التي سيتم تخزينها مؤقتاً في السفينة بانتظار تقديم طلب عرض أسعار لمعالجتها من قبل الشركات التجارية.
     حذر مصدر دبلوماسي من أن تدمير الأسلحة الكيميائية "ليس نهاية القصة في سورية. لقد تم تفكيك البرنامج، ولكنه لم يتلاشى. لم تتم تسوية قضية العلماء الذين سيكونون قادرين على إعادة بناء البرنامج الكيميائي ما داموا موجودين في سورية". أعاد الاتفاق الأمريكي ـ الروسي الاعتبار إلى بشار الأسد في الوقت الذي كان مهدداً فيه بضربات جوية، لقد عثر بشار الأسد على وسائل أخرى لإخضاع المناطق المتمردة هي تجويع السكان المدنيين عبر منع مرور المساعدة الإنسانية.


الثلاثاء، ١٧ كانون الأول ٢٠١٣

(هناك مشكلة ثقة مع واشنطن)

 صحيفة الليبراسيون 17 كانون الأول 2013 ـ مقابلة مع الأمير السعودي تركي الفيصل ـ أجرى المقابلة مراسلها الخاص في موناكو مارك سيمو Marc Semo

     يؤكد تركي الفيصل (68  عاماً) أنه لم يعد يشغل أي منصب رسمي على الرغم من أنه يترأس مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية في الرياض، كما يؤكد في الوقت نفسه أنه "لديه الكثير من العلاقات وأن يُعبر عن اهتمامات الكثير من الناس". إنه أحد أعضاء العائلة المالكة في السعودية، وكان سفيراً سابقاً في لندن ثم واشنطن وشغل منصب رئيس الأجهزة السرية لفترة طويلة، وهو شقيق وزير الخارجية السعودي. ما زال تركي الفيصل إحدى الشخصيات الأساسية على صعيد السياسة الخارجية السعودية. إلتقت به صحيفة الليبراسيون والوول ستريت جورنال على هامش مؤتمر السياسة العالمية World Policy Conference الذي نظمه  المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية IFRI في موناكو في الوقت الذي لا تخف فيه الرياض انزعاجها من واشنطن، ولاسيما بخصوص المفاوضات السرية التي قامت بها الإدارة الأمريكية في سلطنة عمان مع إيران قبل مؤتمر جنيف.
سؤال: هل أنتم قلقون من تشنج العلاقات مع الولايات المتحدة؟
تركي الفيصل: إن علاقاتنا مبنية على المصالح المتبادلة منذ أكثر من ثمانين عاماً، وهي علاقات قوية على الرغم من المد والجزر فيها. عندما التقى الملك ابن سعود مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام 1945، كان روزفلت يريد الحصول على دعمه لهجرة اليهود إلى فلسطين، وأجابه الملك بقوله: إذا كان اليهود قد تعرضوا للاضطهاد في ألمانيا، لماذا لا تعطونهم أرضاً في ألمانيا؟ تعهد الرئيس الأمريكي مثل خلفه هاري ترومان باستشارتنا قبل اتخاذ أي قرار حول هذا الموضوع، ولكن هذا الوعد طواه النسيان عام 1948. كانت مواقفنا متناقضة خلال حرب عام 1973 وإعلان الحظر النفطي، ولكن ذلك لم يمنع استئناف التحالف الإستراتيجي بين البلدين بعد عام واحد. لا نستطيع نسيان أن واشنطن أرسلت نصف مليون رجل لتحرير الكويت التي غزاها صدام حسين، وقاتلنا معهم جنباً إلى جنب. هناك اليوم خلافات بين الولايات المتحدة وبيننا حول سورية وفلسطين والملف النووي الإيراني. لقد عبّرنا عن مواقفنا بشكل علني. ولكن يجب النظر إلى علاقاتنا بشكل إجمالي. هناك أكثر من مئة ألف سعودي يدرسون في الولايات المتحدة التي تمثل الشريك التجاري الأول للسعودية. لدينا اتفاقات قوية في الدفاع والأمن بالإضافة إلى العديد من اتفاقات تبادل المعلومات.
سؤال: هل أصابكم حليفكم بالخيبة حول سورية؟
تركي الفيصل: أعطتنا الولايات المتحدة الانطباع بأنها ستفعل شيئاً ما حول سورية، ولم تفعله في النهاية. لقد تحولت "الخطوط الحمراء" التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي إلى خطوط زهرية، ثم أصبحت خطوطاً بيضاء. هناك مشكلة ثقة. أعرف أن باراك أوباما لديه مشاكله الخاصة، ولكنه التزم بتعهدات حول الشرق الأوسط بشكل خاص. يجب عليه إعطاء الضمانات بأنه يقول فعلاً ما سوف يفعله. لم يستجب البريطانيون والأمريكيون لطلب الجيش السوري الحر ولم يزودونه بالأسلحة الضرورية لكي يدافع عن نفسه، وذلك منذ بداية النزاع ومنذ ظهور الجيش السوري الحر كرد على هجمات نظام الأسد ضد شعبه. إن المساعدة المقدمة غير ملائمة، ويقولون الآن أنهم سيقومون بإيقافها. لن يُغيّر ذلك شيئاً. إذا كان هناك إعادة توازن للقوى على الأرض، فسيكون هناك فرصة أكبر للتوصل إلى وقف إطلاق النار. ولكنني أعتقد بأن النهاية الحقيقية لهذا النزاع ستكون بنهاية النظام، لأنه السبب بكل ما حصل.
سؤال: ما هو تقويمكم للاتفاق مع إيران حول الملف النووي؟
تركي الفيصل: جاءت إيران إلينا مع ابتسامة عريضة. لنأمل بأن الإيرانيين جادون. ولكننا نود أولاً أن تسحب طهران مقاتليها من سورية، وأن تقول إلى مقاتلي حزب الله اللبنانيين والكتائب الشيعية العراقية بأنه يجب عليهم الانسحاب. فيما يتعلق بالاتفاق نفسه، فقد تلقيناه بشكل إيجابي، ولكنه ليس إلا اتفاقاً مؤقتاً، ونحن نريد رؤية كيف سينتهي قبل التصفيق له. نحن معنيون مباشرة بالملف النووي الإيراني وبشكل أكبر بالمقارنة مع الأوروبيين والأمريكيين، وليس فقط على صعيد الملف النووي العسكري، لأن وقوع حادث في أحد المفاعلات سيؤثر علينا بشكل مباشر. إن إيران بلد مهدد جداً بخطر الهزات الأرضية، وليس فقط من وجهة النظر السياسية. لهذا السبب أيضاً، نحن نعتبر مثل بقية دول الخليج أن المفاوضات التي تقوم بها مجموعة 5+1 يجب أن تصبح مجموعة 5+2 عن طريق توسيعها وضم مجلس التعاون لدول الخليج، ولكن إيران لا تريد ذلك.
سؤال: هل من الممكن إيقاف انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط؟
تركي الفيصل: اقترحت المملكة السعودية منذ عدة سنوات إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في كامل الشرق الأوسط تمتد من إيران إلى المحيط الأطلسي. لقد تم التوصل إلى اتفاق حول مبدأ هذا المؤتمر الذي كان من المفترض انعقاده في هلسنكي خلال خريف عام 2012، ولكن الأمريكيين تراجعوا معتبرين أن المؤتمر لن ينجح. يستوجب ذلك تعهداً مشتركاً من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن باعتبارها قوى نووية معلنة، وبإمكانها توفير الضمان الأمني عبر مظلة نووية لجميع دول هذه المنطقة، وتطبيق العقوبات الاقتصادية وحتى العسكرية على الذين ينتهكون تعهداتهم من أجل طمأنة جميع الدول المعنية. يؤكد الدبلوماسيون الغربيون أن إسرائيل لن تقبل بذلك إطلاقاً. أرد عليهم بالقول: لنبدأ بذلك، ولنعطي الضمانات، ثم ستأتي إسرائيل وتتفاوض. يبدو أن هذا الطريق أكثر فعالية من الطريق المتبع حتى الآن، وذلك بعد 11 سنة من النقاشات مع طهران، ولم نصل إلى نتائج حاسمة حتى الآن.


(الرهان من عملية جنيف كبير جداً: تطبيع العلاقات مع إيران)

 صحيفة الليبراسيون 14 كانون الأول 2013 ـ مقابلة مع وزير الخارجية الفرنسية السابق هوبير فيدرين ـ أجرى المقابلة جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin ومارك سيمو Marc Semo

سؤال: هل يمثل الاتفاق المؤقت في جنيف علامة على عودة إيران إلى المسرح الدولي؟
هوبير فيدرين: إن التعهد بهذه العملية حدث هام جداً. من الممكن أن يؤدي يوما ما إلى إعادة انخراط إيران في الرهان الدولي الذي أبعدت نفسها عنه ـ أو تم إبعادها عنه ـ منذ الثورة الإسلامية عام 1979. إن الرهان هائل: أي القبول بإيران الإسلامية وتطبيع العلاقات معها. بالإضافة على ذلك، أدت مسألة المشاريع النووية الإيرانية إلى تفاقم التوترات الدولية ولاسيما في الشرق الأوسط منذ أكثر من عشر سنوات. كانت هناك فرصة ضائعة مثل فترة ما بعد انتخاب محمد خاتمي عام 1998. ذهبت حينها لرؤيته بعد التحذير الذي وجهه جاك شيراك. كانت هناك فرصة ضائعة أيضاً عامي 2004 ـ 2005، ربما كانت المفاوضات ممكنة آنذاك. ولكن لا شك أن الولايات المتحدة لم تكن تريد إعطاء الشرعية لهذا النظام حتى ولو كان ذلك عن طريق احتمال التوصل إلى اتفاق جيد حول الملف النووي. يذكرني ذلك بالخلافات بين الدول الغربية التي كانت تريد مساعدة غورباتشوف ـ هيلموت كول وفرانسوا ميتران وجاك دولور ـ وأولئك الذين لا يريدون القيام بأي شيء يمنع سقوط الاتحاد السوفييتي مثل جورج بوش الأب وجون ميجر ورئيس الحكومة الكندي.
سؤال: إلى أين يمكن أن تصل هذه الديناميكية؟
هوبير فيدرين: إذا تم الإلتزام بالتعهدات (إيقاف المشاريع والرقابة) خلال الفترة الانتقالية، فسوف نتجه من حيث المبدأ إلى رفع العقوبات عبر مراحل، ويجب اتخاذ هذه القرارات في نيويورك وواشنطن وبروكسل. بالنسبة للمتشددين في النظام الإيراني أي حرس الثورة، إنه تهديد لسلطتهم في نهاية المطاف.
سؤال: ولكن من الممكن أن يكون حرس الثورة أول المستفيدين من تخفيف العقوبات...
هوبير فيدرين: نعم، في حال تحولهم إلى الاقتصاد المفتوح! في حال التغلب على هذه العقبة، وإذا فرض توجه حسن روحاني نفسه، ويبدو أن المرشد الأعلى وافق عليه، فمن الممكن أن تنتقل إيران خلال عدة سنوات من بلد مخنوق بالعقوبات إلى دولة على مشارف التحول إلى دولة صاعدة مع إمكانيات هائلة. يوجد تحت غطاء النظام مجتمع إيراني أكثر عصرية من المجتمع السعودي. يدعم المغتربون في الولايات المتحدة هذه الحركة. إذا اقتنع المتشددون بهذه الحركة، فسوف تتقدم العملية. ربما سينقسم المتشددون فيما بينهم. إذاً، يجب إلتزام الحذر حول تطبيق  الإيرانيين للاتفاق المؤقت بشكل صادق كما يقول وزير الخارجية لوران فابيوس، ولكن يجب إلتزام الحذر الشديد أيضاً تجاه المجموعات التي تريد إفشال الاتفاق. سأكون مندهشاً في حال عدم وقوع أية محاولة لإجهاض العملية خلال الفترة المؤقتة.
سؤال: من أين يمكن أن تأتي مثل هذه المحاولات؟
هوبير فيدرين: هناك الكثير من القوى التي ستحاول إفشال العملية: في إيران بالتأكيد، وفي السعودية أيضاً، وفي إسرائيل، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص. يستحوذ على السعوديين هاجس الحصار الشيعي، ولهذا السبب يريدون إسقاط الحلقة العلوية في سورية بأي ثمن. ولكن ماذا بإمكانهم أن يفعلوا؟ الإسرائيليون أكثر أهمية لأنهم يتمتعون بنفوذ هام في الولايات المتحدة ولاسيما في الكونغرس الذي يملك مفتاح العقوبات. بالنسبة للملف الفلسطيني، لا يمثل نتنياهو كامل الرأي العام الإسرائيلي الأكثر انفتاحاً منه، كما ينطبق ذلك على إيران عندما يُعبر عن قلق عام. سنرى فيما إذا كان أوباما قادراً على احتواء هذه القوى وإعطاء الأفضلية إلى مصلحة الولايات المتحدة على المدى الطويل الأجل في مواجهة الحزب الجمهوري الغاضب والمصمم على عدم السماح للرئيس الأمريكي بتحقيق أي نجاح. يجب على باراك أوباما أن يقاتل بحزم وذكاء من أجل رفع العقوبات.
سؤال: أليست هناك أيضاً فكرة أن إيران يمكن أن تكون على المدى الطويل شريكاً موثوقاً وتأخذ مكان السعودية؟
هوبير فيدرين: أنتم تتسرعون قليلاً! ولكن من الممكن أن يكون هناك بعض المحللين الإستراتيجيين الذين يداعبون هذه الفرضية في واشنطن وطهران، وهذا هو سبب خشية السعوديين. ولكن إذا دخلت إيران في الرهان، فإنها لن تكون إيران نفسها، ولن يتم إقصاء السعودية! فيما يتعلق بالإسرائيليين، إذا كان لديهم حكام ذو نظرة مستقبلية ورجال دولة من نمط اسحاق رابين، فبإمكانهم الاستفادة من هذه الديناميكية على المدى الطويل. يجب الخروج بشكل مشرف، وبشكل يحقق الأمن للجميع، من هذه المواجهة العقيمة التي لا نهاية لها والتي تفترض أن العالم لا يقلق إلا بشأن القنبلة الإيرانية. في هذا الخصوص، هناك عقم في التفكير الجيوسياسي، وحتى في باريس. من جهة أخرى، يجب تجنب أن تؤدي هذه العملية الجديدة إلى التخلي المتعالي والخطير عن المسألة الفلسطينية بشكل يؤدي إلى مفاوضات ثنائية محكومة بالفشل مسبقاً.
سؤال: هل يذهب ذلك في اتجاه مشاركة إيران في المفاوضات حول سورية؟
هوبير فيدرين: إذا انعقد فعلاً مؤتمر جنيف، وحقق تقدماً، يجب بالتأكيد مشاركة جميع الأطراف فيه، ومن ضمنها إيران. سيكون من الخطر تركها خارج العملية.
سؤال: في النهاية، هل يظهر باراك أوباما كرجل صاحب رؤيا مستقبلية في السياسة الخارجية بعد أن أثار الخيبة منه؟
هوبير فيدرين: إن التطلعات غير المسبوقة المرتبطة بشخصه وأصوله ومساره المهني، كانت غير منطقية. فيما يتعلق بسورية وغيرها، يمكن أن يبدو توجهه الدبلوماسي متردداً أو محيراً. ولكن رؤيته الإستراتيجية الشاملة واضحة: لم يعد هناك قوة عظمى وحيدة، ولكنها تبقى القوة الأولى في عالم يضم الكثير من الدول الصاعدة، وما زالت الولايات المتحدة "محور اتصالات" هذا العالم. لا تنطوي الولايات المتحدة على نفسها، بل تُعيد نشر قواتها بشكل منطقي. ربما تقوم بذلك في أوروبا بشكل أكبر (ولكن مع الحفاظ على الحلف الأطلسي)، وبشكل أقل في الشرق الأوسط (ولكن سيكون هناك دوماً ضمان أمن إسرائيل). يجب أيضاً إضافة الإستراتيجية الجديدة حول إيران والإستراتيجية التجارية الهجومية في آسيا، بالإضافة إلى السيطرة على التكنولوجيات المدنية والعسكرية الأكثر تطوراً، والسيطرة على أعالي البحار. إن ذلك له معنى.
سؤال: هل يمثل هذا الاتفاق أيضاً علامة على العودة الكبيرة لروسيا؟
الناطق الرسمي: راهنت الدول الغربية على ديمتري ميدفيديف، وجعلت من فلاديمير بوتين فزاعة، ونسيت أنه النتيجة المباشرة لسنوات يلتسين والفوضى الناجمة عن التحرير الاقتصادي المتوحش الذي فرضه المستشارون الأمريكيون بشكل خاص بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. نحن محظوظون بأن هذه السياسة لم تعط  ما هو أسوأ من بوتين. بالتأكيد، لا شك أن هذا الأخير يبعث على الصدمة من وجهة نظر المعايير الأوروبية. ولهذا السبب، إن العديد من الدول الغربية ـ ولكن ليس ألمانيا ـ  لم يعد لديها سياسة خاصة بروسيا باستثناء كرهها لها. إنها سياسة متسرعة بعض الشيء. استخدم بوتين سلطة القدرة على إلحاق الضرر من أجل إيقاف التهميش المهين لروسيا. ولكن المساعدة التي قدمها بوتين إلى أوباما في التحرر من بعض إلتزاماته التي تعهد بها بوتين أيضاً حول الأسلحة الكيميائية في سورية، والدور البناء الذي قام به حول الملف النووي الإيراني، ربما تعني أن بوتين بدأ بتحويل قدرته على إلحاق الضرر إلى شيء آخر أكثر قدرة على البناء. لا يعني ذلك أن سياسته تغيرت في جوهرها: ما زال يرفض توسيع الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي نحو الشرق، وهذا ما نراه حالياً في الأزمة الأوكرانية التي يريد تجميدها لعدة سنوات لكي لا يتم تمزيق هذا البلد وتطويره دون مواجهة خيارات مستحيلة.
سؤال: هل وقعت فرنسا في طريق مخالف لسياستها؟
هوبير فيدرين: يعتمد ذلك على من هو المقصود! يدرك الجميع الآن المعطيات الجديدة. بالنسبة لأولئك الذين أصبحو "المحافظين الجدد"، يعتقدون أنهم في الطريق الغربي الصحيح. ربما يكون ذلك وهماً. لم يعد هناك توافق حقيقي في فرنسا. في الحقيقة، كان هناك دوماً جدل بين الديغوليين ثم الديغوليين ـ الميترانديين من جهة والأطلسيين والمحافظين الجدد من جهة أخرى. قام نيكولا ساركوزي بالخروج عن التوجه التقليدي للجمهورية الخامسة في السياسة الخارجية. يتم التفكير في السياسة الخارجية الفرنسية في قصر الإليزيه ووزارة الخارجية وبعض الشيء في وزارة الدفاع بالإضافة إلى مراكز البحث والدراسات، وقد راجت فيها فكرة أنه يجب الخروج من النظرة التقليدية "الديغولية ـ الميتراندية". فيما يتعلق بإيران، هناك العديد من المجموعات القلقة المعروفة بدعمها لإسرائيل وعدائها المطلق للإيرانيين، وتُذكّر هذه المجموعات دوماً بالدور الذي لعبه هذا النظام في الإرهاب. هناك أيضاً دعاة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وهم يمثلون في أغلب الأحيان أكثر الدبلوماسيين الفرنسيين براعة. ولكن ذلك لا يعني عزلة فرنسا. خلال المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، لم تكن فرنسا الوحيدة التي اعتبرت أن مشروع الاتفاق الأول الذي أعده جون كيري لم يكن كافياً. لأسباب عديدة،  برز لوران فابيوس في الواجهة، ولكن بقية أعضاء مجموعة الست كانوا يشاركونه وجهة نظره. إن الاتفاق الثاني المؤقت أفضل من الاتفاق الأول. لم تنته حتى الآن إعادة البناء الفكرية للدبلوماسية الفرنسية.


الاثنين، ١٦ كانون الأول ٢٠١٣

(اختطاف أيقونة الثورة السورية)

صحيفة اللوموند 14 كانون الأول 2013 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

    كانت المحامية رزان زيتونة (36 عاماً) إحدى أهم ملهمي التمرد السوري وأكثرهم عناداً وفصاحة منذ بداية المظاهرات الأولى ضد الأسد بتاريخ 15 آذار 2011 وحتى يوم اختطافها من قبل رجال ملثمين في ضواحي دمشق. كانت المحرك الأساسي والضمير الأخلاقي من أجل الحفاظ على المطالب الأولية لهذه الثورة مهما كلف الثمن: الكرامة والحرية وبناء ديموقراطية تعددية تشمل جميع الطوائف. كان ذلك حتى يوم الثلاثاء المشؤوم 10 كانون الأول عندما دخل مجهولون إلى المكان الذي تلجأ إليه في دوما التي تقع تحت سيطرة التمرد المسلح في الغوطة الشرقية. قام المهاجمون أولاً بتخريب جميع المعدات الموجودة في المكان، ثم أخذوها عنوة مع زوجها وائل حمادة واثنين من رفاقها من الكفاح هما: سميرة الخليل وناظم الحمادي إلى جهة مجهولة دون المطالبة بأي شيء.
     كما هو الحال بالنسبة لاعتقال المدافع عن حقوق الإنسان مازن درويش في شهر شباط عام 2012، يمثل اختفاء رزان زيتونة ضربة قوية جداً للتيار المدني والديموقراطي الذي كان أصل التمرد ضد الأسد. إنها رمز للتهميش الحتمي لهذا التيار تحت تأثير قمع النظام وتسليح حركة  التمرد وصعود قوة المجموعات الإسلامية. أكد أحد المقربين منها داخل المجلس الوطني السوري جابر زين Jaber Zaien الذي يتنقل بين استانبول واستوكهولم قائلاً: "رزان هي الأيقونة الحقيقية للثورة، إنها إحدى آخر الذين يحملون الشعلة الأصلية للتمرد. نشعر بحيرة كبيرة بسبب اختفائها من منطقة واقعة تحت سيطرة المتمردين، لقد عرفت كيف تهرب من رقابة النظام خلال عدة أشهر عندما كانت تقيم في دمشق". كان هذه الإمرأة الشابة تفاجىء محاوريها بقوة قناعتها، قال السفير الفرنسي السابق في دمشق إيريك شوفالييه الذي إلتقى بها سراً عدة مرات قبل استدعائه إلى باريس في شهر آذار 2012: "يخفي مظهرها الضعيف كتلة من التصميم والشجاعة وإرادة صلبة في خدمة الثورة، الأمر الذي يفسر رفضها الدائم للذهاب خارج سورية".
     أدان المجلس الثوري في دوما في بيان له بعد عدة ساعات من اختطافها "عملاً خائناً وجباناً يشبه أعمال النظام السيئة"، دون أن يذكر أي اسم أو منظمة. ولكن لجان التنسيق المحلية تتحدث عن اسم زهران علوش رئيس كتيبة لواء الإسلام السلفية باعتبارها المجموعة المسلحة الأكثر قوة في دوما. تم إطلاق عيارات نارية في شهر أيلول بالقرب من مكتب المحامية الشابة الذي يضم مركز توثيق الانتهاكات، وهو منظمة غير حكومية متخصصة في إحصاء أعمال القمع. تم تعليق إعلان على باب مكتبها يمهلها ثلاثة أيام لمغادرته مع زملائها. لقد شاهدوا في هذا التحذير يد بعض المتعصبين المحليين الغاضبين بسبب تجرؤ مركز توثيق الانتهاكات على الإشارة إلى أعمال الترهيب المرتكبة من قبل المتمردين، أو أنه مجرد انزعاج من وجود عقول حرة ومستقلة عن الكتائب والألوية المسلحة التي جعلت من دوما معقلها. قال الباحث السياسي اللبناني زياد ماجد الذي يؤيد الثورة السورية: "هناك عقلية السيطرة داخل هذه المجموعات، وكانت رزان خارج السيطرة".
     نفى زهران علوش فوراً أي تورط للواء الإسلام في عملية الخطف. ولكن كلامه لم يقنع أولئك الذين يعرفون أن هذا الجيش الصغير المؤلف من 25.000 رجل هو الذي يحاصر الغوطة ويقاوم ضد القوات النظامية في الوقت الحالي. إذا كان الهجوم على مركز توثيق الانتهاكات عملية معزولة، فإنه من المحتمل الإفراج بسرعة عن رزان زيتونة ورفاقها. إذاً، يبقى هناك احتمالان: الأول هو عملية تصفية أعدتها عناصر تابعة للنظام بهدف إسكات هذا الصوت المتمرد الذي يناقض الدعاية الإعلامية الهادفة إلى إظهار الثورة بأنها مؤامرة طائفية ودموية. الاحتمال الثاني هو عملية انتقامية أعدتها مجموعة راديكالية في المقاومة بهدف إسكات هذه المجموعة من المزعجين أيضاً. قال جابر زين: "في جميع الأحوال، يقع على عاتق لواء الإسلام إيضاح هذه القضية والعثور على رزان وزوجها وشريكيها".
     إن السلفيين مدينون بذلك إلى رزان الذي كانت في سنوات عام 2000 إحدى المحامين النادرين الذين دافعوا عن السجناء السياسيين ولاسيما الإسلاميين منهم. صحيح أنها لم تربح أية دعوى في هذه القضايا، ولكن ذلك لم يردعها عن تأسيس الجمعية السورية لحقوق الإنسان مع هيثم المالح. تعمل رزان من أجل فتح سجون النظام الدكتاتوري الذي أغلقها بسرعة بعد ربيع دمشق الذي بدأ مع وصول بشار الأسد إلى السلطة.
     عندما بدأت الثورة، قامت رزان بإنشاء مكاتب التنسيق المحلية التي تمثل شبكة من الناشطين الذين كانوا أهم العوامل الأساسية في التعبئة الشعبية خلال الأشهر الأولى. سمح لها هذا الانخراط بالحصول على جائزة ساخاروف لحرية التفكير، ومنحها البرلمان الأوروبي هذه الجائرة بغيابها في شهر تشرين الأول 2011. تراجع المتظاهرون أمام نيران القناصة، وتبنت مكاتب التنسيق المحلية دوراً إنسانياً أكثر فأكثر. قامت فرنسا عبر سفيرها في دمشق بإعطاء هذه المكاتب مئات آلاف اليوروات التي تحولت فوراً إلى مساعدة غذائية. كما تم إيصال طن واحد من الأدوية عبر عدة عمليات منظمة في الليل دون معرفة النظام.
     شعرت رزان بالإرهاق من حياة الهروب قبل عدة أشهر، وانتقلت للإقامة في دوما مع زوجها. كان عملهما يتوزع بين إحصاء ضحايا النزاع و إدارة ورشات العمل التي تؤمن بعض المال لمئات النساء. أرسلت قبل عدة أيام فيديو إلى الرابطة الدولية لحقوق الإنسان (FIDH)، ظهرت فيه محنية الظهر وبدت عليها علائم التعب كما لو أنه طغى عليها ملل كبير، وقالت: "كيف تفسرون لأحد الأشخاص أن طفله لم يأكل بيضة أو يشرح الحليب منذ عدة أشهر؟" وذلك في إشارة إلى الحصار الذي يخنق الغوطة منذ عدة أشهر. كما قالت أن ثلاثة أو أربعة أشخاص يموتون يومياً في دوما تحت قصف الجيش، ولكنها أضافت مع ابتسامة حزينة أن هذا المصير أفضل من "الموت البطيء والشاق" الذي ينتظر جميع المقاومين في الغوطة بسبب حصار الجيش.


(سورية: "لم يكن يجب علينا تصديق هذه الثورة")

صحيفة الليبراسيون 14 كانون الأول 2013 بقلم لوك ماتيو Luc Mathieu

     محمد شادي Mohammad Chadi (25 عاماً) هو أحد الثوار السوريين الذين لجؤوا إلى فرنسا منذ شهر أيار، لم يعد يحلم إلا بحلم واحد هو العودة إلى سورية وأن يشرب الشاي مع عمه على الشرفة التي تطل على حقول الزيتون. ولكن ،في الواقع،  اختفى عم شادي منذ الصيف الماضي عندما جاء بعض الجهاديين إلى منزله في أطمة بالقرب من الحدود التركية، وأخذوه للتحقيق معه. لم يره أي شخص منذ ذلك الوقت.
     يتعرض محمد شادي للملاحقة من قبل القوات النظامية بسبب مشاركته في المظاهرات في حلب ضد نظام بشار الأسد، كما أصبح مستهدفاً من قبل الجهاديين منذ قيامه بتأسيس معسكر للاجئين في أطمة. يعرف محمد شادي أن التمرد الذي يدعمه دون أن يحمل السلاح، لن يستطع حمايته، ولم يبق أمامه إلا الهجرة.
     يتحدث محمد شادي عن وصوله إلى فرنسا كـ "معجزة". لقد غادر أطمة في شهر أيار حاملاً ًمعه حاسوبه وبعض الألبسة في كيس صغير. حصل على تأشيرة مرور من القنصلية الفرنسية في أنقرة، ولكنه كان مقتنعاً بأن هذه الورقة لن تكف لعبور الجمارك في استانبول. سمحت له الشرطة التركية بالمرور دون طرح أي سؤال، ووصل إلى مدينة ليون الفرنسية بعد أربع ساعات. منذ وصوله إلى فرنسا، يعيش محمد شادي مع قريبه عبد الله الذي يقوم بالتحضير لرسالة الدكتوراه في الهندسة المعمارية، بالإضافة إلى زوجة قريبه وطفلهما في إحدى ضواحي ليون بمدينة Saint-Genis-Laval. يأسف محمد شادي لأنه لم يجلب معه علم الثورة السورية لتعليقه على حائط غرفته في المنزل.
     اعترف محمد شادي في لقاء مع صحيفة الليبراسيون في خريف عام 2012 أن ثورة المظاهرات السلمية والشعارات ضد النظام الدكتاتوري تحولت ببطىء إلى حرب أهلية، وكان يؤكد بأن الأسوأ هو نزاع طائفي ومصادرة الحركة المتمردة من قبل الجهاديين المتعصبين، وكان يعتقد أنه من الممكن تجنب ذلك. ولكن لم يعد لديه أي أمل حالياً، وقال: "لم يكن يجب علينا تصديق هذه الثورة. كنا نعرف أن بشار مجرم وأنه سيفعل كل شيء للبقاء في السلطة. ولكننا قللنا من عنف قمعه. لم نكن نتصور أنه سيهاجم شعبه بهذه الدرجة. صحيح أننا استطعنا الحصول على بعض الأراضي، ولكنها وقعت اليوم تحت سيطرة تنظيم القاعدة. لم ينجح أي شيء".
     لم يكن محمد شادي يريد هذه الثورة، ولكنها فرضت نفسها عليه في أحد أيام الجمعة في شهر نيسان 2011 عندما شارك في مظاهرة خرجت من جامع سيف الدولة دعماً لمدينة درعا. كان محمد يعيش حياة طالب من الطبقة الوسطى في حلب عبر متابعة دراسة الهندسة الكهربائية والعمل في شركة العائلة لاستيراد الساعات. إنه شاب سني من عائلة تعرض العديد من أفرادها للاعتقال خلال سنوات الثمانينيات، ولم يكن يفكر إطلاقاُ بالتظاهر ضد النظام. استمرت هذه المظاهرة دقيقتين، وعاد محمد بعدها إلى منزله راكضاً من الخوف. لم يقل لأي شخص أنه تجرأ وتحدى السلطة. أشار شادي إلى أن الشبيحة دخلوا إلى جامع سيف الدولة للمرة الأولى في شهر تموز 2011، وقال: "رأيتهم يطعنون ويقتلون متظاهرين اثنين دخلا إلى الجامع"، ثم قامت السلطات بإغلاق الجامع بعد يومين. ولكن التمرد وصل إلى الجامعة، وبدأ الطلاب ينظمون المظاهرات في ساعة الغذاء. كانت المظاهرات تستمر عشر أو خمس عشرة دقيقة حتى وصول الشبيحة بالعصي والهراوات، أما الشرطة فكانت تستخدم القنابل المسيلة للدموع.
     تعرض محمد شادي للاعتقال في شهر تشرين الأول 2011، واكتشف رجال الشرطة في حاسوبه وجود أفلام فيديو حول المظاهرات في حلب، واقتادوه إلى أجهزة المخابرات العسكرية. تعرض محمد للضرب أثناء استجوابه، واضطر للتوقيع على اعترافات لم يقرأها. ثم تم تقديمه إلى القاضي، فأنكر أمامه أي دعم للثورة، ثم تم الإفراج عنه. تعرض للاعتقال مرة أخرى أثناء إحدى المظاهرات في بداية عام 2012، وكرر أمام الجنود الذين يضربونه أنه لا علاقة له بهذه المظاهرة، وأنه كان ماراً لشراء الخبز. حذره القاضي قائلاً: "إذا تعرضت للاعتقال مرة ثالثة، سأقتلك بيدي"، ثم خرج من السجن ليعيش بشكل نصف سري. ترك عائلته، وأصبح ينام لدى الأصدقاء.
     شاهد محمد شادي مجزرة جديدة بتاريخ 14 نيسان عندما قام رجال الشرطة بقتل 15 متظاهراً أمام جامع الرشيد. وبعد شهر، قام بمهمة الناطق الرسمي باسم الطلاب أمام فريق المراقبين من الأمم المتحدة في حلب. أظهر لهم أشرطة الفيديو، وحدثهم عن القمع والاعتقال والتعذيب. ثم غادر مراقبو الأمم المتحدة بعد ساعتين، وأدرك محمد أنهم لن يفعلوا شيئاً. غادر بعدها إلى قريته أطمة التي لم يحصل فيها أية معارك حتى ذلك الوقت. كان يبدو على محمد الملل من هذا التمرد الذي لا ينتهي في شهر تموز 2012 أثناء لقاء مع صحيفة الليبراسيون، ولكنه كان يرفض التراجع، وقال: "جئت إلى أطمة لمساعدة التمرد، ولكن لم أحمل السلاح، لأنني ببساطة لا أريد أن أقتل". تحولت أطمة في ذلك الوقت إلى قاعدة خلفية للمتمردين، وأصبحت القرية نقطة المرور السرية للأسلحة بين تركيا وسورية. في ذلك الوقت، كان المناخ مشوباً بالأمل أن بشار الأسد سيسقط، وأن القضية مجرد وقت.
     كرّس محمد شادي جهوده في العمل الإنساني لاستقبال اللاجئين القادمين إلى أطمة هرباً من طائرات الميغ والطائرات المروحية التابعة للجيش السوري.، وقال: "أصبح الوضع خطيراً. لم يكن هناك شيئاً في الحقول، لا خيام ولا ماء ولا تمديدات صحية ولا كهرباء. لم أكن أعرف كيف سيمضي اللاجئون فصل الشتاء، وحينها قررت بناء مخيم حقيقي منظم ومجهز". استطاع محمد العثور على أرض في القرية المجاورة، ثم ساعده رجل الأعمال الليبي عبد السلام عاشور الذي يريد مساعدة ثورة لا تدعمها أية حكومة غربية، وقدم له مبلغ 23.000 دولار لبناء المخيم. كان محمد يدير كل شيء لوحده، ويقوم بالمفاوضات مع المنظمات الأجنبية غير الحكومية التي تريد تقديم المساعدة ولكن بشرط الإشراف على إدارة المخيم.
     إلتقى محمد شادي أيضاً بالمقاتلين الجدد في شوارع أطمة، إنهم ليسوا سوريين بل مصريين وتونسيين ومغاربة وسعوديين وأتراك وشيشان و وداغستانيين وبريطانيين وفرنسيين وألمان وصوماليين. بدأ الجهاد العالمي بالتوجه نحو سورية منذ ربيع 2012، وأصبحت أطمة نقطة العبور الرئيسية. كان المقاتلون الأجانب يتجنبون الاختلاط بالسكان في البداية، ويقولون أنهم جاؤوا للموت، ومن الأفضل عدم التعلق بهم. لقد ساعدهم أدبهم في الحصول على رضا سكان القرى الذي كانوا يقدمون لهم الفواكة بعض الأحيان. ولكن بعد مرور عدة أشهر، اكتسب المقاتلون الثقة بالنفس، وتعززت صفوفهم، وأدركوا أن المتمردين الأوائل في الثورة ليسوا قادرين على طردهم. وهكذا حاولوا فرض نظامهم ورؤيتهم للشريعة على السوريين الذين لم يطلبوا منهم شيئاً، ووقعت بعض الحوادث بين المقاتلين الأجانب والسوريين.
     سيطر المقاتلون الأجانب مع مرور الوقت على شمال سورية، وهم ينقسمون إلى مجموعتين رئيسيتين هما: جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التابعة لتنظيم القاعدة في العراق. إن هدفهما ليس إسقاط بشار الأسد بل إقامة خلافة إسلامية في المنطقة. تتسم أساليبهما بالبربرية والاعتقالات التعسفية والإعدامات في الساحات العامة، ويعتبرون جميع الزوار الأجانب وحتى العاملين منهم في المجال الإنساني كجواسيس يجب اعتقالهم.
     لا يحب محمد شادي الآن الحديث عن هذه المعضلة التي كانت ثورة وتحولت إلى نزاع إقليمي يطغى عليه الجهاديون. إنه يحاول عدم التفكير بذلك وبناء حياة جديدة، وبدأ بتعلم اللغة الفرنسية، ويريد الحصول على اللجوء السياسي، ويبحث عن عمل. إنه يحاول تحليل الأمور التي لم تنجح، وما كان يجب القيام به بشكل مختلف. إنه يتهم "الخونة" الذين كذبوا أو استفادوا من التمرد الأعزل، ويذكر بعض الضباط الكبار في الجيش السوري الذين وعدوا بالانشقاق ولكنهم لم يتركوا مناصبهم في النهاية، كما يتهم الدول الغربية التي لم تقدم المساعدة على الرغم من تصريحاتها، كما يتهم المجموعات الجهادية التي تسيطر على المناطق المحررة من قبل المتمردين السوريين.