الصفحات

الثلاثاء، ١٧ كانون الأول ٢٠١٣

(الرهان من عملية جنيف كبير جداً: تطبيع العلاقات مع إيران)

 صحيفة الليبراسيون 14 كانون الأول 2013 ـ مقابلة مع وزير الخارجية الفرنسية السابق هوبير فيدرين ـ أجرى المقابلة جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin ومارك سيمو Marc Semo

سؤال: هل يمثل الاتفاق المؤقت في جنيف علامة على عودة إيران إلى المسرح الدولي؟
هوبير فيدرين: إن التعهد بهذه العملية حدث هام جداً. من الممكن أن يؤدي يوما ما إلى إعادة انخراط إيران في الرهان الدولي الذي أبعدت نفسها عنه ـ أو تم إبعادها عنه ـ منذ الثورة الإسلامية عام 1979. إن الرهان هائل: أي القبول بإيران الإسلامية وتطبيع العلاقات معها. بالإضافة على ذلك، أدت مسألة المشاريع النووية الإيرانية إلى تفاقم التوترات الدولية ولاسيما في الشرق الأوسط منذ أكثر من عشر سنوات. كانت هناك فرصة ضائعة مثل فترة ما بعد انتخاب محمد خاتمي عام 1998. ذهبت حينها لرؤيته بعد التحذير الذي وجهه جاك شيراك. كانت هناك فرصة ضائعة أيضاً عامي 2004 ـ 2005، ربما كانت المفاوضات ممكنة آنذاك. ولكن لا شك أن الولايات المتحدة لم تكن تريد إعطاء الشرعية لهذا النظام حتى ولو كان ذلك عن طريق احتمال التوصل إلى اتفاق جيد حول الملف النووي. يذكرني ذلك بالخلافات بين الدول الغربية التي كانت تريد مساعدة غورباتشوف ـ هيلموت كول وفرانسوا ميتران وجاك دولور ـ وأولئك الذين لا يريدون القيام بأي شيء يمنع سقوط الاتحاد السوفييتي مثل جورج بوش الأب وجون ميجر ورئيس الحكومة الكندي.
سؤال: إلى أين يمكن أن تصل هذه الديناميكية؟
هوبير فيدرين: إذا تم الإلتزام بالتعهدات (إيقاف المشاريع والرقابة) خلال الفترة الانتقالية، فسوف نتجه من حيث المبدأ إلى رفع العقوبات عبر مراحل، ويجب اتخاذ هذه القرارات في نيويورك وواشنطن وبروكسل. بالنسبة للمتشددين في النظام الإيراني أي حرس الثورة، إنه تهديد لسلطتهم في نهاية المطاف.
سؤال: ولكن من الممكن أن يكون حرس الثورة أول المستفيدين من تخفيف العقوبات...
هوبير فيدرين: نعم، في حال تحولهم إلى الاقتصاد المفتوح! في حال التغلب على هذه العقبة، وإذا فرض توجه حسن روحاني نفسه، ويبدو أن المرشد الأعلى وافق عليه، فمن الممكن أن تنتقل إيران خلال عدة سنوات من بلد مخنوق بالعقوبات إلى دولة على مشارف التحول إلى دولة صاعدة مع إمكانيات هائلة. يوجد تحت غطاء النظام مجتمع إيراني أكثر عصرية من المجتمع السعودي. يدعم المغتربون في الولايات المتحدة هذه الحركة. إذا اقتنع المتشددون بهذه الحركة، فسوف تتقدم العملية. ربما سينقسم المتشددون فيما بينهم. إذاً، يجب إلتزام الحذر حول تطبيق  الإيرانيين للاتفاق المؤقت بشكل صادق كما يقول وزير الخارجية لوران فابيوس، ولكن يجب إلتزام الحذر الشديد أيضاً تجاه المجموعات التي تريد إفشال الاتفاق. سأكون مندهشاً في حال عدم وقوع أية محاولة لإجهاض العملية خلال الفترة المؤقتة.
سؤال: من أين يمكن أن تأتي مثل هذه المحاولات؟
هوبير فيدرين: هناك الكثير من القوى التي ستحاول إفشال العملية: في إيران بالتأكيد، وفي السعودية أيضاً، وفي إسرائيل، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص. يستحوذ على السعوديين هاجس الحصار الشيعي، ولهذا السبب يريدون إسقاط الحلقة العلوية في سورية بأي ثمن. ولكن ماذا بإمكانهم أن يفعلوا؟ الإسرائيليون أكثر أهمية لأنهم يتمتعون بنفوذ هام في الولايات المتحدة ولاسيما في الكونغرس الذي يملك مفتاح العقوبات. بالنسبة للملف الفلسطيني، لا يمثل نتنياهو كامل الرأي العام الإسرائيلي الأكثر انفتاحاً منه، كما ينطبق ذلك على إيران عندما يُعبر عن قلق عام. سنرى فيما إذا كان أوباما قادراً على احتواء هذه القوى وإعطاء الأفضلية إلى مصلحة الولايات المتحدة على المدى الطويل الأجل في مواجهة الحزب الجمهوري الغاضب والمصمم على عدم السماح للرئيس الأمريكي بتحقيق أي نجاح. يجب على باراك أوباما أن يقاتل بحزم وذكاء من أجل رفع العقوبات.
سؤال: أليست هناك أيضاً فكرة أن إيران يمكن أن تكون على المدى الطويل شريكاً موثوقاً وتأخذ مكان السعودية؟
هوبير فيدرين: أنتم تتسرعون قليلاً! ولكن من الممكن أن يكون هناك بعض المحللين الإستراتيجيين الذين يداعبون هذه الفرضية في واشنطن وطهران، وهذا هو سبب خشية السعوديين. ولكن إذا دخلت إيران في الرهان، فإنها لن تكون إيران نفسها، ولن يتم إقصاء السعودية! فيما يتعلق بالإسرائيليين، إذا كان لديهم حكام ذو نظرة مستقبلية ورجال دولة من نمط اسحاق رابين، فبإمكانهم الاستفادة من هذه الديناميكية على المدى الطويل. يجب الخروج بشكل مشرف، وبشكل يحقق الأمن للجميع، من هذه المواجهة العقيمة التي لا نهاية لها والتي تفترض أن العالم لا يقلق إلا بشأن القنبلة الإيرانية. في هذا الخصوص، هناك عقم في التفكير الجيوسياسي، وحتى في باريس. من جهة أخرى، يجب تجنب أن تؤدي هذه العملية الجديدة إلى التخلي المتعالي والخطير عن المسألة الفلسطينية بشكل يؤدي إلى مفاوضات ثنائية محكومة بالفشل مسبقاً.
سؤال: هل يذهب ذلك في اتجاه مشاركة إيران في المفاوضات حول سورية؟
هوبير فيدرين: إذا انعقد فعلاً مؤتمر جنيف، وحقق تقدماً، يجب بالتأكيد مشاركة جميع الأطراف فيه، ومن ضمنها إيران. سيكون من الخطر تركها خارج العملية.
سؤال: في النهاية، هل يظهر باراك أوباما كرجل صاحب رؤيا مستقبلية في السياسة الخارجية بعد أن أثار الخيبة منه؟
هوبير فيدرين: إن التطلعات غير المسبوقة المرتبطة بشخصه وأصوله ومساره المهني، كانت غير منطقية. فيما يتعلق بسورية وغيرها، يمكن أن يبدو توجهه الدبلوماسي متردداً أو محيراً. ولكن رؤيته الإستراتيجية الشاملة واضحة: لم يعد هناك قوة عظمى وحيدة، ولكنها تبقى القوة الأولى في عالم يضم الكثير من الدول الصاعدة، وما زالت الولايات المتحدة "محور اتصالات" هذا العالم. لا تنطوي الولايات المتحدة على نفسها، بل تُعيد نشر قواتها بشكل منطقي. ربما تقوم بذلك في أوروبا بشكل أكبر (ولكن مع الحفاظ على الحلف الأطلسي)، وبشكل أقل في الشرق الأوسط (ولكن سيكون هناك دوماً ضمان أمن إسرائيل). يجب أيضاً إضافة الإستراتيجية الجديدة حول إيران والإستراتيجية التجارية الهجومية في آسيا، بالإضافة إلى السيطرة على التكنولوجيات المدنية والعسكرية الأكثر تطوراً، والسيطرة على أعالي البحار. إن ذلك له معنى.
سؤال: هل يمثل هذا الاتفاق أيضاً علامة على العودة الكبيرة لروسيا؟
الناطق الرسمي: راهنت الدول الغربية على ديمتري ميدفيديف، وجعلت من فلاديمير بوتين فزاعة، ونسيت أنه النتيجة المباشرة لسنوات يلتسين والفوضى الناجمة عن التحرير الاقتصادي المتوحش الذي فرضه المستشارون الأمريكيون بشكل خاص بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. نحن محظوظون بأن هذه السياسة لم تعط  ما هو أسوأ من بوتين. بالتأكيد، لا شك أن هذا الأخير يبعث على الصدمة من وجهة نظر المعايير الأوروبية. ولهذا السبب، إن العديد من الدول الغربية ـ ولكن ليس ألمانيا ـ  لم يعد لديها سياسة خاصة بروسيا باستثناء كرهها لها. إنها سياسة متسرعة بعض الشيء. استخدم بوتين سلطة القدرة على إلحاق الضرر من أجل إيقاف التهميش المهين لروسيا. ولكن المساعدة التي قدمها بوتين إلى أوباما في التحرر من بعض إلتزاماته التي تعهد بها بوتين أيضاً حول الأسلحة الكيميائية في سورية، والدور البناء الذي قام به حول الملف النووي الإيراني، ربما تعني أن بوتين بدأ بتحويل قدرته على إلحاق الضرر إلى شيء آخر أكثر قدرة على البناء. لا يعني ذلك أن سياسته تغيرت في جوهرها: ما زال يرفض توسيع الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي نحو الشرق، وهذا ما نراه حالياً في الأزمة الأوكرانية التي يريد تجميدها لعدة سنوات لكي لا يتم تمزيق هذا البلد وتطويره دون مواجهة خيارات مستحيلة.
سؤال: هل وقعت فرنسا في طريق مخالف لسياستها؟
هوبير فيدرين: يعتمد ذلك على من هو المقصود! يدرك الجميع الآن المعطيات الجديدة. بالنسبة لأولئك الذين أصبحو "المحافظين الجدد"، يعتقدون أنهم في الطريق الغربي الصحيح. ربما يكون ذلك وهماً. لم يعد هناك توافق حقيقي في فرنسا. في الحقيقة، كان هناك دوماً جدل بين الديغوليين ثم الديغوليين ـ الميترانديين من جهة والأطلسيين والمحافظين الجدد من جهة أخرى. قام نيكولا ساركوزي بالخروج عن التوجه التقليدي للجمهورية الخامسة في السياسة الخارجية. يتم التفكير في السياسة الخارجية الفرنسية في قصر الإليزيه ووزارة الخارجية وبعض الشيء في وزارة الدفاع بالإضافة إلى مراكز البحث والدراسات، وقد راجت فيها فكرة أنه يجب الخروج من النظرة التقليدية "الديغولية ـ الميتراندية". فيما يتعلق بإيران، هناك العديد من المجموعات القلقة المعروفة بدعمها لإسرائيل وعدائها المطلق للإيرانيين، وتُذكّر هذه المجموعات دوماً بالدور الذي لعبه هذا النظام في الإرهاب. هناك أيضاً دعاة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وهم يمثلون في أغلب الأحيان أكثر الدبلوماسيين الفرنسيين براعة. ولكن ذلك لا يعني عزلة فرنسا. خلال المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، لم تكن فرنسا الوحيدة التي اعتبرت أن مشروع الاتفاق الأول الذي أعده جون كيري لم يكن كافياً. لأسباب عديدة،  برز لوران فابيوس في الواجهة، ولكن بقية أعضاء مجموعة الست كانوا يشاركونه وجهة نظره. إن الاتفاق الثاني المؤقت أفضل من الاتفاق الأول. لم تنته حتى الآن إعادة البناء الفكرية للدبلوماسية الفرنسية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق