الصفحات

الاثنين، ٣٠ كانون الأول ٢٠١٣

(المحنة الطويلة للاجئين السوريين)

افتتاحية صحيفة اللوموند 29 ـ 30 كانون الأول 2013

     قال البابا فرانسوا بتحفظ في عظته بتاريخ 25 كانون الأول: "قتل النزاع السوري الكثير من الناس، ويُسعّر الحقد والعنف". لقد دعا إلى الحد الأدنى من الإنسانية وإلى المبادىء الأولى للحشمة، وحض "أطراف النزاع على ضمان منفذ لوصول المساعدات الإنسانية". إن الفرصة شبه معدومة للإصغاء للبابا فرانسوا.
     كان شهر كانون الأول الأكثر قسوة على السوريين. إنهم يعيشون الجحيم سواء بالنسبة للسوريين اللاجئين داخل  بلدهم أو خارجه، وذلك في ظل لا مبالاة دولية نسبية. سيتفاقم الوضع إلا في حال بذل جهود مفاجئة، ولكن هذه الجهود ضعيفة الاحتمال للأسف. قالت المفوضية العليا للاجئين: "نشهد أزمة إنسانية غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".
     يُقدر عدد النازحين داخل سورية بستة ملايين شخص، وحوالي ثلاثة ملايين خارجها، وذلك من أصل عدد سكان سورية البالغ 22 مليون نسمة. يتطلب اتساع المأساة تحركاً استثنائياً من بعض الدول العظمى التي تدعي الحق بالتدخل في مستقبل المنطقة ـ روسيا والولايات المتحدة وأوروبا ـ أو من بعض "الإخوة" الأغنياء في الخليج.
     إن وضع مئات آلاف الأشخاص في حالة ميؤوس منها داخل بعض المناطق الخاضعة لسيطرة التمرد والتي يحاصرها النظام. لا يسمح هذا الطرف أو ذاك بمرور المساعدة الإنسانية. قالت منظمة أطباء بلا حدود: "إن هؤلاء السكان لا يعيشون إلا بفضل عمل شبكات التضامن السورية وبعض المنظمات غير الحكومية".
     قام طيران النظام خلال شهر كانون الأول بقصف إحدى هذه المناطق في حلب دون هوادة، ولاسيما الأحياء المكتظة بالمدنيين والنساء والأطفال والشيوخ. لقد قُتِل المئات منهم. تستخدم الطائرات سلاحاً يهدف إلى الإيقاع بالحد الأقصى من الأضرار دون تمييز. ترمي الطائرات براميل مليئة بالمتفجرات والمسامير والقطع الحديدية من أجل قتل أو جرح السكان في أكبر مساحة ممكنة عند اصطدامها بالأرض وانفجارها.

     يستقبل لبنان العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، أي حوالي مليون لاجىء، بالمقارنة مع عدد سكان لبنان الذي لا يتجاوز أربع ملايين نسمة. يتزعزع استقرار هذا البلد شيئاً فشيئاً يومياً بسبب الحرب التي توقظ خطوط الانقسام القديمة على أرضه. يدل على ذلك انفجار السيارة المفخخة الذي قتل وزير المالية السابق وأربعة أشخاص آخرين. يرفض لبنان إقامة مخيمات للسوريين بعد المخيمات الموجودة حالياً للفلسطينيين. عندما لا يتمكن السوريون من استئجار مبنى، فإنهم يعيشون في أماكن غير مخصصة للسكن، أو في أبنية لم ينته بناؤها، أو في ملاجىء عشوائية، أو في مخيمات مؤقتة من الخيم البلاستيكية. يبدو أن فضل الشتاء سيكون قاسياً، وبدأ صقيع الليل في شهر كانون الأول. ضاعت عظة البابا فرانسوا في رياح الحرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق