الصفحات

الأحد، ٢٩ كانون الأول ٢٠١٣

(فرانسوا هولاند، الحليف الأفضل للسعودية في لبنان وسورية، في زيارة رسمية إلى الرياض)

 صحيفة اللوموند 29 كانون الأول 2013 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad

     يمثل اغتيال محمد شطح، المستشار المقرب لسعد الحريري، ضربة قاسية للسعودية وفرنسا معاً. يحظى وريث رفيق الحريري بحماية الرياض التي كَبِر فيها ويملك الجزء الأساسي من مشاريعه فيها. من جهة أخرى، إنه يقيم في باريس لأسباب أمنية منذ سقوط حكومته في شهر كانون الثاني 2011. يتنقل سعد الحريري بشكل مستمر بين فرنسا والسعودية، ويُجسد التحالف الذي بدأ بين هاتين الدولتين في الشرق الأوسط عام 2005، عند اغتيال والده في مؤامرة تشمل حزب الله مع بعض التفرعات المحتملة في سورية.
     سيزور فرانسوا هولاند السعودية يومي الأحد والاثنين 29 و30 كانون الأول، وهي الزيارة الثانية له منذ بداية ولايته. تعتبر الرياض اليوم أن فرانسوا هولاند هو الحليف الغربي الأكثر ثقة للمملكة، وبطل القضية السنية في مواجهة "المحور الشيعي" الذي يتألف من إيران الخمينية وسورية بشار الأسد وحزب الله اللبناني. سيتم استقبال هولاند بحفاوة كبيرة نظراً لأن الرياض أصبحت تشك علناً بصلابة التحالف مع شريكها الأمريكي التاريخي منذ التغير المفاجىء في موقف باراك أوباما حول الضربات العسكرية ضد سورية في بداية شهر أيلول والمفاوضات الدبلوماسية مع إيران التي تمثل الخصم الإقليمي الأكبر للسعودية.
     أشادت الرياض بموقف فرنسا وحزمها تجاه النظام السوري بعد الهجوم الكيميائي على ضواحي دمشق بتاريخ 21 آب. بالمقابل، اعتبر السعوديون أن التحول المفاجىء لموقف أوباما "خيانة"، نظراً لأنهم العرابون الأساسيون للتمرد السوري ويدعمونه بالمال والسلاح، وأكدوا أنهم مستعدون للتحرك لوحدهم في سورية. عانت باريس أيضاً من التخلي الأمريكي المزدوج بخصوص سورية: أولاً، بخصوص الضربات، ثم حول إعداد القرار المتعلق بتفكيك السلاح الكيميائي لدمشق.
     إن الرغبة برؤية سقوط نظام بشار الأسد ليس الرابط الوحيد في "شهر العسل" الحالي بين فرنسا والسعودية. إنه يرتكز أيضاً على الحذر المشترك من البرنامج النووي الإيراني وطموحات طهران المعلنة في الهيمنة الإقليمية. أعرب القادة السعوديون عن غبطتهم بعد موقف لوران فابيوس في لحظة التوقيع على الاتفاق المؤقت مع إيران في بداية شهر تشرين الثاني حول الملف النووي: لقد ألح وزير الخارجية الفرنسي، تجاه "الضعف" المفترض لجون كيري، على أن يأخذ الاتفاق بعين الاعتبار المفاعل الذي يجري بناؤه في آراك لانتاج البلوتونيوم. استطاعت باريس كسب التقدير السعودي في هذا الموقف، ويأمل الإليزيه بالحصول على بعض العقود المربحة في مجال السلاح والتجهيزات كعربون شكر على مواقفه. في الوقت الحالي، وقعت فرنسا على عقد وحيد لتجديد الفرقاطات، ولكن فائض الموازنة السعودي البالغ 55 مليار دولار يفتح الشهية...
     إن التحالف بين باريس والرياض قديم، وذلك على الرغم من التناقض في نظرتهما إلى بناء المجتمع ولاسيما حول العلمانية. يعود تاريخ هذا التحالف إلى منعطف الدبلوماسية الفرنسية الذي قام به جاك شيراك مع تبني قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي تمت كتابته بشكل مشترك مع إدارة بوش في صيف عام 2004، هذا القرار الذي طالب بانسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان، أي انسحاب ثلاثين ألف جندي سوري ونزع سلاح حزب الله حليف دمشق في لبنان. كانت هذه المناورة تهدف إلى تعزيز قوة رفيق الحريري باعتباره الصديق الشخصي لجاك شيراك، ولكنها فاجأت الجميع في فرنسا وحتى في وزارة الخارجية الفرنسية ـ وإدارة مراقبة الأراضي الفرنسية (DST) ـ التي ما زال فيها تيار مؤيد لسورية ولحزب البعث باسم الصراع ضد الإسلاموية.
     أدى اغتيال رفيق الحريري في شهر شباط 2005 إلى إثارة غضب جاك شيراك والملك فهد وإخوته في عائلة السديري، الأمر الذي عزز التوجه الفرنسي الجديد لصالح "الخط السعودي السني". كانت أصابع الاتهام موجهة إلى نظام بشار الأسد باعتباره المسؤول عن اغتيال رفيق الحريري، واضطرت سورية إلى الانحناء في المرحلة الأولى عبر سحب قواتها من لبنان خلال ربيع عام 2005. ولكن مع قوة الصبر والاغتيالات السياسية، استعاد بشار الأسد سيطرته في لبنان. ساعده في ذلك الحرب الفاشلة التي شنتها إسرائيل ضد حزب الله في صيف عام 2006، هذه الحرب التي وحدت تل أبيب والرياض وواشنطن وباريس على أمل القضاء على الميليشيا الشيعية المؤيدة لإيران. ولكن حزب الله خرج مرفوع الرأس من النزاع، ولم يدخر بشار الأسد وسعاُ في دعمه لحزب الله وخرج معززاً بدوره.
     قطع نيكولا ساركوزي علاقته مع دمشق عام 2011 بعد المحاولة غير المثمرة للتقارب مع بشار الأسد، ولكنه فضّل قطر بدلاً من السعودية. فضّل فرانسوا هولاند العودة إلى "السياسة الشيراكية"، وأعطى الأفضلية إلى العملاق السعودي، وطالب برحيل بشار الأسد. ولكن التوافق الثنائي الفرنسي ـ السعودي في لبنان وسورية ربما يظهر في النهاية أنه محرج، وذلك في الوقت الذي تتخلى فيه الولايات المتحدة أكثر فأكثر عن "المحور السني". بالإضافة إلى الخطر الحقيقي بالعزلة في مؤتمر جنيف 2، تخاطر باريس بأن تجد صعوبة في تبرير علاقتها الحميمة مع الرياض في الوقت الذي يدعم فيه القادة السعوديون ويمولون القمع في مصر، ويواصلون سياسة بالغة القمع بخصوص حقوق الإنسان.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق