صحيفة اللوموند
31 كانون الثاني 2014 ـ مقابلة مع الشاعر السوري أدونيس ـ أجرت المقابلة كاترين
سيمون Catherine Simon
يُعتبر أدونيس أحد أهم الشعراء العرب المعاصرين،
وهو يقيم في فرنسا منذ حوالي ثلاثين عاماً. يتحدر أدونيس من عائلة شيعية، ولكنه
مقتنع بالعلمانية، وترجم أعمال بودلير وإيف بونفوي، وينشر اليوم على غير العادة
كتاباً يضم مجموعة من المقالات السياسية بعنوان: (الربيع العربي. الدين والثورة).
أجرى الملحق الثقافي لصحيفة اللوموند مقابلة مع أدونيس الذي تطرق فيها إلى الأحداث الأخيرة الغنية والمتناقضة في العالم
العربي.
سؤال: من المقالات التي
يضمها كتابكم، هناك "الرسالة المفتوحة" التي قمتم بتوجيهها إلى
رئيس الدولة السورية بشار الأسد في شهر حزيران 2011، وقلتم أنه رئيس "منتخب"،
وذلك من أجل دعوته إلى "فتح حوار". هل تؤيدون اليوم استقالته؟
ولكنكم لم تُدينوا إطلاقاً أعمال العنف التي يرتكبها الجيش السوري، سواء فيما
يتعلق بالقصف والتعذيب (وحتى تعذيب الأطفال) أو استخدام الأسلحة الكيميائية؟ ألا
يمثل هذا الصمت غموضاً؟
أدونيس: إذا كان هناك غموض،
فإنه ليس من قبلي. فيما يتعلق بكرهي للعنف أو حتى للتعذيب، إنه أمر معروف، وكذلك
الأمر فيما بتعلق بإدانة الحزب الواحد. كتبت كثيراً حول الجانب الاستبدادي للنظام
السوري ولحزب البعث. أنا لا أدافع عن النظام، وإلا لما كنت هنا في باريس! كتبت أنه
تم انتخاب بشار الأسد، لأن هذا صحيح: قام مجلس الشعب السوري باختياره، وتم فرضه
بهذه الطريقة. في اللحظة التي كتبت فيها هذه "الرسالة المفتوحة"،
كان هو الوحيد الذي ما زال قادراً على تجنب تصعيد العنف وتدمير البلد. لم يتم
الإصغاء إلى نصيحتي.
فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية؟ أنا ضدها
بالتأكيد، وهذا أمر طبيعي. إذا لم أكتب أي شيء حول هذا الموضوع، فإن السبب بسيط:
لم يتم التوصل بشكل مؤكد حتى الآن إلى معرفة الجهة التي استخدمتها ـ كانت صحيفة
اللوموند قد توصلت بعد التحقيق إلى مسؤولية النظام، بشكل يتطابق مع مصادر أخرى
موثوق بها ـ . هل تم تقديم تقرير دقيق وموضوعي ويوفر البراهين على مسؤولية هذا
الطرف أو ذاك أمام أية مؤسسة تتمتع بالشرعية؟ هل هو الجيش السوري أم المتمردون؟ أو
المتمردون المزعومون؟ من الذي بدأ باستخدامها؟ إن الطرفين قادران على ارتكاب مثل
هذه الفظاعات.
سؤال: ولكن هل يمكن أن
نضع عنف الدولة، مثل عنف دكتاتورية عائلة الأسد، وعنف المعارضين على قدم المساواة؟
أدونيس: العنف هو نفسه بغض
النظر عن الجهة التي تمارسته. إن خطاب المعارضة السورية الموجودة في الخارج مبني
على العنف، وهي مدعومة من قبل قوى خارجية مثل الولايات المتحدة والسعودية وقطر
وحتى فرنسا. هناك تناسي للمعارضة السورية في الداخل، في دمشق، التي تدين العنف
والتدخل الخارجي. أنا أدعم هؤلاء المعارضين في الداخل، وهم الديموقراطيون الحقيقيون.
شخصياً، أنا أعتبر أن العنف هو شيء مضاد للإنسان. أنا أقف إلى جانب غاندي وليس إلى
جانب العصابات المسلحة.
سؤال: تبنت تونس مؤخراً
دستوراً جديداً ينص على حرية الاعتقاد والإيمان، وحدد لنفسه هدفاً هو المساواة بين
الرجل والمرأة. ما هو تعليقكم على ذلك؟
أدونيس: فيما يُدعى بـ "الثورات
العربية"، ينقصها شيء أساسي هو: القطيعة مع الإسلام المؤسساتي. قامت تونس
بخطوة هامة جداً. ولكنني أعتبر من المؤسف أن التسوية التي تجعل من الإسلام دين "الدولة"
ما زالت في الدستور الجديد. سيخلق ذلك غموضاً. أكرر أن تونس قامت بخطوة، بالمقارنة
مع ما يحصل في أماكن أخرى. يجب الانتظار للحكم على ذلك. ما دامت القطيعة لم تحصل
بين الدين والدولة، لن يكون هناك مجتمع عربي حر.
توجد بعض الاختلافات على مستوى التدرج بين الإسلام
والمسيحية واليهودية، وليس على مستوى طبيعتها: إن النظرة إلى الإنسان والزمن هي
نفسها لدى الأديان التوحيدية. هذا أمر عنيف، إنه عالم مغلق. إن مبدأ هذه الديانات
التوحيدية هو أنه يجب العودة إلى الماضي من أجل الذهاب إلى المستقبل. وهذا يتناقض
مع الحياة. ولكن المسيحيين واليهود قاموا بثورتهم الداخلية. نحن المسلمين، ليس فقط
لم نقم بهذه الثورة، بل منعوا علينا التفكير بالقيام بها! لهذا السبب، أؤكد على
ضرورة فصل الدين عن الدولة. لن يُولد الفرد الحر بدون ذلك.
سؤال: يبدو أن مصر تغرق
في الفوضى والانكفاء بخلاف تونس التي عرفت كيف تحافظ على أولوية مبدأ الحوار
السياسي؟
أدونيس: أشعر بالأسف لحصول
كل هذا العنف، وسيكون هناك المزيد من العنف: إنها دوامة. ولكنني أعتبر أن الأمر
الأكثر أهمية في مصر هو أن التيار الشعبي القوي والمضاد للدين استطاع التعبير عن
رأيه علناً وبشكل واسع. لقد طالب الشارع بفصل الدين عن الدولة للمرة الأولى في
تاريخ هذا البلد. بالتأكيد، كان من الأفضل بالنسبة لي عدم تدخل الجيش بذلك. ولكن
يجب محاولة التقاط النقاط المضيئة، وإحداها هي المظاهرات ضد الظلامية. إن الحديث
عن الديموقراطية بدون الاحتجاج على ما هو معاد في أعماقه للديموقراطية، هو ثرثرة!
إن المشكلة الكبرى في المجتمعات العربية هي الثقافة، وليست السياسة: ما زالت فكرة
الديموقراطية بحد ذاتها غريبة عن تراثنا الثقافي. هذا هو ما حاولت تفسيره في شهر
نيسان 2011 في كلمتي للإشادة بمحمد بوعزيزي: ما زال التغيير في الدول العربية
سياسياً وسطحياً وشكلياً منذ استقلالها. إن الذي يعتقد بتعدد الزوجات، وينظر إلى
الآخر غير المسلم نظرة إقصاء ورفض، هل يمكن أن يكون ثائراً يكافح من أجل
الديموقراطية والثقافة الديموقراطية؟ ما زال هذا السؤال مطروحاً بعد ثلاث سنوات من
بداية "الربيع العربي".
سؤال: في كتابكم، تعتبرون
نفسكم في مقدمة الذين يكافحون ضد الظلامية. ولكنكم قمتم أيضاً عام 1979، بعد إسقاط
شاه إيران ووصول رجال الدين إلى السلطة بالإشادة بـ "ثورة وبسقوط
الطغاة"، ووعدتم بـ "الغناء في قم لنار الريح العاصفة"؟
أدونيس: إن أي نظام هو أفضل
من إمبراطور: أنا كنت ضد شاه إيران. إن الأمر الذي أذهلني عام 1979 هو رؤية شعب
بأكمله وهو ينهض بدون عنف، مثل الشعر الحي. كان أمراً مذهلاً. ضمن هذا المعنى، قلت
نعم لهذه الثورة. ولكن ضمن هذا المعنى فقط: كتبت في ذلك الوقت أيضاً مقالات لإدانة
فكرة الدولة المبنية على الدين. إن الذين ينتقدونني يتناسون ذلك عمداً.
سؤال: دعا أحد الأصوليين
الجزائريين قبل عدة أسابيع إلى حرق كتبكم. كيف كانت ردة فعلكم؟
أدونيس: (ضاحكاً) إذا كان يحرص على الدفاع عن القرآن والإسلام، يجب عليه أن يبدأ بتعلم اللغة العربية! بادر بعض المثقفين الجزائريين
بنشر نداء من أجل إدانة هذه التصرفات. للأسف، يجهل الكثير من العرب لغتهم.
بالتأكيد، إنها مشكلة أخرى أكثر خطورة من هذه التصرفات العشوائية لسلفي صغير. بعد
ربع قرن، سيتكلم أغلب الشباب العرب اللغة الانكليزية بشكل أفضل من اللغة العربية.
ما العمل؟ اللغة هي كائن حي، ولا يمكن إجباره على شيء ولا إرغامه على البقاء أو
الموت.
سؤال: يحتل لبنان مكانة
متميزة بين الدول العزيزة على قلبكم؟
أدونيس: لبنان هو رمز
الحرية العربية وإمكانية تحقيقها. إنه بلد منفتح، ويوجد فيه معنى الإنسان
والإبداع. إنه ليس مقيداً بسلاسل الماضي، وليس منغلقاً داخل حدوده. إنه أكثر من
بلد، لبنان هو مشروع. إنه فتحة نور. إنه يعطينا المثل والأمل مثل تونس.