افتتاحية صحيفة اللوموند
17 كانون الثاني 2014
الوضع في تركيا سيء. تركيا هي محور التوازن في
الشرق الأوسط، وعضو في الحلف الأطلسي، ومرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. عاد
هذا البلد للعيش مع شياطينه القديمة: الصراعات الخفية على السلطة ومعارك الأجهزة
على خلفية الفضائح السياسية ـ المالية. لا شك أنه يجب أن نعزو هذا الجو من الحرب
الخفية داخل الدولة نفسها إلى المعلومات الأخيرة حول اغتيال ثلاثة ناشطين أكراد في
باريس قبل عام. تشير هذه المعلومات الأخيرة إلى أن الأجهزة السرية التركية ربما
تورطت في اغتيال هؤلاء الناشطين. هل هي حملة من الشائعات، أم محاولة لزعزعة
الاستقرار، أم مناورات مختلفة، أم بداية مسار آخر؟
كل شيء ممكن، ما دام المناخ السائد في أنقرة
يتلاءم مع تصفية الحسابات عبر "التسريبات" المتداخلة. قام رئيس
الوزراء رجب طيب أردوغان بتغيير مكان عمل مئات رجال الشرطة وعشرات القضاة للرد على
تحقيق قضائي يتعلق بقضية فساد وتبييض أموال تمس بعض المقربين منه. الهدف هو خنق
التحقيق، ولكن الخطر هو رؤية موظفي الدولة الغاضبين يوزعون بعض الوثائق الصحيحة أو
المزيفة هنا وهناك بهدف زعزعة استقرار رئيس الحكومة.
الضحية الأولى لهذا الوضع في تركيا هو دولة
القانون. تطورت دولة القانون في تركيا خلال السنوات الأخيرة، على الأقل خلال
الولايتين الأولى والثانية للسيد أردوغان على رأس الحكومة التركية. ولكن رئيس
الحزب الإسلامي المحافظ حزب العدالة والتنمية يواصل منذ عام 2011 انحرافه التسلطي
يوماً بعد يوم بشكل يبعث على قلق متزايد. عند ظهور أية صعوبة، إنه يتحدث عن "مؤامرة"
من قبل أعدائه في الداخل حتى داخل حزب العدالة والتنمية، وأعدائه في الخارج
عندما لا يكونوا "من الأوساط
المقربة من إسرائيل".
إن مفهومه للديموقراطية هو أنه يمتلك الدولة
بمجرد نجاحه في الانتخابات. ولذلك يسمح لنفسه بتطهير الإدارات من أجل تحقيق مصالحه
حصراً. على الصعيد الداخلي، لم يعد يتحمل أية معارضة، وهذا ما أظهرته المظاهرات
خلال ربيع عام 2013. على الصعيد الخارجي، إن السياسة التي يتبعها أوصلت تركيا في
النهاية إلى أسوأ وضع مع عدد كبير من جيرانها.
أصبح السيد أردوغان على وشك تحطيم الحصيلة
الهامة التي حققها. استطاعت تركيا مضاعفة دخلها القومي ثلاث مرات خلال عشرة سنوات،
وأصبحت إحدى الاقتصاديات الصاعدة الأكثر نجاحاً. كما تخلصت تركيا من التدخل الدائم
للجيش في الحياة السياسية. أخيراً، تسعى تركيا إلى تهدئة النزاع مع الأقلية
الكردية فيها. بالإضافة إلى ذلك، اقتربت تركيا من الاتحاد الأوروبي. إنها تغيرات
إيجابية يجب إضافتها إلى حصيلة السيد أردوغان.
ـ وهكذا انتابته نشوة حب الذات التي تُصيب أولئك
الذين يبقون فترة طويلة جداً في السلطة. تزعزع الاقتصاد التركي، وانهارت العملة،
ويشعر المستثمرون بالحذر، ووصل القلق إلى الحليف الأمريكي. كان السيد أردوغان لاعب
كرة قدم محترف سابقاً، ومن المفترض أن يعرف أن الحياة المهنية الأفضل هي التي لا
تستمر إلى الأبد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق