مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 23 كانون الثاني 2014 بقلم سارا
دانييل Sara Daniel
يتقاتل أعداؤه الإسلاميون والقوميون بين بعضهم
البعض، وفرض حلفاؤه الروس والصينيون والإيرانيون قانونهم. وإذا انتصر بشار الأسد؟ يتأمل
بشار الأسد أضواء دمشق بكبرياء غريب من منزله في أعالي جبل قاسيون، أي في المكان
الذي يمضي فيه الليل أحياناً للهروب من عمليات التفجير، وذلك كما كان يفعل سابقاً
صدام حسين الذي لم يكن أحد يعرف في أي قصر اختار الإقامة. في خريف عام 2011 بعد
عدة أشهر من بداية الأزمة، توسلت زوجته أمامه لكي يفكر بالرحيل وبأطفاله. ولكنه
عارضها متذرعاً بواجبه، ووعدها بأنه لن يلقى مصير بن علي أو القذافي. لا بد من
الملاحظة أنه أوفى بوعده. قال أحد الضباط العلويين المقربين منه بإعجاب: "أقسمت
الدول العظمى الغربية وحلفاؤها الخليجيون على إلحاق الهزيمة به. اليوم، تمت دعوة
وزراءه إلى مؤتمر جنيف!". تتساءل بذهول المنظمات السورية غير الحكومية
التي تقوم يومياً بإحصاء الجثث المشوهة من قبل النظام: كيف يمكن دعوة ممثلي رجل
متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية إلى طاولة المفاوضات؟
حصل
تغير كبير منذ الصعود الخجول لبشار إلى السلطة في شهر حزيران عام 2000! أصبح بلده
اليوم ساحة لمناورات جميع القوى الإقليمية ورهاناً لحرب باردة جديدة بين روسيا
والولايات المتحدة. حقق الأسد الابن تقدماً دامياً، و تمكن من محو الرقم القياسي
المشؤوم لوالده وعشرات آلاف القتلى أثناء قمع التمرد في حماة في شهر شباط عام
1982. إن ثلاث سنوات من الحرب الأهلية
ومئة وثلاثين ألف قتيل منهم 11420 طفل (حسب مركز Oxford
Research Group) ليست كافية إزعاج ليالي "جزار دمشق"، وأزالت
تردده بشكل كامل. في بداية الأزمة، تحدث بإسهاب أمام وفد يضم بعض الطلاب حول صعوبة
تحمل مسؤولية عنف السلطة، وأكد حينها أنه لا يؤيد أعمال الترهيب المرعبة التي تقوم
بها المخابرات الجوية. كما أسرّ إلى الطلاب إحدى ذكرياته التي تقول أشياء كثيرة
حول تردده في تحمل مسؤولية الإرث. عندما كان بشار الأسد طالباً، شارك في حفل عام
بمناسبة عيد ميلاد والده. كان هذا الرجل الشاب يتساءل عن الموقف الذي يجب اتخاذه
في الوقت الذي كان الجميع يصفق فيه. اقترب منه أحد رجال الأجهزة السرية دون أن
يعرفه، وصفعه بقوة عقاباً لقلة حماسته. قال بشار الأسد: "سألت نفسي فيما
إذا كان يجب علي التعريف بنفسي. في النهاية، قررت الذهاب". إنه دليل ضعف،
ولكن هذا الموقف يبدو اليوم خيالياً بالمقارنة مع القمع الرهيب الذي تعاني منه
سورية. في الحقيقة، مضى وقت طويل منذ الفترة التي كان فيها بشار الأسد مرتبكاً
بسبب مهمة شاقة بالنسبة له، ومسحوقاً تحت ظل والده. لم يعد يشبه هذا المستبد لعدم
وجود بديل، أو طبيب العيون بنظرته المتهربة وصوته الحاد، أو ذلك الذي يحمل تردده
داخله. كما أن الغرب لم يعد يجعل من رحيله شرطاً مسبقاً لأية مفاوضات منذ الحرب
الدامية بين مختلف المجموعات المسلحة داخل التمرد. وذلك لدرجة أن هذا الرئيس
الجلاد، "الحصن ضد الفوضى" كما تصفه روسيا رسمياً، وكما يهمس
بذلك بعض الدبلوماسيين الأمريكيين، يُفكر جدياً بترشيح نفسه للانتخابات في شهر
حزيران القادم. بلغ بشار قمة الصلافة في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية AFP، مدعوماً بنجاجاته الدبلوماسية
الأخيرة، عندما تباهى بأنه رفض التعاون مع الأجهزة السرية الغربية التي ربما طلبت
مساعدته ضد المجموعات الأصولية.
هل
تسرع المجتمع الدولي في رهانه على نهاية هذا الطاغية كاليغولا (Caligula) الذي يجب القبول بالتعامل معه في
خاتمة المطاف؟ انتقد وسيط الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي دوماً النظرة التبسيطية
للدبلوماسيين الأوروبيين الذين كانوا يتصورون أن نظام بشار الأسد سيختفي بنفس سرعة
اختفاء نظام حسني مبارك.
يجب
ملاحظة نجاح الأسلوب السوري في مواجهة التمرد، ويستعيد النظام التقدم على الأرض.
منذ بدابة التمرد، قام بشار الأسد باستدعاء الرئيس السابق للأجهزة السرية علي دوبا
الذي قام بالإشراف على قمع حماة إلى جانب رفعت الأسد، وقد كان والده قد أبعده لكي
لا يطغى عليه. يعتبر الباحث المتخصص بالشأن السوري فابريس بالانش Fabrice
Balanche الذي يذهب إلى سورية بشكل منتظم، أن الجيش السوري على الرغم من
نقاط ضعفه استفاد من إشراف فعلي من قبل الإيرانيين والروس الذين علّموه تطبيق
الطرق التي تم استخدامها في الشيشان. وهكذا، عندما يستولي المتمردون على إحدى
القرى، فإنها تغرق تحت وابل من القنابل حتى يقوم السكان المدنيون بدفعهم إلى
الرحيل، الأمر الذي دفع بالمجموعات المسلحة إلى ارتكاب أعمال الترهيب. ثم يعود
الجيش النظامي، وينظم السكان في ميليشيات للدفاع الذاتي. قال الباحث فابريس
بالانش: "يعتمد هذا الأسلوب في مواجهة التمرد على ملاحظة مفادها أنه من
الأسهل حث السوريين على مكافحة الإرهاب الإسلامي بدلاً من القتال إلى جانب جيش
النظام". يعتبر هذا الباحث أن دمشق تسيطر على 30 % من الأراضي المأهولة
تقريباً، وأن التمرد يسيطر على النسبة نفسها تقريباً. ولكن المناطق المأهولة التي
تسيطر عليها دمشق تشكل محوراً متجانساً يعيش فيه حوالي نصف السكان، في حين أدى
القصف على المناطق المتمردة إلى نزوح مخيف: ثلاثة ملايين لاجىء في الخارج، وستة
ملايين نازح داخل سورية. قال هذا الباحث: "راهن النظام على الوقت بانتظار
أن يتقاتل المتمردون بين بعضهم البعض، وأن تسأم الدول الغربية التي لا تميل إلى استقبال اللاجئين".
وهذا ما حصل في النهاية.
أصبحت الولايات المتحدة تُعرب عن قلقها بصراحة
من أخطار انتصار الأصوليين، وأوقفت مساعدتها المادية إلى المتمردين. تحولت روسيا منذ الاتفاق حول الأسلحة
الكيميائية من موقف لا تُحسد عليه بصفتها أفضل حلفاء الطاغية، إلى بطلة الاستقرار
العالمي. لقد ألغى الأمين العام للأمم المتحدة الدعوة الموجهة إلى إيران في اللحظة
الأخيرة، وأراد بذلك الإشارة بصراحة إلى أن إيران، مثل السعودية وقطر، هي طرف
محاور يتمتع بالشرعية نفسها التي يتمتع بها الآخرون في الملف السوري.
لم تتمكن المعارضة السياسية السورية التي يمثلها
الإئتلاف الوطني من تجنب فخ جنيف 2 حسب تعبير أحد الدبلوماسيين العرب الذي قال: "إذا
لم تشارك المعارضة في المؤتمر، فسوف يتم تحميلها مسؤولية فشل المفاوضات، وربما
ستختفي. ولكن القبول بالجلوس أمام مبعوثي النظام الذي لا تعترف بشرعيته، يمثل
مخاطرة بفقدان ما تبقى من مصداقيتها".
هل الضعف وانقسام المجتمع الدولي أدى إلى هزيمة
المعارضة الديموقراطية السورية، وسمح بتقديم الانتصار إلى بشار الأسد، كما يقول
بعض الدبلوماسيين بحزن؟ قام الأمير الأردني حسن بزيارة باريس قبل عدة أيام، وأكد
دون أن يخفي مرارته قائلاً: "أصبحت الدول العظمى تعتبر الشرق الأوسط
كتسلية هدفها خدمة مصالحهم". أراد أن يقول بذلك أن إبقاء كاليغولا دمشق
في السلطة أصبح أقل الشرور بالنسبة لهم.
ولكن هل يعني ذلك أن بشار قد انتصر بشكل نهائي؟
يعتبر أحد كبار الموظفين الدوليين أنه حصل بالتأكيد على وقت إضافي في بلد أصبح
ممزقاً وتنخره الغنغرينة الأصولية بشكل يمهد بالتأكيد لبلقنة المنطقة. وكما اعترف
بذلك شخصياً: ستكون الحرب طويلة مهما حصل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق