صحيفة الفيغارو 22 كانون الثاني 2014 بقلم
مراسلها الخاص في دمشق جورج مالبرونو Georges Malbruont
هناك
بعض السوريين الجائعين على مسافة ثلاثة كيلومترات من مركز دمشق، ويضطرون إلى شوي
الفئران للبقاء على قيد الحياة. إنهم يسكنون في حي المعضمية المتمرد الذي يتعرض
لحصار الجيش منذ أكثر من عام. حذر أحد مسؤولي الأمم المتحدة في دمشق قائلاً: "الوضع
الإنساني هناك كارثي. لقد مات اثنا عشرة طفلاً رضيعاً من الجوع خلال يوم
واحد". إن المعضمية ليست حالة استثنائية، هناك إحدى عشرة منطقة ترفض
الاستسلام في الغوطة، وتحاصرها قوات النظام منذ أشهر طويلة. هناك حوالي مليون شخص
يكافحون ضد الموت البطيء في ظروف مرعبة. أكد هذا المسؤول في الأمم المتحدة قائلاً:
"يريد النظام تركيعهم قبل انتزاعه لاستسلام المتمردين المحيطين بهم".
أصبحت المساعدة الإنسانية سلاحاً يستخدمه النظام دون أي رادع من أجل تحقيق هذه
الغاية.
فاوضت الأجهزة الأمنية بواسطة بعض رجال الدين
المحليين على خروج حوالي خمسة آلاف شخص من سكان المعضمية في نهاية العام الماضي.
قال أحد العاملين في المجال الإنساني: "قاموا بإخراج المدنيين، ثم قامت
الأجهزة الأمنية باعتقال واستجواب جميع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و50
عاماً، واعتقلت مئتي شخص في اليوم الأول، ثم تم الإفراج عن الكثيرين منهم فيما
بعد. ثم انضموا إلى بقية السكان المقبولين في مراكز الهلال الأحمر السوري على مسافة
اثنين أو ثلاثة كيلومترات من المعضمية، وحصلوا فيها على الطعام والدواء. يسمح هذا التموين أحياناً ببعض المناورات مع الأجهزة
الأمنية التي تسيطر على هذه الإجراءات". تمكنت بعض وسائل الإعلام المحلية
فقط من دخول هذه المراكز التي تشبه السجون المريحة بالمقارنة مع البؤس في المعضمية
التي ما زال فيها بعض المقاتلين العنيدين.
يتعرض مئة وعشرون ألف شخص للحصار في عدرا منذ
بداية شهر كانون الثاني، وتم نقلهم إلى منطقة صناعية مجاورة، ولكن ما زال هناك
مئتا ألف شخص في هذا المعقل للمتمردين. أضاف الشخص الذي يعمل في المجال الإنساني
متأسفاً: "هنا أيضاً، خرج هؤلاء المساكين في ظروف مخيفة"، وأعرب
عن أسفه تجاه استحالة عمل المنظمات غير الحكومية في هذه المناطق، وقال: "تم
إبعاد حتى الهلال الأحمر السوري من عدرا".
أعطت
سياسة الحصار ثمارها الحزينة، ظاهرياً على الأقل، بعد حوالي ثلاث سنوات من الحرب:
محاصرة المنطقة المتمردة وقصفها وإخراج المدنيين وقصف المنطقة مرة أخرى وتجويع
المتمردين الذين بقوا فيها. كان حي برزة في دمشق في بداية شهر كانون الثاني مسرحاً
للمفاوضات بين الأجهزة الأمنية وقادة المتمردين. تم إخلاء بعض المدنيين المحاصرين
بسبب العنف. ماذا عن المتمردين؟ قال أحد الدبلوماسيين في دمشق: "إن أول
شيء يقوله النظام للمتمردين: تستطيعون البقاء مع أسلحتكم، ولكن ستحاربون معنا.
إذاً، إنهم يطلبون منهم تغيير ولائهم بين ليلة وضحاها، ورفع العلم السوري لديهم.
إنها خيانة، ولم تنجح، ولم يوافق على ذلك إلا القليل من المقاتلين".
ما
زالت السلطة أسيرة مقاربتها الأمنية للنزاع مع معارضيها. يعترف بعض القادة بذلك في
الاجتماعات الخاصة، ويقولون: "إننا نعاني من ذلك، ولكن هذا هو
النظام". تم التطرق في أحد الأوقات إلى تشكيل لجنة سياسية من أجل تقديم
المشورة إلى بشار الأسد، وتتألف من وزير الخارجية وليد المعلم وبثينة شعبان
مستشارة الرئيس بشار الأسد وبعض الشخصيات الأخرى، ولكن هذه اللجنة لم ترى النور.
قامت
السلطة بتوسيع المفاوضات إلى شمال وشرق سورية مع المجموعات المتمردة العلمانية
التي عانت من المجموعات الجهادية التابعة لتنظيم القاعدة، وذلك بعد أن سعت السلطة
إلى "إحلال السلام" في دمشق. أسرّ أحد الوسطاء قائلاً: "قال
لي الكثير من المقاتلين الذين حملوا السلاح ضد النظام: الجيش من أمامنا وتنظيم
القاعدة من خلفنا. أكد بعضهم بصراحة أنه إذا كان يجب الاختيار، فسوف يختارون
الجيش، ويقولون أنهم يرفضون سقوط بلدهم بأيدي تنظيم القاعدة".
ولكن
هنا أيضاً، ما زال أسلوب المفاوضات ـ الإهانات غير قادر على العمل بشكل كبير.
أفرجت إحدى الأجهزة الأمنية عن بعض المقاتلين في دير الزور، ثم اعتقلهم مكتب سري
آخر تابع لإحدى الأجهزة الأمنية السورية بعد عدة أيام. تزايدت الاعتقالات خلال
الأسابيع الأخيرة نقلاً عن منظمة إنسانية. لاحظ أحد الدبلوماسيين الأوروبيين في
دمشق متقززاً: "لا يريد النظام تقاسم السلطة. إنه يريد حرباً شاملة، ولكنه
لا يملك الوسائل للقيام بحرب شاملة" في جميع أنحاء سورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق