صحيفة الفيغارو
20 أيار 2013 بقلم مراسلتها في استانبول لور مارشاند Laure
Marchand
هل
هناك أمل بالسلام في تركيا؟ بدأ المقاتلون الأكراد رسمياً بالانسحاب من
الأراضي التركية باتجاه قواعد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق اعتباراً من
8 أيار الماضي. إذا استمر هذا الانسحاب
بدون عقبات، من المفترض أن ينتهي في فصل الخريف. يُمثل الانسحاب مرحلة أساسية في
المفاوضات التي بدأت في نهاية عام 2012 بين حكومة رجب طيب أردوغان ورئيس حزب
العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المسجون في جزيرة عمرالي Imrali، لإنهاء نزاع مستمر منذ عام 1984.
قال مدير مجموعة الأزمات الدولية في تركيا هوغ بوب Hugh Pope: "يعرف
الطرفان أنهما لن يستطيعا الانتصار عسكرياً". ولكن هذه
العملية ما زالت هشة جداً. قال النائب
التركي ألتان تان Altan Tan الذي حصل على إذن بلقاء عبد الله أوجلان: "إن
الشيء الوحيد المهم بالنسبة للحكومة التركية هو أن يتخلّى حزب العمال الكردستاني
عن السلاح"، وعبّر عن قلقه بخصوص قلّة الإصلاحات لتعزيز هذه
العملية. ولكن الإصلاحات مُرتبطة بدستور جديد ما زال غامضاً، باعتبار أنه يُثير
الكثير من الخلافات بين الأحزاب. إن الإصلاحات أمر أساسي، باعتبار أن حل المسألة
الكردية لا يقتصر على الانتهاء من حزب العمال الكردستاني، لأن حركات التمرد
الكردية مستمرة منذ إنشاء الجمهورية التركية عام 1923.
هل
يستفيد الأكراد من الحرب في سورية؟ نعم. كانت تطلعات الأكراد للحكم الذاتي
مقموعة قبل اندلاع النزاع. يبلغ عددهم حوالي مليوني نسمة، وكان ما بين 300.000
و800.000 منهم محرومين من الجنسية السورية، وبالتالي غير موجودين قانونياً. في
بداية التمرد عام 2011، لم يدعم الأكراد علناً المتمردين العرب، وعارضوهم بعض
الأحيان، واختاروا الحفاظ على مصالحهم، ولم ينضموا إلى الجيش السوري الحر. مقابل
هذه الموقف الحيادي، انسحبت دمشق من المناطق الكردية في شمال شرق سورية على طول
الحدود التركية والعراقية. اعتباراً من شهر تموز 2012، اضطر الجيش السوري إلى
تركيز قواته في حمص وحلب، وانسحب من أغلب المناطق الكردية، الأمر الذي أفسح المجال
أمام حزب الاتحاد الديموقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي يقوم
حالياً بإدارة المدن الرئيسية في هذه المنطقة، وتُسيطر ميليشياته على الأمن.
إنه
حكم ذاتي بحكم الواقع، وبدأت تتشكل نواة دولة ـ حزب العمال الكردستاني. ولكن هذا
التفوق خلق بعض التوترات مع بقية الأحزاب الكردية داخل المؤتمر الوطني الكردي. تم
التوقيع في شهر تموز الماضي على اتفاق للتعاون بين المعسكرين برعاية إربيل، عاصمة
الإقليم الكردي في العراق. ولكن هذا الاتفاق لم يحصل على الأرض، وما زالت أعمال
العنف الكردية ـ الكردية ممكنة. إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من هذا النزاع الداخلي،
وقعت مواجهات عنيفة في مدينة رأس العين بين المقاتلين الأكراد وكتيبة جبهة النصرة
الجهادية في نهاية العام الماضي. يبدو أن حزب الاتحاد الديموقراطي بدأ يبتعد منذ
عدة أسابيع عن بشار الأسد للتقارب مع المتمردين السوريين، ولكنه ما زال يهدف إلى
تعزيز حكمه الذاتي.
هل
يمكن أن يكون نفط كردستان العراقي أحد المفاتيح الأساسية للمشكلة؟ أشاد رئيس
الحكومة السابق في منطقة كردستان العراقية بارهام صالح: "وَصَلَ الربيع
الكردي". إن الأكراد العراقيين هم أول من حصل على حكم ذاتي رسمي منذ عام
2005، ويتطلع إخوتهم السوريون والأتراك والإيرانيون إلى الأمر نفسه. إنهم يعيشون
في منطقة تتمتع بالأمن والإزدهار الاقتصادي، وهم شبه مستقلون عن بغداد، وتُشجعهم احتياطياتهم
النفطية على التقدم إلى الأمام لوحدهم. برز حليف غير مُنتظر لتحقيق الطوحات
الكردية: إنه تركيا. كان وجود كردستان العراق كابوساً قبل فترة قصيرة بالنسبة
لأنقرة التي تخاف من فكرة أن تؤدي شبه الدولة الكردية في العراق إلى تشجيع الأقلية
الكردية في تركيا على اتباع الطريق نفسه. قال بارهام صالح: "أصبح
كردستان العراق من الآن فصاعداً الصديق الأكثر مدعاة للثقة بالنسبة....
لتركيا".
ساعد
النفط والغاز على ترسيخ هذه الصداقة بين الأكراد العراقيين الذين يملكون النفط
والغاز وبين الأتراك المحرومين منهما. من المفترض إنجاز بناء خط أنابيب لنقل الذهب
الأسود عبر تركيا بحلول فصل الخريف. ساهم هذا التحالف في مجال الطاقة والاقتصاد في
خلق استقرار تركي ـ كردي في المنطقة، وتتواجد الشركات التركية بكثرة في شمال
العراق. سمح هذا الاستقرار لتركيا بنشر نفوذها في الشرق الأوسط. يُعزز الأكراد
العراقيون استقلالهم تجاه بغداد، ولكن على حساب تبعيتهم المتزايدة لأنقرة. كما أدى
هذا التوازن الجديد بشكل غير مباشر إلى نقل التوترات في المنطقة. تتعارض مصالح هذا
المحور السني مع مصالح المحور الشيعي بين طهران وبغداد. وأكثر من ذلك، إن أنبوب
النفط الكردي المستقبلي سيسمح بالتخلّي عن أنابيب النفط العراقية، الأمر الذي
سيزيد حدة الخلاف بين إربيل والسلطة المركزية العراقية حول تقاسم العوائد النفطية.
كما تخشى بغداد من أن يؤدي الاستقلال النفطي الكردي إلى تسريع تقسيم البلد، المهدد
أيضاً بأعمال العنف بين العرب السنة والشيعة.
هل
إقامة كردستان الكبيرة ممكنة في المستقبل القريب؟ كانت اتفاقية سيفر Sèvres عام 1920
تنص على إقامة دولة كردية في جنوب ـ شرق تركيا وجزء من شمال العراق. ولكن اتفاقية
لوزان Lausanne بعد ثلاث سنوات لم تذكر هذا المشروع. بعد مرور قرن تقريباً على
هذه الفرصة الضائعة، تصطدم إقامة كردستان تضم الشعب الكردي بأكمله بعدة صعوبات:
الأول هو عداء أنقرة وبغداد وطهران ودمشق، كما توجد العديد من الانقساات الثقافية
والسياسية داخل العالم الكردي. على سبيل المثال، اللغة الكردية ليست موحدة، وتنقسم
بشكل أساسي بين الكورمانجية والسورانية. قاوم الأكراد في أغلب الأحيان سياسات
الدمج القسرية، ولكن تاريخ الدول التي عاشوا بها ترك بصماته عليهم. لقد خلق هذا
الفصل الجغرافي هويات سياسية مختلفة ومُتنازعة بشكل أدى إلى تفتيت كفاحهم. تُسيطر حركتان
على المشهد السياسي الكردي الحالي: المنظمة الماركسية ـ اللينينية حزب العمال
الكردستاني، والحزب الكردي الرئيسي في العراق الحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة
عائلة البارزاني بشكلها الأكثر إقطاعية وتأييداً للأمريكيين (استطاعت هذه العائلة
التغلّب على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو الحزب الكردي الكبير الآخر للرئيس
العراقي الحالي جلال الطالباني). وقعت مواجهات دامية بين هذين الحزبين عامي 1992
و1995، وما زال التنافس قائماً بينهما على نشر نفوذهما. يظهر هذا التنافس بشكل
أوضح في سورية: يسعى مسعود بارزاني إلى تعزيز المعارضة المجتمعة داخل المجلس
الوطني الكردي. في إيران، هناك وجود أكبر للجناح الإيراني لحزب العمال العمال
الكردستاني، ولكن القمع في طهران يمنع أي تعبير سياسي. إذا كانت الظروف
الجيوسياسية مواتية جداً للأكراد في بداية القرن الحالي، فإن كردستان مستقلة
ومركزية أو فيدرالية ما زالت حلماً طوباوياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق