صحيفة اللوموند
18 أيار 2013 بقلم مراسلتها في واشنطن كورين لينس Corine Lesnes
تبدأ
السياسة الخارجية في المنزل. أصبحت هذه الفكرة عادية في بلد تبلغ ديونه 16 ألف
مليار دولار. أبرز بارك أوباما هذه الفكرة منذ شهر حزيران 2011، عندما أعلن عن
تخفيض حجم القوات في أفغانستان، وقال: "حان
الوقت لبناء الأمة هنا، في الولايات المتحدة". قال جون
كيري الشيء نفسه: "لا نستطيع أن نكون في وضع قوي في العالم، إذا
لم نكن أقوياء في الداخل".
ولكن
استخدام هذا التأكيد كعنوان للكتاب الأخير لرئيس مجلس الشؤون الخارجية ريتشارد هاس
Richard Haass ـ وهو جمهوري صفّق للحرب في العراق ـ ، يدل على التغيير الحاصل في
المؤسسة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة حول مسألة دور الولايات المتحدة في
العالم. قال ريتشارد هاس مؤخراً: "لم أكن أعتقد إطلاقاً
بأنني سأكتب كتاباً مثل هذا الكتاب. لقد كبرت أثناء الحرب الباردة، ومضى أربعون
عاماً وأنا أعمل في السياسة الخارجية، ووصلت اليوم إلى هنا". تعني كلمة "هنا"
الاهتمام بالتعليم والنقل مثل الاهتمام بالتحالفات وموازين القوى. كان ريتشاد هاس
مساعداً لوزير الخارجية الأمريكي السابق كولين باول.
تُكرّس سورية هذا التغيير. كان من الممكن
الإحساس بالتراجع الأمريكي في الشرق الأوسط منذ التورط في العراق، وازدادت حدته مع
"الربيع العربي" والعمليات الانتقالية
المُعقدة. ثم أصبح صارخاً مع الحرب في سورية. إن اكتفاء أوباما بـ "القيادة
من الخلف" حسب التعبير الشائع حالياً، ليس إلا مواكبة لموقف
المواطن الأمريكي: أشار استطلاع للرأي أجرته النيويورك تايمز وCBS أن 62 % من
الأمريكيين يعتبرون أنه لا يقع على عاتق الولايات المتحدة أن "تفعل
شيئاً ما" في سورية. وحتى ولو تم التأكد من استخدام بشار
الأسد للأسلحة الكيميائية، فإن 45 % فقط من الذين شملهم استطلاع الرأي الذي أجراه Pew Research Center بتاريخ 29 نيسان، يؤيدون تدخلاً عسكرياً مع حلفاء الولايات
المتحدة وليس لوحدها.
هذا هو أيضاً موقف أغلبية الإستراتيجيين والكتاب الصحفيين. نشرت مجلة
التايم بتاريخ 3 أيار مقالاً لمستشار جيمي كاتر السابق للأمن القومي زبيغينيو
بريجينسكي حول النتائج الكارثية لتدخل
يقتصر على إقامة منطقة حظر جوي أو إطلاق الصواريخ البعيدة المدى، وحذّر من أن أي
عمل يعطي الانطباع بتحالف أمريكي ـ إسرائيلي ـ سعودي سيعزز قوة المتطرفين. كما
يعتقد السفير الأمريكي السابق في العراق رايان كروكر Ryan
Crocker ووزير الدفاع
الأمريكي السابق روبيرت غيتس أن التدخل في ليبيا كان "خطأ".
وأجرى رايان كروكر التحليل نفسه حول سورية قائلاً: "نحن
نبالغ بتقدير قوتنا على تحديد نتائج التدخل".
سمحت
الولايات المتحدة باستمرار الحرب الأهلية في سورية، وسكتت أصوات الذين يدعون إلى
تدخل أكثر حزماً مع اتساع النزاع. باستثناء السيناتور الجمهوري جون ماكين والخبير
بالشؤون العسكرية في مؤسسة بروكنغز مايكل أوهانلون Michael
O’Hanlon الذي يدعو إلى
حل يترك لبشار الأسد وعائلته أرضاً على طول الساحل، وأن تنشر الأمم المتحدة قوة
تدخل كما حصل في البوسنة عندما لجأ الحلفاء إلى القوة في البداية من أجل إجبار
الدكتاتور على التفاوض.
اعتبر
فالي نصر Vali Nasr، عميد كلية العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكنز، أن البيت
الأبيض أخطأ بالانسحاب من الشرق الأوسط، وأشار إلى أن الوضع المالي الأمريكي لا
يُفسّر كل شيء، وقال: "يوجد الآن اتجاه متصاعد بأن
الشرق الأوسط لم يعد يتمتع بالأهمية نفسها، ويمكن إقصاؤه إلى المرتبة الثانية،
وأنه يمكننا الانفصال عنه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق