صحيفة اللوموند
16 أيار 2013 بقلم مراسلها الخاص في الريحانية بنجامان بارت Benjamin
Barthe
بدأ
سكان الريحانية التي يسكنها السنة حصراً بمساءلة رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان،
ويتهمونه بجر بلدهم في الحرب الأهلية السورية عبر تبنّيه لهجة هجومية جداً تجاه
بشار الأسد والسماح لمعارضيه ببناء قواعد خلفية في تركيا. تنسب الرواية الرسمية
التركية عملية التفجير في الريحانية إلى المتطرفين الأتراك العلويين الذين يعملون
لحساب دمشق، ولكن السكان لا يُصدّقونها كثيراً. ولا يُصدقون أيضاً التصريحات
المتكررة لرئيس الحكومة التي تستثني اللاجئين والمقاتلين السوريين في الريحانية من
أية مسؤولية. قال (حسين) صاحب بقالية تقع على بعد عشرات الأمتار من موقع الانفجار
الأول: "لماذا لم يأت أردوغان لرؤيتنا؟ لقد فتح الحدود أمام
الجميع، ويعتقد أننا سنبقى بأمان؟ سمح بدخول الأشخاص الذين يرتدون الجلابيات وتصل
ذقونهم إلى أرجلهم ـ في إشارة إلى العديد من الجهاديين الموجودين في ساحة القتال
السورية ـ ، ويعتقد أننا سنبلع حكايته حول الأتراك؟".
اعتبر Cahit Seyhan، صاحب صيدلية تضررت بفعل الانفجار، أن الحكومة تسعى إلى "إنقاذ
ماء الوجه" من خلال اتهام أنصار النظام السوري بعملية التفجير
في الريحانية، وقال: "من الممكن أن تكون أيضاً جبهة
النصرة".
تُخفي ردود الفعل السابقة قلق السكان الذين
يخشون من أن يدفعوا ثمن عملية جديدة لزعزعة الاستقرار بغض النظر عن مرتكبها. قال
جمعة ميرجميك Joma’a Merjimek الذي يعمل في مكتب للتأمين: "يجب أن
يتوقف أردوغان عن اللعب بالنار. يجب عليه إجبار الطرفين على التفاوض وإيجاد تسوية.
وإلا، سيكون هناك تفجيرات أخرى".
إن
هذه الانتقادات البسيطة ضد سياسة أردوغان تجاه سورية، تتغذى أيضاً بسبب نوع من
الحرمان الاجتماعي. لا تنظر الطبقات الفقيرة في الريحانية بعين الرضى إلى هؤلاء
اللاجئين الأغنياء الذين يقومون بأعمال تجارية، كما أدى تدفقهم إلى ارتفاع أسعار
العقارات بشكل غير مسبوق، وقال صاحب البقالية (حسين): "هل تتصورون
أنهم يفتحون محلات تجارية أكثر منّا".
يتم
التعبير عن هذا الغضب أيضاً في شوارع عاصمة المنطقة أنطاكية. هناك مظاهرات يومية
في مدخل البازار منذ يوم السبت 11 أيار، ويُشارك فيها خليط غير منسجم من الناشطين
اليساريين وأعضاء المجتمع المدني والفنانين والطلاب، ومن انتماءات طائفية متنوعة
(السنة والعلويون والمسيحيون)، بشكل يُعبّر عن صورة المدينة التي تتصف بخصوصية
أنها تضم موزاييك من الأديان والإثنيات. قال أحد المُنظمين غالب رضوان Ghaleb Redwan: "هاتاي ـ الإسم التركي لأنطاكية ـ هي مدينة مُتسامحة،
ولا يهتم سكانها بدين جارهم، ونحن نريد الحفاظ على هذه العقلية. نحن مستعدون
لاستقبال اللاجئين السوريين، ولكن لا يجب أن يتم ذلك على حساب أمننا".
جرت
مظاهرة يوم الثلاثاء 14 أيار، وكان أحد شعاراتها: "حزب
العدالة والتنمية والولايات المتحدة، مُجرمون!". يُعبّر ذلك
عن ميول معادية للإمبريالية لدى عدد كبير من المتظاهرين. يوجد في هذه المظاهرة
أيضاً بعض المؤيدين للنظام السوري بشكل شبه واضح، ولاسيما العلويين وبعض المُتعلّقين
بالعصر الذي كانت فيه منطقة هاتاي جزءاً من سورية أثناء الانتداب الفرنسي، وتم
إلحاقها بتركيا عام 1939. قال الشيخ علي يرال Ali Yeral، زعيم العلويين العرب في هاتالي: "إن
سياسة حكومة أردغان تجاه سورية خاضعة للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
إنها تهدف إلى تقسيم الدول العربية إلى عدة دويلات صغيرة من أجل إضعافها تجاه
إسرائيل"، كما لو أنه يتلو لائحة بيانات مكتوبة في دمشق.
إذا كان رئيس الحكومة التركي غير مستعد لتغيير
مُقاربته حول سورية، فلأنه يعلم بأن هاتاي حالة خاصة عبر تاريخها وموقعها الجغرافي.
حتى ولو لوحظت بعض المظاهرات الصغيرة هنا وهناك داخل تركيا، فإنها تبقى أقل حدّة.
ولكن أنقرة تبقى حذرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق