موقع الأنترنت
لصحيفة الفيغارو 22 أيار 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot
في
الوقت الذي أصبحت فيه قوات الجيش السوري على وشك استعادة القصير من المتمردين،
عادت مسألة تسليح المتمردين إلى الواجهة مرة أخرى بعد أن استبعدها فرانسوا هولاند
في لقائه التلفزيوني مع القناة الفرنسية الثانية بتاريخ 29 آذار. إن سماح الحكومة
الفرنسية بتصدير الأسلحة إلى المتمردين سيكون استخفافاً بالسياسة الأوروبية في هذا
المجال، هل تتصف هذه المبادرة بالحكمة على الصعيد العسكري؟ قام الجنرال أبل
بيرتيناكس Abel Bertinax بتحليل أخطار مثل هذه الإستراتيجية في السطور التالية.
صرّح
وزير الخارجية الفرنسي بتاريخ 14 آذار الماضي إلى إذاعة فرانس أنفو Frnce-Info أن فرنسا
"دولة ذات سيادة"، مُشيراً إلى أنها تتمتع بالحرية في اتخاذ قراراتها
السيادية. يعني ذلك أننا كنّا قادرين بين ليلة وضحاها على الاستخفاف بالتقدم الذي
حققته أوروبا على الصعيدين الأمني والعسكري بشكل خاص، مقابل سياسة خارجية غامضة
ومترددة. وذلك على الرغم من أن السياسة الأمنية والعسكرية هي أحدى الأولويات
الفرنسية داخل الاتحاد الأوروبي.
تبنت
الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 3 نيسان الماضي أول معاهدة لتنظيم التجارة
الدولية للأسلحة التقليدية. صوتت 154 دولة لصالح هذا القرار (ومنهم فرنسا) وعارضته
ثلاث دول (سورية وكوريا الشمالية وإيران) وامتنعت 23 دولة منهم روسيا والصين. تنص
هذه المعاهدة على أنه يجب على جميع الدول الموقعة عليها تقويم فيما إذا كانت
الأسلحة المُصدّرة (بيعاً أو تنازلاً) قد يتم استخدامها للتحايل على حظر دولي أو ارتكاب
مجازر إبادة أو "انتهاكات خطيرة"
أخرى لحقوق الإنسان. ينطبق هذا المنطق أيضاً على الأسلحة التي يمكن أن تسقط بأيدي
الإرهابيين أو المجرمين. بدون تعليق.
إن
استهزاء فرنسا بتعهداتها الدولية، وتجاوزها للحظر الأوروبي حول إرسال الأسلحة إلى
سورية، يعني أنها نكصت بوعودها تجاه شركائها في الاتحاد الأوروبي، وأبرزت نفسها
مرة أخرى كدولة تعطي الدروس السيئة: سيكون قراراً متهوراً على الصعيد العسكري. يجب
ألا نفسح المجال أمام ظهور مشاكل جديدة. إذا كان يجب علينا أن نكون في سورية يوماً
ما، ومهما كانت صفة تواجدنا، لا نود أن نرى أنفسنا في مواجهة أسلحة فرنسية أو
غربية!.
بالتأكيد، كررت دول الاتحاد الأوروبي رفضها منذ
ذلك الوقت، لأن الأسلحة قد تسقط بأيدي الميليشيات الإسلامية الراديكالية التي ربما
تقوم لاحقاً بزعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر. أشارت أجهزة الاستخبارات إلى أن
آلاف الجهاديين القادمين من العراق ولبنان والسعودية ومصر ودول المغرب الغربي
يُقاتلون حالياً في سورية إلى جانب المتمردين. يُخيم على التحفظات الأوروبية ظل
جبهة النصرة التي أصبح ولاءها إلى تنظيم القاعدة واضحاً منذ 10 نيسان الماضي. يُضاف
إلى ذلك وجهة النظر غير الرومانسية تجاه المعارضة السورية المسلحة بعد نشر فيديو
قائد كتيبة عمر الفاروق المتمردة أبو صقر (خالد الحمد) وهو يقوم بتقطيع أوصال جثة
جندي من القوات النظامية السورية. إنهم "حلفاء"
غير جديرين بالاحترام، ولا يمكن الوثوق بهم فيما يتعلق بمستقبل سورية ما بعد بشار.
وعدت
المعارضة السورية بأن الأسلحة التي ستُرسل إليها، لن تصل أبداً إلى أيدي "جهة
ثالثة"، كما جاء في بيان الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة
والثورة السورية بتاريخ 21 نيسان. لنكن واضحين: ستصل هذه الأسلحة إلى أيدي أخرى،
ولن يكون ذلك مجرد "احتمال". لا يوجد أي شك ممكن، سيقوم المقاتلون
بمبادلة أو مقايضة هذه الأسلحة بشكل أو بآخر، عاجلاً أم آجلاً، في سوق الأسلحة "الخفيفة"
لسلاح المشاة، ولا يمكن السيطرة على هذا السوق.
تواصل موسكو دعمها الدبلوماسي لبشار الأسد،
وتُزوده بالمساعدة العسكرية والفنية والعملياتية (مُدربين ومعاونين) أكثر من أي
وقت مضى. إنه دعم هام يسمح له بالصمود عسكرياً لمدة طويلة. وهناك حديث الآن عن
تقديم أنظمة أسلحة جديدة بشكل يتناسب مع تطور الوضع العسكري وطبيعة الدعم الغربي
إلى المعسكر الآخر. هذا بالإضافة إلى المساعدة المباشرة التي تُقدمها طهران (ضباط
ومقاتلي حرس الثورة الإيراني، والأسلحة الصينية، وقد واجهت إسرائيل كل ذلك في جنوب
لبنان) والانخراط المتزايد لمقاتلي حزب الله اللبناني. إذاً، لا يستطيع أي طرف
دولي في هذه المرحلة، بدون تدخل عسكري مباشر، أن يمنح الانتصار إلى الطرف الذي
يحميه في هذا النزاع. ربما تستمر الحرب طويلاً، وربما تستمر لفترة أطول إذا قامت
الدول الغربية بإرسال الأسلحة التي يُفترض بها تغيير موازين القوى.
بالتأكيد، من الممكن الاعتقاد بأن صواريخ أرض ـ
جو ربما ستسمح للمتمردين بإلحاق خسائر كبيرة بالطائرات السورية، والتخفيف من
ضغوطها، وإراحة السكان من القصف الظالم. ولكنه حلم: لماذا؟ أظهر الأمريكيون ترددهم
إزاء هذا الخيار، بسبب تجربتهم في أفغانستان ( بشكل غير مباشر بين عامي 1979
و1989، ثم بشكل مباشر منذ شهر تشرين الأول 2001). اقتصر الدعم الأمريكي للمعارضة
السورية على تقديم بعض المساعدات البسيطة، واعتبر باراك أوباما يوم الخميس 11
نيسان أن الحرب في سورية وصلت إلى نقطة "حاسمة"،
وقدّم إلى التمرد مساعدة غذائية وطبية قدرها عشرة ملايين دولار، بالإضافة إلى 117
مليون دولار كمساعدات مُقدمة إلى إئتلاف المعارضة السورية.
فيما
يتعلق بإرسال الأسلحة إلى التمرد، راجعت الولايات المتحدة دروس تجربتها في دعم "مقاتلي
الحرية" ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان خلال سنوات
الثمانينيات. قام الرئيس جيمي كارتر منذ 3 تموز 1979 بالتوقيع على أمر تنفيذي ينص
على تقديم مساعدة أمريكية لدعم المقاومين ضد السلطة الشيوعية في كابول آنذاك، أي
قبل ستة أشهر من التدخل السوفييتي. كما هو الحال بالنسبة لسورية حالياً، ستبقى
المساعدة "غير قاتلة" لفترة طويلة.
ولكنها ستتطور مع مرور الوقت وتغيّر الوضع العسكري على الأرض.
قام
الرئيس رونالد ريغان في شهر آذار 1985 بالتوقيع على قرار يسمح بمساعدة المجاهدين
في أفغانستان عبر "جميع الوسائل المتاحة"،
رغم الآراء المُعارضة في وكالة الاستخبارات الأمريكية والبنتاغون. تحول هذا القرار
بعد عام من التوقيع عليه إلى واقع ملموس عبر السماح بتقديم صواريخ أرض ـ جو محمولة
من طراز ستينغر. تغيّر الوضع بسرعة على الأرض، على الرغم من التهديد الواضح
المُتمثل بإدخال هذه الصواريخ (في أيلول 1986) بدعم من الباكستان، وانتشر رعب
حقيقي بين الطيارين السوفييت والأفغان.
قام
الخبراء العسكريون بتفكيك الأسطورة التي نسبتها وسائل الإعلام إلى هذه الصواريخ
التي استطاعت فعلاً في البداية إلحاق أضرار كبيرة بالطائرات السوفييتية التي كانت
تُحلّق على ارتفاعات منخفضة ومتوسطة (طائرات النقل المروحية والطائرات المقاتلة
وطائرات الدعم الجوي). ولكن هذه الصواريخ ليست هي السبب في خروج الجيش السوفييتي
من أفغانستان، كما اعتقدنا لفترة طويلة في الغرب، وكما حاول إقناعنا به الفيلم
الهوليودي (الحرب وفق تشارلي ويلسون) للمخرج مايك نيكولز Mike
Nichols. استطاعت
الطائرات الروسية مواجهة هذا التهديد الجديد وغيّرت أسلوب عملها وتكتيكها وحتى الطائرات
نفسها. إن الأسباب التي أدت إلى طرد الجيش الأحمر من أفغانستان ليست صواريخ
ستينغر، بل ضعف السلطة السوفييتية أثناء البيروسترويكا ونقص الدعم من قبل الشعب
الذي يُطالب بالشفافية وبالحصول على المعلومات حول الصعوبات الميدانية، والوضع
الإقتصادي الكارثي في "الإمبراطورية"، بالإضافة إلى إدراك ميخائيل
غورباتشوف بأن هذا النزاع يُمثل جوهر الخلاف مع الغرب.
لا
نعرف اليوم بشكل مؤكد مدى مقاومة مثل هذه الأسلحة، المعروفة بسرعة العطب، لشروط التخزين
السيئة. وهذا هو الوضع بالنسبة لمجموعة عصابات تتحرك بشكل دائم، وتعيش في ظروف
صعبة. هذا هو السبب الذي يُفسّر حذر العمليات الجوية التي قامت بها الطائرات
الفرنسية في مالي، لأن الطيارين الفرنسيين لم يكونوا على علم آنذاك بحالة عمل
ترسانة الأسلحة لدى المتمردين في شمال مالي، وبشكل خاص صواريخ أرض ـ جو.
يعود
الكلام دوماً في النهاية إلى الأطراف الدولية الأكثر مصداقية. بدأت الولايات
المتحدة وروسيا "رهاناً كبيراً"
جديداً حول سورية، واعتمدتا بشكل جزئي على تحليلهما الخاص لأخطائهما السابقة
بصفتهما أطراف مباشرة أو غير مباشرة في بعض النزاعات مثل أفغانستان أثناء الحقبة
السوفييتية. لا شك بأنهما تناقشا ضمن هذا الإطار أثناء الاجتماعات الأخيرة لجون
كيري في موسكو بتاريخ 7 أيار الماضي.
من
الممكن أن تقوم موسكو بزيادة دعمها إلى سورية بسبب "قلقها"
الشديد من الغارات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، ومن احتمال إرسال
أسلحة غربية إلى الفصائل المتمردة في هذا البلد: يجري الحديث عن الجيل الأخير من
صواريخ أرض ـ جو S-300 (كانت فرضية قديمة ولكنها لم تعد كذلك: تم تدريب جنود سوريون من
الدفاع الجوي على هذا النظام، وتُراقب الأجهزة الغربية بدقة واهتمام خاص سفن الشحن
الروسية في ميناء طرطوس) وطائرات YAK 130 الخفيفة وسهلة الاستخدام من أجل التدريب والدعم الجوي. هذا
بالإضافة إلى الأسلحة التي لا يجري الحديث عنها.
فيما
يتعلق بصواريخ S-300، يبدو أن أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أصبحت متأكدة.
بعكس الغارة الإسرائيلية على سورية بتاريخ 30 كانون الثاني، قامت الطائرات
الإسرائيلية بقصف محيط دمشق يومي 3 و5 أيار من خارج الحدود السورية انطلاقاً من
المجال الجوي اللبناني، وكأن الطيارين الإسرائيليين يقصفون من بلدهم. بالتأكيد، لا
تهدف صواريخ S-300 إلى ردع إسرائيل. هناك وسائل جوية أخرى سيتم إرسالها إلى الجيش
السوري (أكثر تطوراً من طائرات YAK 130، ويجري الحديث عن النسخة الحديثة من طائرة ميغ 29) من أجل تذكير
المحللين الغربيين بنتائج التجارب العسكرية السابقة: لقد استطاع السوفييت التأقلم
خلال سنوات الثمانينيات مع تهديد الأسلحة الغربية الموجودة بأيدي المجاهدين
الأفغان، ولا شك بأن الخبراء الروس في الأكاديمية العسكرية للقوات المسلحة الروسية
سيقومون بتأهيل وتجهيز وتدريب السوريين من أجل مواجهة التهديدات الجديدة.
من
الوهم الاعتقاد بأن تسليح إحدى الفصائل ببعض الأسلحة مهما كانت متطورة يمكن أن
يؤدي إلى تغيير موازين القوى على الأرض (حتى الآن على الأقل: كل شيء قابل للتغيير
في الصراع بين السيف والترس). لا يمكن إهمال تحليل الخطر بشكل يأخذ بعين الاعتبار
الدروس المستقاة من النزاعات الأخرى ـ حتى ولو لم تكن بالضرورة نزاعات مباشرة
بالنسبة لنا ـ قبل اتخاذ قرار عسكري غير فعال على المدى المتوسط، وغير حيادي
سياسياً وأمنياً على المدى الطويل. بانتظار ذلك، إن دور السياسة الفرنسية المترددة
والقائمة على التصريحات حول موضوع الأسلحة، قد تراجع إلى مرتبة ثانوية في سورية،
بسبب عدم وجود تحليل إستراتيجي حقيقي. فيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، ألا يجب أن
يطلب مستشارو المكاتب الوزارية الفرنسية من وقت لأخر رأي الخبراء الحقيقيين وما
يُفكرون به، وأن يقرؤوا الكتاب الأبيض الأخير حول الدفاع والأمن الوطني الفرنسي
لعام 2013 الذي تم تسليمه إلى رئيس الدولة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق