صحيفة اللوموند
26 أيار 2013 بقلم جاك فولورو Jacques Follorou
إنه
الثقب الأسود في مكافحة الإرهاب في فرنسا. أصبحت سورية، وستبقى لفترة طويلة،
المقصد الرئيسي للجهاديين المبتدئين في فرنسا بدلاً من المناطق الأفغانية
والباكستانية والإفريقية. أشارت الأرقام التي قدمتها الإدارة العامة للأمن الخارجي
(DGSE) والإدارة العامة للاستخبارات الداخلية (DCRI) إلى وزارة الخارجية الفرنسية
أثناء الاجتماعات المشتركة في بداية شهر أيار، إلى أن "حوالي
180 إلى 200 شخص" ذهبوا للقتال في سورية منذ حوالي
العام.
ولكن
من أجل مواجهة هذا الخطر، يجب توفير الأدوات القضائية الملائمة بالإضافة إلى معرفة
دقيقة بما فيه الكفاية لتقويم خفايا هذه الظاهرة وحقيقة هذا التهديد ضمن السياق
المُقلق المُرتبط بقضية محمد المراح بشكل خاص. في الواقع، يجب تحديد نوع الجريمة
المُرتكبة من قبل هؤلاء الأشخاص قبل معاتبهم على إنخراطهم في نزاع يحظى بدعم جزء
كبير من المجتمع الدولي ضد نظام بشار الأسد. من الناحية الجزائية، لا يمكن إثبات
وجود علاقة مع منظمة إرهابية إلا عن طريق المشاركة بعملية تفجير ضد المدنيين، أو
الانتماء إلى مجموعة يُصنفها المجتمع الدولي بأنها إرهابية. من الصعب إقامة مثل
هذا التصنيف في سورية نظراً للعدد الكبير للكتائب الإسلامية فيها. يُضاف إلى هذه
الصعوبة، أن الناشطين الفرنسيين الإسلاميين الأكثر خبرة ما زالوا في سورية، الأمر
الذي يُفسّر أنه لم يتم القبض إلا على شخص واحد في فرنسا حتى الآن حسب معلوماتنا،
بسبب زيارة مُشتبه بها إلى سورية.
تم
اعتقال الشاب الفرنسي فلافيان مورو Flavien
Moreau (25 عاماً) بعد
عودته إلى فرنسا. اكتشفته الشرطة الفرنسية بعد إدلائه بمقابلة إلى صحيفة سويسرية
بـ "اسمه الحربي". اعتنق فلافيان مورو الإسلام عام 2008، ودخل السجن عدة
مرات في مدينة نانت Nantes الفرنسية ومدينة لانزبورغ Lenzburg السويسرية التابعة لكانتون Argovie. أشارت
الشرطة الفرنسية إلى أنه سمع في هذه المدينة السويسرية نداء الشيوخ السعوديين
الذين يدعون إلى الجهاد في سورية. كان يُفكّر بالذهاب إلى مالي أو اليمن، ولكنه
قال: "كان ذلك أمراً معقداً جداً".
ثم حاول عبثاً الانضمام إلى إحدى الشبكات الجهادية بالذهاب إلى إسرائيل وبريطانيا.
أشار المحققون إلى أنه يبدو أن مسعاه الارتجالي كان يترافق مع إدراكه لاحتمال وجود
مراقبة أمنية لهذه الشبكات، ولاسيما عبر الأنترنت أو التسلل إلى الجوامع. في
النهاية، أكد لوالديه بالتبني أنه سيذهب إلى الأردن، ثم ذهب في نهاية عام 2012 إلى
مدينة أنطاكية، ودخل عن طريقها إلى قرية عتمة السورية.
تُظهر تنقلات فلافيان مورو عدم وجود شبكات
مُنظمة. إن هؤلاء الشباب الفرنسيين يتنقلون غالباً بين المهربين والوسطاء
والمجموعات المتمردة التي لا تسعى إلى تجنيد المقاتلين وغالباً ما تستقبل بقسوة هؤلاء
المقاتلين المبتدئين الذين لم يحملوا السلاح في حياتهم. من أجل تبرير اعتقال
فلافيان مورو، أشار مصدر في الشرطة الفرنسية إلى صحيفة اللوموند أن هذا الشاب
يُشكل تهديداً حقيقياً ممكناً على الأرض الفرنسية نظراً للوثائق التي تم العثور
عليها في منزله ولتطرفه الديني. ادعى فلافيان مورو أنه كان يريد الانضمام إلى
كتيبة أحرار الشام الإسلامية والقومية التي عارضت تنظيم القاعدة ورفضت الانضمام
إلى جبهة النصرة لأنها ارتكبت عمليات التفجير الانتحارية التي يُحرّمها القرآن.
أشارت الحكومة الفرنسية إلى أنه تم فتح أقل من
عشرة تحقيقات قضائية حول الأمور المتعلقة بالنزاع السوري، وأنها لا تشمل إلا حوالي
عشرين شخصاً. ولكن حوالي نصف هذه التحقيقات القضائية تُستخدم في الحقيقة من أجل
تمديد فترة التنصت الهاتفي المحددة ضمن قانون التحقيق الأولي. في بقية التحقيقات،
لم يتم توجيه الاتهام إلى هؤلاء الأشخاص. في تحقيق بتاريخ 22 أيار 2012، تم
استدعاء طارق أ. (19 عاماً) كشاهد فعلي للتحقيق معه بعد قيام والديه بالإبلاغ عن
سفره إلى سورية وعن تطلعاته إلى الجهاد. من الناحية الرسمية، ذهب طارق إلى المنطقة
في إطار بعثة إنسانية لمساعدة اللاجئين السوريين في تركيا.
لا
تملك الشرطة غالباً الدلائل على الراديكالية المحتملة لملاحقة هؤلاء الجهاديين
الفرنسيين. يجب التدقيق بالوصايا والوثائق والمشاركات في المنتديات وماضي ومسار
هؤلاء الجهاديين، لأن العَلم الأسود لوحده لا يكفي لإثبات الانتماء إلى شبكة
إسلامية راديكالية. كما أن الأشخاص المعنيين عندما يعودون إلى فرنسا، لا يميلون
إلى إظهار انتمائهم إلى مجموعة إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة. أظهرت التحقيقات
التي أجراها القضاء وجود صفات مشتركة تقريباً: الإيمان والراديكالية الذاتية
والجنح الصغيرة وأعمارهم التي تتراوح بين 20 و35 عاماً والبحث عن الهوية. ولكن
جزءاً كبيراً من الذين اعتنقوا الإسلام وراقبتهم الأجهزة الأمنية، لا يتصفون بصفات
مشتركة. قامت الإدارة العامة للاستخبارات الداخلية (DCRI) بمراقبة تنقلات طالبين اثنين في
المرحلة الثانوية ذهبا إلى سورية بقصد القتال، ثم عادا إلى مدرستهما إلى فرنسا.
كما راقبت تاجراً يبلغ عمره حوالي خمسين عاماً ذهب إلى سورية لتقدير الدعم الذي
يستطيع تقديمه إلى التمرد. استعاد هذا التاجر حياته بشكل طبيعي بعد عودته، ولكن
تحت رقابة أجهزة الاستخبارات التي تخشى من انخراطه في التبشير الديني الفعال.
إن
المخاوف التي عبّرت عنها الأجهزة الأمنية الفرنسية تُظهر المصاعب الكبيرة التي
تواجهها في معرفة البعد الحقيقي للخطر الذي يُمثله النزاع السوري بالنسبة لفرنسا
وللديموقراطيات الغربية. تزداد صعوبة تحليل هذه الظاهرة بسبب التنوع الكبير في
دوافع انخراط الأشخاص الذين يذهبون إلى سورية بوسائلهم الخاصة في أغلب الأحيان. من
الصعب تقويم التهديد المستقبلي على الأراضي الفرنسية من خلال مراقبة ما يحصل داخل
الحرب السورية، وقال أحد المسؤولين في الإدارة العامة للاستخبارات الداخلية (DCRI): "إنها
توقعات". من شبه المستحيل بالنسبة لأجهزة مكافحة الإرهاب
أن تتوقع ردة فعل "الشخص الذي يتصرف بسبب فورة غضب"،
وقال هذا المسؤول: "تذكروا المواطن الفرنسي الذي ركب
القطار عام 2012 من أجل الذهاب إلى بروكسل وطعن شرطيين اثنين بعد الإعلان عن منع
ارتداء البرقع في بلجيكا. كذلك من الصعب استباق ردة فعل المقاتلين المحترفين
الأكبر عمراً والأكثر تنظيماً عندما يعودون من سورية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق