مجلة النوفيل أبسرفاتور الأسبوعية
1/11/2012 بقلم كريستوف
بولتانسكي Christophe
Boltanski وماري فرانس إيتشيغوان Marie-France Etchegoin
قرر مناف طلاس الرحيل في فصل الربيع الماضي
عندما تم إفهامه بأنه حتى أطفاله ليسوا بأمان. كان فصل الشتاء طويلاً جداً، وأمضاه
قابعاً في مكتبه. إنه ضابط بثلاث نجوم وقائد للوحدة 104 في الحرس الجمهوري ـ
المكلفة بحماية النظام ـ ، وهو صديق الطفولة وأحد المُقربين جداً من بشار الأسد.
ولكنه في حالة إضراب! يقوم بشار بقمع المتظاهرين بالدم منذ شهر آذار 2011، ورفض
مناف طلاس منذ ذلك الوقت الرد على المكالمات الهاتفية أو تنفيذ
الأوامر، واكتفى بتسيير المهام الإدارية والعودة إلى منزله بمرافقة رجال
الأمن وسياراتهم المصطفة باستمرار أمام منزله والمليئة بالأجهزة الإلكترونية التي
تتنصت على كل كلمة يقولها. لو قام شخص آخر بما فعله، فسوف تتم تصفيته فوراً. لم يقل
بشار أي شيء. ولكن جواسيسه قاموا في شهر نيسان باغتيال المرافق المكلّف بحماية
أطفال مناف طلاس على طريق المدرسة. لقد فهم طلاس الرسالة. إنه بحاجة إلى ثلاثة
أشهر لإعداد رحيله والوصول إلى فرنسا في منتصف فصل الصيف.
في
نهاية شهر تشرين الأول، كان له وجه شاب على الرغم من عمره البالغ 48 عاماً، ويرتدي
سترة جلدية وقميصاً يضعه فوق البنطلون، ويشبه مظهره السياح الأنيقين والمرتاحين،
كما لو أن ذكرى هروبه الصعب أصبحت من الماضي البعيد. قال مناف طلاس: "قام
النظام بكل شيء من أجل إمساكي، يجب أن تفهموا بأنني لست شخصاً عادياً... ".
إنه حالياً أحد المعارضين، وكان من أكثر المقربين من الرئيس. إن هذا الإنشقاق على
أعلى مستوى يُشبه الإعلان بالحرب. لقد أعلن لوران فابيوس شخصياً نبأ وصول الضابط
المستقيل إلى باريس في شهر تموز، الأمر الذي أثار قلق العديد من اللاجئين السوريين
الذين توجهوا مسرعين إلى وزارة الخارجية الفرنسية للمطالبة بتوضيحات: هل لدى فرنسا
"خطة مع مناف"؟ هل تريد أن تصنع
من هذا الضابط رفيع المستوى "ديغول سورية" بعد أن استفاد لفترة طويلة من
النظام؟ هل تم تنصيبه زعيماً للثوار على الرغم من أن عائلته تمثل الصورة
الكاريكاتورية للعلاقات الغامضة بين باريس ودمشق خلال ثلاثين عاماً تقريباً؟
إلتقى مناف على ضفاف نهر السين مع شقيقته
الجميلة ناهد إحدى رموز الحياة الباريسية التي تقوم بتنظيم الرحلات لتنمية السياحة
في سورية منذ فترة طويلة. كما إلتقى أيضاً مع والده مصطفى وزير الدفاع السابق الذي
خدم النظام دون أن ترف له جفن، وكان يقوم بدور "صاحب المساعي الحميدة"
بين بلده وفرنسا خلال نصف قرن. يُمضي هذا الرجل العجوز حياة تقاعدية هانئة في أجمل
أحياء العاصمة الفرنسية. فيما يتعلق بشقيقه الأكبر فراس، فهو يقيم في فندق Plaza Athénée أثناء زيارته إلى باريس. إنه رجل أعمال مقيم في دبي، وقد انضم
أيضاً إلى المعارضة بعد أن جمع ثروة بفضل إخلاص عائلته لعائلة الأسد.
إنها عائلة مُربكة: حياة باذخة في ظل بشار،
وانضمت متأخرة إلى الثورة، وفيها أفضل الكفاءات. ولكن مناف طلاس ينوي أن يجعل من
قربه السابق مع السلطة ورقة رابحة. من يستطيع تقديم المساعدة أفضل منه إلى
"العملية الانتقالية"؟ إنه لا يجهل شيئاً عن خفايا الدولة السورية. لقد
كان يرى الرئيس "يومياً" قبل انسحابه الطوعي. يعود تاريخ هذه العلاقة
الوثيقة إلى زمن بعيد. ففي عام 1994، عندما تم انتزاع بشار من دراسته بطب العيون
في لندن بعد موت شقيقه باسل وهو يقود سيارته السريعة، كان مناف يقوم بدور يشبه دور
"المُدرّب". كان يتم تجهيز باسل لخلافة حافظ الأسد على رأس سورية، وليس
بشار الشاب الخجول الذي تربى خارج أروقة السلطة، والذي تمت ترقيته لخلافة والده
بسبب عدم وجود بديل آخر، وكان مجبراً في هذا النظام الدكتاتوري على ارتداء البذلة
وتقليد شقيقه والانضمام إلى وحدة النخبة في الحرس الجمهوري، وورث أصدقاء شقيقه وفي
مقدمتهم مناف طلاس الذي كان برتبة نقيب، في حين كان الرئيس القادم برتبة ملازم
أول. قال مناف طلاس: "لقد علّمته قواعد الجيش".
إن
الوريث ذو الملامح الحزينة والعسكري الأنيق والواثق من جاذبيته أصبحا صديقين لا
يفترقان، كما لو أنهما لا يستطيعان اتباع طريق آخر غير الطريق الذي رسمه لهما
والديهما اللذان تربطهما أيضاً علاقة صداقة من أيام المدرسة العسكرية. كان مصطفى
طلاس التابع المخلص لبشار ووزيراً للدفاع
منذ 32 عاماً. لقد كان الضمانة السنية للرئيس العلوي، وبرهن له عن إخلاص لا غبار
عليه، حتى في الأوقات الأكثر دموية. لقد عرف مصطفى طلاس من خلال هذا الخضوع في
جميع المحن كيف يجعل عائلته تستفيد من ذلك (لقد تم ترفيع المئات من أقاربه ومن
سكان الرستن إلى رتبة ضابط). بالنسبة لإبنه الأكبر فراس، فقد منحه الصفقات السخية
في الجيش السوري. درس فراس التجارة في فرنسا، ثم أصبح أهم موردي الرز والسكر واللحوم وتجهيزات المعلوماتية
والألبسة والإسمنت ومواد أخرى. أما ابنته ناهد، فقد قام بتزويجها عندما كان عمرها
18 عاماً من أكرم العجة الملياردير السعودي من أصل سوري الذي يتجاوز عمره الستين
عاماً، وكان العجة وسيطاً هاماً في جميع صفقات السلاح. فيما يتعلق بمناف، فقد قام
بتوريثه مفاتيح الصعود الممكن إلى السلطة من خلال العمل العسكري بعد حصوله على
دبلوم أكاديمية فوروشيلوف المرموقة في موسكو. كان على رأس الوحدة المدرعة 104 في
الحرس الجمهوري التي يبلغ عدد عناصرها 4000 رجل، واستطاع تحقيق سمعة عسكرية
بكفاءته، ولكن أحد الدبلوماسيين قال: "إنه لا يُحب الطرق الصعبة. إنه ليس
المساعد كروننبورغ".
على
أي حال، كان نجمه يلمع في حفلات الأغنياء الدمشقية: إنه ذكي ولا يكره النكتة ويُدخن
السيغار باستمرار. تزوج زوجته الجميلة تالا ، عندما كان عمرها 16 عاماً. إنها
تنحدر من البورجوازية السنية، وهي مثل أسماء زوجة بشار من الجيل الشاب الغني الذي
يشتري ثيابه في لندن ويتمتع بشمس الشاطىء الأزرق في فرنسا وتُتابع أخبار المعارض
والموضة. إنها مثل مناف، تريد تجسيد هذه النخبة المُنفتحة على الخارج التي قرر
الرئيس الشاب الاعتماد عليها عندما وصل إلى السلطة بعد وفاة والده عام 2000. على
الرغم من ذلك، قام "المستبد المتنور" بدفن بوادر الإصلاح. قال أحد
المدعويين إلى حفلاته الدمشقية الكثيرة: "على الرغم من كل شيء، استمر الجنرال
في الدفاع عن الرئيس". وأكد أحد الدبلوماسيين الذين أمضوا فترة طويلة في دمشق
قائلاً: "لكنه كان يُقدم أيضاً بعض الخدمات إلى بعض المثقفين الناقدين وحتى
إلى بعض المعارضين". في عام 2005، كان طلاس أحد الذين حافظوا على العلاقات مع
فرنسا في الكواليس، على الرغم من أن بشار كان مشتبهاً به بأنه وراء اغتيال رفيق
الحريري المُقرّب جداً من جاك شيراك، وكان حينها شخصاً لا يمكن الإتصال معه. لم
ينس الفرنسيون في دمشق أيضاً كيف قام بتحريك قواته لمنع المتظاهرين من حرق سفارتهم
بعد نشر الصور الكاريكاتورية حول (محمد).
يمشي
طلاس الصغير على خطا والده ولكن بطريقته الخاصة. كان والده يرتدي بذلته العسكرية
دائماً ويُعلّق عليها أوسمته مثل الجنرال ألكازار Alcazar بشكل يشبه الشخصيات الخارجة لتوها
من إحدى قصص "تان تان". ولكنه هو الذي
كان "يتعامل" مع الزوار الفرنسيين إلى سورية في عصر حافظ الأسد.
كما قام بتأليف حوالي أربعين كتاباً ـ من تاريخ البعث حتى ثقافة الزهور ـ ، كما
أسس دار نشر، وهو مولع بالكتب النادرة (قال رولان دوما: "هذا المثقف الذكي
كان يملك الأعمال الكاملة لفرانسوا ميتران")، ويحلم برؤية أعماله في علوم
الحرب بجامعة السوربون. للأسف! تم إلغاء إطروحته للدكتوراه في اللحظة الأخيرة عام
1986 عندما ذكّرت الصحافة بأنه كتب قبل ثلاث سنوات مقالة نقدية معادية للسامية
بعنوان: "عظيم صهيون" استعاد فيها جميع الهلوسات المتعلقة "بطقوس
الجرائم اليهودية". في عام 1999، كان يستعد مرة أخرى للدفاع عن أطروحته عندما
وصف ياسر عرفات بأنه "ابن 60.000 عاهرة"، فاستقال بطرس بطرس غالي من
لجنة التحكيم.
لم
يكن مصطفى شحيحاً في تبجحه على العكس من مناف الذي يحرص على اتباع الأساليب
المتمدنة. لقد ادعى الوالد بأنه منع (حزب الله) اللبناني من تفجير القاعدة
العسكرية الإيطالية في بيروت عام 1983 لكي "لا يرى الدموع على وجه جينا لولو
بريجيدا"! وذكّر جيرار دوفيلييه Gérard de
Villiers، رئيس دار نشر SAS للروايات
البوليسية والتجسس، الذي كان يزوره دوماً في دمشق بأن لديه وسائد للنوم عليها صور
هذه الممثلة. ويبدو أن مصطفى طلاس يملك أيضاً تمثال نصفي للممثلة ليتيسيا كاستا Laetitia Casta. قال أحد أعضاء السفارة الفرنسية في دمشق: "سألني في أحد
الأيام فيما إذا كانت هي التي تمثل موديل ماريان الجديدة،وقال لي مشيراً بيده إلى
صدرها الكبير: أريد نسخة". كان لديه غرفة سرية وراء مكتبه، وسمح لي بزيارتها.
يوجد فيها سرير محاط بصور النساء العارية. لا بد أن صورة ماريان قد دخلت هذه
الغرفة لاحقاً". كان الماريشال مولعاً أيضاً بالممثلة صوفي مارسو Sophie Marceau، قال جان لوي إسكيفييه Jean-Louis
Esquivié، أحد أعضاء خلية
مكافحة الإرهاب في قصر الإليزيه أثناء ولاية فرانسوا ميتران، مازحاً: "لقد
كان بوده لو كانت لديه السلطة الكافية بأن يُبادل الفرنسيين المختطفين في لبنان
بصوفي مارسو".
أمضى
جان لوي إسكيفييه أياماً كاملة عند عائلة طلاس عام 1985 عندما كانت فرنسا تعتقد
بأن سورية تستطيع المساعدة في الإفراج عن الرهائن. كان وزير الدفاع يُنظم في منزله
بطيبة خاطر سلسلة من الاجتماعات مع جميع الذين يدّعون معرفة الخاطفين. في ذلك
الوقت، كان مناف صغيراً، وكانت شقيقته ناهد هي التي تقوم بالترجمة. لقد رآها
إسكيفييه وهي تُزيل بسرعة جميع الديكورات المغرية من منزل والدها قبل وصول رئيس
الحرس الجمهوري الإيراني رفيق دوست. فيما بعد، عندما قام فرانسوا ميتران بدعوة
الماريشال على حفل غداء بمزرعته في Latche، كانت ناهد حاضرة بشعرها اللامع
ونظرتها الناعمة. قال ميتران أنها "جذابة"، ووقع وزير خارجيته رولان
دوما بغرامها، وأغضبت علاقاتهما في منتصف التسعينيات الإدارة العامة للاستخبارات
الخارجية الفرنسية DGSE. كان رولان دوما يستخف بالاستخبارات، وأطلق عليه العارفون
"أسد طلاس" أو "رولان دمشق". كان رولان دوما يذهب غالباً إلى
دمشق دون إعلام السفارة الفرنسية، ويقول اليوم مع ابتسامة صغيرة: "ناهد؟ لا
أعرف كيف أصبحت اليوم. سأكون مسروراً إذا كان لديكم بعض المعلومات عنها، وأخبرتموني
بها".
حافظ
مناف طلاس على تقاليد العائلة ونسج علاقاته مع فرنسا أثناء حكم بشار، ولكن بطريقته
الخاصة. إنه أكثر دقة وحداثة، وبعيد جداً عن نزوات والده العابرة. إنه يفتح ذراعيه
لاستقبال جميع الذين يريدون تذوق سحر دمشق مع زوجته تالا التي تتحدث الفرنسية
بطلاقة، ومن بين هؤلاء الزوار جاك لانغ Jacques lang وريشار ديكوان Richard Descoings (رئيس المعهد العالمي للعلوم السياسية في باريس، وقد توفي مؤخراً
في نيويورك) وبيير كومبيسكو Pierre Combescot وماكس غالو Max Gallo ومارك فومارولي Marc Fumaroli ولوك فيري Luc
Ferry وجان دورميسون Jean d’Ormesson. في أغلب الأحيان، كانت ناهد هي التي تقوم بإرسالهم إلى سورية.
بعد علاقتها العابرة مع رولان دوما، عاشت ناهد أرملة أكرم العجة عدة سنوات مع
فرانسوا أوليفييه جيزبير François-Olivier Giesbert الذي كان حينها رئيساً لصحيفة
الفيغارو، واتسعت علاقاتها داخل المجتمع الباريسي. تقوم ناهد بتنظيم بعض الحفلات
في منزلها الفخم بالدائرة السادسة عشر في العاصمة الفرنسية، حتى ولو كان الخدم
يضعون السماعات الموصولة مباشرة بالمركز الأمني الموجود في القبو. على الرغم من
"انتقادات ناهد للنظام"، يقول بعض أصداقائها مثل: آلان مانك Alain Minc ولوك
فيري Luc Ferry بأنها ما زالت ضمن السلك الدبلوماسي في السفارة السورية. وهي تقوم
بإرسال قوافل من الشخصيات المعروفة إلى بلدها الأم لكي يكتشفوا سحره وجاذبيته.
يلتقي مناف بجميع الأبواق المدافعة عن السلطة
وحتى مع الشخصيات التي لا يمكن معاشرتها مثل: تييري ميسان Thierry
Meyssan الذي
ينفي حصول انفجارات 11 أيلول ومؤلف كتاب "الخديعة الكبرى" ويستطيع
الحديث في التلفزيون السوري متى شاء. ويلتقي أيضاً مع الممثل ديودونيه Dieudonné الذي يذهب مراراً إلى سورية. إن
فريديريك شاتيون ذو السمعة السيئة هو الذي عرّفهما على عائلة طلاس. يبلغ عمر شاتيون
حوالي أربعين عاماً، وله جسم يشبه المصارعين، وكان رئيس نقابة طلاب اليمين المتطرف
وصديقاً لمارين لوبن Marine Le Pen، وقام بتأسيس موقع Infosyrie.fr الإلكتروني الذي يُفترض به أنه
يكافح "المعلومات المغلوطة التي تنشرها الصحافة الغربية". يقوم شاتيون
أيضاً بإدارة مكتب ريوال Riwal للعلاقات العامة الذي يُقدم خدماته إلى وزارة السياحة السورية.
قال شاتيون: "عرفت مناف عن طريق مصطفى عام 1994 عندما كان عمري عشرين عاماً،
كنت مولعاً حينها بحزب البعث". أكدت العديد من تقارير الشرطة أنه خلال
إقاماته في دمشق، كان يسعى إلى الحصول على مساعدات مالية من الماريشال لصالح نقابة
طلاب اليمين المتطرف. ألم تُظهر سورية دوماً كرمها مع حركات اليمين المتطرف ودعاة
الأدب المعادي للصهيونية؟ لقد نشر مصطفى طلاس بنفسه كتاب "بروتوكولات حكماء
صهيون"، ولكن ابنه يقول حالياً: "والدي له آراءه، وأنا لي آرائي".
متى
بدأ الضابط الشاب "بالتخلي عن الشيطان وأعماله" كما يقول أحد الكتاب
الفرنسيين المشهورين الذي حافظ على صداقته معه؟
أجاب مناف: "منذ المظاهرات الدامية الأولى في درعا بشهر آذار
2011". كان يريد حينها إقناع بشار بالاعتماد على الاحتجاجات للبدء بالتغييرات
التي وعد بها منذ سنوات، وتوسّله أن يُعاقب ابن خالته عاطف نجيب رئيس الأمن في
درعا المُتهم بتعذيب الأطفال حتى الموت بسبب كتابات معادية على جدران مدرستهم،
ولكن دون جدوى. قام مناف أيضاً بالاتصال مع الكاتب المعارض ميشيل كيلو الذي أمضى
عدة سنوات في السجن ولكنه ما زال يعيش في سورية. قال ميشيل كيلو: "لقد كلّفه
الأسد بالحديث عن الإصلاحات مع المعارضة. قال لي مناف: الرئيس يكذب، ولكن يجب
المحاولة من أجل الحوار. ثم أضاف بأنه إذا فشلت المحاولة، فسوف ينضم إلينا".
عندما تلقى الجنرال الأمر بالتدخل ضد المتظاهرين في دوما في بداية شهر نيسان، أمر
جنوده بحمل العصي فقط، وقال مناف: "رفضت مرافقتهم. لقد وصل الأمن السياسي
وأطلق النار". إنها مجزرة. حاول حينها القيام بوساطة، ونظم اجتماعاً بين
السكان ورئيس الدولة. ولكن تم القبض على أعضاء الوفد قبل الموعد بيوم واحد. ثم بدأ
القمع في مدينة الرستن معقل عائلة طلاس. ذهب الجنرال إلى الرستن ووعد بالتدخل لوقف
القتل، ولكن السكان الغاضبين رفضوه. من وجهة نظر بشار، إن مناف لم يعد يتحكم
بعائلته، فقد أعلن أربعون ضابطاً من عائلة طلاس الانشقاق لاحقاً. وترأس أحد أقاربه
عبد الرزاق طلاس إحدى المجموعات المتمردة. هل يخشى الجنرال مناف أن يخسر على
الجانبين؟ لقد قال إلى بشار في آخر لقاء معه: "لم أعد أستطيع المتابعة معك في
هذا الطريق الانتحاري". وفي ذلك الوقت، قام بزيارة مفاجئة إلى ميشيل كيلو
وقال له: "إن بشار يستحق الشنق".
يقول
مناف الآن: "كنت أريد أن يقوم بانقلاب داخل النظام. ما زالت أتذكره يقول قبل
القطيعة بيننا بأنه معي. في الحقيقة، إنه يقول الشيء نفسه إلى الآخرين. إن العصابة
التي تقف وراءه لديها الكثير لتخسره، لقد كانت تقوم بدون علمي بتخريب كل ما أقوم
به. والأسوأ من ذلك أنها تحاول توريطي واتهامي بعمليات الإبتزاز التي تقوم
بها". لقد حان الوقت للهرب، فقام أولاً بإخراج أقاربه. لا يمكن أن تترك أي
شخص وراءك في سورية بشار الأسد. قام مناف طلاس بإرسال والده إلى باريس منذ شهر
آذار، ثم أرسل زوجته وأطفاله إلى بيروت التي يتواجد فيها ابنه الذي يدرس في
الجامعة الأمريكية ببيروت. في اليوم المحدد، اتصل مع أصدقائه وهو يعرف بأن هاتفه
تحت المراقبة، ودعاهم إلى العشاء في اليوم التالي لأنه مشغول هذا اليوم. لقد كانت
مناورة لصرف الأنظار. هل استفاد من دعم قريبه المتمرد عبد الرزاق طلاس؟ أو حتى من
وجود تواطؤ داخل النظام؟ قال مناف طلاس: "إنهم ناس رائعون، ولا أريد تعريض
حياتهم للخطر. كل ما أستطيع قوله أنني كنت على وشك التعرض للاعتقال عدة مرات. كانت
عملية معقدة جداً". ومن أجل التشويش على ما حصل، قام هذا الصيف بتوجيه الشكر
علناً إلى أجهزة الإستخبارات الفرنسية. ولكن وفقاً للمعلومات التي بحوزتنا، فإن
عناصر الإدارة العامة للإستخبارات الخارجية الفرنسية لم يتدخلوا إلا بعد وصوله إلى
لبنان، وقيامهم بتنظيم عملية عبوره بالسفينة إلى قبرص من أجل تجنب مطار بيروت الذي
يسيطر عليه حزب الله.
يقوم مناف طلاس حالياً من منفاه الباريسي
بالعديد من الاتصالات في فرنسا والأردن وقطر. يجب عليه مواجهة شائعة بشعة (تقول
أنه هروبه زائف وأن بشار يقوم بإدارته عن بعد)، وإقناع المجلس الوطني السوري
القاعدة السياسية الأساسية للتمرد. يحمل معه اسم عائلته كعبء عليه. قال الناطق
الرسمي باسم الجيش السوري الحر في باريس فهد المصري: "لست ضد عائلة طلاس،
إنهم سوريون مثلنا، ولكن يجب عليهم الاعتراف بأنهم كانوا شركاء هذا النظام منذ
عقود، وأن يعتذروا". تؤكد وزارة الخارجية الفرنسية أن "مناف لم تتلوث
يديه بالدماء، ولكن بعض اللاجئين السوريين يتساءلون: "كيف يمكن التأكد من
ذلك؟". من الصعب الحصول على مكان داخل معارضة ممزقة ومرتبطة بمصالح دول
المنطقة المتنافسة، ويتبادل الجميع الاتهامات بالخيانة وبالقيام بدور مزدوج. قال
أحد الدبلوماسيين متأسفاً: "حالما تظهر شخصية جديدة، يتم انتقادها".
وقال ميشيل كيلو في أحد مقاهي المونبارناس في باريس: "يجب ألا نتحدث عن
الماضي. أنا متأكد من أن مناف طلاس سيقوم بدور حاسم في المستقبل ". بمجرد
نطقه بهذه الكلمات، شاهد الجنرال السوري يتصبب عرقاً على جبينه باللباس الرياضي في
الشارع. تبادلا التحية والتهاني كما لو أنهما ما زالا في دمشق، هذه المدينة ذو
الجاذبية الريفية التي يعرف فيها الجميع بعضهم البعض.