مجلة النوفيل
أوبسرفاتور الأسبوعية 10/1/2013 ـ
مقابلة مع الملك الأردني عبد الله الثاني ـ أجرى المقابلة مراسلتها الخاصة في الأردن سارا
دانييل Sara Daniel
سؤال: هل تستطيعون تفسير ما يُفكر به بشار الأسد؟ برأيكم، كم من الوقت
سيبقى النظام السوري؟
الملك عبد الله الثاني: لم أكن أنتظر ذلك من
قِبَله. من المحتمل أنه أصبح سجين نظام لا يقبل التغيير. خلال ربيع عام 2011،
أرسلت رئيس الديوان الملكي لكي ينقل له قلقي من طريقة إدارته للأزمة. اعتقدت أن
الأردن يستطيع تبادل بعض الخبرات، ولاسيما تلك المتعلقة بالحوار الوطني حتى ولو
كانت عمليتنا الديموقراطية ليست كاملة. ولكنه لم يكن مهتماً.
فيما يتعلق بفترة بقاء النظام، ما زال
بامكانه الصمود من الناحية العسكرية. بالمقابل، إذا أخذنا بعين الاعتبار الوضع
الاقتصادي والسيولة النقدية لدى المصرف المركزي والتموين بالطعام والبنزين، فإن
المعادلة تُصبح أكثر ضعفاً.
سؤال: إن الثورة السورية هي الأكثر دموية في
العالم العربي بعد مقتل حوالي ستين ألف شخص نقلاً عن الأمم المتحدة. كيف تُفسرون
ذلك؟ هل يتحمل المجتمع الدولي جزءاً من المسؤولية؟
الملك عبد الله الثاني: إن سورية بلد مُعقد جداً من وجهة النظر
الجيوسياسية والسكانية. هذا يُفسّر جزئياً سبب انقسام المجتمع الدولي إلى هذه
الدرجة، ولا أقصد فقط الانقسام بين الغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى. لدينا
مقاربات مختلفة حتى داخل الشرق الأوسط. ثم تحول ذلك مع مرور الوقت إلى عدة أقطاب
حاولت نشر نفوذها ودعم هذا الطرف أو ذلك من المعارضة. لقد أظهرت فرنسا ريادتها
عندما أصبحت أول دولة غربية تعترف بالإئتلاف الوطني السوري. أنا على اتصال وثيق مع
فرانسوا هولاند حول سورية وعملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية، ويتصف الموقف
الفرنسي من هذه العملية بأنه هام جداً. يجب علينا جميعاً الاعداد للعملية
الانتقالية في سورية والتفكير بحل يُحافظ على سلامة الأراضي السورية ووحدة الشعب
السوري. يجب طمأنة جميع مكونات الشعب السوري، والعلويين ضمناً. إن تقسيم سورية
ستكون له نتائج كارثية على المنطقة، وسيخلق سلسلة من النزاعات للأجيال القادمة.
سؤال: هل وجود الأسلحة الكيميائية وإمكانية
استخدامها من قبل النظام، يُمثل تهديداً؟
الملك عبد الله الثاني: كان الأردن أول بلد يُحذّر
من استخدام الأسلحة الكيميائية. ماذا سيحصل إذا وقعت هذه الأسلحة بأيد سيئة؟ مع
الوجود الأكيد لتنظيم القاعدة وللمجموعات الجهادية في سورية، فإن من واجبي حماية
الشعب الأردني وتحذير المجتمع الدولي من هذا الخطر. من المؤكد أن استخدام الأسلحة
الكيميائية من قبل أية جهة في سورية، سيُثير رداً دولياً فورياً.
سؤال: هل تشعرون بالقلق من الصدامات على
الحدود السورية ـ الأردنية؟
الملك عبد الله الثاني: كان الأمن على الحدود إحدى
أولوياتنا منذ بداية الأزمة. إنه الدرس الذي تعلمناه منذ الغزو السوفييتي
لأفغانستان. إن هذه النزاعات تُغذّي التطرف والإرهاب. لقد أفشلنا في شهر تشرين
الثاني الماضي هجوماً كبيراً خطط له الجهاديون السلفيون المقربون من تنظيم
القاعدة، عندما كانوا يستعدون لضرب بعض المواقع في عمّان.
لجأ أكثر من 250.000 سوري إلى الأردن.
يجب على المجتمع الدولي الانخراط بشكل أكثر ودعم الدول التي تستضيفهم بشكل أكبر من
أجل التخفيف من هذا العبء الثقيل على الدول المُستضيفة. هناك الآلاف الذين يهربون
في بعض الليالي. وتعرّض للتعذيب العديد من العائلات والرجال والشيوخ الذين فقدوا
كل شيء، وتعرّض الأطفال للصدمة. يقوم جنودنا بما في وسعهم لاستقبالهم. في بعض
الأحيان، يتسلل بعض المتطرفين بينهم. لقد اكتشفنا خلايا إرهابية سورية وأردنية
وغربية كانت تُخطط لمهاجمة الأردن. لهذا السبب، يجب علينا منع الفراغ السياسي في
سورية بأي ثمن. من الممكن أن يستغل المتطرفون انهيار الدولة لزعزعة استقرار
المنطقة بأسرها.
سؤال: كيف تنظرون إلى ما يُسمى بـ
"الربيع العربي"؟
الملك عبد الله الثاني: أعتقد أن الخطر الأكبر
حالياً هو ظهور دكتاتوريات دينية بدلاً من الدكتاتوريات العلمانية. ليس هناك
ديموقراطية عندما تتراجع حقوق المرأة، وعندما تشعر الأقليات المسيحية وغيرها
بالخوف من المستقبل، وعندما تختفي التعددية. هل يمكننا القول بعد خمس أو عشر سنوات
أن "الربيع العربي" حمل معه المزيد من العدالة والكرامة والفرص لشعوب
المنطقة؟ أريد الاعتقاد ذلك، ولكن يجب على العالم مساعدتنا من أجل تحقيق ذلك. يجب
أن يلتزم المجتمع الدولي بمساعدتنا على بناء الديموقراطية التعددية الناشئة، هذه
التعددية التي كانت الهدف الرئيسي لـ "الربيع العربي".
لا أشعر بالقلق من نجاح الإخوان
المسلمين الذين يجب محاسبتهم أيضاً على قدرتهم بخلق فرص العمل وضمان النمو
الاقتصادي واحترام العملية الديموقراطية. إن الأمر الذي يثير قلقي في المنطقة هو
أن تحاول بعض المجموعات التي ستفوز بالانتخابات تغيير قواعد اللعبة من أجل البقاء
في السلطة.
سؤال: هناك الكثير من المظاهرات في بلدكم،
هل "الربيع العربي" في طريقه للوصول إلى الأردن أيضاً؟
الملك عبد الله الثاني: لقد نظر الأردن إلى
"الربيع العربي" منذ البداية باعتباره فرصة لتحقيق الاصلاحات السياسية
الضرورية. قمنا بتغيير ثلث الدستور، وأقمنا مؤسسات ديموقراطية جديدة مثل المحكمة
الدستورية واللجنة الانتخابية المستقلة، وأصدرنا قوانين سياسية جديدة هامة. إن
موقفنا تجاه المظاهرات لم يمكن شبيهاً بما حصل في دول أخرى. إن الأمر الأول الذي
أعطيته إلى قوات الشرطة هو عدم استخدام السلاح. وقامت الحكومة الأردنية بإلغاء
ضرورة الحصول على موافقات مسبقة للقيام بالمظاهرات، لكي يستطيع الجميع الاحتجاج
بحرية.
كانت الموجة الأخيرة من الاحتجاجات في
شهر تشرين الثاني ردة فعل على قرار الحكومة بإلغاء الإعانات على البنزين. كان هذا
القرار مؤلماً ولكنه ضروري. كان يجب على الحكومة إدارة ضغوط ضريبية غير مسبوقة
بسبب الأزمة العالمية ومشاكل التزود بالنفط بعد عمليات التفجير ضد أنابيب النفط
المصري. كانت هذه الإجراءات التقشفية السبب في نزول الأردنيين، مثل الأوروبيين،
إلى الشارع.
سؤال: هل أنتم مستعدون للتنازل عن بعض سلطاتكم؟
الملك عبد الله الثاني: إن الحكم الملكي الذي
سيرثه ابني لن يكون مثل الحكم الذي ورثته. كانت المملكة الهاشمية دوماً نظاماً
ملكياً دستورياً ويحدد بوضوح سلطات الملك. تقضي التقاليد بأن تعيين رئيس الحكومة
هو إحدى صلاحيات الملك الأردني، وهذا ما سيتغير الآن. اعتباراً من الانتخابات
القادمة في 23 كانون الثاني، سيتم تعيين رئيس الحكومة بعد استشارة التحالف الذي
يُمثل الأغلبية في البرلمان. وسيقوم رئيس الحكومة المُعيّن باستشارة الكتل
البرلمانية لتشكيل الحكومة الجديدة. سنقوم بتجربة نظام حكومي برلماني، وسيتغير هذا
النظام مع تطور أحزابنا السياسية. يجب علينا أيضاً مأسسة دور المعارضة في
البرلمان. إن التحدي الحالي هو أن 90 % من الأردنيين يتحفظون عن الانضمام لحزب
سياسي. يستوجب ذلك جهوداً جادة من قبل البرلمان والحكومة والمعارضة القادمين من
أجل إعداد البرامج التي تُشجع المواطنين على الانضمام إلى الأحزاب السياسية
وانتخاب المُرشحين على أساس برامجهم الانتخابية.
سؤال: قلتم في مذكراتكم أنكم لم تكونوا
تنتظرون أن تصبحون ملكاً. هل تندمون أحياناً على أنكم أصبحتم ملكاً؟
الملك عبد الله الثاني: صحيح أن وصولي إلى العرش
كان مفاجأة. ولكنني أدرك الآن أن والدي أعدّني لهذه المهمة منذ وقت طويل. خلال
السنوات الأربع عشر من الحكم، أشعر أحياناً بإثباط العزيمة. ولكنني لم أتأسف أبداً
لشرف خدمة بلدي والمواطنين الأردنيين.
سؤال: أين وصلت عملية السلام الإسرائيلية ـ
الفلسطينية، وما هو دوركم في استئناف المفاوضات؟
الملك عبد الله الثاني: أنا متفائل بحذر.
أرى بوضوح فرصة جديدة للتوصل إلى اتفاق بعد مراسيم تولي الرئيس أوباما والانتخابات
الإسرائيلية في 22 كانون الثاني، لا يمكن
أن نسمح بتضييع هذه الفرصة. أرى عدة عوامل يمكنها المساهمة في حل هذا النزاع
المستمر منذ ستين عاماً قبل فوات الأوان. الأول هو انتخاب الرئيس الأمريكي لولاية
ثانية، وهو رئيس يفهم بعمق الطبيعة المعقدة لهذا النزاع. العامل الثاني هو بروز
إرادة دولية من أجل حل النزاع. العامل الثالث هو الاعتراف مؤخراً بفلسطين كدولة
بصفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، كما أن "المبادرة العربية للسلام"
ما زالت مطروحة على الطاولة.
هناك أيضاً
نظام جديد ينبثق من "الربيع العربي" الذي يؤكد الحاجة إلى الحرية
والكرامة، وبالتالي الانتهاء من الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية. إن
النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني هو السبب الأساسي في عدم استقرار الشرق الأوسط، وحل
هذا النزاع هو الأولوية بالنسبة للأردن. ولكن لم يعد لدينا وقت نُضيّعه: إن
المستوطنات الإسرائيلية على وشك ابتلاع جميع الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي يُهدد
معطيات الحل القائم على أساس دولتين والاستمرارية الجغرافية للدولة الفلسطينية. في
بداية عام 2012، سمح مؤتمر عمّان للمفاوضين باستئناف العلاقات المقطوعة منذ ستة
عشر شهراً. كما تبادل الزعيمان الإسرائيلي والفلسطيني الرسائل فيما بينهما، دون
متابعة الموضوع للأسف.
سؤال:
أنتم تعرفون بنيامين نتنياهو منذ فترة طويلة، كيف يمكنكم وصفه؟
الملك عبد
الله الثاني: أحياناً، عندما أستمع إليه وهو يتحدث، يتولد لدي
انطباع بأنه يدرك ما يجب القيام به للتوصل إلى الحل القائم على أساس الدولتين.
ولكن هناك فجوة بين ما يقوله وبين الإجراءات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية. على
أي حال، تُشكل الانتخابات الإسرائيلية القادمة فرصة جديدة لحل هذا النزاع.
سؤال:
هل تعتقدون أن الإسرائيليين مصممون على قصف
المواقع النووية الإيرانية؟
الملك عبد
الله الثاني: يبدو أن بعض رجال السياسة الإسرائيليين مصممون على
ذلك، وهو ليس مجرد موقف انتخابي. هناك خطر بعودة التهديدات بقصف المواقع الإيرانية
بعد الانتخابات. بصفتي عسكري سابق، يبدو لي أن مختلف خطط الهجوم الإسرائيلية
مصيرها الفشل. بصفتي رئيس دولة، أستطيع أن أؤكد لكم أن الشرق الأوسط ليس بحاجة
لنزاع آخر، وآمل أن يُدرك الإسرائيليون ذلك. إن موقف الأردن واضح: يجب العمل دون
هوادة ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وحل النزاع الإسرائيلي ـ
الفلسطيني. إنهما الوسيلتان الوحيدتان للقضاء على التطرف والعنف وسباق التسلح في
منطقتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق