الصفحات

الأربعاء، ٩ كانون الثاني ٢٠١٣

(الأخطار الثلاثة لهذا العام الجديد)


صحيفة الليبراسيون 9/1/2013  بقلم برنار غيتا Bernard Guetta

     يُقال أن عام 2013 سيكون غامضاً وصعباً، ولكنه سيكون أكثر من ذلك، لأن هذا العام سيكون بالغ الخطورة على الاستقرار العالمي بسبب المصاعب الاقتصادية الفرنسية والتوتر في آسيا و،قبل أي شيء آخر، بسبب سورية التي أكد فيها بشار الأسد يوم الأحد 6 كانون الأول بأنه لن ينسحب. إن إصراره ليس مفاجئاً. حتى ولو كانت غريزة البقاء تدفعه إلى ركوب طائرة متجهة إلى أمريكا الجنوبية أو روسيا، فإن أنصاره والجيش لن يتركونه يفعل ذلك بعد أن أوصلهم إلى مثل هذا المأزق. إنهم سيفضلون قتله بدلاً من هربه، وهذا ما قاله بنفسه إلى أحد المبعوثين الدوليين.
     لقد قام الرئيس السوري بتعذيب وتقسيم بلده دون أن ينجح في استعادة السيطرة عليه، ولم يعد أمامه أي خيار آخر غير الاعتماد على طائراته ليحاول إيقاف تقدم المتمردين، وقصف المناطق التي لا يُسيطر عليها لكي يمنعهم من إقامة سلطة جديدة.
     ستطول هذه الحرب، ولكن كلما طالت الحرب، كلما أصبح التقسيم أمراً واقعاً، في الوقت الذي يزداد فيه نفوذ الإسلاميين الراديكاليين أكثر فأكثر داخل حركة التمرد، لأنهم هم الذين يُظهرون غالباً القدر الأكبر من الجرأة. يستطيع الجهاديون الآن استعادة هيبتهم والعثور على قوات داخل سورية، كما أن تقسيم هذا البلد إلى معاقل طائفية شيعية وسنية وكردية، يمكن أن يؤدي بسرعة إلى تسريع تقسيم العراق الذي ازدادت حدة الانقسامات فيه بين هذه الطوائف الثلاث. إنها حرب مفتوحة بين أكبر عقيدتين إسلاميتين في الشرق الأوسط، ويمكن أن تنتشر إلى العراق ولبنان والأردن، وتُعيد الحياة إلى العقيدة الجهادية، وتؤدي إلى إبراز المسألة الكردية لأن الأكراد في سورية على وشك الحصول على إدارة ذاتية شبيهة بوضع الأكراد في العراق. لقد عاد بقوة الحلم القديم بإقامة دولة كردية واحدة، لدرجة أن تركيا بدأت التفاوض مع أكرادها لتجنب بروز أية نزعة انفصالية، مقابل بعض التنازلات السياسية.
     إن عدوى انتقال الفوضى تُهدد هذه المنطقة، ولا يمكن تجنب اشتعالها واستمرارها بدون مساعدة حركة التمرد السورية على إسقاط بشار الأسد، لكي يصبح بالإمكان القيام بعملية انتقالية مُنظمة. بمعنى آخر، يجب تسليح المتمردين السوريين أو شل طائرات النظام. سيكون الخيار الثاني أقل خطورة لأنه يتجنب انتشار الأسلحة التي  لن يكون بمقدور أحد السيطرة عليها، ولكن يجب التحرك فوراً، ولن يتحرك أي بلد إذا استمرت الولايات المتحدة بالامتناع عن التدخل في سورية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
     سيكون أمام باراك أوباما قرار هام يجب اتخاذه غداة بداية ولايته الثانية بعد أقل من شهر. إنه قرار ضروري، وسيكون صعباً بالتأكيد، ولكنه بالمحصلة أقل أهمية بالمقارنة مع التحدي الإيراني الذي يجب مواجهته مع حلول الصيف القادم. يجب على الرئيس الأمريكي خلال ستة أشهر إما إقناع إيران بالتخلي عن مسارها نحو القنبلة النووية، أو قصف منشآتها النووية لأنه قال وكرر مثل الأوروبيين بأنه لن يسمح للنظام الإيراني بامتلاك السلاح النووي. إنه رهان بالغ الخطورة. إذا كان يجب على الولايات المتحدة أن تتدخل في إيران، فإنه لا يمكن التنبؤ بالنتائج السياسية والعسكرية، كما سيرتفع سعر برميل النفط إلى مستويات تُهدد الاقتصاد العالمي. إن الوسيلة الوحيدة لإجبار إيران على تقديم التنازلات، ستكون البدء بتسريع سقوط النظام السوري. ولكن لا يمكن تحقيق ذلك، إذا لم تُقرر الدول الغربية المخاطرة من أجل تجنب خطر أكبر.
     إن المسألة الثانية المطروحة عام 2013 هي معرفة فيما إذا كانت الصين واليابان ستتوصلان أم لا إلى رسم ملامح شروط العيش المشترك السلمي من اجل استقرار آسيا خلال العقود القادمة.
     فيما يتعلق بالمسألة الثالثة لعام 2013 فهي فرنسا التي ستستمر معدلات البطالة فيها بالارتفاع خلال فترة طويلة قبل أن تسمح جهود إصلاح الحسابات العامة ببداية تحسّن الوضع الاقتصادي. إن إعادة انطلاق الحياة الاقتصادية عام 2014 ليس مستبعداً، ولكن بانتظار ذلك، فإن التوترات الاجتماعية يمكن أن تُشكل خطراً على عودة النشاط إلى الحياة الاقتصادية، ما دامت مشاعر السخط تنتشر من قطاع لآخر. أصبحت فرنسا على أعصابها، فإذا تراجعت عن إصلاحاتها، فإن ذلك سيزيد من مشاكل الاتحاد الأوروبي. لأن حالة الانتعاش النسبي التي تعيشها أوروبا حالياً ما زالت مجرد حالة هدوء. إن مصير أوروبا عام 2013 يتحدد في فرنسا، ولهذا السبب يراقب العالم فرنسا باعتبارها إحدى الحلقات الضعيفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق