صحيفة اللوموند
12/1/2013 بقلم ناتالي نوغايرد Natalie Nougayrède
بدأت تظهر ملامح مسعى غير مسبوق لوقف
دوامة العنف في سورية، في الوقت الذي يبدو فيه أن العملية الدبلوماسية وصلت إلى
طريق مسدود. يرتكز هذا المسعى على مكافحة
الإفلات من العقاب تجاه الجرائم الكبيرة، ويمكنه أن يُجسّد نوعاً من الحل الأخير
تجاه عجز المجتمع الدولي عن إنهاء المأساة السورية. من المفترض أن تقوم أكثر من خمسين دولة، ومنهم فرنسا، يوم الاثنين
14 كانون الثاني بتقديم رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يطلبون فيها من
مجلس الأمن إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية. يُمثل هذا المسعى
نتيجة الجهود التي بدأتها الدبلوماسية السويسرية منذ شهر حزيران 2012 بدعم من ناشطي
حقوق الإنسان.
نقلاً عن قائمة تم إعدادها يوم الخميس 10 كانون
الثاني، يبلغ عدد الدول المُوقّعة 53 دولة، أغلبها أوروبية. هناك أيضاً أربع دول
إفريقية (تونس وليبيا وساحل العاج وبوتسوانا) وخمس دول من أمريكا اللاتينية (تشيلي
وكوستاريكا وبنما والباراغوي والأوروغوي) وسبعة دول آسيوية (اليابان وكوريا
الجنوبية وأستراليا ونيوزلندة وجزر الكوك ومالديف وساموا). ينقص هذه القائمة بشكل
صارخ: الولايات المتحدة وكندا والسويد والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا.
يُطالب المُوقّعون بأن يقوم مجلس الأمن بإحالة
الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية التي ستدرس الوضع "بدون
استثناء" ودون التمييز بين مرتكبي الجرائم. ويقول النص: "على الأقل، يجب
إنذار أطراف النزاع باحترام حقوق الإنسان
بشكل كامل واحترام الحق الإنساني الدولي، لأن مثل هذا الانذار سيكون له تأثير رادع
هام".
تنبع
فكرة اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية من السخط الدولي تجاه الوضع المُرعب.
وينبع أيضاً من القناعة بأنه لا يمكن تحقيق السلام بدون عدالة. وبالمحصلة، إن
تفعيل المحكمة الجنائية الدولية ربما يدعم الحل التفاوضي و، على الأقل، يتجنب
تدهور الوضع نحو الأسوأ، ويشمل ذلك "مرحلة ما بعد الأسد". يبدو أن
امكانية الخروج من الأزمة عبر المفاوضات أصبح غير محتملاً، وذلك إذا أخذنا بعين
الاعتبار التصريحات الأخيرة لمبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر
الأبراهيمي الذي أشار، بما معناه، إلى أن الكلمة الأخيرة لبشار الأسد أغلقت باب
التوصل إلى اتفاق. يقول الدبلوماسيون أن الاجتماع المقرر يوم الجمعة 11 كانون
الثاني بين المسؤولين الأمريكيين والروس والأخضر الإبراهيمي، يبدو أنه سيكون
الفرصة الأخيرة. وأشار الدبلوماسيون إلى احتمال استقالة الإبراهيمي.
إذا
أصبح طريق الحل التفاوضي مُغلقاً، فلن يبقى عندها إلا خيار العدالة الدولية من أجل
محاولة التأثير على تطور الوضع عبر الوسائل الدبلوماسية. في هذا السياق، تبرز
أهمية "المبادرة السويسرية". إنها طريق ضيق مليء بالصعوبات، وتُمثل
امتحاناً لإمكانية تعبئة الأوروبيين. إن العقبة الأولى هي موقف روسيا التي تتمتع
بحق النقض وتتوجس من السلطات القضائية الدولية. وكانت الدبلوماسية الروسية قد طلبت
في نهاية شهر تشرين الأول من سويسرا أن تتخلى عن مسعى المحكمة الجنائية الدولية،
ولكن دون جدوى. وقد أشار الأخضر الإبراهيمي إلى أنه موافق على الرسالة بعد أن كان مُتحفظاً عليها في البداية.
تم
تقديم عدة حجج إلى الروس من أجل إقناعهم مثل: ستتحرك العدالة الدولية دون تمييز
بين المجموعات المسلحة في سورية، الأمر الذي سيساهم في تجنب دوامة المجازر الطائفية
وتجنب الراديكالية المتزايدة حتى بعد سقوط بشار الأسد. من الممكن أن يستفيد من هذه
"الحماية" جميع المواطنين الروس الذين ما زالوا موجودين في سورية
ويتعرضون للتهديد من قبل المجموعات المتمردة.
ولكن
روسيا ليست المشكلة الوحيدة في مجلس الأمن. إن الولايات المتحدة ليست عضواً في
المحكمة الجنائية الدولية، وتُعارض إحالة الملف السوري إليها لأسباب إيديولوجية.
يشير الدبلوماسيون الأمريكيون إلى أن إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية
الدولية سيُعرقل احتمال مغادرة بشار الأسد إلى دولة أجنبية، وتُفضل إدارة أوباما
تشكيل محكمة دولية خاصة بسورية، وتعتبره خياراً "يمكن السيطرة عليه بشكل أكبر"
من الناحية السياسية. لقد عاشت الولايات المتحدة "السابقة الليبية" كأمر
مُنفّر. من وجهة النظر الأمريكية، لقد ساهمت مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة
الجنائية الدولية ضد القذافي في الموقف المُتشبث للدكتاتور خلال الحرب. تأخذ كندا
أيضاً بعين الاعتبار مثل هذه الحجة، ولهذا السبب امتنعت أيضاً عن التوقيع. لقد
أجاب أنصار "المبادرة السويسرية" بأنه، مع المحكمة الجنائية الدولية أو
بدونها، ليس هناك دول كثيرة لاستقبال الدكتاتور السوري.
فيما
يتعلق بالجانب الأوروبي، أدى غياب السويد عن القائمة إلى نتائج سيئة تتعلق بمنع التوصل إلى اجماع
كامل على الرسالة في الاتحاد الأوروبي. إن وزير الخارجية السويدي كارل بيلد ليس من
المتحمسين إطلاقاً للعدالة الدولية، كما أشار بعض الدبلوماسيين إلى أنه يبدو أن
الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي كاترين أشتون غير متحمسة أيضاً. فيما يتعلق بفرنسا،
فإن موقفها غير واضح تماماً على الرغم من التصريحات المشجعة جداً لوزير الخارجية
لوران فابيوس منذ شهر أيار 2012. إن وزارة الخارجية الفرنسية مُنقسمة بين مؤيد
ومعارض للمحكمة الجنائية الدولية. أدى ذلك إلى أن وزارة الخارجية الفرنسية لم تقم
بجهود كبيرة لإقناع دول الجنوب، وتركت سويسراً تُعارك لوحدها.
ماذا
سيحصل بعد تقديم الرسالة؟ إن أطراف هذه المبادرة واقعيون، ولا ينتظرون حلاً سريعاً
في مجلس الأمن. إنهم يريدون قبل كل شيء خلق ديناميكية. هناك أمر هام يتعلق بأن أحد
أهدافهم هو أن يُعلن الإئتلاف السوري عن نيته بالانضمام إلى المحكمة الجنائية
الدولية، ويمكن لهذا الإئتلاف تفعيل هذه المحكمة نظراً لأن مجموعة كبيرة من الدول
اعترفت به "الممثل الشرعي للشعب السوري". في الوقت الحالي، يراهن
الناشطون من أجل الكفاح ضد الإفلات من العقاب على الكلمة التي ستُلقيها المفوضة
العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة نافي بيلاي في مجلس الأمن بتاريخ 18 كانون
الثاني. إنها تُطالب منذ عدة أشهر بإدخال المحكمة الجنائية الدولية في الرهان.
ستكون المرحلة القادمة إعداد قرار في الأمم المتحدة. السؤال الذي يطرح نفسه: هل
ستكون فرنسا في المقدمة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق