صحيفة
الليبراسيون 3 أيار 2013 بقلم مراسلها الخاص في حلب لوك ماتيو Luc mathieu
لم
يتحرك الطلاب ومعلمهم في مدرسة حي الأنصاري في حلب من مقاعدهم عندما أدى أحد الانفجارات
إلى اهتزاز نوافذ الصف. لقد صمتوا عدة
لحظات حتى يبتعد دوي القصف، ثم تابع المعلم درسه وكأن شيئاً لم يحصل. وبعد نصف
ساعة، دق الجرس وخرج الطلاب للفرصة مثل أية مدرسة أخرى.
يُخيّم جو غريب على حلب التي اجتاحها الدمار،
ومزقتها خطوط الجبهات بين المناطق المتمردة والأحياء التي يُسيطر عليها النظام.
ولكن يبدو أن سكان الأحياء المتمردة اعتادوا على الحرب بعد تسعة أشهر من المعارك.
لقد عادت الحياة وسط الأبنية المنهارة وأكوام القمامة المُتعفنة. سئمت بعض
العائلات من المخيمات التي لجأت إليها خلال الصيف، وعادت إلى منازلها مع أثاثها
وفراشها داخل شاحنة صغيرة. لم يعد السكان يركضون لمشاهدة السحابة السوداء التي
ترتفع بعد انفجار قذيفة في حي مجاور، وحتى قصف الطائرات المروحية التابعة للجيش
السوري لم يعد يجعلهم ينظرون إلى السماء. ربما ستستمر الحرب في حلب لمدة شهر أو
خمس سنوات، لا أحد يعرف. ولكن السكان لم
يعد ينتظرون انتهاءها، ويحاولون تنظيم أنفسهم، وإعطاء حياتهم اليومية ومدينتهم
طابعاً عادياً بدون أية مساعدة خارجية تقريباً.
قام
حوالي ثلاثين معلماً في شهر شباط بالتطوع لإعادة فتح المدرسة في حي الأنصاري، تم
تكليف خمسة منهم باستعادة الكتب الموجودة على حدود أحد الأحياء التي تُسيطر
الحكومة عليها. تم إعداد قاعتين في القبو لمتابعة الدروس في حال اشتداد القصف.
يأتي إلى المدرسة حوالي 500 طالب في المرحلتين الإعدادية والثانوية خمسة أيام
أسبوعياً، وأشارت مديرة المدرسة أم محمد (45 عاماً) إلى أن الطلاب الذكور يأتون
بعد الظهر والطالبات في الصباح. ولكن هؤلاء الطلاب لن يذهبوا إلى الامتحانات، قال
أحمد (17 عاماً): "يجب عليّ الذهاب إلى الجانب الآخر في الأحياء
التي تُسيطر عليها الحكومة، ولكنني قد أتعرض للاعتقال في إحدى حواجز جيش
بشار". وهذا ما أكده أستاذ الفيزياء أبو مازن الذي أصبح مسؤول
التعليم في الأحياء المتمردة بحلب، وقال: "ولكن يجب أن يتقدموا
إلى امتحان الشهادة الثانوية. سنقوم هنا بتنظيم امتحان خاص بنا في نهاية شهر آب.
ستكون الامتحانات شبيهة بالامتحانات قبل الثورة باستثناء مادة التربية المدنية
التي سيتم حذفها، لأنها لا تنفع بشيء باستثناء التمجيد ببشار وحزب البعث".
بانتظار ذلك، يحاول أبو مازن إقناع المعلمين الذين بقوا في منازلهم باستئناف
عملهم، وقال: "المشكلة هي أنهم ما زالوا يحصلون على رواتبهم
دون أن يفعلوا شيئاً. إنهم خائفون من لفت الأنظار إليهم وتعرضهم للاعتقال في
المنطقة الحكومية عندما يذهبون لقبض رواتبهم". في الوقت
الحالي، هناك 15 مدرسة في المناطق المتمردة، تستقبل كل واحدة منها حوالي 500 طالب،
بالإضافة إلى حوالي مئة مدرسة صغيرة غير رسمية في المنازل والجوامع.
قام
المهندس علي حمية Ali Hamyé بالعمل في أحد الجوامع في منتصف شهر آب بعد أسبوعين من دخول
المتمردين إلى حلب. كان عدد الجرحى بالعشرات في ذلك الوقت، وقرر حينها العمل كمدير
للمستوصف. قام بإعداد المستوصف الأول في جامع الأنصاري، وقال: "ولكن
الطائرات المروحية والطائرات بدأت القصف الشديد في بداية شهر أيلول. قمنا
بالانتقال إلى منزل صغير أكثر بعداً عن الأعين". في بداية
شهر شباط، تضاءل قصف الجيش السوري، وانتقل المستوصف إلى مبنى جديد يتألف من منزلين
داخل بناء صغير. لا توجد لافتة أو إشارة على واجهة المبنى، ولكن عنوانه معروف،
ويأتي إليه أكثر من 500 مريض يومياً. إن أغلب المرضى من الأطفال الذين يُعانون من
مرض اللاشمانيا. قال علي حمية متأسفاً وبصوت هادىء يشبه الاستسلام: "بإمكاننا
معالجة عدد أكبر من الناس، ولكن ينقصنا الدواء والحقن والممرضات. الجيش السوري
الحر هو الوحيد الذي يُساعدنا، ونحصل أحياناً على مساعدات من المغتربين السوريين.
ولكن الدول الأجنبية والمنظمات غير الحكومية لا تعطينا شيئاً".
كان
الحلّاق أبو زاكو (40 عاماً) أكثر عنفاً. لقد غادر حلب في شهر أيلول عندما كانت
تنفجر عشر قذائف يومياً في شوارع الحي
الشعبي الذي يسكنه في السكري، ولكنه عاد بعد شهر، وأعاد فتح محله للحلاقة،
وعاد زبائنه شيئاً فشيئاً. قال أبو زاكو: "مضى
عامان على الوعود الأمريكية والفرنسية والبريطانية بمساعدتنا، هل شاهدتم هذه
المساعدة؟ هل أعطونا الطعام والمال؟ هل أعطوا الأسلحة للجيش السوري الحر؟ لا، إن
الشيء الوحيد الذي أعطوه هو الكلام. لم نعد ننتظر مساعدتهم، ولكن ليصمتوا!".
وقال المهندس أبو أحمد: "أستطيع فهم موقف الولايات
المتحدة لأن الاقتصاد هو الذي يهمّها فقط، ولكن أليس من المفترض أنكم تدعمون
الديموقراطية وحقوق الإنسان؟ إذا قام شخص بقتل كلب في فرنسا، يمكن محاكمته، أليس
كذلك؟ هناك مئة ألف قتيل وملايين النازحين خلال سنتين في سورية، ألا يكفي
ذلك؟". وقاطعه الميكانيكي أبو عبدو قائلاً: "الديموقراطية
هي من أجلهم في أوروبا، وليست من أجلنا. ولكن لا يهم، سنتصرف لوحدنا".
بدأت
حلب بتدبير أمورها عبر إنشاء المجالس المحلية داخل الأحياء من أجل إدارة الحياة
اليومية من توزيع الخبز إلى جمع القمامة. ظهرت هذه المجالس مع مرور الوقت بدون
وجود تنسيق حقيقي عن طريق انتقاء بعض الأشخاص في الجوامع. ولكن
"الراديكاليين"، كما يُسميهم السكان، نظموا أنفسهم في نهاية العام، ومن
بينهم عدة مجموعات تستفيد من تمويل العائلات الغنية في دول الخليج مثل: جبهة
النصرة التي أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة وأحرار الشام التي تضم السلفيين
السوريين. استولت هذه المجموعات على مخزون القمح والطحين أنثاء الهجوم على ريف
حلب، ووضعت نظاماً لتوزيع الخبز في المدينة، وقامت بتوظيف سائقي باصات وعُمال لجمع
القمامة وتصليح الخطوط الكهربائية
المُقتلعة. كما اتسع نشاطهم ليشمل القضاء مع إنشاء محكمة حياء الشريعة التي
تتنافس مع محكمة أخرى هي المجلس القضائي المتحد الذي يُعتبر أقل إسلامية. فرضت
المحكمة الأولى نفسها بسرعة باعتبارها النظام القضائي الحقيقي والشرعي الوحيد في
المدينة. يوجد حالياً حوالي 500 موظف تقريباً، منهم 300 مقاتل في عدة كتائب مُكلفة
بإيقاف المشتبه بهم، بالإضافة إلى 200 قاضي ومُحقق. قال المحامي أبو عمر (30
عاماً) الذي أصبح مُحققاً في المحكمة: "نقوم بمعالجة حوالي
عشرين شكوى يومياً، ولاسيما شكاوى سرقة السيارات ونهب المنازل. بشكل عام، يصدر
الحكم على الفاعلين بالحبس لعدة أيام. نحن نعيش في بلد بحالة حرب، ولا يمكن تطبيق
الشريعة كما هو الحال في أوقات السلام".
إلى
أين سيصل نفوذ الإسلاميين الراديكاليين في حلب؟ يرفض السكان الإحابة على هذا
السؤال أو أن يقولوا فيما إذا كانوا يشعرون بالقلق أم لا. قال الحلاق أبو زاكو: "إن
كل ما أراه الآن هو أنهم يعملون بفعالية. هناك حافلات للنقل وبدأ جمع القمامة،
وقضاتهم ليسوا فاسدين. يتم معالجة القضايا خلال يوم أو يومين، مقابل سنة أو سنتين
قبل الثورة. ما دام ذلك مستمراً، ولم يتدخلوا بحياتي اليومية، سأستمر بشكرهم".
وتساءل الميكانيكي أبو عبدو قائلاً: "ما الذي يُخيفكم؟ أن تصبح
سورية مثل أفغانستان؟ لن يحصل ذلك، وسنُصوّت عاجلاً أم آجلاً عندما يتسنى لنا ذلك،
ولن ننتخب مقاتلاً شيشانياً. ولكن حتى يحين ذلك الوقت، من الطبيعي أن تقوم
المجموعات الأكثر تنظيماً بإدارة المدينة. على أي حال، يستطيع الشيطان إدارة حلب
الآن، لأنه يبقى أفضل من بشار الأسد".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق