صحيفة
الفيغارو 6 أيار 2013 بقلم مراسلتها في لبنان سيبيل رزق Sibylle
Rizk
تزداد قابلية لبنان للتأثر بالنزاع السوري مع
تفاقم الطابع الطائفي للحرب في سورية. هل ما زال لبنان قادراً على تجنب انتقال
عدوى العنف إلى أراضيه، على الرغم من سياسة "النأي بالنفس" التي تبناها
منذ بداية التمرد ضد بشار الأسد؟
هل
سيؤدي الانخراط العسكري لحزب الله في سورية إلى اتساع النزاع السوري داخل لبنان؟
أكد رئيس حزب الله حسن نصر الله الانخراط العسكري المباشر لجناحه العسكري إلى جانب
القوات السورية المؤيدة لبشار الأسد، ولكنه لم يكشف عن عدد المقاتلين المشاركين أو
عن عدد "الشهداء" الذي سقطوا في سورية. وأضاف أن قوات حزب الله تدعم
"اللجان الشعبية" التي شكّلتها ثلاث عشرة قرية سورية يسكنها اللبنانيون،
ومعظمهم من الشيعة. يُقدم حزب الله دعمه بشكل خاص في منطقة القصير التي يحاول
مقاتلو المعارضة السورية السيطرة عليها. كما أكد حسن نصر الله تواجد حزب الله في
موقع ضريح السيدة زينب شرق دمشق.
قام
الجيش السوري الحر بإطلاق عدة قذائف على معقل حزب الله في قرية الهرمل اللبنانية
كإجراء انتقامي، الأمر الذي أثار المخاوف من اشتعال الحدود الشمالية ـ الشرقية
للبنان. كما وعدت المجموعة المتمردة جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة بـ
"نقل المعركة إلى لبنان".
تُساهم هذه الديناميكية العسكرية في تزايد حدة
التوترات الطائفية في لبنان، وأدت إلى ازدياد واضح في رايكالية الطائفتين السنية
والشيعية. يقوم اللبنانيون السنة بدعم الجيش السوري الحر منذ عدة أشهر، وبشكل
مُنظّم. وقام الشيخ أحمد الأسير، أحد الرموز الجديدة للحركة السلفية في لبنان،
بإصدار فتوى بتاريخ 22 نيسان يفرض فيها على أنصاره مقاتلة حزب الله في القصير، وقد
ذهب بنفسه إلى هذه المنطقة، ونشر على صفحته في الفيسبوك صورة له على إحدى الدبابات
التي استولى عليها المتمردون السوريون.
إن
انتقال المنطق الطائفي المتزايد للنزاع السوري إلى لبنان، يحمل مخاطر كبيرة. ولكنه
ما زال في الوقت الحالي محصوراً بالساحة السياسية، ولا مصلحة لأحد بتصعيد العنف.
قال فرانسوا بورغات François Burgat، مدير الدراسات في معهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي
والإسلامي في مدينة إكس إن بروفانس (IREMAM): "تكمن
قوة لبنان في أنه عرِفَ ثمن الحرب الطائفية. لقد استبطنت جميع الطوائف هذا الأمر،
ولا يوجد حتى الآن موقف راديكالي فعلي يسمح بالانتقال إلى العمل المسلح".
هل
يستطيع لبنان تحمّل العبء المتزايد للاجئين السوريين؟ يدخل إلى لبنان عشرات
آلاف السوريين أسبوعياً، بالإضافة إلى حوالي مليون سوري مقيمين في لبنان. لم يتم
تسجيل جميع اللاجئين السوريين لدى المفوضية العليا للاجئين التي أحصت حوالي
450.000 لاجىء في نهاية شهر نيسان. أما البقية فهم عمال كانوا يعملون في لبنان،
وانضمت إليهم عائلاتهم، بالإضافة إلى البورجوازية السورية القادمة من حلب ودمشق.
أظهر
اللبنانيون في البداية تعاطفهم مع
العائلات الهاربة من الحرب، لأنها تُذكّرهم بتجربتهم الخاصة. ولكنهم بدؤوا
يُدركون الآن حجم العبء الاقتصادي والاجتماعي لهؤلاء اللاجئين الذين يمثلون ربع
سكان لبنان. لقد استفاد بعض مالكي العقارات من الطلب المتزايد على السكن، ويرفض
لبنان إقامة مخيمات بسبب التجربة الفلسطينية. ولكن هناك جزء كبير من اللبنانيين
يشعرون بالغيرة من المساعدات التي يستفيد منها السوريون، ويشتكي البعض الآخر من
المنافسة المتزايدة لليد العاملة لأن السوريين ليسوا بحاجة إلى رخصة عمل. كما فرضت
العديد من البلديات منع التجول ليلاً بهدف احتواء الجرائم الصغيرة التي يتم تحميل
مسؤوليتها إلى اللاجئين بدون تمييز.
من
الواضح أن اتساع هذه الأزمة الإنسانية يتجاوز قدرة السلطات اللبنانية التي طرحت
هذه المشكلة أمام مجلس الأمن للحصول على مساعدة دولية. ولكن ليست هناك أية حلول في
الأفق، وتتزايد النداءات المُحذّرة من قبل المنظمات الإنسانية العاملة على الأرض:
تتزايد احتياجات السكن والغذاء والمعالجة، في حين لا يتزايد التمويل بالوتيرة
نفسها.
هل
يمكن أن تشتعل الجبهة مع إسرائيل مرة أخرى؟ لم تُغيّر المعطيات الإقليمية
الجديدة قواعد اللعبة التي وضعها قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الذي أنهى حرب عام
2006 وسمح بعودة الهدوء إلى الحدود الإسرائيلية ـ اللبنانية. يستعد الطرفان لجميع
الاحتمالات. أصبح الجيش الإسرائيلي أكثر عدوانية خلال الأشهر الماضية، وازدادت
توغلاته في المجال الجوي اللبناني، وقصف في شهر كانون الثاني قافلة في ضاحية دمشق
يُفترض أنها تحمل أسلحة إلى حزب الله. وقام الطيران الإسرائيلي خلال عطلة نهاية
الأسبوع بغارتين على سورية استهدفتا أسلحة مُخصصة لحزب الله. كما قام الجيش
الإسرائيلي يوم 28 نيسان باستدعاء مئات الجنود الاحتياطيين لتقويم قدرتهم على
العمل في حال نشوب حرب مع حزب الله، وهو التمرين العسكري الأكثر أهمية منذ عدة
سنوات.
عاد
حزب الله للانتشار ميدانياً في جنوب لبنان أكثر فأكثر وبشكل علني، وتراجع وجود
الجيش اللبناني في هذه المنطقة لأن قواته تعمل حالياً من أجل تخفيف التوترات
الطائفية في طرابلس (التي تندلع فيها اصطدامات منتظمة بين العلويين اللبنانيين
المؤيدين للأسد وبين السنة المؤيدين للمعارضة) وفي صيدا (معقل الشيخ الأسير) وعلى
الحدود السورية.
أعلنت إسرائيل بتاريخ 25 نيسان أنها اعترضت
طائرة بدون طيار قادمة من لبنان في مجالها الجوي. نفى رئيس حزب الله قيامه
بإرسالها، وأكد أنه سيتحمل مسؤولية إرسالها في حال قيامه بذلك، كما فعل بتاريخ 6
تشرين الأول عند إرسال طائرة بدون طيار استطاعت اختراق السماء الإسرائيلية قبل تدميرها.
وقد وصف حزب الله هذه العملية بالإنجاز. ولكن حسن نصر الله اتهم هذه المرة طرفاً
"معادياً" بإرسال هذه الطائرة من أجل إشعال مواجهة جديدة بين لبنان
وإسرائيل. بالنسبة له، إنها وسيلة للتأكيد مرة أخرى أنه لا يرغب بمثل هذا النزاع
مع إسرائيل، ولكنه يستعد له على الرغم من أن إنخراطه في سورية يُعطي الانطباع بأنه
ابتعد عن الجبهة الجنوبية.
هل
لبنان محكوم بالشلل المؤسساتي بانتظار حل المشكلة في سورية؟ على الرغم من
الدعم الواسع الذي حظي به تمام سلام في بداية شهر نيسان من أجل تشكيل حكومة جديدة
في لبنان بعد استقالة نجيب ميقاتي، فإن هذا الدعم لا يُعبّر فعلاً عن حقيقة الساحة
السياسية اللبنانية التي تتطابق الانقسامات فيها مع الانقسامات في سورية بشكل خاص
والشرق الأوسط بشكل عام. ينقسم لبنان حالياً بين معسكري 14 و8 آذار حيال الوضع في
سورية، ولكن هذا الانقسام لا يأخذ بعين الاعتبار التباينات العديدة والمعقدة. إن
الساحة السياسية اللبنانية مُنقسمة منذ عام 1989 إلى معسكرين متعادلين تقريباً،
ولا يستطيع أي منهما البقاء في السلطة فترة طويلة، وفشلت جميع محاولات تشكيل حكومة
وحدة وطنية. يمكن تلخيص هذا المأزق بعجز لبنان عن التصويت على موازنة منذ عام
2005.
إذا
كان 124 نائب لبناني من أصل 128 اختاروا تمام سلام رئيس للوزراء، فإن هذا يعني أن
نواب معسكري 14 و8 آذار وافقوا على هذا الاختيار. ولكن تمام سلام يواجه صعوبة
كبيرة في تشكيل حكومة. يُعبّر هذا الاجماع ببساطة عن إرادة الجميع بتهدئة اللعبة
في لبنان، وكسب الوقت بانتظار احتمال التوصل إلى حل في سورية. إن عجز الأحزاب
اللبنانية عن التفاهم حول قانون انتخابي، يُهدد بالتمديد لولاية البرلمان الحالي
الذي تنتهي ولايته بتاريخ 19 حزيران، الأمر الذي يُمثل ضربة قوية للديموقراطية
اللبنانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق