صحيفة الفيغارو
25 حزيران 2013 بقلم أندريا ريكاردي Andrea
Riccardi، مؤسس جمعية Sant’Egidio، وهي منظمة كاثوليكية متخصصة بحل النزاعات
سورية
اليوم هي: مئة ألف قتيل وأربعة ملايين نازح ومليوني لاجىء. قمت بزيارتهم في لبنان
الذي يعيشون فيه ضمن ظروف شاقة. إنه بلد مُدمّر بضحاياه وممتلكاته وروحه. نظام
يقتل شعبه، ومتمردون منقسمون وراديكاليون أكثر فأكثر، وشعب منقسم حسب الانقسامات
العرقية ـ الدينية التي تأججت من جديد. ما زال المجتمع الدولي منقسماً وغامضاً
أمام هذه الكارثة الإنسانية.
هناك
تمرد مُحق يكمن داخل المجتمع والأوساط الثقافية الأوروبية: لماذا هذا الجمود تجاه
مثل هذه المجزرة؟ لا تعرف حكوماتنا ماذا تفعل، هل يجب تسليح المتمردين أم لا؟
البحث عن اتفاق سياسي؟ تفاهم روسي ـ أمريكي محتمل؟ دور أوروبا؟ أي دور؟ في
الحقيقة، إن المسألة معقدة. هناك أولاً تاريخ إنشاء هذه الدولة كما أرادها
الأوروبيون. إنها موزاييك هش وفريد من نوعه في العالم من الأديان والثقافات. إن
جزءاً كبيراً من القطيعة الإسرائيلية ـ العربية يمر عبر سورية. تُهدد الحرب
الحالية بأن تجرف لبنان. يعتبر الشيعة أن دمشق حاجز هام جداً. يجري في سورية الفصل
الأخير من الحرب الباردة مع رهان الوجود الروسي في البحر المتوسط. كل ذلك في إطار
جيوسياسي معقد، ولا يمكن اختزاله بمحاولات
التغيير العديدة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
إن
العجز هو حقيقتنا أمام نزاع دامي وجيوسياسي (مع وجود كبير لأطرف مؤثرة). ولكن هل
يمكن الاكتفاء بتوجيه النداءات؟ من الملائم التحلّي بالشجاعة للتفكير بما يمكن
القيام به، ولو بشكل مُختزل، لأنه من الممكن دوماً القيام بشيء ما. يجب بذل كل
الجهود الممكنة للدفاع عن ساحة التعايش التي كانت موجودة في سورية بشكل أو بأخر.
إن القراءة السياسية المحضة تدفع للاعتقاد أن فن العيش المشترك بين المسلمين
بتقاليدهم المختلفة والمسيحيين بكنائسهم العديدة، مُرتبط بالنظام فقط. ولكن هذا
العيش المشترك هو أيضاً ثمرة قرون من التعايش، إنها تقاليد مجتمع بأكمله. يجب على
أي شكل ديموقراطي قادم (وهذا ما نتمناه) أن يأخذ بعين الاعتبار هذا الأمر.
بالنتيجة، إن أي حوار بين الأقليات ليس مضيعة للوقت، بل ضمان للمستقبل. إن اختطاف
رجلي الدين في حلب: غريغوريوس إبراهيم (سريان أورثوذوكس) وبول يازجي (روم
أورثوذوكس) ـ والكثيرين غيرهم!ـ يُمثل مؤشراً لإفشال أية محاولة لإعادة البناء.
وبالطريقة نفسها، يجب التطرق إلى مسألة العلمانية التي تلاعب بها النظام، ولكنها ما
زالت أمراً أساسياً للمستقبل. إن اللعبة الصغيرة بتفتيت البلد حسب الانقسامات
العرقية والدينية ليست حلاً.
أليس
من السذاجة الحديث عن السلام اليوم أمام هذه المجزرة؟ قال قداسة البابا فرانسوا: "في
الحرب، نخسر كل شي. وفي السلام، نكسب كل شيء". هذا كلام
صحيح: لم تحصل المعارضة المدنية والسلمية على حق التعبير عن رأيها، ولم يتحرك
المجتمع الدولي لمساعدتها فوراً (هذه هي مسؤوليته الحقيقية)، وتحول الوضع بسرعة
إلى مواجهة عنيفة بين السلطة العسكرية والتمرد الراديكالي. يوجد هنا درس يجب أن تتعلمه
الدبلوماسية الدولية هو: عدم إضاعة الوقت عندما يشتعل الوضع. يجب تعلّم "السلام
الوقائي"، وامتلاك الوسائل لتطبيقه. ولكن ماذا يبقى من
الأمل عندما لا يحق للمسالمين أن يتكلموا اليوم؟ لا تعتقد جمعية Sant’Egidio إطلاقاً بالمُسلّمة القائلة بأن الحرب ضرورة مؤلمة. إنها ليست
نزعة مبدئية لحب السلم، بل واقعية نضجت عبر العديد من التجارب التي أصبح جزء كبير
منها معروفاً. إن الحرب ليست حل يبعث على الإطمئنان. ألا يكفي لإقناعنا هذه
الأوضاع العبثية الحالية في العراق وليبيا وأفغانستان؟ لا يجب الوقوع بالفخ
المُتمثل بالخلط بين التدخل الإنساني والحرب: يفرض الأول على نفسه قواعداً
وإجراءات محددة. أما الثاني، فإنه منطقه يُمثل فخاً لأفضل النوايا. لا تؤد الحرب
غالباً إلا إلى تفاقم الوضع السيء بدلاً من تحسينه. إن دوافع السلام ليست مرتبطة
بالخوف والجبن، بل بتقويم واقعي للنتائج. يُضاف إلى ذلك هذه الملاحظة الأكيدة بأنه
ليس هناك أي شخص قادر على الانتصار بالحرب.
إن
التأكيد بأن الحل في سورية لا يمكن أن يكون إلا سياسياً، ليس تعبيراً عن الضعف، بل
عن الأمل. إذا أردنا من شعب وقع رهينة العنف أن يستعيد مستقبله، يجب أن يتفاهم
السوريون. يبدو اليوم أنهم بعيدون جداً عن ذلك. يقع على عاتقنا بذل كل الجهود لكي
نُظهر لهم صحة هذا الخيار القائم على استعادة الرغبة بالسلام والمستقبل التي
يحملها الشعب بأسره، وإعداد الأرضية الملائمة لعبور الجميع إلى الديموقراطية،
والحفاظ على ساحات الحوار مهما كانت هشّة، على أمل انعقاد مؤتمر جنيف 2 ضمن هذه
العقلية. هذا هو كل ما يجب فعله، وهو ليس أمراً يسيراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق