صحيفة الليبراسيون
1 حزيران 2013 ـ مقابلة مع الخبير المختص بالشرق الأوسط فالي نصر Vali Nasr ـ
أجرت المقابلة مراسلتها في واشنطن لورين ميلو Lorraine
Millot
هل
أصبحت الولايات المتحدة "غير ضرورية" (superflus) على
الصعيد العالمي؟ هذه هي الفرضية التي يُدافع عنها فالي نصر Vali
Nasr في كتابه الذي
صدر في شهر نيسان بعنوان: (The Dispensable Nation). عبّر عميد مدرسة الدراسات
الدولية العليا في جامعة جون هوبكنز الأستاذ فالي نصر عن سخطه من قيام باراك
أوباما بالإشراف على تنازلات متوالية ومأساوية في أفغانستان والعراق سورية. إنه
انتقاد خطير لأنه عَمِل شخصياً في هذه الإدارة الأمريكية بين عامي 2009 و2011
كمستشار لريتشارد هولبروك الذي كان مُكلفاً بأفغانستان والباكستان في وزارة
الخارجية الأمريكية.
أشار
فالي نصر في كتابه إلى أن إدارة أوباما تهاونت مع الصراعات الداخلية المعتادة بين
مستشاري الرئيس في البيت الأبيض ومستشاري هيلاري كلينتون في وزارة الخارجية. لم
يُصغ أوباما إطلاقاً إلى ريتشارد هولبروك الذي كان مفاوض اتفاقات دايتون عام 1995،
وكان البيت الأبيض يتجاهله بشكل متعمد حتى وفاته في شهر كانون الأول 2010. عبّر
فالي نصر عن أسفه لأن أوباما أحاط نفسه بمستشارين سياسيين يهتمون بشكل خاص بالآثار
الفورية لكلماته على الناخبين الأمريكيين، ويتجاهلون خبرة الدبلوماسيين. وفي أغلب
الأحيان، ينساق الرئيس وراء العسكريين ووكالة الاستخبارات الأمريكية CIA الذين قضوا على
العلاقة مع الباكستان، وقال في كتابه: "قمنا
بزعزعة استقرار بلد، على الرغم من اعتباره البلد الأكثر خطورة في العالم".
أشار
فالي نصر إلى أن باراك أوباما أهمل الشرق الأوسط بشكل خطير في استعجاله بـ "التحول
نحو آسيا"، ونسي أن المنافسة مع الصين هي أيضاً في هذه
المنطقة من العالم، وأن الصين تستعد من الآن لاحتلال المواقع التي تخلّت عنها
واشنطن. وتنبأ فالي نصر بأن خروج الولايات المتحدة المتسرّع من العراق وخروجها
قريباً من أفغانستان، يعني أنها تتخلى عن كل الجهود التي بذلتها في هذه الدول،
وتتركها تغرق في المآسي المستقبلية.
وُلِد فالي نصر في إيران عام 1960، وأقام في
الولايات المتحدة بعد الثورة الإسلامية عام 1979. كان قاسياً جداً تجاه اليد
الممدودة لأوباما تجاه إيران، وإغلاقها بسرعة. قارن فالي نصر بين العقوبات التي
انهالت على إيران أثناء ولاية أوباما، وبين القصف الذي كان يقوم به ليندون جونسون
في فييتنام. دفع ذلك بإيران إلى تسريع برنامجها النووي. قام فالي نصر بالإجابة على
الأسئلة في لقائين بسبب مواعيده الكثيرة.
سؤال:
عند قراءة كتابكم، يبدو أن باراك أوباما لم يفعل أي شيء جيد على الساحة الدولية...
فالي نصر: ارتكب أوباما
أخطاء تكتيكية. كان الخطأ الكبير في أفغانستان في تطبيقه أولاً إستراتيجية مضادة
للتمرد شبيهة بالإستراتيجية التي طُبّقت في العراق، ثم غيّر رأيه، وقرر مُغادرة
البلد بدون السعي إطلاقاً نحو مخرج دبلوماسي لهذه الحرب. ولكن انتقادي الرئيسي هو
الفرضية التي بنى عليها الرئيس سياسته الخارجية بكاملها: أي الفكرة القائلة بأنه
من الممكن القيام بعمل أفضل مع تواجد أقل على الساحة الدولية. يتّبع أوباما سياسة
الحد الأدنى في السياسة الخارجية. إنه لا يُدافع عن الزعامة الأمريكية في العالم،
ولا تعني له هذه الزعامة غزو الدول بالضرورة، بل استخدام نفوذ الولايات المتحدة
وقدرتها على الإقناع أو استخدام قوتها الاقتصادية.
سؤال:
هل سيوافق الأمريكيون في حال قيام أوباما بالمزيد على المسرح الدولي؟
فالي نصر:
إن مهمة الرئيس هي رسم سياسة، وكسب المؤيدين إلى جانبها! في الوقت الحالي، يحصل
العكس: يختبىء أوباما وراء الرأي العام الأمريكي. صحيح أن الأمريكيين مُتعبون من
الحرب، ولكن مسؤولية الرئيس هي أن يشرح لماذا سورية هامة، ولماذا الربيع العربي
هام، وكيف نستطيع التأثير عليهم بدون إنفاق ألف مليار دولار أو إرسال قواتنا. على
سبيل المثال، بدأ الرئيس بفرضية معاكسة: أي الشرق الأوسط ليس هاماً. قال ذلك
مؤخراً في مقابلة مع مجلة New Republic: "كيف يجب عليّ قياس أهمية عشرات آلاف القتلى
في سورية تجاه عشرات آلاف القتلى في الكونغو؟". إن الرسالة
التي يوجهها هي أن الشرق الأوسط ليس أكثر أهمية من الدول الواقعة جنوب الصحراء
الأفريقية بالنسبة للولايات المتحدة.
سؤال:
وصفتم أوباما في كتابكم بأنه "مُترفّع" وقليل الاهتمام بالسياسة
الخارجية. هل هذا هو ما لاحظتمونه من داخل الإدارة؟
فالي نصر:
هناك الكثير من البراهين الداخلية، ولكن يكفي النظر إلى النتيجة: نعيش اليوم
السنوات الأخيرة من حركة ديموقراطية هائلة داخل منطقة كنا نعتبرها حتى الأن بأنها
الأكثر خطورة في العالم. إنها المنطقة التي أنفقت فيها الولايات المتحدة ألف مليار
دولار في محاولة لجلب الديموقراطية إلى هذه المنطقة. وماذا نقول لهذا الربيع
العربي؟ تدبروا أموركم بأنفسكم! إننا لسنا مستعدين لإنفاق ما يعادل كلفة شهرين من
حرب العراق أو أفغانستان لمساعدتهم في طريق الديموقراطية. قارنوا ماذا فعلت
الولايات المتحدة من أجل أوروبا الشرقية والمكسيك والبرازيل والأرجنتين. قام
المجتمع الدولي باستثمار حوالي مئة مليار دولار في أوروبا الشرقية خلال الفترة
1989 ـ 1999. لسنا بحاجة إلا لعشر هذا
المبلغ من أجل الربيع العربي. إذاً، هل مصر غير هامة؟ هل يمثل إفلاسها مفاجأة
حقاً؟ هناك مليون مصري وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل منذ عام 2011. كيف يمكن
انتظار أن تزدهر الديموقراطية فيها؟
سؤال:
من الممكن، بكثير من السخرية، ملاحظة أن البيت الأبيض خلّص نفسه بشكل جيد من
الورطة في سورية: إن أعداء الولايات المتحدة، إيران وحزب الله من جهة، والجهاديين
السنة من جهة أخرى، يتقاتلون فيما بينهم دون أن تتدخل... أليست هذه هي أيضاً
حسابات واشنطن؟
فالي نصر:
إن حسابات واشنطن هي أن سورية ليست هامة حقاً. هذا ما فعلناه أيضاً في أفغانستان:
قررنا أننا في النهاية لسنا بحاجة إلى الانتصار بالحرب، ولسنا بحاجة إلى صنع
السلام، نستطيع فقط الرحيل. المشكلة هي أن هذه الحسابات خطيرة جداً. إن اللاجئين
الذين يتركون سورية يهددون تركيا ولبنان والأردن، وأصبح اللاجئون يمثلون 20 % من
سكان الأردن الذي لا يملك الإمكانيات الاقتصادية لمواجهة تدفقهم، ولا يحصل إلا على
القليل من المساعدة الدولية. هل نستطيع السماح بإنهيار الأردن؟
سؤال:
ألا تشعر الإدارة الأمريكية بالسعادة لرؤية إيران وحزب الله مُنشغلين في سورية؟
فالي ناصر:
كانت واشنطن تنتظر في السنة الأولى للأزمة السورية هزيمة إستراتيجية لإيران. كانت سياستنا
مبنية على أن بشار الأسد سيسقط بسرعة. ولكن المنطقة بأسرها تتعرض للخطر بانتظار فشل
إيران وحزب الله في سورية. من المحتمل أن يُعاني الأردن قبل إيران، أو أن يعاني
العراق قبل حزب الله. ولا نرى حتى الآن أن الإدارة الأمريكية تشرح للأمريكيين أن
هناك مصلحة قومية أمريكية في سورية. هذا هو الفرق بين رواندا والبوسنة. لقد أوضح
الأمريكيون والأوروبيون لشعوبهم أن مصير أوروبا والحلف الأطلسي يتعلق بما يحدث في
البوسنة. أما في رواندا، فلم يفعلوا أي شيء من هذا القبيل، ولم يكن الرهان يتعلق
هناك إلا بضميرنا. لهذا السبب أيضاً، لم نذهب إلى رواندا. لا يذهب أي بلد إلى
الحرب من أجل القيم والقضايا الأخلاقية. فيما يتعلق بسورية، ما دمنا لم نسمع
الإدارة الأمريكية تتحدث عن مصالحها القومية، وما دام الأمر متعلقاُ بالمأساة
الإنسانية فقط، فإن هذا يعني أننا غير مستعدين للقيام بشيء هام.
سؤال:
في هذه الخارطة الجديدة للعالم التي أصبحت فيه الولايات المتحدة "غير
ضرورية" (superflus)، كيف يمكن أن يكون دور أوروبا؟
فالي نصر:
اعتادت أوروبا على الانقياد مع الزعامة الأمريكية، سواء أثناء الحرب الباردة أو في
أفغانستان أو العراق أو البوسنة. اعتاد الأوروبيون على أن تقوم الولايات المتحدة
بدور الزعيم الذي يجر بقية العالم وراءه تقريباً. ولكن الولايات المتحدة تقول الآن
أننا لا نريد القيام بكل ذلك، وأننا نريد "القيادة
من الخلف"، وأننا نريد أن يقف الآخرون في المقدمة، ويجب على
العالم أن يعثر على وسائل جديدة للعمل. في هذا الوقت الذي نترك فيه الشرق الأوسط،
ظهرت بعض الدول التي تُموّل السلفيين، ويقوم آخرون بإرسال الأموال إلى تنظيم
القاعدة في سورية وليبيا، وتقوم دول أخرى بتخريب جهود صندوق النقد الدولي عندما
يتفاوض مع مصر للتوصل إلى اتفاق... كما تحاول أغلب دول الخليج الفارسي تطوير
علاقاتهم مع الصين من أجل بيع نفطهم، وجذب الاستثمارات الصينية، ونسج علاقاتهم
معها. ما زالت السفن الأمريكية في الخليج، ولكنها غير متأكدة من البقاء فترة
طويلة. يسعى كل بلد إلى تحقيق مصالحه، ولا أحد يحاول التنسيق بين هذه الجهود. لهذا
السبب أيضاً، إن المعارضة السورية تُشبه السيرك.
سؤال:
إذاً، ماذا يستطيع أن يفعل الأوروبيون؟
فالي نصر:
أولاً، يجب عليهم أيضاً أن يتعاموا مع الشرق الأوسط بجدية. على المدى الطويل،
ستكون مصر أكثر أهمية من اليونان. انظروا إلى حجم الأموال المستثمرة في اليونان،
مع افتراض أن الولايات المتحدة ربما ستواصل الاهتمام بالشرق الأوسط، حتى لو لم تهتم
بها. لم يدرك الأوروبيون حتى الآن أن ليبيا وتونس ومصر تقع بالقرب منهم، وأن سورية
على بعد رمية حجر. يجب أن يُدرك الأوروبيون أن الأمريكيين ليس لديهم إستراتيجية
منسجمة من أجل هذه المنطقة. لا تنسوا أيضاً أن بلادكم فيها الكثير من المسلمين.
كلما استمرت الحرب في سورية، كلما ازدادت راديكالية العقول. سينعكس كل ذلك في
النهاية على أوروبا.
سؤال:
ولكن أوروبا ليس لديها المال، ما العمل بدون المال؟
فالي نصر:
وجدت أوروبا 120 مليار دولار من أجل اليونان. بإمكانها أيضاً أن تتشارك مع الأخرين
لتقديم خطة مساعدة شاملة. بإمكانها أن تحثّ أيضاً الولايات المتحدة واليابان
والصين ودول أخرى... إذا قدّمت كل دولة خمسة مليارات دولار، سنحصل بسرعة على خطة
حجمها عشرين مليار دولار، وهذا أكبر بكثير مما يستطيع أن يفعله صندوق النقد الدولي
لوحده. هذا ما فعلناه في أوروبا الشرقية. بالنسبة
لمصر، تستطيع أوروبا اقتراح اتفاقية تجارية تفضيلية بعد عشر سنوات، إذا
قامت مصر بتطبيق الإصلاحات الضرورية. إن الأمر المفقود هو الزعامة والاهتمام بهذه
المنطقة. لماذا لا يقوم الأمريكيون والأوروبيون بتنظيم قمة من أجل الربيع العربي؟
سؤال:
يبدو أنكم متشائمون جداً حول ما سيخرج من الربيع العربي...
فالي نصر:
نحن الآن أمام دوامة من التدهور. من أجل أن يكون هناك منعطف هام في مصر، يجب أن
يتجاوز معدل النمو فيها 10 % خلال عشرة سنوات على الأقل. لا أعرف كيف سيكون ذلك
ممكناً. إن الربيع العربي في طور إقامة العديد من الدول العاجزة من تونس إلى اليمن
مروراً بليبيا وسورية... سيكون الوضع مُقلقاً في هذه الدول حتى في حالة عدم
الاهتمام بمكافحة الإرهاب.
سؤال:
كيف كانت ردة فعل البيت الأبيض على كتابكم؟ هل ما زال العاملون في البيت الأبيض يتحدثون
معكم...
فالي نصر:
نعم بالنسبة للبعض. إنهم غير متفقين على كل شيء، ولكنهم يتفقون بشكل عام على أن
الولايات المتحدة لها دور قيادي في استقرار العالم وازدهاره. يوافق الكثيرون على
أننا لم نفعل كل ما كان يجب القيام به في أفغانستان والباكستان والربيع العربي.
سؤال:
هل كنتم حقاً غاضبين أثناء كتابة هذا الكتاب؟
فالي نصر:
كانت فكرتي الأولية أن أروي ماذا حصل فعلاً في أفغانستان والباكستان. كان هولبروك
يحمل مشروعاً هاماً، ولكن لم يُصغ إليه أحد، ومات. أردت التذكير، من أجل مصلحة
الدبلوماسية الأمريكية مستقبلاً، بأنه لم نكن مجبرين على الاختيار بين إرسال
التعزيزات العسكرية إلى أفغانستان أو التخلي عن هذا البلد. كان التفاوض ممكناً،
وكان من الممكن أن يحافظ ذلك على البلد سليماً. سنتساءل بعد عدة سنوات: هل كان
بالإمكان أن نفعل شيئاً آخراً؟ أريد أن أقول: نعم، كان هناك طريق آخر، ولم يؤخذ
بعين الاعتبار. كان بإمكاننا محاولة التفاوض حول تقاسم السلطة، ما دمنا نملك
الوسائل حتى الآن. ثم عندما قررنا مغادرة البلد، كنا نتحدث في واشنطن عن تعبير "Good enough for Afghanistan". كانت الفكرة أن الحل المعتمد سيكون "كافياً
بالنسبة لأفغانستان". ثم قمنا بتعميم ذلك على الشرق الأوسط
بأسره: بحثنا عن حلول "كافية بالنسبة للشرق
الأوسط"، ولا تُكلّف ثمناً باهظاً، ولا تُجبرنا على بذل
الكثير من الجهود. كان بوش مخطئاً في سياسة الحد الأقصى، وأخطأ أوباما في سياسة
الحد الأدنى. نحن بحاجة إلى "أفضل سياسة ممكنة".
سؤال:
كتبتم أن تأهيل الجيش الأفغاني، وقيام الولايات المتحدة وحلفاءها بصرف المليارات،
كان فشلاً مُبرمجاً مسبقاً: هناك خطر تفتته إلى ميليشيات في المستقبل...
فالي نصر:
لا أحد ينظر إلى هذا الجيش بجدية، لا في أفغانستان ولا في الدول المجاورة. إنه
وسيلة لإثارة الاعتقاد بأنه لدينا خطة من أجل أفغانستان. يُهيمن تحالف الشمال على
هذا الجيش، وسوف يتم نشره في مناطق البشتون في الجنوب. ستكون ردة الفعل حادة في
الجنوب، وسيستفيد الطالبان منها. لا أحد يعتقد إطلاقاً بأن هذا الجيش الأفغاني
سيستطيع السيطرة على كامل البلد.
سؤال:
فيما يتعلق بإيران، تدعون أيضاً إلى التفاوض، ولكن هل سيكون النظام مستعداً حقاً
للتفاوض بجدية؟
فالي نصر:
يجب طرح السؤال على الشكل التالي: هل تستطيع الولايات المتحدة التفاوض بشكل جدي؟
إن التفاوض لا يعني ممارسة الضغوط حتى يستسلم الطرف الأخر. إن المفاوضات تعني بالأحرى
أن تُقدّم أوروبا والولايات المتحدة أشياء ملموسة على الطاولة، ويمكن أن توافق
عليها طهران. يجب أن يسألهم الصحفيون: ذهبتم إلى ألماتي وبغداد وموسكو واستانبول
للتفاوض، ولكن ماذا اقترحتم على إيران؟ هل عرضتم رفع الحظر الأوروبي على النفط في
حال وافق الإيرانيون على تقديم بعض التنازلات؟ الشيء الوحيد الذي رأيته على
الطاولة كان قطع غيار للطائرات. يفتقر هذا للجدّية. وحتى في أفضل الحالات، من
الصعب جداً التفاوض مع إيران. نحن نعتقد بأنهم يريدون كسب الوقت، وهم يعتقدون
بأننا نريد تغيير النظام. يعرف الإيرانيون أيضاً أن المفاوضات الحقيقية ستكون
مُكلفة جداً لأوباما: يجب على الرئيس الأمريكي أن يذهب إلى الكونغرس ويطلب منه رفع
العقوبات. سيكون ذلك شبيهاً بالمفاوضات مع فييتنام الشمالية، ومن الممكن أن تستمر
هذه المفاوضات أربع أو خمس سنوات. بالانتظار، وصلت إيران إلى نتيجة مفادها أنه لن
يكون هناك حرب. إنهم يسمعوننا نقول بصوت عال بأننا لن نذهب إلى سورية خوفاً من
وسائط الدفاع الجوي، واستخلصوا نتائجهم الخاصة من ذلك. إن الحرب مع إيران ستكون
أكثر صعوبة بعشرة مرات من الحرب مع سورية.
سؤال:
إن التهديد الإسرائيلي ـ الأمريكي ليس شن حرب على إيران، ولكن فقط القيام بعدة
ضربات محددة لتدمير المواقع النووية...
فالي نصر:
لا يمكن القول أن ذلك سيكون بسيطاً في إيران، مع الاستمرار بالقول أنه مستحيل في
سورية. إن كل ما نقوله حول إيران، تمّ تقويضه بسبب حججنا في سورية. أدرك
الإيرانيون أننا لا نريد تحمّل الخطر العسكري. إذاً، سيُهددوننا على الشكل التالي:
إذا قمتم بالتعرّض لنا، سنستهدف سفينة أمريكية، وستكونون مجبرين على مهاجمتنا.
إنهم يعرفون جيداً بأننا لا نريد غزوهم، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن التهديد
العسكري ليس جدّياً. إن استراتيجيتهم الحالية هي امتلاك تكنولوجيا صناعة القنبلة
النووية، ولكن بدون الذهاب إلى صناعتها. لا يريدون أيضاً توفير الحجة لنا لكي نقوم
بقصفهم.
سؤال:
بسبب كل هذه المواضيع، لم يعد أحد يتكلم عن عملية السلام الإسرائيلية ـ
الفلسطينية: هل يمكن الأمل بحل قائم على أساس دولتين؟
فالي نصر:
إن فلسطين هامة، ولكن المأساة الكبرى التي تُهدد بإعادة تشكيل الشرق الأوسط هي
سورية ومصر. سورية هي الحريق الكبير اليوم، ومصر هي الحريق في المستقبل. حتى لو
كان الرئيس الأمريكي يريد الاهتمام بالنزاع الفلسطيني الصغير، فإن ذلك يتطلب منه
بذل جهود أكبر، ويجب عليه توظيف رأسماله السياسي في هذا النزاع، لأن إسرائيل هي
مسألة أمريكية محلية أيضاً. لم نُلاحظ ذلك أثناء زيارته الأخيرة إلى إسرائيل: طلب
أوباما من الشارع الإسرائيلي ممارسة الضغط على حكومته بدلاً من أن يمارس بنفسه
الضغوط عليها. لقد ذهب إلى إسرائيل بدون مشروع للدفاع عنه.
سؤال:
فيما يتعلق بسورية، تبحث إدارة أوباما من جديد عن طريق للتفاوض عبر المشروع الروسي
ـ الأمريكي في مؤتمر للسلام. هل هو أمل؟
فالي نصر:
لننتظر ونرى كيف سيتصرفون. إذا كانوا جدّيين فعلاً حول هذه العملية، يجب أولاً
تسليح المتمردين أو التهديد بتسليحهم قبل الذهاب إلى جنيف. يجب أن يشعر بشار الأسد
أن القوة ضده. نذهب اليوم إلى جنيف بعد أن قام حزب الله بتحطيم خطوط المتمردين:
لقد تعزز موقف الأسد. في البلقان، روى لي ريتشارد هولبروك كيف طلب من بيل كلينتون
أن يجلس مقابل ميلوزيفيتش أثناء مؤتمر دايتون. قال هولبروك إلى كلينتون: أريد أن
تنظر في عينيه عندما تقول له أننا سنقصفه إذا لم يُوقّع على الاتفاق الآن. كان يجب
أن يسمع ميلوزيفيتش ذلك بلسان الرئيس الأمريكي. قمنا في البلقان بوضع القوة في
خدمة الدبلوماسية. لو كان ميلوزيفيتش يعتقد أنه بإمكانه الذهاب إلى زغرب، فإنه لن
يتفاوض بالتأكيد. فيما يتعلق بسورية، لن يكفي الذهاب إلى جنيف، ثم العودة منها
قائلين: "قمنا بالعمل".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق