صحيفة اللوموند
28 حزيران 2013 بقلم آلان فراشون Alain Frachon
فلاديمير
بوتين مُصاب بنوبة حنين مُزمنة إلى الماضي، حنين إلى شيء لم يعد موجوداً هو
الاتحاد السوفييتي. إنه لم يتعافى من اختفاء الاتحاد السوفييتي، ويبكي نهاية الحرب
الباردة، ويريد العودة إلى حقبة القطبين العالميين. يُعبّر تصرفه تجاه الأزمة
السورية عن عجز مَرَضي بالتفكير ضمن عالم اليوم، وليس عن نظرة جيوسياسية.
كانت
روسيا هي البلد الوحيد القادر على التأثير بمجريات الأحداث في دمشق. منذ بداية
السبعينيات، موسكو هي حليفة سورية أو حتى عرّاب الدولة العربية التي كانت إحدى
ركائز المعسكر السوفييتي في الشرق الأوسط. بقي الكريملين قريباً من عائلة الأسد،
وتقوم روسيا بتدريب الجيش السوري، وتستفيد البحرية الروسية من ميناء طرطوس
باعتباره القاعدة الوحيدة لها في البحر المتوسط. إن سورية بشار الأسد، مثل سورية
والده حافظ، هي نموذج الدولة التي يُفضلها الكريملين أي: علمانية وقمعية
ودكتاتورية وانتقلت من الإشتراكية إلى الرأسمالية التي تُحابي الأقارب.
كان
بإمكان فلاديمير بوتين حثّ بشار الأسد على التفاوض مع المعارضة، عندما كان التمرد
سلمياً في البداية. كان بإمكان الكريملين دفع الرئيس السوري إلى الرحيل، عندما
أصبحت المواجهة دامية أكثر فأكثر. ثم كان بإمكانه فرض حكومة انتقالية عندما كانت
الفرصة متاحة: هناك ما يكفي من الضباط السوريين المُقرّبين من موسكو لكي يقومون
بالأدوار الأولى. ولكن الكريملين رفض ممارسة أي ضغط على النظام. بل على العكس،
قدمت روسيا له المساعدة المالية والعسكرية بلا حدود، وشجعت بشار الأسد في قناعته
بأنه قادر على سحق التمرد بالدم. قالت ماري ميندرا Marie Mendras، الباحثة في المركز الوطني
الفرنسي للبحث العلمي CNRS وفي مركز الدراسات والأبحاث الدولية في معهد العلوم السياسية CERI: "كان
بوتين في وضع ملائم يسمح له بالقيام بالوساطة، ولكنه رفض ذلك" على
الرغم من الطلبات الغربية المستمرة بدون جدوى. لماذا؟
هناك
عدة أسباب: تتمسك روسيا بالتحالف مع سورية وإيران بسبب عدم وجود نقطة ارتكاز أخرى
في الشرق الأوسط، كما أن سقوط بشار الأسد يُمثل تهديداً لهذا التحالف. تكره روسيا
فكرة تغيير النظام عبر تمرد مدعوم من الخارج، وتنظر إلى "الربيع
العربي" على أنه مصدر للفوضى، وتعتبر أن التدخلات العسكرية
الغربية في الشرق الأوسط إما ساذجة وأعطت نتائج مُعاكسة في أفضل الأحوال، أو أنها
تعبير عن سياسة إمبريالية جديدة في أسوأ الأحوال. أخيراً، يُمثل النظام السوري
وحليفيه الإيراني وحزب الله اللبناني، بالنسبة لروسيا، حصناً ضد اتساع الإسلاموية
السنية الناشطة التي تُهدد المناطق القوقازية في الفيدرالية الروسية.
إن
كل هذه الأسباب لا تُشير إلى أمر أساسي، لأن موسكو تُجازف بتحمل بعض المخاطر عبر
المساهمة في المأزق السوري. تتمثل هذه المخاطر بالتراجع المتزايد لشعبيتها في
العالم العربي والإسلامي، وبإلاحتمال الكبير لتغيّر الوضع الداخلي في إيران،
بالإضافة إلى خطر تقسيم سورية إلى كيانات عرقية ودينية. لن يخرج الكريملين منتصراً
من هذه المأساة، إلا إذا حقق نظام دمشق انتصاراً عسكرياً كاملاً، وهذا أمر غير
محتمل.
يعيش
السيد بوتين أزمة مراهقة متأخرة، ولا يستطيع التفكير بدوره إلا عبر المعارضة.
استخدم الرئيس الروسي أولاً حق النقض في مجلس الأمن، وهي ردة فعل سوفييتية قديمة.
تكمن قوته في قدرته على إلحاق الضرر. يتركز وجوده في مواجهة الغرب ومعارضته سواء
في سورية أو في الملف النووي الإيراني، حتى ولو كان ذلك يتعارض مع مصالح روسيا على
المدى البعيد. قالت ماري ميندرا: "إن قدمي بوتين مُتجمدتان في الماضي، وهو
غير قادر على صياغة مشروع إستراتيجي مستقبلي لبلده".
يُذكّر الوضع في سورية بالحروب بالوكالة خلال
الحرب الباردة: النظام المدعوم من روسيا وحلفائه المحليين من جهة، والتمرد المسلح
المدعوم من الولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق