مجلة اللوبوان
الأسبوعية 20 حزيران 2013 بقلم برنار هنري ليفي Bernard-Henri
Lévy
لم
نعد نعرف بأية نبرة أو لهجة نقولها. أعلن القاتل السوري بشار الأسد بعد عدة أيام
من سقوط القصير بأيدي الجيش النظامي السوري وآلاف مقاتلي حزب الله، عن نيته بالهجوم
على مدينة حلب، المدينة الثانية في سورية وعاصمتها الاقتصادية. أكثر من ذلك، أكدت
وسائل الإعلام الأنغلوساكسونية أن حزب ربما قام بنشر ألفي عنصر من مقاتليه الأشد
بأساً حول حلب. كما أعلن مؤخراً مسؤول في
الأجهزة الأمنية من دمشق قائلاً: "من المحتمل أن تبدأ معركة
حلب في الساعات أو الأيام القادمة".
لم
يتحرك المجتمع الدولي خلال هذا الوقت، وما زال مستمراً في لعبة تبادل الأدوار
المؤسفة بإطار قمة الثمانية في إيرلندة الشمالية: بوتين مقابل أوباما، بوتين يُملي
قانونه على أوباما، بوتين يتعجرف على التلفزيون دون معارضة حقيقية من أي شخص،
بوتين يعارض كلياً تسليم المتمردين صواريخ أرض ـ جو التي يريد تسليمها إلى جنود
النظام المدججين بالسلاح.
باعتبار
أن ذلك لا يُثير مشاعر السخط لدى الكثيرين، سأنتقل إلى ما تعنيه "معركة
حلب" باللغة الأسدية. عندما يقول الأسد "استعادة"
مدينة، فهذا يعني مُعاقبتها، وعندما نقول مُعاقبتها، فهذا يعني تدمير وقتل عشرات
الآلاف وتحول أحياء بأكملها إلى أنقاض. باعتبار أن الجميع يسخر من ذلك، سأتحدث عن
بطولة هؤلاء الرجال والنساء الذين حرروا أنفسهم قبل عام، بعد تضحيات خارقة وبدون
أي دعم خارجي، وجعلوا مدينتهم أحد معاقل الثورة السورية، حتى وصلت مؤخراً أولى
الكتائب السلفية بسبب جمودنا واستقالتنا. لقد جعلوها رمزاً لانتصار الديموقراطيين
على الوحشين التوأمين: الدكتاتورية والإسلاموية الراديكالية. باختصار، جعلوها
رمزاً، وربما لهذا السبب أصبحت مكروهة من قبل جزء كبير من الأطراف المتقاتلة.
هل
يعرف قادة الدول الغربية أن حلب هي أقدم وأعرق المدن في العالم؟ هل يعرفون أنه في
هذه المدينة، كما هو الحال في أثينا وبابل وبيرسوبوليس، تم اختراع فكرة المدينة
والحضارة؟ هل يعرفون أن هذه المدينة كانت مدينة الحتيين (Hittites) ومدينة ألكسندر الأكبر والرومان
والخلفاء الأمويين والفاطميين وصلاح الدين والمغول، هل يعرفون أن هذه المدينة كانت
نقطة الوصول لطريق الحرير في العصور الوسطى، وأنها أحد الأمكنة التي التقت فيها
بالوقت نفسه اللغات والأديان والفنون والثقافات، وبالتالي، تعايش فيها بالوقت نفسه
العرب والأتراك والأكراد واليهود وسكان فينيسيا والأرمن والموارنة والروم
الأورثوذوكس والسريان المسيحيين والنسطوريين والأقباط؟
إذا
كانوا لا يُبالون بالبشر، ولا يتأثرون بالجسد السوري الممزق بالقنابل، وإذا سمحوا
بتجاوز "الخط الأحمر" المتعلق باستخدام
الأسلحة الكيميائية دون أي يتحركوا، هل سيسمحون بتدمير آلاف النقوش والمحلات والأسواق وأبوابها الخشبية
المنحوتة وأسواق الجلود والبهارات
والأوابد التي لا تُقدّر بثمن والقلعة التي تغنى بها الكثير من الكتاب والشعراء،
ويُمثل كل ذلك كنزاً مسجلاً كتراث إنساني عالمي؟
ستتحول حلب إلى مجزرة جديدة إذا سيطرت عليها فرق
الموت التابعة لحزب الله، وسيُضاف ذلك إلى
مئة ألف ضحية في هذه الحرب الرهيبة ضد المدنيين. سيكون ذلك انقلاباً في موازين
القوى بشكل نهائي لمصلحة أسد لا شيء ولا أحد سيمنعه من الإعلان عن نهاية التمرد
والربيع العربي بشكل عام. سيكون ذلك جريمة ضد العقل، وكارثة للإنسانية، واختفاء
جزء من تاريخنا المشترك، كما كان عليه الحال عند قصف دوبروفنيك (Dubrovnik)
الكرواتية قبل عشرين عاماً، وقيام رجال مالديتش (Maldic) بحرق مكتبة سيراجيفو، وتدمير
الطالبان لتماثيل بوذا في باميان، وإحراق الكتب المقدسة في تومبوكتو من قبل
الأصوليين في مالي.
لا
تنتمي حلب إلى سورية بل إلى العالم. سيكون تدمير حلب جريمة ضد المجتمع الدولي، كما
هو الحال بالنسبة للجرائم ضد الإنسانية المتعلقة بالضمير العالمي. سيكون تدميرها
بصقة في وجه العالم، ولهذا السبب، يتعلق ذلك بنا جميعاً. لم يبق إلا القليل من
الوقت للحفاظ على حلب. هل سنمتلك الشجاعة لرسم خط أحمر جديد، والإلتزام به هذه
المرة؟ أم أننا سنمشي باكين، ونفسح المجال واسعاً أمام قتلة الجسد والعقل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق