الصفحات

الخميس، ٢٧ حزيران ٢٠١٣

(تحت الفانوس الإستراتيجي)

صحيفة اللوموند 27 حزيران 2013 بقلم مارتين جاكو Martin Jacot

     شاهد رجل جاره وهو يبحث عن شيء أضاعه على الرصيف تحت ضوء الفانوس المُعلّق في الشارع، سأل الرجل جاره: هل أضعت شيئاً ما؟ أجابه الجار: نعم، أضعت مفاتيحي. قال الرجل: هل أضعتهم تحت هذا الفانوس؟ أجابه الجار: لا، ولكن هذا هو المكان المُضاء الوحيد. أراد الخبير في الشؤون الإستراتيجية فرانسوا هيزبورغ Francois Heisbourg، المستشار الخاص لمؤسسة الأبحاث الإستراتيجية FRS، من خلال هذه الحكاية التاريخية إيضاح خطر قصر النظر تجاه الانقلابات الجيواستراتيجية الحالية. في الحقيقة، تجري بعيداً عن الأضواء نشاطات بحرية مُكثفة تهز آسيا والشرق الأوسط. إن تفاصيل هذه التحركات تُوضح موازين القوى، أو حتى النزاعات المقبلة الممكنة. للاقتناع بذلك، يكفي جمع الأخبار المتداولة في شهر حزيران.
     قامت البحرية الصينية بجمع ثلاثة أساطيل من أجل مناورات هامة في بحر الصين الجنوبي. تتضمن هذه الأساطيل غواصتين نوويتين لإطلاق الصواريخ، وستنضم إليهما ثلاثة غواصات أخرى قريباً، وتستعد بكين لتجهيزها بصواريخ عابرة للقارات "خلال سنتين". أكد الرئيس الصيني زي جينبيغ Xi Jinping أثناء زيارته الرسمية للولايات المتحدة يومي 7 و8 حزيران أنه يوجد مكان للبلدين في آسيا ـ المحيط الهادي. ولكن الباحثة فاليري ناكيه Valérie Naquet، مسؤولة قسم آسيا في مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية FRS، أكدت أن بكين تُلوّح بشكل موازي "بمصالحها الحيوية غير القابلة للتفاوض"، ومنها الحصول على فضاء بحري أوسع. إن ذلك يُهدد حرية الملاحة التي تُدافع عنها الولايات المتحدة، ولاسيما في بحر الصين الذي يُمثل مسرحاً للتوترات الجديدة في جزر Senkaku وOkinawa وParacel وSpratleys التي تتنازع عليها الصين مع جيرانها.
     بدأت الولايات المتحدة من جهتها بتنفيذ إستراتيجيتها لإعادة توازن القوى باتجاه آسيا. أمضت الفرقاطة الأمريكية USS Freedom عشرة أيام في ميناء سنغافورة، وتتوجه نحو ماليزيا، ثم ستذهب إلى شواطىء تايلند التي تتواجد فيها عدة سفن أمريكية تقوم بمناورات مع القوات البحرية الحليفة في جنوب ـ شرق آسيا. استقبلت ماليزيا أربعة سفن هندية في شهر حزيران، ثم توقفت هذه السفن في فييتنام، وستتجه بعدها إلى الفيليبين في إطار برنامج مشترك. تؤكد أندونيسيا أنها قادرة على بناء غواصات بعد عامين أو ثلاثة، وحصلت مؤخراً على موافقة برلين لشراء فرقاطتين من شركة ألمانية.
     أعلنت روسيا أن البحرية الروسية ستستلم قريباً أول غواصة نووية هجومية من طراز Yasen، وأنه سيتم تحديث عشرين طائرة للمراقبة البحرية من طراز Iliouchine II-38 مع صواريخ بعيدة المدى، وذلك بعد أن رفضت موسكو اقتراحات باراك أوباما حول سورية وحول تخفيض الترسانة النووية للبلدين.

     في حال قيام روسيا بإرسال المزيد من الأسلحة إلى سورية وحزب الله، ستقوم إسرائيل بتسليح منصات التنقيب في المياه الدولية بصواريخ دفاعية، وستنتشر البحرية الأمريكية في شرق المتوسط مع وصول غواصتين نوويتين تحملان صواريخ بعيدة المدى: USS Florida وUSS Georgia. من جهة أخرى، قررت إسرائيل تجهيز ميناء حيفا ببنى تحتية جديدة لاستقبال ست غواصات هجومية تقليدية جديدة، منهم ثلاث غواصات اشترتها من ألمانيا. بالنسبة لألمانيا التي ترددت بالمشاركة في العمليات العسكرية في ليبيا ومالي، فإنها تقوم ببيع الكثير من الأسلحة في الخليج العربي ـ الفارسي بشكل خاص، وسُتصبح قريباً ثالث دولة مُصدّرة للأسلحة عالمياً بدلاً من فرنسا، بعد روسيا والولايات المتحدة. ما زال الجميع يبحث عن مفاتيحه سواء تحت الفانوس أو في الظلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق